يعتبر الضمان الاجتماعي من أوكد الحقوق التي يجب أن يتمتع بها الإنسان لمواجهة الأخطار التي يمكن أن يتعرض لها. ويتأثر هذا القطاع بالضرورة سلبا أو إيجابا بمحيطه السياسي والاقتصادي. لذا ارتأينا تبعا للانتفاضة الجماهيرية المجيدة التي شهدتها بلادنا أن نخص بالتحليل واقع التغطية الاجتماعية خلال العقدين الأخيرين والبحث في مدى صحة تعميمها على كافة الفئات مركزين على الجانب المتعلق بالقطاع الخاص باعتباره يمس الجزء الأكبر من المجتمع من ناحية وباعتبار التقلبات الكثيرة التي مر بها. ❊ الشهيد البوعزيزي ونصيبه من التغطية الاجتماعية لعل أحسن مثال يمكن أن نجسد به الوضع الذي وصل إليه قطاع الضمان الاجتماعي في الفترة الأخيرة هو مثال الشهيد محمد البوعزيزي الذي توفي دون أن يذوق طعم الحماية الاجتماعية. فقد كان يشتغل أو بالأحرى كان يحاول أن يشتغل بائع خضار متجول. وللتمتع بالتغطية الاجتماعية كان لزاما عليه الانخراط في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ولكن مطلبه لا يحظى بالقبول إلا بعد الاستظهار برخصة (باتيندة) وهو ما كان يمثل شرطا تعجيزيا لما ينجر عنها من أداءات جبائية مجحفة تتجاوز إمكانياته المحدودة. وإن فرضنا أنه انخرط وتحمل هذه الاداءات الدورية فإن مبالغ المساهمات الذي ينطبق على حالته لا تقدر عربته البسيطة على توفيرها.. هذه هي حالة محمد البوعزيزي الذي توفي دون أن يعرف ما هي التغطية الاجتماعية، وليست حالته سوى عينة من آلاف الحالات الاجتماعية التي تكابد يوميا لتكسب قوتها بعرق الجبين والتي بقيت خارج مظلة الضمان الاجتماعي. أما بقية فئات المجتمع والتي تمكنت من الانخراط والاستفادة من بعض الخدمات فقد أصبحت تعايش وتلمس ما يتعرض له الضمان الاجتماعي في السنوات الأخيرة من تهرئة وتراجع. ❊ خمسون سنة ... وبعد ... تجاوز قطاع الضمان الاجتماعي في القطاع الخاص اليوم نصف قرن من الممارسة عرف فيها عدة تقلبات وصعوبات. وحيث أن المجال لا يتسع لاستعراضها بالتفصيل في هذا المقام سنكتفي بالإشارة إلى أهم المراحل التي مر بها هذا القطاع منذ 1956 إلى اليوم والتي يمكن تبويبها إلى ثلاثة مراحل: /1 المرحلة الأولى وتمتد من 1956 إلى سنة 1969 وقد شهدت تونسة نظام (1) الضمان الاجتماعي ووضع لبناته الأولى وكانت أهم محطاتها تأسيس الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي سنة 1960 (2) الذي حددت مهمته ب »حماية الشغالين وعائلاتهم من الأخطار الملازمة لطبيعة البشر والتي من شأنها أن تمس بظروف عيشهم من الوجهة المادية والأدبية«. وكان أول نظام يتولى التصرف فيه هو نظام الأجراء في القطاع غير الفلاحي و انحصرت الخدمات في المنافع العائلية والعلاج. وقد لعبت الدولة في هذه المرحلة دورا رئيسيا سواء على مستوى التشريع أو التصرف. /2 المرحلة الثانية تمتد من 1970 إلى 1986 والتي تميزت بانتعاشة نسبية على مستوى التمويل وبداية توظيفها لتوسيع التغطية الاجتماعية تدريج يا على فئات أخرى مثل العملة الأجراء الفلاحيين والعملة المستقلين والشروع في إسداء