عندما أعلن عن تشكيل الحكومة الجديدة ليل الخميس 27 جانفي 2011، انقسم المعتصمون الى ثلاثة فرق، الاول ابتهج وحسب ذلك انتصارًا، الثاني قال نعم ولكن، فيما رأى الفريق الثالث ضرورة مواصلة الاعتصام. وقد تمّ الاتفاق لدى جمعيات ومنظمات المجتمع المدني وخاصة في الاتحاد العام التونسي للشغل على الحوار مع الرافضين ودعوتهم إلى فكّ الاعتصام مقابل الضمانات اللازمة. وفعلا، أوفد الاتحاد مسؤولين منه لبدء انقاش في الموضوع كما أصدر نداءً في هذا الاتجاه جاء فيه: ان المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل، تقديرًا منه لنضالات المعتصمين ببطحاء القصبة وتضحياتهم من أجل ان لا تقع مصادرة ثورة شباب تونس وحقوق شهدائها وشعبها يتوجّه إليهم بتحية اكبار لوقفتهم الشجاعة وصمودهم من اجل اسماع صوتهم لكل الجهات المتدخلة بما يضمن حياة افضل لشعبنا احدى مقوّماتها الاساسية حق كل الجهات في التنمية المتوازنة، تلك الثورة التي انعشت كل أحرار العالم وقدمت لهم أروع صور تمسّك هذا الشعب بخيار الكرامة والعدالة والحرية، ويدعوهم في نفس الوقت الى اليقظة الدائمة لمتابعة الاصلاحات التي ينتظرها شعبنا وذلك بتشكيل لجنة وطنية من بينهم تتألف من نواب عن جهاتهم ضمانا للتواصل الدائم مع المعتصمين من ناحية وآلية تعتمد في التفاوض مع الوزارة الاولى بتأطير من قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل من ناحية أخرى وان المكتب التنفيذي يتعهد في اللّحظة ذاتها بحمايتهم وبتبنّي مطالبهم المشروعة فضلا عن توفير وسائل النقل بصفة تضمن لهم العودة المظفّرة الى جهاتهم. لكن الذي حصل من بعد انّ قوات الامن وعبرقياداتها المعزولة سارعت باصدارأوامر التفريق بكل غلظة وشدة وقسوة مبالغ فيها ، والهدف من ذلك، إحراج الحكومة واحداث حالة من الفوضى والارباك والارتباك. وحتى نفهم ما الذي جرى في ساحة القصبة عشية الجمعة 28 جانفي نقرأ هذا البيان الصادر عن المحامين الاساتذة أحمد الصديق وعماد عميرة وسعيدة العكرمي ومحمد رشاد الفري وعماد الدين العربي. جاء في البيان وهو يحمل عنوان »حول وقائع ساحة القصبة بعد ظهر الجمعة 28 جانفي 2011 « ما يلي: ❊ حول وقائع ساحة القصبة بمناسبة تواجد عدد من اعضاء مجلس الهيئة الوطنية للمحامين وهم الاساتذة محمد رشاد الفري وبوبكر بالثابت وسعيدة العكرمي وأحمد الصديق بعد ظهر يوم الجمعة 28 جانفي 2011 عاين الممضون اسفله هجوم البوليس الوحشي على المعتصمين بساحة الحكومة بالقصبة والذي تم التمهيد له بدخول عناصر مدنية منظمة مسلحة بهراوات واسلحة بيضاء دخلت من مدخل نهج القصبة وقامت باستفزاز المعتصمين ونهب مؤونتهم والاعتداء عليهم ثم اعقبه انسحاب عناصر الجيش من محيط الساحة وتلاه قذف مكثف للقنابل المسيلة للدموع الى حد الاختناق المطبق دون سابق انذار او تنبيه وانتهى باقتحام الساحة من قبل القوات الخاصة لفرق التدخل للشرطة والحرس بالهراوات والكلاب المدربة وتم ضرب المعتصمين ومطاردتهم في انهج وازقة المدينة العتيقة واعتقال عدد منهم وقد عاين الاعضاء الحاضرون ومعهم الاستاذ عماد عميرة رئيس الجمعية الوطنية لغرف عدول الاشهاد حالة الفوض التي اضحت عليها الساحة ونهب مؤونة المعتصمين وحقائبهم واوراقهم الخاصة وحافظات أموالهم التي خلفوها وراءهم عند هروبهم لحظة الهجوم من قبل اعوان امن ومواطنين بتحريض من بعض افراد الشرطة كما تمّت معاينة فقدان احدى المواطنات لابنتها الصغيرة وتلقّى المعايِنون عديد المكالمات تفيد بوقوع حالات جروح