القصرين: الفرع الجهوي للمحامين يُقرّر تنفيذ إضراب عام تنديدا بحادثة طعن محام    وزارة الاقتصاد والتخطيط ..انطلاق الترويج لمنتدى تونس للاستثمار في 5 عواصم أوروبية    البنك الدولي.. الطاقات المتجددة يمكن ان تحسن نسبة نمو الاقتصاد التونسي    ساهمت في ارتفاع مخزون العملة الأجنبية الى 108 أيام توريد ..تواصل ارتفاع عائدات السياحة وتحويلات التونسيين بالخارج    قدّمت مباراة بطوليّة ..قرقنة تزيح الترجي الرياضي من سباق الكأس    قرارات الرابطة...رفض اثارة النادي الصفاقسي وهزم مساكن جزائيا    أبرزهم كاظم وماجدة وحكيم...هل يقدر مهرجان قرطاج على «كاشيات» النجوم العرب ؟    القصرين..مهرجان «الحصان البربري» يعود بعد 19 سنة    القصرين .. إنقاذ مواطن حاصرته سيول «وادي الحطب»    بن عروس.. دفع صديقه في القنال .. فأرداه قتيلا ثم ادّعى أنه غرق !    "أسترازينيكا" تسحب لقاحها المضاد لفيروس "كوفيد - 19" من الأسواق    صفاقس: إنهاء تكليف كاتب عام بلدية ساقية الزيت    رسائل قوية في خطاب التنصيب ... بوتين يعلن قيام النظام العالمي الجديد    ابطال اوروبا.. ريال مدريد يطيح بالبيارن ويضرب موعدا مع دورتموند في النهائي    إرساء تصرّف ذكي في المياه    تونس تدعو للوقوف صفا واحدا ضد حرب الإبادة والتهجير القسري التي يشنها الاحتلال    الأستاذ محمد العزيز بن عاشور يرصد تحولات الموروث الثقافي التونسي في كتاب جديد باللغة الفرنسية    فوشانة: الكشف عن شبكة مختصة في تدليس العملة النقدية    وجيهة الجندوبي :'' ايتها الوطنية رجعلنا المسلسلات المكسيكية والكويتية خاطر كرهتني في وجهي الحقيقة''    عاجل - إغلاق محل لبيع منتجات لحوم الخيول في بن عروس    باب بحر: القبض على متورّط في عمليات سرقة    نُصب له كمين: القبض على عون رقابة للصحة العمومية مُتلبّسا بالرشوة    وكالة التحكم في الطاقة: نحتاج استثمارات ب 600 مليون دينار لتخفيض الاستهلاك الطاقي في البلديات    جامعة السباحة : تفاجأنا بخبر غياب الحفناوي عن أولمبياد باريس    كأس الكاف :الزمالك يحتج على تعيين حكمين تونسيين في النهائي ضد بركان    تطاوين: الشرطة البلدية تُنقذ طفلين من الموت    بين المنستير وصفاقس: الاحتفاظ بشخصين والقبض على منظمي "حرقة" ووسطاء    معهد باستور: تسجيل ما بين 4 آلاف و5 آلاف إصابة بمرض الليشمانيا سنوياّ في تونس    90 % من الالتهابات الفيروسية لدى الأطفال لاتحتاج إلى مضادات حيوية    التنوير العمومي للبلديات يستحوذ على 80 بالمائة من استهلاك الطاقة في ظل وجود اكثر من 730 الف عمود انارة    سليانة: تسجيل جملة من الاخلالات بكافة مراكز التجميع بالجهة    منزل تميم: تفكيك شبكة مختصة في سرقة المواشي    بطاحات جزيرة جربة تاستأنف نشاطها بعد توقف الليلة الماضية    نجيب الدزيري لاسامة محمد " انتي قواد للقروي والزنايدي يحب العكري" وبسيس يقطع البث    السباح التونسي احمد ايوب الحفناوي يغيب عن اولمبياد باريس    عاجل : قضية ضد صحفية و نقيب الموسقيين ماهر الهمامي    أريانة :خرجة الفراشية القلعية يوم 10 ماي الجاري    قصر العبدلية ينظم الدورة الثانية لتظاهرة "معلم... وأطفال" يومي 11 و12 ماي بقصر السعادة بالمرسى    التونسي أيمن الصفاقسي يحرز سادس أهدافه في البطولة الكويتية    انطلاق اختبارات 'البكالوريا البيضاء' بداية من اليوم الى غاية 15 ماي 2024    هام/ تسميات جديدة في وزارة التجهيز..    