جرايات التقاعد والعجز والباقين بعد الوفاة وبعث المصحات. وقد بدأت الدولة في هذه المرحلة تتراجع عن دورها لفائدة القطاع الخاص مدعمة ذلك بسن تشريعات مشجعة للاستثمار الأجنبي على غرار قانون افريل.1972 /3 المرحلة الثالثة تمتد من 1987 إلى اليوم والتي عرفت عملية تهرئة ناتجة عن تدهور الخدمات والقرارات الارتجالية في مستوى تعدد الأنظمة والتداخل بينها وعدم استقرار المساهمات. وقد تميزت هذه المرحلة بتغلغل رأس المال الأجنبي الذي جاءت به ظاهرة العولمة والتي زادت في تكبيل القوى الاقتصادية المحلية وأصبحت الدولة تستنجد بالضمان الاجتماعي لحل مشاكلها الاقتصادية. ❊ العولمة تبتلع كل شيء لقد بدأ المنعرج الخطير مع برنامج الإصلاح الهيكلي سنة 1986 متجسدا في الانفتاح على الأسواق الخارجية وتوج بانخراط تونس في منظمة التجارة العالمية سنة 1993 وإمضاء اتفاقية التبادل الحر مع الاتحاد الأوروبي سنة .1995 فاعتناق الدول النامية لمبادئ العولمة لا يتم في الغالب بصفة اختيارية محضة ولكن تحت الترغيب والترهيب بفعل التبعية التكنولوجية والحاجة الملحة إلى الأموال وتفشي ظاهرة المديونية. وما تدخل صندوق النقد الدولي في سياسات الدول النامية من خلال برامج إعادة الهيكلة والتلويح بوقف الإعانات والقروض في حالة عدم تطبيق الإصلاحات إلا دليل على ذلك (3). هذا وقد دخل اتفاق الشراكة حيز التنفيذ التدريجي منذ سنة 1998 مساهما في فتح الأبواب على مصراعيها أمام الاستثمارات الأجنبية وتفكيك الإجراءات الجمركية في أجواء تنافسية غير متكافئة وهو ما مس بالضرورة الجوانب الاجتماعية. وعلاوة على الجوانب الاقتصادية والجبائية فقد كان توفير ضمانات على المستوى الاجتماعي تساعد على الاستثمار من أهم شروط الاتفاقيات المذكورة. ولم يكن في صالح رأس المال الأجنبي حتى المحافظة على الحقوق المكتسبة و لا على الشغل القار فتم الدفع في اتجاه إيجاد كل المبررات لضرب هذه المكتسبات ومنها السعي إلى تكريس ما يسمى بمرونة التشغيل التي كان يدعو إليها البنك العالمي وصندوق النقد الدولي مما فسح المجال واسعا لانتشار العمل غير القار والمؤقت. ولم تكن مراجعة مجلة الشغل سنة 1996 والتعديلات التي أدخلت على الفصل السادس المتعلق بعقد الشغل إلا تكريسا لهذا التوجه بما حمله من مفاهيم جديدة مثل العقود محددة المدة وما آلت إليه وضعية اليد العاملة في إطار المناولة. ولم تقتصر هذه الإجراءات على تشريع الشغل بل مست خاصة مجال الضمان الاجتماعي حيث أن التعليمات والتوصيات الصادرة عن المؤسسات المالية العالمية تقتضي الضغط على الأعباء الاجتماعية بدعوى توفير شروط أفضل للمنافسة وهو ما ترجم عمليا في التخفيف من مساهمات الأعراف وخاصة منهم الأجانب والزيادة في أعباء الأجراء وتجميد بعض المنافع أو سحبها بطرق وأساليب مختلفة. وتجسمت هذه الإجراءات في إصدار مجموعة من النصوص القانونية في فترة زمنية تراوحت أساسا بين سنتي 1994 و 1998(انظر الجدول عدد1 ) وهي الفترة التي شهدت إمضاء اتفاقيات الشراكة المشار إليها والتي كانت منسجمة مع ما ورد