تحتضن تونس أواخر هذا العام مؤتمرا دوليا حول الارهاب وجذوره الفكرية، تنظمه منظمتا الأممالمتحدة ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وكانت وكالة تونس افريقيا للأنباء قد أفادت أن عبد العزيز التويجري الأمين العام للمنظمة الاسلامية للتربية والثقافة والعلوم «أسيسكو» قد عرض على الرئيس زين العابدين بن علي في قصر قرطاج مشروع عقد هذا المؤتمر في تونس، وفي اليوم نفسه (25 جانفي ) أكد الموقع الألكتروني لمنظمة «أسيسكو» موافقة الرئيس بن علي على عقد المؤتمر في شهر نوفمبر المقبل. وإذا كان من أهم ما ننتظر من هذا المؤتمر الإفصاح عنه هو ان بفصل بحسم ورقة بين الإرهاب كوباء لا هوية له ولا دين، وبين المقاومة كحق مشروع للشعوب الواقعة تحت الاحتلال، فان ضحايا الارهاب في العالم يتوقون الى اعتماد خطط ناجعة بوضع حدا لهذا الخطر المتفاقم الذي يتهدد الدول والشعوب في العالم العربي والاسلامي بخاصة وفي اصقاع الدنيا بعامة. ورغم تكاثر المؤتمرات وتناسل الخطابات التي تدعو الى مكافحة الارهاب، فقد بات معروفا ان ابرز حرب مزعومة قادتها الادارة الأمريكية على الارهاب لم تُفض الى غير تعزيز ركائز الارهاب وتوسيع مساحات نشاطه والتفنن في ابتكار أدواته الشريرة لتصبح أشد خطورة وأذى، بل إن الإدارة الأمريكية بدلا من أن تفكر وتعمل من أجل القضاء على أسباب الارهاب بادرت باحتلالها أفغانستان والعراق ودعمها الاحتلال الاسرائيلي في فلسطين ولبنان وسورية الى النفخ على الجمار الارهابية الكامنة لتلبس زورا وبهتانا لبوس مقاومة الاحتلال كما تفعل «القاعدة» في العراق وفي الوقت نفسه تتخذها واشنطن ذريعة لمحاولة التشويش على المقاومة الوطنية الباسلة في العراق التي أوصلت ادارة جورج بوش الصغير الى المأزق الذي يمسك بخناقها ويلحق بها الهزائم تلو الهزائم العسكرية في العراق والسياسية داخل الولاياتالمتحدةالأمريكية نفسها. إلا أن شعوب ودول العالم التي انكشفت لها حقيقة أن الحرب الأمريكية على الارهاب ليست إلا حربا إرهابية على هذه الدول والشعوب نفسها باتت تتذمر بصوت عال مما آل اليه الوضع البشري نتيجة السياسة الأمريكية الحمقاء، ولم تعد تكتفي بالتذمر لتنتقل الى بعث مبادرات يعوّل عليها في حال تطبيقها من أجل محاصرة الارهاب بدءا من تجفيف ينابيعه (الوطنية) أولا والعابرة للدول ثانيا. ولعل ابرز هذا «الينابيع» بعد الاحتلالات الأجنبية التي تتسبب في بُؤر توتر وصراع دام في بقاع عديدة من العالم أقدمها الصراع العربي الاسرائيلي وأحدثها الحرب على أفغانستان والعراق وما يدبّر للبنان وإيران وسورية والسودان والصومال في وضح النهار ، تلك الأزمات الداخلية الناجمة عن اضطرابات اقتصادية وبطالة مقنعة وسافرة. وفي هذا السياق تتنزل مبادرة اقامة شراكة حقيقية بين السلطات ورجال الأعمال داخل كل دولة من دول العالم لإيجاد حلول سريعة لإزالة اسباب الإرهاب الذي يجنّد عناصره من بين العاطلين عن العمل وضحايا الأزمات الاقتصادية، بالتعاون مع النخب الثقافية المستنيرة ومع السلطات المعنية التي باتت على قناعة بأن الحلول الأمنية لوحدها لا تكفي لوضع حدّ لهذه الظاهرة السوداء. وعلى صعيد التعاون بين الشعوب والدول للتخلص من هذه الآفة، فقد بات الجميع مقتنعين بأن رجال الأعمال يتعرضون راهنا لأخطار على صلة وثيقة بالارهاب، وصار هذا الأمر حقيقة يومية وواقعا ملموسا من العبث تجاهله. ولذلك فإن تعاونا