عاجل/يصعب إيقافها: سلالة جديدة من كورونا تثير القلق..    قوات الاحتلال الصهيوني تعتقل 8640 فلسطينيا بالضفة الغربية منذ 7 أكتوبر الماضي..    جرحى في حادث اصطدام بين سيارتين بهذه الجهة..    بطولة مصر : الأهلي يفوز على الاتحاد السكندري 41    بأسعار تفاضلية: معرض للمواد الغذائية بالعاصمة    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الاربعاء 8 ماي 2024    تراجع عدد أضاحي العيد ب13 بالمئة مقارنة بالسنة الماضية    "دور المسرح في مواجهة العنف" ضمن حوارات ثقافية يوم السبت 11 ماي    هزة أرضية بقوة 4.7 درجات تضرب هذه المنطقة..    محرز الغنوشي: رجعت الشتوية..    لأجل غير مسمى.. إرجاء محاكمة ترامب بقضية "الوثائق السرية"    مصر: تعرض رجال أعمال كندي لإطلاق نار في الإسكندرية    بعض مناضلي ودعاة الحرية مصالحهم المادية قبل المصلحة الوطنية …فتحي الجموسي    المهديّة :ايقاف امام خطيب بسبب تلفظه بكلمة بذيئة    متى موعد عيد الأضحى ؟ وكم عدد أيام العطل في الدول الإسلامية؟    مواطنة من قارة آسيا تُعلن إسلامها أمام سماحة مفتي الجمهورية    العمل شرف وعبادة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إعفاء الأعراف من المساهمات أو تكفل الدولة بها أنموذجا
الضمان الاجتماعي والصكوك البيضاء بقلم: بدر السماوي
نشر في الشعب يوم 09 - 04 - 2011

تكثفت في العقود الثلاثة الماضية تدخلات الدولة في مجال الضمان الاجتماعي سواء على المستوى التشريعي بسن عديد النصوص أو على المستوى الإداري بتكليف الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بالتصرف في بعض المجالات التي ليست عادة من مشمولاته ولئن كانت هذه التدخلات ترتبط إلى حد ما بخصوصية قطاع التغطية الاجتماعية بوصفه قطاعا مهمّا وحساسا يمس أغلب شرائح المجتمع فإن تصاعد وتيرة هذه التدخلات وخاصة ما يتعلق بالتمويل وقد قيل أن المال قوام الأعمال، وتزامنها مع تخلي الدولة عن القطاعات الاستراتيجية أثار ويثير عديد التساؤلات بل والشكوك لدى المنخرطين في الصندوق والنقابيين والخبراء.
فمن المعلوم أن الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي يسير أنظمة الضمان الاجتماعي في القطاع الخاص وقد حدد القانون المؤسس له الصادر في 1960 صفته القانونية بكونه مؤسسة عمومية تتمتع بالشخصية المدنية وبالاستقلالية المالية وتخضع لإشراف وزارة الشؤون الاجتماعية. وتنبع استقلالية الصندوق المالية وشخصيته المدنية من اعتماده في مستوى التمويل على موارده الخاصة المتأتية من مساهمات المؤجرين والأجراء حسبما ورد بالفصل 40 من قانون ديسمبر 1960 وهو ما يعني أن الدولة لا تساهم فيه. كما أوكل المشرع مهمة الإشراف إلى وزارة الشؤون الاجتماعية اعتبارا للطابع الاجتماعي لخدمات هذه المؤسسة.