بليغة في المستشفيات واحتمال حصول وفيات كما تمّت معاينة جلب هراوات وسكاكين من قبل البوليس من جهة باب منارة ومن خارج امتعة المعتصمين تم تجميعها في مدخل ساحة الحكومة من جهة مدخل مستشفى عزيزة عثمانة وكيف تمت دعوة بعض مصوري القنوات التلفزية لتشويه المعتصمين وتبرير الاعتداء. ان الممضين اسفله وبعد تحريرهم للمعاينة المذكورة يؤكدون على ما يلي: اولا: يدينون بشدة الهجوم الوحشي واللامبرر الواقع على المعتصمين ويعتبرونه تصعيدا خطيرا خاصة بعد التطمينات التي اعطاها المسؤولون الحكوميون لبعض اعضاء الهيئة والتي مفادها انه لن تقع مهاجمة المعتصمين الذين كانوا بصدد التفاوض مع لجنة متكونة من الاستاذ عماد عميرة والاستاذ عادل زيتون والاستاذ بشر الشابي. ثانيا: يحمّلون وزارة الداخلية مسؤولية الاضرار الجسدية والمادية الواقعة للمعتصمين والنهب الحاصل لامتعتهم ووثائقهم. ثالثا: ينبهون من حاولات تشويه المعتصمين في تحركهم السلمي بافتعال وقائع ملفقة وينبهون وسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة من الانخراط في حملة التشويه المذكورة. رابعا: يطالبون باطلاق سراح كافة الموقوفين وفتح تحقيق في الموضوع وتحديد المسؤوليات ومحاسبة كل من تثبت مسؤوليته. خامسا: يعتبرون ان الهجوم على المعتصمين لا يمكن تبريره بأية حال من الاحوال ولا يعطي أيّ دليل على أن أساليب القمع قد ذهبت مع النظام السابق ويعربون عن مخاوفهم الجدّية بخصوص احترام الحكومة الحالية لحقوق الإنسان والحريات العامّة. ❊ تنديد شديد وبناء عليه سارع الاتحاد الى اصدار تنديد شديد بالعملية ورفضه لاعتماد الحلول الامنية وجاء في بيانه: ان المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل وهو يتابع الاعتداءات الامنية العنيفة على المعتصمين بساحة الحكومة بالقصبة باستعمال القنابل المسيلة للدموع الامر الذي أدى الى حالات اختناق خطيرة والى سقوط عدد من الجرحى في أول يوم لنشاط الحكومة الجديدة: 1 يجدّد تحيّته لكل من ناضل من أجل التأثير في المشهد السياسي ومن أجل اقصاء كل رموز الفساد في عهد الرئيس المخلوع، سواء بالاضراب او بالتظاهر او بالاعتصام. 2 يندّد بشدة بالهجوم البوليسي المنظم على المعتصمين بساحة الحكومة بالقصبة في الوقت الذي كان فيه النقابيون وبعض الوجوه الحقوقية والجمعياتية يحاولون تأطيرهم والاحاطة بهم، وفي الوقت الذي اقتنعوا فيه بالانسحاب وبتشكيل لجنة تلتقي بالوزير الاول بالتنسيق مع المكتب التنفيذي بالاتحاد العام التونسي للشغل، انه الهجوم الذي يذكّرنا بالاعتداءات الشرسة التي ما فتئت تستهدف النقابيين والمتظاهرين وعموم الشعب حين مطالبتهم برحيل الرئيس المخلوع بن علي: واذ يجدّد المكتب التنفيذي رفضه القطعي لاعتماد الحلول الامنية في التعامل مع تحرّك النقابيين والعمال وعموم الشعب وتمسكه بالحوار نهجا لفضّ الاشكالات مهما تعقدت فانه يدعو الى فتح تحقيق فوريّ وعاجل لتحديد المسؤوليات ومحاسبة المتسببين في قمع المعتصمين. 3 تدعو اللجنة التي تمّ تشكيلها لتمثيل المعتصمين الى التنسيق مع المركزية لتبويب مطالبهم المشروعة من أجل العمل على التفاوض فيها وتحقيقها، وهو اذ يؤكد تبنيه الكامل لطموحاتهم نحو غد أفضل ميزاته الشغل القار والحريا العامة والفردية يجدّد دعوتهم للعودة الى جهاتهم والى توخي اليقظة الدائمة من اجل صيانة الثورة حتى تحقيق اهدافها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. 