تونس تشارك في معرض ليبيا للإنشاء    غرفة القصابين: معدّل علّوش العيد مليون ونص    نيويورك: الشرطة تقتحم جامعة كولومبيا وتعتقل عشرات المؤيدين لغزة    تونس: الإحتفاظ بعنصر تكفيري مفتّش عنه    علم تونس لن يرفع في الأولمبياد    جبل الجلود تلميذ يعتدي على أستاذته بواسطة كرسي.    مهرجان سيكا جاز: تغيير في برنامج يوم الافتتاح    الفيلم السّوداني المتوّج عالميا 'وداعًا جوليا' في القاعات التّونسية    سامي الطاهري يُجدد المطالبة بضرورة تجريم التطبيع    دعما لمجهودات تلاميذ البكالوريا.. وزارة التربية تدعو إلى تشكيل لجان بيداغوجية جهوية    الطبوبي في غرة ماي 2024 : عيد العمّال هذه السنة جاء مضرّجا بدماء آلاف الفلسطينين    عاجل: وفاة معتمد القصرين    انطلاق فعاليات الاحتفال بعيد الشغل وتدشين دار الاتحاد في حلتها الجديدة    بنزرت: وفاة امرأة في حادث اصطدام بين 3 سيارات    اليوم: طقس بحرارة ربيعية    تونس: 8 قتلى و472 مصاب في حوادث مختلفة    البطولة العربية السادسة لكرة اليد للاواسط : المغرب يتوج باللقب    الهيئة العامة للشغل: جرد شركات المناولة متواصل    اليوم: تونس تحيي عيد الشغل    جولة استكشافية لتلاميذ الاقسام النهائية للمدارس الابتدائية لجبال العترة بتلابت    نتائج صادمة.. امنعوا أطفالكم عن الهواتف قبل 13 عاماً    اليوم.. تونس تحتفل بعيد الشغل    اتفاق لتصدير 150 ألف طن من الاسمدة الى بنغلاديش سنة 2024    الليلة في أبطال أوروبا... هل يُسقط مبابي «الجدار الأصفر»؟    الكرة الطائرة : احتفالية بين المولودية وال»سي. آس. آس»    «سيكام» تستثمر 17,150 مليون دينار لحماية البيئة    أخبار المال والأعمال    وزارة الفلاحة تضبط قيمة الكيلوغرام من التن الأحمر    لبنان: 8 ضحايا في انفجار مطعم بالعاصمة بيروت وقرار عاجل من السلطات    موظفون طردتهم "غوغل": الفصل كان بسبب الاحتجاج على عقد مع حكومة الكيان الصهيوني غير قانوني    غدا الأربعاء انطلاقة مهرجان سيكا الجاز    قرعة كأس تونس للموسم الرياضي 2023-2024    اسقاط قائمتي التلمساني وتقية    تأخير النظر في قضية ما يعرف بملف رجل الأعمال فتحي دمّق ورفض الإفراج عنه    تعزيز أسطول النقل السياحي وإجراءات جديدة أبرز محاور جلسة عمل وزارية    غدا.. الدخول مجاني الى المتاحف والمواقع الاثرية    هذه تأثيرات السجائر الإلكترونية على صحة المراهقين    قفصة: تواصل فعاليات الاحتفال بشهر التراث بالسند    وزيرة النقل في زيارة لميناء حلق الوادي وتسدي هذه التعليمات..    تحذير من برمجية ''خبيثة'' في الحسابات البنكية ...مالقصة ؟    ناجي جلّول: "أنوي الترشّح للانتخابات الرئاسية.. وهذه أولى قراراتي في حال الفوز"    الاستثمارات المصرح بها : زيادة ب 14,9 بالمائة    عاجل/ "أسترازينيكا" تعترف..وفيات وأمراض خطيرة بعد لقاح كورونا..وتعويضات قد تصل للملايين..!    مختص في الأمراض الجلدية: تونس تقدّمت جدّا في علاج مرض ''أطفال القمر''    يوم 18 ماي: مدينة العلوم تنظّم سهرة فلكية حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشّمس    مدينة العلوم بتونس تنظم سهرة فلكية يوم 18 ماي القادم حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشمس    إحداث مخبر المترولوجيا لوزارة الدفاع الوطني    أمير لوصيف يُدير كلاسيكو الترجي والنادي الصفاقسي    إصطدام 3 سيارات على مستوى قنطرة المعاريف من معتمدية جندوبة    خبراء من منظمة الصحة العالمية يزورونا تونس...التفاصيل    ربع نهائي بطولة مدريد : من هي منافسة وزيرة السعادة ...متى و أين؟    التوقعات الجوية اليوم الثلاثاء..أمطار منتظرة..    فرنسا تعزز الإجراءات الأمنية أمام أماكن العبادة المسيحية    الخليدية .. أيام ثقافية بالمدارس الريفية    زيادة في أسعار هذه الادوية تصل إلى 2000 ملّيم..    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أي توازن بين الوقاية والردع؟