ولئن كانت مهمة الإشراف هذه مفهومة في السنوات الأولى لتأسيس الصندوق حيث كان القطاع العام يقوم بدور اقتصادي ريادي فإن المسالة أصبحت متناقضة مع دخول البلاد مرحلة الانفتاح الاقتصادي منتصف الثمانينات من القرن الماضي ثم انخراطها في منظمة التجارة العالمية والإمضاء على اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي في بداية التسعينات ففي هذه المرحلة أصبحت الدولة تتدخل أكثر فأكثر في ميدان الضمان الاجتماعي وخاصة في مجالات ذات علاقة بطرق تمويله مثل إعفاء المؤجرين من دفع المساهمات في الضمان الاجتماعي أو التكفل بها نيابة عنهم، وقد لخص الأستاذ عبد السلام دمق أسباب هذه التحولات وانعكاساتها على التغطية الاجتماعية كما يلي: »انجر عن العولمة الزيادة في المنافسة بين الدول والشركات وانسحاب الدولة منتجا مباشرًا وبيع معظم شركاتها العمومية إلى الخواص وتقلص حينئذ دورها في خلق مواطن الشغل وضعفت قدرتها على التغطية الاجتماعية نتيجة تقلص مواردها الجبائية الذي يرجع إلى الإعفاءات الضريبية والامتيازات المتنوعة التي تمنح وما زالت تمنح إلى الخواص«.
وقد سعينا من خلال هذا البحث إلى دراسة مختلف الإجراءات التي اتخذت لإعفاء المؤجرين من المساهمات ومدى تأثيرها على ميزانية الصندوق. كما أولينا اهتماما إلى ما أصبح يعرف بتكفل الدولة بمساهمات الأعراف في الضمان الاجتماعي والذي تزامن مع تشجيع الاستثمارات الأجنبية. وحاولنا أخيرا تحليل خلفيات هذه التدخلات وجدواها ومدى تحقيقها للأهداف التي رسمت لها.
I) إعفاء الأعراف من مساهمات الضمان الاجتماعي
هل هي صكوك على بياض؟
من بين الآليات التي اعتمدتها السلطة في مجال تدخلها في تمويل الصندوق آلية الإعفاء من دفع المساهمات وقد بدأت هذه الطريقة منذ 1974 بصفة محتشمة إلا أنها تعززت بصفة واضحة سنة 1981 قبل أن تضاف إليها آلية التكفل بالمساهمات.
1) إعفاء المؤسسات المصدرة:
يعود أول إعفاء من المساهمة لفائدة الأعراف إلى سنة 1974 حين تم الترفيع في نسب المساهمات المحمولة على المؤجرين بعنوان الضمان الاجتماعي بنسبة 0.5٪ من الأجور على أساس أن تقتطع هذه الزيادة لفائدة الدولة لتمويل مشاريع ذات صبغة اجتماعية. إلا أن المشرع أعفى من دفعها المشاريع المصدرة التي كانت تتمتع بامتيازات قانون افريل 1972، وبذلك فان أول من انتفع بامتياز الإعفاء من جزء من مساهمات الضمان الاجتماعي كانوا الأعراف الذي يديرون مشاريع تصديرية والذين كانوا أساسا من الأجانب.
2) الإعفاء من المساهمات لتشغيل المعاقين
وشهدت سنة 1981 صدور عدة نصوص متعلقة بإعفاء المؤجرين من دفع مساهمات الضمان الاجتماعي من ذلك النص المتعلق بالمعاقين والمؤرخ في 29 ماي 1981 والذي يمكّن من تمتيع أصحاب المؤسسات من إعفاء دفع المساهمات الاجتماعية مقابل تشغيل المعوقين وذلك بنسب تنازلية حسب نوعية الإعاقة. وبذلك يعفى المؤجر من دفع كل المساهمات عند انتدابه لحامل بطاقة معاق ذات أولوية مع مصاحب وثلثي التكاليف عن كل حامل لبطاقة معاق ذات أولوية ونصف التكاليف عن كل حامل لبطاقة معاق بسيط.
ورغم التطور الذي عرفه التشريع الخاص بتشغيل المعاقين لاحقا إلا أنه لم يساهم في تشغيل المعوقين بالقدر المأمول وذلك لعدة أسباب منها أن المؤجرين يلجؤون باعتبار ما يلزمهم به القانون من تشغيل 1٪ من العاملين لديهم من بين المعوقين بالتركيز على أصحاب الإعاقة البسيطة لأن بقية الإعاقات قد تتطلب إدخال تحويرات أو تعديلات على فضاءات العمل وهو ما لم يقدم عليه بسهولة المستثمرون.
