باحث في علم الاجتماع: من أوكد مسؤوليات وسائل الإعلام تنمية وعي الشباب بتجنب تعاطي المخدرات    بن عروس : "تمتع بالصيف وخلي البحر نظيف" عنوان تظاهرة بيئية متعددة الفقرات على شاطئ حمام الشط    بنزرت: تحرير 40 مخالفة إثر حملة رقابية مشتركة بشاطئ كوكو بمعتمدية أوتيك    ممثلو وزارة المالية يدعون في جلسة استماع صلب لجنة الفلاحة الى الحفاظ على ديوان الاراضي الدولية الفلاحية بدل تصفيته    انطلاق موسم جني الطماطم الفصلية بولاية سيدي بوزيد    كاس العالم للاندية 2025: مدرب بايرن ميونيخ يعبر عن غضبه الشديد بسبب إصابة لاعبه موسيالا    بطولة العالم للكرة الطائرة للسيدات (U19): المنتخب التونسي ينهزم امام نظيره البلجيكي 3-صفر    وزير الشباب والرياضة يعطي إشارة انطلاق "البرنامج الوطني للأنشطة الصيفية والسياحة الشبابية 2025"    ماطر: القبض على سارق مصوغ بقيمة نصف مليون دينار    الفنان غازي العيادي يعود إلى المهرجانات بسهرة "حبيت زماني" في الدورة 59 لمهرجان الحمّامات الدولي    وزارة الثقافة تنعى فقيد الأسرة الثقافية فتحي بن مسعود العجمي    إحداث لجنة وطنية لبرنامج الإنسان والمحيط الحيوي    ظهور خلايا رعدية مع نزول أمطار متفرقة بالشمال والوسط الغربي آخر النهار    الكرة الطائرة – كأس العالم للسيدات تحت 19 سنة: هزيمة رابعة لتونس أمام بلجيكا (فيديو)    الصباح ولا العشية؟ أفضل وقت للعومان    غرامات مالية تنتظر المخالفين لقواعد السلامة في البحر    تطبيقة جديدة: التصريح بالعملة عن بعد يدخل حيّز الاستعمال قريبًا    كيفاش تتصرف كي تشوف دخان أو نار في الغابة؟ خطوات بسيطة تنقذ بلادنا    هاو الخطر وقت تعوم في عزّ القايلة..التفاصيل    في موجة الحرّ: الماء أحسن من المشروبات المثلّجة    وقتاش تعطي الماء للرضيع من غير ما تضره؟    يوم 8 جويلية: جلسة عامة للنظر في مشروع قانون يتعلّق بغلق ميزانية الدولة لسنة 2021    كأس العالم للأندية : نادي ريال مدريد يواصل تصدر الاندية الاكثر ربحا بحوالي 73 مليون يورو    عاجل/ للمطالبة بفتح المفاوضات الإجتماعية : إقرار مبدأ الإضراب الجهوي في القطاع الخاص بهذه الولاية..    التنسيقية الوطنية لمرشدي التطبيق والقيمين المتعاقدين مع وزارة التربية تنظم تحركا احتجاجيا الثلاثاء المقبل    البكالوريا دورة المراقبة: هذا موعد انطلاق التسجيل عبر الإرساليات القصيرة..    "القوات الشعبية" تتوعد "حماس" باستئصالها من غزة والفصائل ترد:"دمكم مهدور"    كيف تحمي حقك كسائح في تونس؟ رقم أخضر لاستقبال الشكايات    عادل إمام يتوسط عائلته في صورة نادرة بعد غياب طويل بمناسبة عقد قران حفيده    "الزعيم" يظهر..ابتسامة غائبة تعود لتُطمئن القلوب    الى غاية 4 جويلية.. تجميع أكثر من 9 ملايين قنطار من الحبوب    انطلاق قمة "بريكس" في ريو دي جانيرو اليوم بمشاركة بوتين    ابن الملكة كاميلا ينفي صحة مفاهيم مغلوطة عن والدته    نوردو ... رحلة فنان لم يفقد البوصلة    إلغاء إضراب أعوان شركة فسفاط قفصة    حرائق الغابات تنتشر في أنحاء أوروبا    ارتفاع عدد قتلى فيضانات تكساس.. والبحث عن المفقودين مستمر    اليوم الأحد: الدخول مجاني إلى المتاحف والمواقع الأثرية والتاريخية    سلاح الجو الأمريكي يعترض طائرة فوق نادي ترامب للغولف    تاريخ الخيانات السياسية (6) .. أبو لؤلؤة المجوسي يقتل الفاروق    مهرجان ساقية الدائر في دورته الثامنة: محرزية الطويل ومرتضى أبرز الحاضرين    بالمرصاد : لنعوّض رجم الشيطان برجم خونة الوطن    عاجل/ أول رد من حماس على مقترح وقف اطلاق النار في غزة..    إدارة الغابات.. إطلاق سراح طيور الساف التي تم القبض عليها لممارسة هواية البيزرة    الملعب التونسي: تجديد عقد اللاعب وائل الورغمي الى 2028    خدمة مستمرّة للجالية: الخارجية تفتح أبواب مكتب المصادقة طيلة الصيف    في تونس: أسعار الزيوت تنخفض والخضر تلتهب!    