مراقبة تشريع الضمان الاجتماعي
نشر في الشعب يوم 28 - 01 - 2012

تعتبر وظيفة مراقبة تطبيق تشريعات الضمان الاجتماعي من أهم الآليات التي نص عليه قانون الضمان الاجتماعي منذ إحداثه وذلك بهدف ضمان تحقيق الأمن الاجتماعي ولضمان التوازن المالي الكفيل بصرف المنافع. ذلك أن سلك المراقبين يمثل في كافة البلدان صمام أمان لنجاح أية مؤسسة تأمينية في بلوغ أهدافها. وقد ساهم هذا السلك منذ إنشائه بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في تركيز أسس الضمان الاجتماعي والتعريف بخدماته. إلا أنه لوحظ في العقدين الأخيرين تهميش وإقصاء لهذا السلك جعله بين مطرقة إدارته التي ما تنفك تدفعه إلى مزيد من الرقابة والتفقد هاجسها في ذلك تحقيق التوازنات المالية التي بدأت تشكو صعوبات وسندان المنخرطين سواء منهم المؤجرين الذين يرون فيه صورة القنّاص المتربص بهم لافتكاك أموالهم أو الأجراء الذين يشككون في حرصه على الدفاع عن حقوقهم. وقد تباينت التأويلات حول تشخيص واقع المراقبة بعلاقة مع التحديات التي يواجهها قطاع الضمان الاجتماعي.
سنحاول ضمن هذا البحث التطرق إلى أسباب تهميش هذا السلك في ظل الظروف التي مر بها قطاع الضمان الاجتماعي في العقدين الماضيين وانعكاساتها على المنتفعين الذين كثيرا ما كانوا يلجؤون إلى هؤلاء المراقبين لاسترجاع حقوقهم معلقين عليهم آمالا لا تقل عن آمالهم في هياكلهم النقابية.
المراقبة: صمّام أمان
تتمثل المهمة الأساسية لمراقبي الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في ضمان المراقبة المستمرة والفعالة والتطبيق الدقيق والموحد لتشريع الضمان الاجتماعي في المجالين الترابي والقانوني الذي حدده لهم القانون. وحتى يقوموا بهذه المهمة عليهم أن يكونوا بعيدين عن أي ضغط ومحايدين في أعمالهم همّهم الوحيد الحرص على تطبيق القانون. لذلك فإنهم يعملون حسب طريقة عمل موحدة تنطبق على كامل تراب الجمهورية وعلى كل المؤسسات والأشخاص الخاضعين إلى قانون الضمان الاجتماعي.
وقد مكّنهم المشرع منذ صدور القانون المؤسس للضمان الاجتماعي في القطاع الخاص سنة 1960 من كافة الضمانات حيث أسند إلى «أعوان محلفين مصادق عليهم مهمة إجراء كل تحقيق أو بحث يتعلق بتطبيق الضمان الاجتماعي سواء بالنسبة للخاضعين لهذا النظام أو للمنتفعين به» . كما أقر عدة ضمانات لأداء وظيفتهم على أحسن وجه مثل تمكينهم، في صورة مخالفة تطبيق القانون، من الصفة القانونية لتحرير التقارير والتي تبقى نافذة المفعول إلى أن يثبت ما يخالفها. كما تم بعد أشهر فقط ضبط إجراءات المصادقة على هؤلاء المراقبين باعتبار دقة مهمتهم. وقد تضمّن القرار الصادر عن كاتب الدولة المكلف بالشؤون الاجتماعية آنذاك عدة شروط ترتبط بالمستوى العلمي للمراقب وسوابقه وأخلاقه وكفاءته المهنية. كما اشترط أن يقوم المراقب بأداء اليمين من أجل إعطاء قيمة للتقارير والمحاضر التي يحررها . وفي سنة 1965 صدر النظام الداخلي للصندوق ليخصص خمسة فصول لكيفية إجراء مراقبة المؤسسات وواجبات المؤجرين تجاه المراقبين.