3) الإعفاء من المساهمات لتشغيل الشباب
كما شهدت سنة 1981 صدور نص يشجع على تشغيل الشبان سواء من خلال تشغيل أصحاب عقود تكوين وتشغيل أو حاملي عقود الإعداد للحياة المهنية 1 و 2 أو من بين المتدربين الذين أتمّوا فترة تدريبهم، ويشمل الإعفاء كامل فترة التربص ويمتد إلى السنتين المواليتين للتربص بالنسبة للنوع الأول والسنة الموالية للتربص للنوعين الآخرين.
وقد تمت مراجعة هذا النص سنة 1993 أي في نفس الفترة التي شهدت إصدار مجلة تشجيع الاستثمارات وغيرها من النصوص التي كانت انعكاسا للانخراط في مسار العولمة، وقد تزامنت هذه الإجراءات القاضية بإعفاء المؤجرين من دفع مساهماتهم في حالة انتداب متربص أو متدرب مع تراجع الدولة عن القيام بدورها في التكوين المهني وتشريك القطاع الخاص فيه وذلك عبر آلية إرجاع مصاريف الأداء على التكوين المهني التي نظمها الأمر الصادر سنة 1994.
وبحكم الطابع الارتجالي لهذه القرارات فان حظوظ نجاحها كانت ضئيلة مع غياب التقييم الموضوعي والناجع لمدى تحقيقها للأهداف التي وضعت من أجلها مما يحولها أحيانا إلى صكوك على بياض تمضيها الدولة نيابة عن المنخرطين في الضمان الاجتماعي، ذلك أن مساهمتها في دفع التشغيل ومن ثمّة حلّ مشكلة البطالة تبقى مجهولة فضلا عن الضرر الذي يلحق بموارد الصندوق وهو ما أشار إليه عديد الخبراء في الميدان مثل الأستاذ عبد الستار المولهي:
»إلا أن لهذه الإعفاءات تأثير على ميزانية الصندوق وبالتالي على مصداقيته. فنظام الضمان الاجتماعي هو نظام إسهامي يمول منافعه عن طريق الاشتراكات المعنية وعلاوة على ما تحدثه الإعفاءات المذكورة من تخفيض في مداخيل الصندوق فإن هذا الأخير مطالب بتحمل مصاريف المنافع المسداة للمعوقين والمنتفعين بعقود التكوين والتشغيل والمتربصين المنتفعين بالتربص للإعداد للحياة المهنية.
II) تكفل الدولة بمساهمات الأعراف في الضمان الاجتماعي:
من يتكفل بمن؟
علاوة على إعفاء المؤسسات بجزء من المساهمات فقد تم إقرار طريقة أخرى وهي تكفل الدولة بها نيابة عنهم. وتختلف نسب التكفل حسب نوعية التدخل مثل المساعدة على تشغيل الشبان أو التشجيع على بعث المشاريع في المناطق الداخلية أو بمساعدة المؤسسات التي تمر بصعوبات اقتصادية لمواصلة نشاطها، ويمكن أن تكون نسب التكفل كاملة أو بنسبة 50٪ أما الفترات فهي تختلف حسب نوعية النشاط أو الامتياز. ويكلف الصندوق بالتصرف في هذه الامتيازات وعليه أن يطالب الدولة بأمواله التي أعفي الأعراف من دفعها.
سنحاول التعرض إلى مختلف أنواع التكفل وتقييم تأثيرها على الهدف الذي بعثت من أجله وصعوبات الصندوق في التصرف فيها.
1) التكفل بالمساهمات للتنمية الجهوية
تزامنا مع إقرار برنامج الإصلاح الهيكلي سنة 1986 صدر في السنة الموالية قانون للتشجيع على بعث المشاريع في مناطق داخلية تضمن التكفل بمساهمات الأعراف في الضمان الاجتماعي. ومن المعروف أن برنامج الإصلاح قد أعطى إشارة الانطلاق للتفويت في المؤسسات العمومية وخوصصتها. وقد تضمنت مجلة الاستثمارات الصناعية آنذاك عدة إجراءات منها تمتيع المؤسسات المصدرة كليا أو جزئيا من تكفل الدولة بمساهماتها بنسب مختلفة في الضمان الاجتماعي وكذلك المؤسسات التي تهدف إلى تقديم إضافات تكنولوجية أو التي تؤدي إلى إحداث فرق عمل إضافية.