من توجهات في التقرير الذي أعده البنك العالمي سنة 1993 حول الضمان الاجتماعي بتونس (4). جدول عدد :1قائمة النصوص القانونية في مجال الضمان الاجتماعي التي صدرت في فترة اتفاقيات الشراكة وهكذا فتحت أبواب البلاد للرأسمال الأجنبي وقدمت له التسهيلات القانونية على حساب رؤوس الأموال الوطنية وعلى حساب الأجراء. ومن أهم القوانين التي صدرت في هذا الإطار مجلة تشجيع الاستثمارات سنة 1993 5 التي تستفيد منها عمليا المؤسسات الأجنبية أكثر من المؤسسات المحلية باعتبار امتيازات أخرى تتمتع بها بوصفها أجنبية أو تشغل أجانب ونستشهد على سبيل المثال بما نص عليه القانون المتعلق بالمناطق الحرة الاقتصادية حيث ورد في الجانب المتصل بالضمان الاجتماعي ما يلي: »يعفى الأجير والمؤجر من ذوي الجنسية الأجنبية غير المقيمين من دفع الحصص الخاصة بالضمان الاجتماعي بتونس (6)«. وليس هذا القانون إلا مثالا لعدة قوانين دأبت على منح الأجانب امتيازات في مجال الضمان الاجتماعي ومنها القانون المتعلق بتشجيع مؤسسات مالية وبنكية تتعامل أساس مع غير المقيمين حيث يمكن للموظفين من ذوي الجنسية الأجنبية الذين لهم صفة غير المقيمين قبل انتدابهم أن يختاروا نظاما للضمان الاجتماعي غير النظام التونسي وفي هذه الحالة لا يكون الأجير والمؤجر مطالبين بدفع مساهمات الضمان الاجتماعي بالبلاد التونسية (7) كما يتمتع بنفس الامتياز المؤجرون والأجراء الأجانب العاملون في قطاع المحروقات والذين يتم انتدابهم لمباشرة أنشطة الاستكشاف والبحث (8) وكذلك الشأن بالنسبة إلى الأشخاص من ذوي الجنسية الأجنبية مؤجرين وأجراء العاملين بالمؤسسات الصحية التي تسدي كامل خدماتها لفائدة غير المقيمين (9). إن هذه القوانين تذكرنا بالقوانين التي سنها الاستعمار الفرنسي والتي اعتمدت على معيار الجنسية لحث الفرنسيين على الاستقرار بتونس بغية دعم المشروع الاستعماري كقانون التقاعد في القطاع العمومي الصادر في جانفي (10) 1898أو قانون التعويض عن الأضرار الناجمة عن حوادث الشغل الصادر في مارس 1921 (11). لقد كانت المخاطر الاجتماعية التي لحقت بالبلاد ناتجة عن خيارات سياسية واقتصادية تلهث وراء جلب الاستثمارات الأجنبية بدعوى حل مشكلة التشغيل وتوفير مواطن الشغل. وقد أكدت القمة الدولية للتنمية الاجتماعية المنعقدة بكوبنهاكن سنة 1995 أن العولمة بقدر ما يمكن أن تقدم من آمال جديدة للتطور الاقتصادي فهي تجلب في ذات الآن مخاطر عديدة تهدر المكاسب الاجتماعية وترسخ مظاهر الحرمان والإقصاء والتهميش (12). وبالفعل ونتيجة لهذا الوضع اضطرت عدة مؤسسات متوسطة وصغرى أمام المنافسة غير المتكافئة إلى غلق أبوابها وطرد عمالها على غرار المؤسسات العاملة في قطاع النسيج. ❊ تعميم التغطية : كلمة حق ... ولكن لقد تم التركيز في السنوات الماضية على موضوع تعميم التغطية الاجتماعية على كافة فئات المجتمع وكانت الأرقام الرسمية تشير إلى تطور متسارع منذ سنة 1987 في نسب التغطية بلغت حسب السلطة 95 ٪ سنة .2009 فما هي الحقيقة؟ لا بد من التذكير أولا بما نصت عليه توجيهات الدوائر المالية العالمية منذ ثمانينات القرن الماضي من ضرورة انسحاب الدولة من التكفل بالخدمات الأساسية وفتح المجال للقطاع الخاص مما يؤدي بالضرورة إلى فتح الباب أمام الاستثمار الخارجي. وفي هذا الإطار تخلت الدولة تدريجيا على قطاعات ومرافق حيوية مثل التعليم والسكن والنقل الخ ...ومن أهم القطاعات التي كانت في القائمة القطاع الصحي. وعليه تم الدفع في اتجاه تكفل كل مواطن بمصاريف علاجه، ومن هنا جاءت كلمة الحق وهي تعميم التغطية الاجتماعية ليراد بها الباطل وهو انسحاب الدولة من التكفل بهذه الخدمات وتحميل عبئها على الفئات المحتاجة بكلفة لا تقدر بالضرورة على تحملها. وكان من الضروري توفير كل الآليات التشريعية والإدارية للدفع نحو الانخراط في الضمان الاجتماعي فكان الأمر الصادر سنة 1995 (13) الخاص بالعملة غير الأجراء في القطاعين الفلاحي وغير الفلاحي والذي لم يكن سوى وسيلة لضخ دم جديد في أمرين خاصين بالعملة المستقلين يعودان إلى سنة 1982 (14)، تمت صياغتهما في ظروف أخرى. وقد أعاد الأمر الجديد تنظيم الانخراط لهذه الفئات التي اعتبرها »شريحة مهمّة من المجتمع تمثل نسبة تقارب 23٪ من القوى العاملة في بلادنا وهي نسبة مرشحة للارتفاع في ظل انخراط تونس في اقتصاد السوق (15)« لذا كانت السلطة واعية تمام الوعي بضرورة التخلص بكل الوسائل من تحمل كلفة هذه الفئات. وتلت صدور هذا النص القانوني حملات تمشيط قامت بها مصالح الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي مستعينة بمختلف الأجهزة السياسية والإدارية من شعب تابعة للتجمع وعمد لإجبار هذه الفئات على الانخراط. وقد أدت هذه الطرق إلى تضخم عدد المنخرطين بصفة مصطنعة وعجز العديد منهم عن دفع المساهمات المستوجبة وتراكمت على مر السنين في حسابهم ديون ثقيلة بعضها ديون وهمية عجزت مصالح الصندوق على استخلاصها مما اضطر السلطة إلى القيام في أكثر من مناسبة بتنازلات لفائدتهم مثل عدم المطالبة بالمساهمات المتعلقة بالفترات السابقة لتاريخ انخراطهم (16) أو طرح خطايا التأخير المتخلدة بذمتهم (17) أو القبول بإعادة جدولة ديونهم. وتزامنت هذه الإجراءات مع إعطاء إشارة الانطلاق لإصلاح نظام التأمين على المرض في بداية سنة 1996 (18) .اندرجت في ذات السياق إجراءات سحب مكاسب هامة للفئات المحرومة والفقيرة وذلك بمراجعة مقاييس إسناد البطاقات ذات التعريفة المنخفضة التي تكفلت بمقتضاها مصالح الشؤون الاجتماعية بحرمان العديد من العائلات من حقها في العلاج المجاني بدعوى أنها قادرة على التكفل بمصاريفها بالانخراط في أحد أنظمة الضمان الاجتماعي (19) وأصبح الحصول على هذه البطاقات مرتبطا بجملة من الشروط من أهمها أولا أن يكون المنتفع غير منخرط بأحد أنظمة الضمان الاجتماعي وثانيا ألا تمكنه وضعيته من الانخراط بأحد هذه الأنظمة. ولئن كان الشرط الأول سهل الإثبات فإن الشرط الثاني قابل للاجتهاد والتأويل من اللجان التي تسند البطاقات والتي تضم في تركيبتها المعتمد ورئيس البلدية و العمدة. كما أن إسناد البطاقات يتم في حدود