ولم يقتصر المشرع على تكليف المراقبين بمراقبة تشريعات الضمان الاجتماعي التي جاء بها قانون سنة 1960 والنصوص المتممة والمنقحة له بل أسند لهم أيضا سنة 1994 مهمة مراقبة تطبيق تشريع التعويض عن الأضرار الناتجة عن حوادث الشغل والأمراض المهنية حيث عهد « إلى المراقبين المحلفين التابعين للصندوق معاينة مخالفة أحكام القانون المتعلق بالتعويض عن الأضرار المهنية» . وتتمثل مهام هؤلاء المراقبين حسب الأمر الصادر سنة 1995 في معاينة المخالفات وتحرير محاضر معاينة مخالفة في عدم القيام بالإجراءات المفروضة على صاحب العمل أو في عدم احترام النصوص القانونية والترتيبية المتعلقة بالوقاية .
وتدللّ هذه الصلاحيات على ما تمثله وظيفة المراقبة من ضمانة لحسن تطبيق التشريع الاجتماعي حرصا على تمكين الأجراء من حقوقهم وضمان وفاء المؤجرين بالتزاماتهم. وحيث أن سلامة أنظمة الاجتماعية ومصداقيتها تقاس بمدى وفائها بالتزاماتها فإنه يمكن القول دون مبالغة أن دور جهاز المراقبة حيوي وأساسي في هذا المجال.
المراقبة: من المدّ إلى الجزر
لا شك في أن وظيفة المراقب التي تقتضي النظر والتحقيق في تطبيق تشريعات الضمان الاجتماعي ترتبط أشد الارتباط بمدى موضوعية هذه التشريعات ونجاعتها واستجابتها لانتظارات المنتفعين بها. ومن هذه الزاوية فإنه من المنطقي ربط تقييم أداء المراقبة بتقييم تطور تشريعات الضمان الاجتماعي.
فقد عرفت المراقبة فترة أولى رافقت إنشاء نظام الضمان الاجتماعي في القطاع الخاص وتونسته عبر القانون الصادر سنة 1960 وقام المراقبون آنذاك بالتعريف بنظام الضمان الاجتماعي وتركيز لبناته الأولى، ولعبت الدولة في هذه المرحلة دورا رئيسيا في مستوى التشريع والتصرف. وواصل هذا السلك ممارسة مهامه في ظل انتعاشة نسبية عرفها قطاع الضمان الاجتماعي تزامنت مع ارتفاع مداخيله مما ساعد على تحسين الخدمات كتعميم التغطية الاجتماعية على فئات مهنية جديدة ( العملة الأجراء في القطاع الفلاحي، العملة المستقلون...) وإسناد منافع إضافية (جرايات الشيخوخة، إسناد القروض الاجتماعية...).
إلاّ أن مهمة المراقبة بدأت تعرف بعض الصعوبات منذ التسعينات ارتباطا بما لحق قطاع الضمان الاجتماعي من آثار سلبية نتيجة انخراط البلاد في مسار العولمة وما نتج عنها من أضرار اجتماعية. فقد كان لهذا المسار انعكاسات على كافة الميادين استوجبت القيام بمراجعات في عدة مجالات قانونية مثل تشريعات التشغيل والتكوين والعلاقات الفردية والجماعية والصحة والسلامة المهنية وذلك في محاولة « للتوفيق بين مقتضيات المرونة وحماية العمال» . وهكذا جاء الدور على تشريع الضمان الاجتماعي في منتصف التسعينات لمسايرة هذا التوجه:
« إنه من المؤكد أن القانون عدد 30 لسنة 1960 المنظم للضمان الاجتماعي في القطاع الخاص لم يعد يتلاءم مع التحول الاقتصادي العميق الذي شهدته بلادنا. فهذا القانون أتى في ظروف اقتصادية تكاد تكون عكس الظروف الحالية فاقتصاد سنة 1960 هو الاقتصاد المسيّر والاشتراكي والتوجه الاقتصادي الحالي هو ليبيرالي يعتمد على الحرية والمنافسة» .