وقد جاءت مجلة تشجيع الاستثمار الصادرة سنة 1993 لتمتيع الاستثمارات المنجزة في مناطق تشجيع التنمية الجهوية في قطاعات الصناعة والسياحة والخدمات بتكفل الدولة كليا بمساهمة الأعراف في النظام القانوني للضمان الاجتماعي بعنوان الأجور المدفوعة للأعوان التونسيين وذلك لمدة الخمس سنوات الأولى ابتداء من طور الدخول في النشاط الفعلي.
إنه لمن البديهي اعتبار التوازن الجهوي هدفا ساميا ونبيلا من شأنه تحقيق العدالة والمساواة بين الجهات حتى يمكن للجميع المساهمة في التنمية والاستفادة من ثمارها. إلا أن تحليل الواقع الميداني يبرز أن عديد المشاريع المحدثة والتي تمتعت ببعض الامتيازات ليست بالضرورة في المناطق الأكثر توفيرا للامتيازات وليس هذا أساسا من باب جهل المستثمرين للامتيازات بل إلى عدم توفر اليد العاملة المختصة من ناحية وإلى رغبة المستثمر في التواجد قرب المصالح الإدارية، وعلى سبيل المثال اتضح أن ولاية زغوان تحظى بأكبر نسبة من الاستثمارات باعتبار قربها من العاصمة مقارنة بولايات أخرى مثل القصرين أو سليانة أو الكاف. إن ما يهم المستثمرين للاستثمار بالمناطق الداخلية ليست الامتيازات الجبائية أو ما شابهها من إعفاءات كالمساهمات في الضمان الاجتماعي بل توفر ظروف وشروط أخرى منها البنية التحتية.
أما من حيث تصنيف الجهات فإن النصوص المنظمة لهذه الامتيازات لم تكن تعكس الفارق على أرض الواقع بما يغري المستثمرين على التوجه إلى المناطق الأكثر حاجة لبعث المشاريع. وكمثال على ذلك فأرياف سوسة المصنفة ضمن مناطق التنمية الجهوية أفضل على مستوى البنية التحتية من أرياف قفصة. هذا إلى جانب أن النصوص القانونية لم تضبط إجراءات زجرية في صورة عدم الانتصاب في المناطق المذكورة كأن يكون المقر الاجتماعي في زغوان مثلا بينما النشاط الفعلي في تونس العاصمة.
2) التكفل بالمساهمات لتشغيل حاملي الشهادات العليا
لقد نص الفصل 43 من مجلة تشجيع الاستثمار الصادر سنة 1993 على التكفل ب 50٪ من مساهمات الأعراف في النظام القانوني للضمان الاجتماعي عند تشغيل أصحاب الشهائد العليا أي الحاصلين على باكالوريا زائد 4 وذلك لمدة سبع سنوات. وقد أدى الإقبال المحتشم على هذه الإجراءات إلى مراجعة الفصل 43 سنة 1997 وذلك بالتخفيض من مستوى الشهادة إلى شهادتين من التعليم العالي والترفيع في نسبة التكفل إلى التكفل الكامل عوضا عن 50٪.
ويبدو أن هذه الإجراءات لم تجد تجاوبا على أرض الواقع بسبب عدم قدرة المؤسسات المتوسطة والصغرى على تحمل كلفة تأجير أصحاب الشهائد العليا. كما أن العدد الكبير من المؤسسات الصغرى والمتوسطة يغلب عليها الطابع العائلي فلا تقبل على تسليم أملاكها إلى الغير مما جعلها لا تقبل على تشغيلهم رغم إغراءات الامتيازات المذكورة.