الليلة: خلايا رعدية مع أمطار متفرقة بهذه المناطق    هام/ تكثيف حملات المراقبة لمياه الشرب بهذه الولاية تزامنا مع ارتفاع درجات الحرارة..    زغوان: تقدّم موسم حصاد الحبوب بأكثر من 90 بالمائة    غياب رونالدو عن جنازة جوتا يثير حيرة الجماهير    مواجهة ودية منتظرة بين الأهلي المصري والترجي الرياضي    نهاية مسيرة خالد بن يحيى مع مولودية العاصمة: الأسباب والتفاصيل    تذكير بقدرة الله على نصرة المظلومين: ما قصة يوم عاشوراء ولماذا يصومه المسلمون ؟!..    الفرجاني يلتقي فريقا من منظمة الصحة العالمية في ختام مهمته في تقييم نظم تنظيم الأدوية واللقاحات بتونس    فوائد غير متوقعة لشاي النعناع    تاريخ الخيانات السياسية (5): ابن أبي سلول عدوّ رسول الله    أفضل أدعية وأذكار يوم عاشوراء 1447-2025    









مخرز في العين الكبرى
خواطر عربيّة ❊ بقلم: خليفة شوشان
نشر في الشعب يوم 05 - 02 - 2011

»الثورة ابتدأت ولم تكتمل« كتبتها عندما سارع البعض للتهليل بهروب الطاغية وعائلته ورصاص زبانيته لا يزال يحصد أرواح ابناء الشعب صناع الثورة.
وحين هبّت الجماهير بالآلاف من الدواخل صوب العاصمة واعتصمت أمام الوزارة الاولى لتحمي ثورتها من ردّة المتربصين وانتهازية السياسيين الذين اغرتهم المناصب ومكيفات المكاتب الوزارية فانتصبوا يدافعون عن حكومة انتقالية مقدّر عمرها بستة أشهر ويكيلون التهديد والوعيد لرفاق الأمس القريب في تقمّص مرضي غريب لشخصية الطاغية. حينها لم يكن من بد لكتابة مقال ثان بعنوان »أبناء الثورة، أحفاد المنسيين« حاولت من خلاله أن أنبّه إلى التجاهل الرسمي من قبل الحكومة المؤقتة برموزها القدامى والجدد للمعتصمين، وإلى حالة التوظيف الانتهازي التي عمدت إليها القوى والاحزاب السياسية في تعاملها مع مطالبهم.
ما حاولت التنبيه إليه ثلاثة مسائل: الأولى ان المعتصمين يمثلون فئة مخصوصة لا يمكن أن يفيد معها التسويف ولا التوظيف فهم ذاتهم أصحاب الشهادات العليا الذين فجّروا وقادوا الثورة ودفعوا ثمنها غاليا.
والمسألة الثانية: انهم من ابناء الدواخل الاكثر حرمانا وتضررا من النظام السابق (سيدي بوزيد، القصرين، قابس، قبلي...)
أمّا المسألة الثالثة: ان ما بدا لأصحاب النظرة السطحية من اعتصام القصبة الساذجة على أنّه اصطفاف قبلي وجهوي، يمثل في العمق حضورًا مكثّفًا ورمزيّا للتاريخ فهم من أحفاء المنسيين من »الفلاّقة« الذين لم ينصف التاريخ آباءهم واجدادهم الذي قضوا في معركة الاستقلال ولم تنصفهم دولة الاستقلال البورقيبية فبقوا على الهامش يصنعون الثورات ويحصدون الاقصاء واللامبالاة.
كل هذه العوامل مجتمعة ساهمت في تعميق القطيعة وحالة سوء الفهم المتعمدة في جزء كبير منها، لتلك النخبة الاصيلة من شباب تونس رجال الدواخل، وصنّاع الثورات، وهو ما سمح للعين الكبرى، ذات العين الكبرى التي لم يخن حدسي في استشعارها تحوم حول شعلة الثورة تحاول اطفاءها، وبمجرّد أن سنحت لها الفرصة سددت طعنتها الغادرة في ظهر المعتصمين من ابناء الدواخل مفجّري الثورة انتقاما منهم بتواطؤ غير خفي من وسائل إعلاميّة أدمنت الوصاية والرقيب، وحنّت إلى الأخ الأكبر يملي عليها ما تقوله وما تصرّح به. ما حدث يوم 28 جانفي 2011 لا يعد خيانة لابناء الدواخل وطعنة في ظهورهم وتنكرا لدماء الشهداء فحسب وإنّما يعتبر محاولة ارتدادية خطيرة تستهدف إجهاض الثورة وبث الفوضى واشعال نار فتنة بين أفراد الشعب التونسي.
اليوم تتراكم المؤشرات والدلائل على أن الثورة الشعبية التي كانت في جزء كبير منها عفويّة في أمسّ الحاجة إلى برنامج ثوري يسندها ووعي سياسي يرفدها حتى تستكمل مهماتها.