وهكذا أصبح مطروحا على الضمان الاجتماعي أن يتأقلم مع الواقع الجديد تشريعا وتصرفا وظهرت مصطلحات جديدة تعيد النظر في مفهوم الضمان الاجتماعي مثل «عقلنة الضمان الاجتماعي» و«تجديد وظائف الضمان الاجتماعي» واعتبار الضمان الاجتماعي كسند لسياسة التكيف الاقتصادي والاجتماعي. وتمت الدعوة أيضا إلى مراجعة علاقة المؤسسة الاقتصادية بمؤسسة الضمان الاجتماعي على اعتبار أن هذه الأخيرة هي مصدر إزعاج للمؤسسة الاقتصادية وسبب في إثقال كاهلها بالمساهمات: « اعتبارا لعولمة الاقتصاد وتزاحم المؤسسات في الأسواق العالمية ونظرا لتذمر المؤجرين من عبء الاشتراكات المهنية كان من الضروري مراجعة العلاقة بين مؤسسة الضمان الاجتماعي والمؤسسة الاقتصادية».
كما تعالت في نفس الفترة أصوات تطالب بتقليص مجال تدخل الضمان الاجتماعي مثل اللجوء إلى القضاء عند عدم خلاص المساهمات وإلغاء إصدار بطاقة الجبر من الصندوق مباشرة حيث اقترح أحد الباحثين «مراجعة الإجراءات المتعلقة بالتوظيف الحتمي وإصدار بطاقات الجبر في اتجاه توفير الضمانات الضرورية للخاضعين للضمان الاجتماعي والحد من الصلوحيات الاستثنائية التي يتمتع بها الصندوق إزاء هؤلاء» . وهكذا أصبح الضمان الاجتماعي مصدر قلق لأصحاب المؤسسات في ميدان الضمان الاجتماعي يتذمر أصحاب المؤسسات من الأعباء الثقيلة التي تشكلها المساهمات والمصاريف الاجتماعية وفي هذا السياق وجّهت أصابع الاتهام إلى المراقبة بوصفها العين الساهرة على تطبيق هذه القوانين: «كما ينسب لنظام الضمان الاجتماعي كذلك شدّة الرقابة التي يجريها أعوان الصندوق وصرامة الإجراءات التي تترتب على هذه الرقابة» .
المراقبة: «أعوان لإطفاء الحرائق«!
واستجابة لمقتضيات العولمة المشار إليها أقدم المشرع على سلسلة من الإجراءات مثل إقرار تكفل الدولة بمساهمات الأعراف في النظام القانوني للضمان الاجتماعي سنة 1994 الذي رأى فيه البعض « مؤشرا على تغيير الأساس القانوني لسياسة الضمان الاجتماعي» ، ومراجعة احتساب الاشتراكات بإدخال مفهوم المنافع المستثناة سنة 1995 إلى جانب عدة تحويرات في مجالات ذات علاقة بالتشريع الاجتماعي.
وتزامنت هذه المراجعات مع إجراءات أخرى ساهمت في تهميش وظيفة الضمان الاجتماعي بإثقال كاهله بمهام لا علاقة لها بالمهمة التي بعث من أجلها وذلك بتكليفه بالتصرف في صندوق ضمان النفقة وجراية الطلاق وإسناد الإعانات لفائدة العائلات المعوزة والاستعاضة عن المنح الجامعية بقروض تسندها الصناديق الاجتماعية. وقد تسببت هذه الإجراءات في بث نوع من الخلط في وظيفة الضمان الاجتماعي وأدخلت البلبلة في صفوف المراقبين الذين، عوض الاهتمام بتطبيق تشريعات الضمان الاجتماعي، أصبحوا مدعوين إلى القيام ببحوث لا تمت بصلة لتكوينهم واختصاصهم.
لقد تحول المراقبون بفعل هذه السياسة الارتجالية إلى « جهاز تدخل سريع» أو «أعوان لإطفاء الحرائق» تستعمله السلطة لتنفيذ مخططاتها على غرار ما حصل إثر صدور الأمر الخاص بتعميم التغطية الاجتماعية على العملة غير الأجراء سنة 1995 « إذ تلت صدور هذا النص القانوني حملات تمشيط قامت بها مصالح الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي مستعينة بمختلف الأجهزة السياسية والإدارية من شعب تابعة للتجمع وعمد لإجبار هذه الفئات على الانخراط» . وفي مرحلة موالية وبعد أن اتضح عجز هؤلاء على الوفاء بالتزاماتهم أصبح العبء ملقى على المراقبين للتثبت في وضعياتهم للنظر في إمكانية إلغاء اشتراكاتهم. وأعيدت الكرة سنة 2002 بعد إصدار قانون العملة محدودي الدخل ليتم تكليف المراقبين بالقيام بحملة أخرى لإجبار الخاضعين المحتملين للانخراط.