لقد أجمع أغلب الخبراء على أن هذه الإجراءات لم تعط النتائج المرجوة باعتبار أن العلاقة بين التشغيل والضمان الاجتماعي ليست علاقة مباشرة ذلك أن المؤجر مرتبط بعدة عوامل منها مستوى التكوين ونظام التأجير والمنافسة في السوق وبالتالي فإن الإعفاء من مساهمات الضمان الاجتماعي ليست سوى معطى ثانوي. فما يهم المستثمرين هو التكوين الجيد والمتكامل لهؤلاء الشبان.
وعلاوة على ما جاءت به مجلة تشجيع الاستثمار فقد صدر سنة 2002 قانون ينص على تكفل الدولة بمساهمات الأعراف في النظام القانوني للضمان الاجتماعي لفائدة المؤسسات الصغرى التي يتم بعثها من قبل أشخاص في شكل مشاريع فردية أو في شكل شركات ويكون الباعث من خريجي التعليم العالي وأن يتفرغ لتسير المشروع ويدوم التكفل 3 سنوات ويهدف هذا القانون إلى تشجيع المستثمرين الشبان الذين ليست لهم القدرة المالية الكافية على بعث المشاريع. كما تم تمكين الباعثين الجدد من تأجيل دفع مساهماتهم عنوان الضمان الاجتماعي لمدة سنتين ويتم دفع هذه المستحقات على مدى 36 قسطا شهريا.
وقد بيّنت تجربة السنوات الماضية أن عديد الباعثين الذين تمتعوا بامتياز تكفل الدولة لم تتوفر فيهم الشروط الكافية مثل عدم التمويل من قبل مؤسسة قرض أي بنك مثلا بسبب أن هذه المؤسسات الصغرى غير منظمة في أغلبها إداريا وماليا وهو ما يجعل البنك يشك في صحة وثائق المحاسبة على خلاف المؤسسات الكبرى التي تعتمد على خبراء محاسبين. كما أن بعض الباعثين لم يتفرغوا للمشروع كما ينص على ذلك القانون أو قاموا بتحويل المشروع من النشاط الأصلي الذي بعث من أجله إلى نشاط آخر لا يخول الانتفاع بالامتياز. وهو ما يطرح تساؤلا حول مدى جدوى هذه الإجراءات الخاصة بالإعفاء من المساهمات وتحميلها للدولة في مناخ متسم بالبيروقراطية الإدارية تسن فيه القوانين بطريقة فوقية لخدمة دعاية سياسية أكثر منها استجابة لاستحقاقات ميدانية وعملية.
إن المضمونين الاجتماعيين والمنخرطين بقدر حرصهم على المساهمة في حل مشكلة البطالة وتشغيل أصحاب الشهادات العليا بقدر ما يحرصون على عدم الحلول محل الدولة التي من مهامها العناية بالقطاعات الاستراتيجية العمومية مما يؤدي إلى خلق مواطن شغل جديدة حتى لا يكون الضمان الاجتماعي ضحية البطالة مثلما استنتج ذلك الأستاذ حافظ العموري: »أليس الضمان الاجتماعي ضحية البطالة إذ في الوقت الذي يتطلب الأمر أكثر ما يمكن من الموارد لمواجهة حاجيات اجتماعية جديدة نجده محروما من هذه الموارد بسبب البطالة وهشاشة التشغيل وعدم قدرته على التأقلم مع الأشكال الجديدة للعمل التي تمثل تحديا يطرح تجاوزه«.
3) التكفل بالمساهمات لمساندة المؤسسات التي تعاني صعوبات ظرفية
تميزت الإجراءات المبينة في الفقرتين السابقتين بكونها إجراءات وقائية تحث على التشغيل والتنمية، إلا أن المشرع قد انتقل في مرحلة ثانية إلى التدخل لفائدة المؤسسات باتخاذ إجراءات علاجية، ولا نقصد هنا القوانين التي تم سنها في إطار الحماية الاجتماعية للعمال باعتبار أن المنتفعين بها هم الأجراء أنفسهم في ظرف هم في أشد الحاجة إليها بل يهم الموضوع تدخل الدولة لفائدة المؤسسات الاقتصادية عبر آلية التكفل بمساهماتها في الضمان الاجتماعي لمساعدتها على مواصلة نشاطها بفعل انعكاسات الأزمة المالية العالمية وذلك بداية من سنة 2009.
