لأنّهم لم يعرفوه كما يجب، وكانوا يسمعون عنه أكثر ممّا يقتربون منه، فقد تفاجأت جماعة محمد الغنوشي الحزبية والسياسية التي نرفضها بالمناسبة في المطلق، تفاجأت بالاتحاد العام التونسي للشغل وهو يحافظ على الثوابت التي شكّلت منذ حشاد منظومته الوجودية والنقابية والاجتماعية النضالية والوطنية، تفاجأت واستغربت كيف أنّ ثلاث وزارات بالتمام والكمال لم تسكر الاتحاد ولم تدخله في حالة غيبوبة مثلما فعلت وزارة واحدة مع الآخرين!! وذلك لسبب بسيط ولكنّه في جوهره عميق ويتمثّل في المخاض النضالي الشرعي والتاريخي للاتحاد الذي انطلق مع الشهيد النقابي والوطني الرمز فرحات حشاد وانتهى بثورة الأحرار وانتفاضة شعبية لا نخبوية انتفت فيها وصاية النخبة على الجماعات!! وقد لمسنا جميعا في هذا الباب كيف أنّ شعبنا العظيم وحده من كان وصيا على نفسه، ولم ينتظر تعليمات من أحزاب أو منظمات واختار دار الاتحاد في كل الجهات ملاذا آمنا له كلّما شعر بالضيق والاختناق حتى أمكن له تحديد خياراته في الأخير، وانتظر أن يقول له الدكتاتور المخلوع بعد 23 سنة بالتّمام والكمال لقد فهمتك، فردّ عليه شعبنا الباسل ونحن أيضا فهمناك فَخُذْ ليلاك وانسحب وجهّز نفسك للحساب. نعم هكذا ففي الوقت الذي انبرى فيه البعض يمجّد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية التي لا يمكن أن تكون كذلك باعتبارها اصطلاحا هي حكومة تصريف أعمال ويطالب علنا بعد أن كان في صف المعارضة الشعبية بفسح المجال أمام هذه الحكومة التي ولدت ميّتة لتثبيت أسس أركانها في انتظار الانتقال مثلما يقول هذا البعض المعارض صوريا الى بقيّة الملفات يبرز الاتحاد العام التونسي للشغل وينتفض من جديد لتصحيح ما يجب تصحيحه قبل فوات الأوان ولتجنيب تونس وشعبها ومؤسساتها 7 نوفمبر ثانيًا بدأت ملامحه تتشكّل ببطء ولكن بتصورات صديقة هذه المرّة وبأفكار علمانية وراديكالية طالما تغنّت على قناة »الجزيرة« القطرية بصرخات الظلم والقهر والاستبداد فإذا بها تسمح اليوم لمجرّد تواجدها في حكومة مشلولة ومشبوهة بإيقاف نسمات الحريّة التي انتزعناها انتزاعا من قصر قرطاج بأجسادنا المحترفة وحناجرنا الملتهبة وصدورنا العارية التي اخترقها رصاص بن علي وعصابته الفاسدة وأكثر من ذلك وهو الأخطر بالنسبة إليّ محاولتهم العلنية تمهيد الطريق أمام بقايا الحزب الحاكم للالتفاف على ثورة شعبنا والمشاركة في قمعها ومحاولة اخراجها من سياقها الحقيقي وتقديمها في سياق زائف ومغلوط كحدث عفوي طارئ يجب أن يزول بزوال مسبّباته وهذا ما يجب أن نتصدّى له جميعا ونوقف زحفه وليكن مرجعنا في ذلك بيانات الاتحاد العام التونسي للشغل التي صدرت قبل رحيل الطاغية بن علي وبعده وشرفتنا كنقابيين باعتبارها صادرة عن منظمة لم تسقط في فخ الاستقطاب الحزبي والاغرائي فظلّتْ الوحيدة التي قالت بالصوت العالي، صوت الشعب، وصوت البوعزيزي وبقيّة شهداء انتفاضتنا المباركة، لا لحكومة جديدة تتنفّس هواء القمع القديم وبادرت تبعا لذلك بمطالبة وزرائها ونوّابها في مجلسي والمستشارين بترك هذه الحكومة قبل أن تبدأ في خطّ فصول اجرامية جديدة بحق الشعب، وهذا بحدّ ذاته موقف لم نستغربه من الاتحاد الذي عاش حقبا زمنيّة طويلة وهو يناصر ويدافع ببسالة عن الشغالين ولا يمكنه مهما كانت الاغراءات أن يكون جلادهم في يوم من الأيّام. وحكومة فيها من الأعضاء من كان فاعلا وشاهد عصر على سقوط 78 شهيدا تونسيّآ و60 قتيلا في سجون البلاد المختلفة أكثرهم من مدينة المنستير لا يمكن للاتحاد أن يكون رقما من أرقامها. هذا الموقف المشرف الذي ينحاز بوضوح إلى شعبنا الجبّار ويتجاهل مختلف الاغراءات والتحفيزات السياسية نعتبره من الدروس الخالدة التي سيسجلها التاريخ ولن تمحى من ذاكرة الوطنيين الشرفاء في تونس وما على السيد محمد الغنوشي الاّ أن يقرأ جيّدا فواصل هذا الدرس وأن لا يتأخّر كثيرا في تحمّل مسؤوليته بشجاعة وفتح صفحة جديدة مع أبناء الشعب التونسي حتى يغفر له ما سبق من ذنوبه السياسية وما تأخّر وهذا لن يكون في اعتقادي إلاّ باتخاذ جملة من القرارات والاجراءات وإعلانها مباشرة للشعب التونسي العظيم ومن بين هذه القرارات والاجراءات يمكن أن أتوقّف عند: ❊ التأكيد على البدء في اجراءات ملاحقة الجنرال بن علي والمطالبة بعودته لمحاكمته على كلّ جرائمه. ❊ مصادرة أملاك الرئيس المخلوع وأرصدته البنكية والعقارية في الداخل والخارج ووضعها على ذمّة الدولة وتوظيفها في تشغيل شبابنا العاطل وتنمية الجهات. ❊ كشف ملابسات هروب ليلى الطرابلسي وإعلان ملاحقتها قضائيا صحبة كلّ أفراد عائلتها وكذلك بقيّة العائلات التي لها علاقة نسب بالرئيس المخلوع وتمكين الشعب التونسي من معرفة حجم الأموال المهرّبة والذهب الخالص التي تقف وراء نهبه هذه العصابة. ❊ تحميل الجهاز الأمني مسؤولية توتّر الأوضاع وإخضاعه إلى المحاسبة مع ضرورة المسارعة باتخاذ اجراءات تتعلّق بإعفاء كلّ رؤساء المناطق والمراكز والأقاليم من مهامهم فورًا وتعيين إطارات أمنية جديدة يدها غير ملطخة بدماء الشعب التونسي. ❊ ضمان حياد الادارة وهذا لن يكون إلاّ بالشروع فورا في كنس الشعب المهنية من المؤسسات التونسية. ❊ اعتبار من وصفهم وزير الداخلية بالقتلى والضحايا من صفوف الشعب شهداء للثورة الشعبية المباركة وتخليد بطولاتهم من خلال نصب تذكاريّ يُؤرخ لملحمتهم التحرّرية. ❊ إعفاء كلّ الوزراء الحاليين الذين سبق أن أنتجهم التجمّع منذ 23 سنة من مهامهم والالتفاف إلى كفاءاتنا الوطنية التي تقدّر بالآلاف وتنتظر الفرصة لخدمة البلاد. ❊ الإسراع بسن عفو تشريعي عام لا استثناء فيه. ❊ التعاطي مع الاتحاد العام التونسي للشغل بصفته رقما مؤثرا في الوزارة وليس مكمّلا لتركيبة الحكومة. ❊ عقد مؤتمر صحفي في أسرع وقت يتمّ الكشف فيه عن رموز النظام الفاسد الذين تمّ إلقاء القبض عليه حتى الآن وذلك حتى يطمئن المواطن ونتجنّب الاشاعات. إنّ هذه المطالب وغيرها التي قد يهزأ منها السيد محمد الغنوشي ومن حقّه ذلك، لا يجب أن تغفل عنها أحزاب المعارضة المولودة في 14 جانفي 2011، والتي لولا الشهيد محمد البوعزيزي لما مرّت يوما أصلا بجانب مقر الحكومة وليس الدخول إلى هذا المقر والتفاوض داخله! فلنكن إذن جميعًا أمناء على وصية شهداء ثورتنا الأبرار، لنواصل الاحتجاج، لنواصل دعم الاتحاد في مساره النضالي لإنقاذ الشعب والدولة والحكومة، لنواصل الصراخ، لننادي معا تونس لكل أبنائها بلا تهميش أو جهوية أو إقصاء، لنكنس معا مقر التجمع الدستوري الديمقراطي ونجعل منه مقرّا لكل الأحزاب المعارضة والمنظمات في هذا الوطن، لنتعالى على كل جراحنا بعد أن نكون قد ضَمِنّا الحدّ الأدنى من طموح شبابنا الذي قاد ثورة الأحرار والجياع وليس الياسمين، ولكن قبل ذلك لا تحلموا.. ولا تنتظروا منّا أن نصمت.. فقد انتهى زمن الصمت والخنوع والانكسار... إنّه يا أحبّتي زمن الشعب الجبّار...