المراقبة: وقاية أم ردع؟
علاوة على ذلك اختل التوازن بين نوعي الرقابة التي من المفروض أن يقوم بها المراقب. فقد فرض القانون على المؤجرين جملة من الواجبات كالانخراط وتسجيل الأجراء والتصريح بأجورهم إضافة إلى واجب مدّ مراقبي الصندوق بما يفيد الانخراط وخلاص معاليم الاشتراك وتمكينهم من الاطلاع على جميع الوثائق الواجب مسكها قانونا. ويعتبر تدخل المراقب في هذا المستوى في إطار الرقابة السابقة أو الوقائية. إلا أن هذا التدخل قد لا يكون كافيا، لذلك نصّ القانون على المستوى الثاني وهو المراقبة اللاحقة أو الردعية التي تقع بعد ارتكاب المؤجر مخالفة. ويبدو أن توجهات الإدارة في الفترة موضوع الدرس قد سارت في اتجاه تغليب الرقابة الردعية على الرقابة الوقائية.
كما تم في نفس الاتجاه تقليص مجالات تدخل جهازي متفقدي الشغل ومراقبي الضمان الاجتماعي الذين مكّنهم التشريع من مراقبة قانوني الشغل والضمان الاجتماعي، « يقوم بتحرير التقارير في مخالفات هذا القانون زيادة على ضباط الشرطة العدلية الأعوان المكلفون بتفقد الشغل والمراقبون المحلفون التابعون للصندوق القومي» ، إذ تراجع نسق تبادل المعطيات المتعلقة بالمخالفات بين الجهازين في اتجاه يتناقض مع توصيات المكتب الدولي للشغل الداعي إلى ضرورة التنسيق لحسن تطبيق التشريع الاجتماعي.
ومن ناحية أخرى فقد لوحظ عدم تطور في عدد المراقبين بما يفي بالحاجة التي يقتضيها ضمان تطبيق القوانين والحفاظ على توازنات الصندوق. وقد اعتبر بعض المحللين، رغم استيائه من شدة الرقابة، أنّ الرقابة المجراة على المؤسسات تتصف بالمرونة وذلك ل«قلة عدد وقلة إمكانيات مراقبي الصندوق القومي للضمان الاجتماعي» وهو ما قد يؤشر إلى احتمال تعمد إضعاف هذا السلك بعدم القيام بأي انتداب طيلة سنوات.
إلاّ أنّ السلطة نفسها التي تجاهلت هذا السلك « تفطنت» فجأة قبيل 14 جانفي بأسابيع قليلة إلى ضرورة تكثيف المراقبة أمام تفاقم عجز الصناديق. فقد أفادت بعض المصادر في تلك الفترة « أن الصندوق اتخذ بدوره عدة إجراءات لتحسين نسب الاستخلاص ودفع المساهمات ومتابعة المتهربين بتكثيف عدد المتفقدين والمراقبين» . ويبدو أن السلطة قد أرادت آنذاك تدارك أمرها عندما بدأت رياح الثورة تعصف بها وذلك بإعلانها « تدعيم سلك الرقابة من خلال انتداب 98 مراقبا جديدا مع العمل على تنظيم وتعصير عمل الرقابة «خاصة وقد كان النقاش آنذاك محتدا بين الأطراف الاجتماعية حول حقيقة اختلال التوازنات المالية التي اعتمدتها السلطة لتمرير مشروع إصلاح أنظمة التقاعد والتي جعلت الاتحاد العام التونسي للشغل يطالب ب» تكثيف المراقبة وزيارات التفقد من أجل التقليص من التجاوزات التي أضرت بموارد الصندوق» .
يتضح إذن أن المراقب بقي يتأرجح بين تلبية رغبات الإدارة التي تطبق تعليمات السلطة بما تنطوي عليه من تناقض وبين ردود فعل المنخرطين لما يبدونه من احتراز تجاههم. فالمراقب يمثل الرئيس المدير العام الذي يمثل بدوره رئيس الدولة وبالتالي فالمراقب رمز للسلطة الإدارية والسياسية. وهذه الصورة التي اقترنت بالمراقب قد تفسر بعض ردود الفعل العنيفة الصادرة عن المنخرطين والتي تصب موضوعيا في تهميش وظيفة المراقبة شأنها في ذلك شأن كل الأسلاك المكلفة بالرقابة والتفقد. ولنا في حادثة 17 ديسمبر 2010 بسيدي بوزيد أحسن مثال حيث أن رد فعل محمد البوعزيزي كان يعكس موقفه من السلطة السياسية والإدارية التي حرمته من حقه في لقمة العيش ولم يكن رد فعل على عون التراتيب في شخص السيدة فادية حمدي.