وقد تجسد ذلك في القانون الصادر في ديسمبر 2008 حيث تتكفل الدولة بمقتضاه بنسبة 50٪ من مساهمة الأعراف في الضمان الاجتماعي بعنوان الأجور المدفوعة للعمال الذين يشملهم إجراء التخفيض في ساعات العمل ب 8 ساعات على الأقل في الأسبوع وذلك بالنسبة إلى المؤسسات المصدرة كليا كما تتكفل بمساهمة الأعراف بعنوان الأجور المدفوعة للعمال الذين أحيلوا على البطالة الفنية من قبل المؤسسات المصدرة كليا، وقد تم إقرار هذا الإجراء لمدة 6 اشهر أي من جانفي 2009 إلى جوان 2009 ثم تمديده في جوان 2009 لمدة 6 اشهر أخرى م تمديده لفترة ثالثة بداية من جانفي 2001.
4) من المستفيد من التكفل؟
إن التخفيف من مساهمات الأعراف في الضمان الاجتماعي ليس دائما عاملا تحفيزيا للتشجيع على التشغيل أو على الاستثمار بصفة عامة ذلك أن المسالة مرتبطة بمناخ كامل يتضمن فضلا عن الظروف العالمية ظروفا داخلية مثل البنية التحتية والمحيط التشريعي والإداري والاجتماعي وظروف تسويق المنتوج.
إن مشكلة التكفل بالمساهمات تطرح من زاويتين:
الزاوية الأولى أن هذه الطريقة لم يثبت تقديمها الإضافة المرجوة بدليل تفاقم أزمة البطالة لدى حاملي الشهادات العليا من جهة وفي المناطق الداخلية رغم كل الإجراءات القانونية المذكورة. الزاوية الثانية على مستوى التصرف الإداري فمن المعروف أن المؤجر بعد إيداع التصاريح بالأجور يدفع ما عليه ثم يقوم الصندوق بمطالبة وزارة المالية بالفارق. وبالطبع فان هذه الإجراءات ليست سريعة ولا بديهية في أحسن الأحوال ويبقى الصندوق ينتظر الدولة حتى تجود عليه بحقه. أما إذا شابت بعض الملفات إشكالية أو سادت الإجراءات بعض البطء فإن أموال المضمونين الاجتماعين تبقى في ذمة الدولة.
كما أن تكليف الصندوق بالتصرف في ملفات التكفل ومطالبة الدولة باسترجاع مستحقاته يكلفه أتعابا إضافية بدون مقابل كان من الأجدى توجيهها إلى مجالات أخرى أو على الأقل مكافأته عليها بنسبة معينة على غرار ما وقع سنة 1993 عندما تم تكليفه بالتصرف في صندوق ضمان النفقة وجراية الطلاق وتوظيف مقابل ذلك معلوم بنسبة 5٪ من المبالغ بعنوان مصاريف تصرف.
5) آخر محاولة: إعفاء لمدة 10 سنوات
وكانت آخر مناسبة يلتجئ فيها النظام السابق إلى مثل هذه الإجراءات ما ورد في الخطاب الذي ألقاه الرئيس المخلوع يوم 11 جانفي 2011 والذي وعد فيه بإحداث 300 ألف موطن شغل في موفى سنة 2012 حيث تم اتخاذ إجراء آخر لا يقل خداعا للرأي العام وتأثيرا على ميزانية الصندوق ويتمثل »في إعفاء كل مشروع جديد تفوق نسبة التأطير فيه 10٪ ويبعث في جهات التنمية الداخلية من الضريبة على الأرباح ومن مساهمة الأعراف في التغطية الاجتماعية وذلك لمدة عشر سنوات«.
وتكمن خطورة هذا الإجراء الذي اتخذه الرئيس السابق في اللجوء إلى الإعفاء وليس التكفل وهو ما كان يمثل اعتداء فادحا على ممتلكات المضمونين الاجتماعيين إضافة إلى أن فترة الإعفاء امتدت هذه المرة إلى 10 سنوات وهي فترة طويلة نسبيا لم يتم العمل بها بتاتا في السابق، ومن الواضح أن مثل هذه الإجراءات التي لم تأتي بنتائج ايجابية خلال ما يقارب الثلاثة عقود لا تخرج عن كونها مزايدات في الوقت البديل.