متينا بين السلطات والحكومات ورجال الأعمال سيسمح بوضع إجراءات ناجعة وذات جدوى في التصدي للإرهاب مع الأخذ في الحسبان المصالح التجارية والصناعية والمالية. كما أن تعاونا دوليا بين السلطات ورجال الأعمال سيسمح بالكشف عن السيولة المالية التي تدعم الإرهاب الدولي، وبالتالي فان مثل هذا التعاون يمكن من تأمين استقرار النظام المالي الدولي. ومن الضروري أن يشمل هذا التعاون بين السلطات وأصحاب الأعمال المجال التكنولوجي على مستوى الإعلام والاتصالات والأنترنات لتبادل المعلومات المتعلقة بالتهديدات الإرهابية خاصة وأن الإرهابيين باتوا يستخدمون هذه التقنيات في نشاطهم التدميري. ولأن السياحة ببناها التحتية ومواسمها وأسواقها باتت هدفا مفضلا للإرهابيين، فمن الضروري حمايتها بجهود مشتركة تبذلها السلطات ورجال الاعمال معا بتنسيق محكم. والأمر نفسه ينطبق على مجال النقل الجوي البري والبحري الذي هو ايضا من وسائل الإرهابيين وأهدافهم في آن معا. ولا شك في أن مبادرة كهذه، أي الشراكة بين السلطات ورجال الأعمال، إذا ما اعتمدت من دول العالم والقوى الحية في المجتمع الدولي، بمقدورها أن تؤثر إيجابيا في تعزيز نفوذ شركات وطنية في كل دولة من الدول المعنية، هي بدورها اي هذه الشركات الشريك المفترض لشركات استثمارية وصناعية أجنبية محتملة، أي أن هذه المبادرةستفضي الى خلق الأجواء الصحية لجلب الاستثمارات الأجنبية الى الدول التي يحتاج نموها الى هذه الاستثمارات كوسيلة رئيسية في احداث مواطن شغل اضافية ودفع شبح البطالة وأخطارها بعيدا، كون البطالة وانعدام مصادر الرزق هما من أخطر منابع الإرهاب التي يتوجب الإسراع تجفيفها. لقد ركزنا على هذه المبادرة بمناسبة انعقاد مؤتمر (الجذور الفكرية للإرهاب: المفاهيم والأبعاد وآليات المعالجة) كونها الأقرب الى وضع اليد على طريقة تخرجنا جميعا من نفق مظلم يحجب عن البشرية رؤية مستقبل مشرق، خاصة وأن النشاط الإرهابي يراكم على طريق المستقبل يوميا المزيد من الدمار والخراب في بلدان عديدة والمزيد من الدماء والجثث البريئة لمواطنين يستسلمون لمصائرهم المفجعة بذهول وإنشداه. والذي يجعلنا متحمسين لهذه المبادرة أنها بواقعيتها وبعدها الدولي ستكشف حقيقة أن من يقف وراء ظاهرة الإرهاب الدولي ليس إلا مصالح الشركات الإحتكارية الإمبريالية الأمريكية، وبخاصة تلك المعنية بصناعة الأسلحة والنفط، والتي يمثل مصالحها كل من جورج بوش الأب والابن وأعوانها مثل ديك تشيني ورامسفيلد وسواهما، وبالتالي فإن نجاح مثل هذه المبادرة سيضع السلطات ورجال الأعمال في العالم بمواجهة خصمها الحقيقي القابع في الولاياتالمتحدةالأمريكية الذي على عاتقه تقع المسؤولية الاساسية في نشوء ظاهرة الإرهاب واتساعها منذ الحرب الباردة ومن ثم انهيار الاتحاد السوفياتي والى هذه اللحظة. وعندما تتأكد السلطات وأصحاب الأعمال من هذه الحقيقة فمن الطبيعي أن تدرك أكثر أن مصالحها بل مصائرها تتطلب محاصرة هذا الخطر الأمريكي على مستقبل البشرية والسعي بجدية أكثر من أجل إنهاءالإحتلالات الأجنبية لدولنا العربية والاسلامية التي تشكل وصمة عار على جبين الإنسانية، ناهيك عن كونها من الأسباب المباشرة لتفاقم الإرهاب الأسود في المنطقة والعالم على حساب حقوق الشعوب المشروعة في المقاومة من أجل افتكاك حريتها واستقلالها وسيادتها. ------------------------------------------------------------------------