العدد الجملي وفي إطار الحصص الجهوية بما يعني أن الشروط المذكورة غير كافية للحصول على البطاقة، هذا دون اعتبار المقاييس الأخرى التي كانت معمولا بها في مثل هذه الوضعيات. ❊ سنة 2002 نفس جديد لتعميم التغطية ورغم كل التدابير التي تم اتخاذها لم ترتفع كثيرا نسبة التغطية الاجتماعية بسبب عدم توفر مستلزماتها وشروطها وخاصة شرط الاستقرار في العمل وضمان مداخيل دنيا تسمح بدفع المساهمات وتوفر خدمات ومنافع مقنعة. وقد شهدت سنة 2002 عدة إجراءات تتسم باللجوء إلى الضمان الاجتماعي للتخفيف من وطأة مخلفات أحداث سبتمبر 2001 أو باستنباط أساليب جديدة لتعميم التغطية الاجتماعية. ومن أهم هذه الإجراءات القانون الخاص بسحب التغطية الاجتماعية على بعض أصناف من العملة أو ما عرف بأصحاب الدخل المحدود ويهم القانون الصادر في مارس 2002عملة المنازل بصرف النظر عن طريقة خلاصهم ودوريتها مثل المعينات والسواق والحراس وكذلك عملة الحضائر المستخدمين لدى الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية. كما شمل صغار الفلاحين وصغار الصيادين البحريين والحرفيين المشتغلين بالقطعة (20). وتجندت مرة أخرى نفس المصالح لإقناع الخاضعين إلى الانخراط في هذا النظام. إلا أن النتائج كانت دون المأمول. ومن بين الفئات التي لم يتم التوفق إلى إدخالها في التغطية الاجتماعية عملة المنازل الذين لا تتوفر حولهم إحصائيات صحيحة إضافة إلى صعوبة الوصول إليهم بسبب العلاقة الهشة وغير المنظمة التي تربطهم مع مؤجريهم خاصة أن بعضهم لا يحق لهم العمل أصلا لصغر سنهم. أما بالنسبة إلى صغار الفلاحين والحرفين والصيادين فإن بعضهم لم يقبل على الانخراط بسبب المستوى المتدني للمنافع التي يوفرها هذا النظام خاصة في ميدان التأمين على المرض الذي حصر مجال العلاج في المنظومة العمومية بل في جزء منها فقط، أما البعض الآخر فقد كان منخرطا سابقا في أنظمة أخرى وانتقل مكرها إلى النظام الجديد بسبب مقدار المساهمات وبهذه الطريقة فإنه لا يمكن الحديث عن زيادة فعلية في نسبة التغطية الاجتماعية. وفيما يتعلق بعملة الحضائر فتلك إشكالية أخرى حيث أن المشغل هو الدولة نفسها التي عوض أن تعطي المثل في احترام القانون وتطبيقه نراها تشرّع لعكس ذلك، فالآلاف من عملة الحضائر يتقاضون أجورا دون الأجر الأدنى المضمون. أما المساهمات التي على الدولة دفعها فتحتسب على أساس ثلثي الأجر الفلاحي المضمون فقط وهو ما ينعكس لاحقا بصفة سلبية على مقدار المنافع التي يستحقها هؤلاء العملة. كما صدر سنة 2002 قانون يشمل الفنانين والمبدعين والمثقفين (21) الذين يثبتون انتماءهم إلى القطاع الثقافي أو ممارستهم لنشاط فني أو ثقافي بصفة قارة وذلك على أساس وثيقة تسلم من قبل وزارة الثقافة. ولم يشهد هذا النظام إقبالا كبيرا على الانخراط باعتبار أن ممارسة هذه الفئة نشاطها بصفة قارة والاعتماد عليها لكسب القوت لم يكن بديهيا في ظل ما كانت تقوم به السلطة من توظيف للفن وخنق للإبداع وتلجيم للثقافة. ❊ محاولة أخيرة... لقد فشلت محاولات إجبار الفئات المذكورة أعلاه وخاصة الفئات محدودة الدخل على الانخراط وذلك بالاستناد إلى التقارير الرسمية وباعتراف السلطة الحاكمة: »كما أن الانخراط في النظام الجديد للضمان الاجتماعي المحدث سنة 2002 لفائدة بعض الأصناف من العملة محدودي الدخل ...