ان الفعل الثوري يمثل عملية تراكم تاريخية تنتج وضعا ثوريا ترسخه سيرورة لا متناهية في الزمن ولكنه في كل الحالات لا يمثل مجرد طفرة في تاريخ المجتمعات كما يصرّ بعض سياسينا واعلاميينا بما فيهم السياسيون والاعلاميون الذين طالما طبّلوا لانجازات »العهد الجديد« ولكرامات »الرئيس المعصوم، خيارالمستقبل« وحرمه المصون، في محاولة انتهازية وماكرة منهم لتمييع الفعل الثوري وتفريغ مفعولاته التي تستهدف نقض النظام السابق برمته وتفكيك مؤسسات الفساد والاستبداد التي كان يعتمدها لاستعباد واذلال الشعب ونهب مقدراته بقصد الانتقام والتشفي. ان الفعل الثوري لا يستهدف العناصر (الرئيس، المسؤول الاداري والحزبي في ذواتهم المادية). وانّما يعمل على تقويض البنى وتدمير علاقات الهيمنة السائدة، ما يؤدي في المحصلة الأخيرة الى تحجيم مكانة هذه العناصر الرمزية. إن الفعل الثوري كما أكّدته التجارب الثورية السابقة التي اجترحتها البشرية في طريقها الطويل من المكابدة والمعاناة ينبني على المراكمة المستمرّة، التي تبدأ بالموقف السلبي تجاه النظام السائد ثم الرفض المستتروالمعلن له ثم التمرّد والهبّات الثورية عليه. جملة هذه التراكمات السلبيّة سرعان ما تتحوّل إلى ما يشبه الوضعيّة الثورية، حينها لا يستدعي الأمر لتفجّر الثورة سوى شرارة يكون الشهيد محمد البوعزيزي بفعله التاريخي حين أشعل النار في جسده احتجاجا على وضعه الخاص هو من انتدبه التاريخ لقدحها في لحظة تمفصل حادة بين زمنين ومرحلتين.
غير أن الحدث الثوري وعلى خلاف ما يحاول بعض الانطباعيين من السياسيين والمثقفين والإعلاميين تعيينه وضبطه في مفردات وتوصيفات وسياقات جاهزة ومنمطة وما قبليّة، لا يمثّل فعلا آنيا مكتمل المعالم يمكن اختزاله في كلمات أو عبارات أو جمل تقريريّة أو صور مفبركةوفيديوهات سيئة الإخراج.
لأنّ الحدث الثوري سيرورة مستمرّة في المستقبل، وفعل زماني له مداه الذي قد يطول أو يقصر في الآتي فهو مفتوح لكل الاحتمالات، إمّا الارتداد إلى الوراء أو الانحباس وفقدان البوصلة، وإمّا بلورة الشعارات في برنامج سياسي وطني يصل المقدمات بالنتائج ويصيّر الحلم حقيقة متجسّدة في الواقع.
ان الثورة التونسيّة لا تزال في مصهر التاريخ، تكابد لتبدع شكلها ولونها ورائحتها التي لن تكون في كل الحالات برائحة الياسمين، لان الدماء والدموع التي سالت خلالها تستصرخنا أن نكف عن هذا التوصيف المائع الذي قفز الى الواجهة مثلما قفز أصحابه يوم فاض دم أبناء الدواخل الماسكين بجمر الرصاص والسائرين على شوك الصبّار جداول في بوزيد والقصرين وقفصة.
هناك صورة معبرة، بإمكان كل من يعشق الترميز والمجاز أن يعاينها في شارع محمد الخامس بدار التجمّع الدستوري فإسم التجمّع الذي أسقطه من استطاع الوصول الى سطح البناية التي تضمّ 17 طابقا دون بقيّة المتظاهرين، لم تسقط أرضا بل انّها تشبثت بسقف الطابق الأرضي تصارع السقوط النهائي وتقاوم جاذبيّة الأرض التونسيّة التي تصرّ على قبرها نهائيا، ليرتاح الشعب ويفتح صفحة جديدة.
صورة علقت بذاكرتي في معمع معركة الترميز والمجاز التي صارت عنوان الثورة، وهي قد لا تعكس الحقيقة الميدانية ولكنها تهمس إلى جزء من الحقيقة التاريخية التي تؤكد أنّ الثورات فعل متواصل وسيرورة لا تنتهي فهي أولا وأخيرا صراع بين إرادات وصدام بين موازين قوى سياسية واجتماعية متأرجحة ومخاتلة بين فاعلين يعبرون عن مصالح مختلف الطبقات والفئات في المجتمع.
بقي أن نقول أخيرا ان العين الكبرى التي ترصد كل شيء، والتي غمزت لأعوانها مساء يوم 28 جانفي 2011، بأن يذلّوا أبناء الثورة أحفاد المنسيين ويطاردوهم في شوارع العاصمة قد آن الأوان كي يُدَقَّ فيها مخرز، لتتفتح آلاف العيون البصيرة الجديرة بإعادة الكحل إلى مآقي الأمهات الثكالى والبسمة الآسرة لثغر تونسنا قاهرة الجبابرة والفاسدين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.