4 يطالب باعادة تركيبة كافة اللجان بعد التشاور مع مكونات المجتمع المدني والاتحاد العام التونسي للشغل بما يضمن المشاركة الفعلية لكافة الحساسيات السياسية والفكرية باعتبار الاصلاحات المقترحة بما يستجيب لطموحات شعبنا بكافة شرائحه شأن يعني المجتمع بأسره. 5 يدعو الحكومة إلى تبنّي مشروع مجلس حماية الثورة بالانطلاق السريع في التشاور حوله من أجل تقنينه وتمكينه من الآليات الضرورية لتسيير اعماله، سدّا للفراغ التشريعي القائم. ❊ تجاوزات خطيرة ومن جهتها أصدرت عديد الهياكل النقابية بيانات شديدة اللهجة بشأن هذه الاحداث وفي مقدمتها جامعة التعليم العالي والبحث العلمي ، والتي قالت في بيانها: على إثر التدخل الوحشي لقوات البوليس ضد المناضلين المعتصمين سلميا بساحة الحكومة بالقصبة يوم 28 جانفي 2011 وما صحبه من تحركات مرتبة لمجموعات مشبوهة ودخيلة على المعتصمين تعبّرالجامعة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي عن تنديدها بهذا السلوك الذي خلناه ولى مع العهد البائد. ان ما وقع من تجاوزات في حق المعتصمين يعتبر مؤشرا خطيرا من شأن ان ينال من صدقية الحكومة المؤقتة وهي في بداية مشوارها خصوصا وان الهجوم حدث مباشرة بعد ما تعهّد به الوزير الاول من استعداد لقبول وفد عن المعتصمين والتحاور معهم تبعا لوساطة متعددة قام بها الاتحاد العام التونسي للشغل والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان والهيئة الوطنية للمحامين وبعض الجمعيات الاخرى. والجامعيون اذ يحيّون كل المعتصمين على ما قاموا به من عمل نضالي مبتكر وفعّال لفائدة الثورة وخدمة للوطن، وعلى سلوكهم الحضاري طيلة ايام الاعتصام. فإنهم يعبّرون عن تخوفهم على مستقبل الثورة الشعبية جراء تواصل وجود سلطة امنية ومجموعات مشبوهة تعمل لحساب النظام الساقط وحزبه وذلك في اكثر من موقع بالعاصمة وبداخل البلاد، ويطالبون ب: 1 ان تتقدم الحكومة المؤقتة باعتذار صريح للمعتصمين عما بدر منها او باسمها بحقهم وان تقرّ لهم مجددا بحقهم في الدفاع عن مطالبهم الخصوصية بكل الوسائل المشروعة. 2 ان يتم فتح تحقيق في الغرض تتضح به كل الملابسات التي حفّت بالتجاوزات الحاصلة وتحدد بمقتضاه مسؤولية كل الاطراف المتدخلة، الرسمية منها والمشبوهة وان تقع محاكمة كل من يثبت تورطه واعتبار ذلك جريمة في حق الثورة. 3 ان تحزم الحكومة امرها وتأخذ ما يلزم من الاحتياطات والاجراءات والقرارات حتى لا تتكرّر مثل تلك التجاوزات والانتهاكات للحريات العامة والفردية، أساس البناء ديمقراطي الذي نحن بصدده. 4 ان تقلع بعض وسائل الاعلام عن اللغة الخشبية التي حاولت تشويه صورة المعتصمين لدى الرأي العام. وتهيب الجامعة العامة بكافة الزملاء توخي مزيد اليقظة من اجل رصد التجاوزات ومحاولات الالتفاف على الثورة. ❊ توضيحات مهمّة هي تلك التي أفصح عنها السيد فرحات الراجحي وزير الداخلية في لقاء مع قناة حنبعل ليل الثلاثاء الماضي حيث أفاد بتفطن الوزارة الى مصدر الشغب والانفلات الامني وبث الاشاعات، فقد تبين ان قيادات أجهزة الامن والشرطة المرتبطين بالنظام المخلوع هي التي وقفت وراء الفوضى التي عمت البلاد وأنّها هي التي أعطت الاذن بتفريق المعتصمين في ساحة القصبة بوحشية شديدة. ويذكر أن جماعات مدفوعة من هذه القيادات هاجمت وزيرالداخلية فرحات الراجحي والجنرال رشيد عمار في مكتب الوزير وأنّهما أفلتا من مصير مجهول بأعجوبة كبيرة. واعلن الوزير عن إقالة عدد كبير من هذه القيادات واتخاذ اجراءات متعددة لتطهير مصالح الامن وإداراته من العناصر المخرّبة.