على غير العادة تحولت التعبيرة المكتومة إلى صرخة مُعلنة وعلى غير ألسنة انكسر الصمت برصاصة رحمة بل بوابل منها اشعلها نارا أحرقت اكبادا وافئدة وكان لهيبها بردا وسلاما على عشاق الحرية والتائقين إلى الانعتاق من ربقة الخوف والوهم والسهاد... تلك هي الصورة التي تجلت وتداخلت الوانها في جهة الساحل تماما كما رُسمت في باقي الارجاء.. حيث كانت النار هي النار، والهزة هي الهزة.. والالم هو الأمل. ❊ الزحف الابيض بلا تحيز انتمائي مجاني او تطاوس على أحد كان الاتحاد بكلّ مكوناته هياكل وقواعد الرقم الصعب والعصي على باقي الارقام منذ انطلاق الانتفاضة حيث وفضلا عن التحرك الهيكلي عبر اجتماعات ولقاءات ومكاتب تنفيذية متتالية وهيئة ادارية استثنائية واجتماعات اخبارية وبيانات متلاحقة... فضلا عن ذلك كله كان للشارع نصيب من الحراك النقابي عبر مسيرات ضخمة لعلّ ابرزها على الاطلاق تلك التي نظمها قطاع الصحة قبيل سقوط النظام وبالتزامن لحظة بلحظة مع تجمع »الداخلية« الذي توّجته تحركات الداخل لتتشكل في غروبه تلك اللحظة المفصلية الخالدة... يومها تحرّك رجالُ الصحة في مسيرة حاشدة جابت الشوارع وادارت الرقاب بذاك المظهر الابيض والتعبيرات الحمراء فكانت تلك المسيرة عبارة عن لحظة اعلان »الجهاد« حيث وفي اليوم الموالي لها اتخذت المسيرة شكلا اخر لتتحول الى جهاد مُضْن وتعب أقصى.. ❊ نار السجن قد يكون اليوم الاطول في تاريخ المستشفى الجامعي بالمنستير يوم كان شروقه محجوبا برماد السجن المدني الذي امطر المستشفى بوالبل من الجثث في مشهد درامي بلا سابق ولانظير... على امتداد أكثر من قرن مرّ على تأسيس المستشفى يومها سجلت حادثة السجن المدني بالمنستير والتي اسفرت عن خمس واربعين قتيلا وعشرات الجرحى ومئات الفارين في هذه الحادثة وحسب الدكتور علي الشاذلي رئيس قسم الطبّ الشرعي كانت مروعة جدا ووضعت اطارات الصحة في اصعب امتحان مرير تجاوزوه بطاقة استثنائية وصبر خيالي في موقف ذكّر الاستاذ الشاذلي بوقائع كوسوفو وألبانيا ورواندا رغم الفارق في العدد بالطبع (8000 جثة مجهولة الهوية في البوسنة) في حين وكما اسلفنا لم يتجاوز عدد ضحايا سجن المنستير 45 عَسُرَ التعرف على ثلاث جثث منها تفحّمت بالكامل وتلك كانت الشرارة التي شرّعت بوابات التعب والتضحية على امتداد ايام طويلة بلياليها الأطول تقاطرت فيها الجثث والجراح وآخرها واقعة الوردانين التي اسفرت عن سقوط خمسة قتلى واكثر من خمسين جريحا كل ذلك في ظل استماتة الاطارات الطبية وشبه الطبيّة في ظلّ احاطة ادارية ومن قبل النقابة وفي غياب الادارة الرسمية التي لم يحيّدْها احد حسب شهادات الشهود.. ❊ شباب »الليالي« لا أنا ولا أحد غيري توقع ان يكون الشباب الذي طالما ظلم وهمش، وتميع، وتميكل (نسبة الى جاكسون) وتجيّل (من مستعملي لمّاع الشّعر) وتكوّر (جمهور كرة) وتريّب (راقص راب) و... قلت لا أحد توقع ان يتحوّل ذاك المظلوم الى بطل »الليالي السود« هجر فيها المضاجع وتلفح البرد القارس والسهر المدمر.. حيث أضحى للامان عنوانا وللتضحية مثالا وأي تضحية تلك التي واجه بها صبية بصور عارية وعصي وحجارة عصابات باسلحة ضارية هبت على المنستير في مشاهد غريبة وغير مسبوقة جعلت زخات الرصاص التي يسمع عنها في نشرات الاخبار من ميادين الحروب أمرا واقعا وحقيقة ساطعة ملموسة ومسموعة ومرئية.. ومن ثم وعبر هذا الواقع سطعت صورة هذا الشّباب التي قد تشفع للتجاوزات التي حدثت أحيانًا هنا وهناك... ❊ الحصيلة.. والحلم رغم الدخان الكثيف الذي تصاعد من بعض المواقع فإنّ الاضرار انحصرت في فرار بعض المسؤولين باشكال مخجلة، احراق ونهب مغازة واحدة وحرق واتلاف حديقة منتزه دعت البلدية الى المحافظة عليها بعد اتلافها طبعا.. وهي خسائر على محدوديتها موجعة لا تحجب الامل في غد اجمل لا محسوبية فيه ولا تسلط.