أي مراقبة نريد
لابد في ظل المناخ السياسي والاجتماعي الجديد من إعادة الاعتبار للمراقب بما من شأنه أن يمكنه من صلاحياته التي تبخرت أو بالأحرى حادت عن هدفها. ويرتبط ذلك وثيق الارتباط بإعادة الاعتبار للضمان الاجتماعي الذي تم تحريفه عن غاياته الأساسية وتوظيفه سياسيا. ويمكن أن يساهم المراقبون في هذا المشروع خاصة وهم الأعوان الميدانيون المؤهلون لمعاينة ما لا يستطيع المسؤولون في مكاتبهم التفطن له. كما يمكنهم القيام بدور الإرشاد والنصح بما يعزز الوسائل الوقائية ويقلل من التدخلات العلاجية. وتنطبق هذه التوجهات سواء بالنسبة إلى القطاعات المهيكلة التي تبقى دائما في حاجة إلى التوجيه أو بالنسبة للفئات المهمشة التي مازالت إلى اليوم محرومة من التغطية الاجتماعية.
هوامش
- القانون عدد 30 لسنة 1960 المؤرخ في 14 ديسمبر 1960 وخاصة الفصل 16 منه.
- قرار كاتب الدولة للصحة العمومية والشؤون الاجتماعية المؤرخ في 8 ماي 1961 المتعلق بضبط إجراءات المصادقة على مراقبي الصندوق القومي للضمان الاجتماعي والذي عوض القرار المؤرخ في 29 ديسمبر 1959 المتعلق بضبط إجراءات المصادقة على مراقبي الصندوق المركزي للمنح الاجتماعية علما بأن القرار الأخير كان قد أبطل العمل بالقرار المؤرخ في 29 ديسمبر 1944 المتعلق بالمصادقة على مراقبي صناديق التعويض للمنح العائلية.
- قرار كاتب الدولة للشباب والرياضة والشؤون الاجتماعية بتاريخ 4 أكتوبر 1965 المتعلق بالمصادقة على النظام الداخلي للصندوق القومي للضمان الاجتماعي.
- القانون عدد 94-28 الصادر في 21 فيفري 1994 وخاصة الفصل 101 منه.
- الأمر عدد 95-538 لسنة 1995 المؤرخ في 1 افريل 1995 وخاصة الفصل 12 منه.
- طرشونة ( المنجي) « القانون الاجتماعي وعولمة الاقتصاد»، المجلة التونسية للقانون الاجتماعي،عدد 8 سنة 2001، ص23.
- العموري (حافظ) جريدة الصباح 27-2-1993.
- المولهي(عبد الستار) «العولمة وتحولات قانون الضمان الاجتماعي» المجلة التونسية للقانون الاجتماعي،عدد 8 سنة 2001، ص47
- المولهي(عبد الستار) «العولمة وتحولات قانون الضمان الاجتماعي» المجلة التونسية للقانون الاجتماعي،عدد 8 سنة 2001، ص47
- مزيد ( النوري) الضمان الاجتماعي والأعباء المالية الصباح 27-2-1993.
- بن سالم (فاخر) جريدة الصباح 27-2-1993
- بن سالم (فاخر) جريدة الصباح 27-2-1993
- العلوي(نور الدين)» في مواجهة التكلفة الاجتماعية للتحديث الاقتصادي « أطروحة دكتوراه في علم الاجتماع. كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية.تونس 20002-2003، ص338.
- الفصل 42 من القانون عدد60-30 لسنة 1960
- السماوي (بدر) « تعميم التغطية الاجتماعية : حقيقة أم سراب» جريدة الشعب ، 26 فيفري2011
- القانون عدد 30 لسنة 1960 المؤرخ في 14 ديسمبر 1960 وخاصة الفصل 96 منه.
- بن سالم (فاخر) جريدة الصباح 27-2-1993
- الصباح الأسبوعي بتاريخ 29 نوفمبر 2010
- التونسية ( جريدة الكترونية ) بتاريخ 18 نوفمبر 2010.
- الصريح بتاريخ 26 أكتوبر 2010.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.