لم تحقق النسب المأمولة (22)«. وتبعا لذلك تحرك الاتحاد الأوروبي باعتبار مصلحته الاقتصادية التي عقد لأجلها اتفاق الشراكة سنة 1995 ليعرض اتفاقا جديدا مع تونس يتولى بمقتضاه تقديم دعم للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لتحقيق هدف بلوغ النسبة المرسومة في التغطية الاجتماعية مع تمويل المشروع ماليا. وقد تضمن الاتفاق الذي أمضي في جوان 2007 قيام الخبراء الأوروبيين بتوجيه الإطارات التونسية للقيام بعمل ميداني للاتصال بالفئات المعنية غير المنضوية ودعوتها إلى الانخراط إلى جانب التنسيق مع المنظمات المهنية. وقد تبين بعد تجربة دامت قرابة أربع سنوات أن عدم الإقبال على الانخراط يتجاوز مجرد إتقان أساليب الاتصال أو عدم وعي المعنيين بمصلحتهم إلى مسائل أكثر عمقا ترتبط بمحدودية قدرتهم التمويلية وبتراجع نوعية الخدمات التي توفرها التغطية الاجتماعية خاصة بعد تطبيق نظام التأمين على المرض منذ سنة 2004 . ❊ في العدد القادم: الضمان الاجتماعي: سيارة إسعاف اجتماعية هوامش: (1) من المفيد التوضيح أن كلمة »نظام« التي سترد في هذا البحث والتي تستعمل في ميدان الضمان الاجتماعي تعني منظومة أو قطاع و لا علاقة لها بالمفهوم السياسي المتداول. (2) القانون عدد 60 لسنة 1960 المؤرخ في 14 ديسمبر .1960 (3) مبارك (عزالدين) »العولمة وانعكاساتها على الصناديق الاجتماعية« الشعب 11 أكتوبر 1997، ص .12 (4) الهرماسي (عبد اللطيف) »مشروع إصلاح نظام التامين على المرض: من منطق التضامن إلى منطق السوق«، الموقف عدد 192 جانفي 1999 ص .16 (5) القانون عدد 120 لسنة 1993 المؤرخ في 27 ديسمبر 1993 . (6) القانون عدد 81 لسنة 1992 المؤرخ في 3 أوت1992 . (7) القانون عدد 108 لسنة 1985 المؤرخ في 6 ديسمبر 1985 . (8) القانون عدد 93 لسنة 1999 المؤرخ في 17 أوت 1999 . (9) القانون عدد 94 لسنة 2001 المؤرخ في 7 أوت2001 . (10) الأمر العلي المؤرخ في 20 جانفي 1898 . (11) الأمر العلي المؤرخ في 15 مارس 1921 . (12) الريحاني (نبيل) »الأبعاد الأخرى لاتفاق الشراكة بين تونس والاتحاد الأوروبي«، حقائق عدد 779 من 30/11 إلى 6 ديسمبر 2000 ص 9 . (13) الأ.مر عدد 1166 لسنة 1995 المؤرخ في 3 جويلية 1995 . (14) الأمران عدد 1359 و 1360 المؤرخان في 21 أكتوبر .1982 (15) الصباح بتاريخ 21 ماي 1997 ص 5 . (16) الأمر عدد 3018 لسنة 2002 المؤرخ في 19 نوفمبر 2002 . (17) الأمر عدد 1507 لسنة 2007 المؤرخ في 25 جوان 2007 . (18) المجلس الوزاري المنعقد بتاريخ 16 فيفري 1996 . (19) الأمر عدد 409 لسنة 1998 المؤرخ في 18 فيفري 1998 . (20) القانون عدد 32 لسنة 2002 المؤرخ في 12 مارس 2002 . (21) القانون عدد 104 لسنة 2002 المؤرخ في 30 ديسمبر 2002 . (22) الحرية بتاريخ 3 مارس 2006 ص 2 .