III) الدولة وعلاقتها بتمويل الضمان الاجتماعي
لقد ركزنا في هذا البحث على مسألة الإعفاء من مساهمات الأعراف في الضمان الاجتماعي أو تكفل الدولة بها وهي ليست الإجراءات الوحيدة التي تتدخل من خلالها الدولة في موارد الصندوق ذلك أن المشرع قام بسن عديد القوانين بغية التخفيف من واجبات المؤجرين وبالذات منذ بداية اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي. ونذكر في هذا السياق:
مراجعة قاعدة احتساب المساهمات في أكثر من مرة (سنوات 1995 و1999) و 2003 بوضع سقف مبالغ لبعض ملاحق الأجور عند التصريح بها للصندوق.
التخفيض سنة 2007 من نسب خطايا التأخير.
إلغاء خطايا التأخير في أكثر من مناسبة.
ولئن كان الحرص من وراء هذه الإجراءات وغيرها العمل على دعم الاستثمار والتنمية ومن ثم التشغيل إلا أن المساهمين في ميزانية الصندوق وخاصة منهم المضمونين الاجتماعيين من حقهم إبداء عديد التساؤلات مثل:
هل نجحت هذه الإجراءات فعلا في حل مشكلة البطالة وخاصة منها بطالة حاملي الشهادات العليا؟
هل ساهمت هذه التدابير في دفع الاستثمار في المناطق المحرومة؟
إلى أي مدى لم تؤثر هذه الإعفاءات في ميزانية الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي؟
هل أن الدولة قادرة على التكفل بمساهمات الأعراف في حين أنها أصبحت غير قادرة على التكفل بالخدمات الأساسية كالصحة والتعليم والنقل...؟
إن هذه المسائل لا تتم إثارتها عند الحديث عن وضعية الضمان الاجتماعي وخاصة ما يتصل بالتوازنات المالية للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في حين أنها جديرة بالتقييم لتجاوز التفسيرات التقليدية والسطحية التي تقف عند »انعكاسات الظروف العالمية الاقتصادية« أو »آثار التحولات الديمغرافية«، ويمكن حوصلة أهم الملاحظات حول هذا الملف في النقاط التالية:
❊ إن تدخلات الدولة تتسم بالاضطراب والارتجالية ذلك أن النصوص المتعلقة بالإعفاءات والتكفل تتضمن العديد من الجزئيات والتعقيدات وهي قابلة إلى عديد الاجتهادات مما جعل استيعابها من قبل المستثمرين وخاصة منهم الباعثين الشبان غير بديهي إضافة إلى صعوبة التصرف فيها من مختلف الهياكل الإدارية المتدخلة.
❊ يتحمل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي أعباء هذا الملف بينما تعود سلطة القرار في إسناد الامتياز إلى غيره مثل إسناد الامتياز في حالة أصحاب الشهائد العليا الذي يمر عبر الوزارة المكلفة بالتكوين والتشغيل وليس الصندوق أو حتى وزارة الشؤون الاجتماعية.
❊ لقد تمت مراجعة هذه النصوص القانونية عديد المرات هذا دون الحديث عما يمكن أن يلحق من ضرر لمداخيل الضمان الاجتماعي. ذلك أن الدولة في هذه الحالة هي الطرف المطالب بالدفع وليس هناك بالطبع أية وسيلة للصندوق لاستخلاص أمواله إن لم تؤدي الدولة واجبها خاصة في ظل ما كان يسود الإدارة التونسية في العقدين الماضيين من طغيان وفساد وسوء تصرف.
تزامنت الإجراءات التي اتخذت في هذا المجال مع الحملات الانتخابية مما جعلها توظف في الدعاية السياسية أكثر من تجاوبها مع استحقاقات تنموية، من ذلك إجراءات التكفل الصادرة سنتي 1993 و 1994والتي كانت قبيل الانتخابات الرئاسية والتشريعية لسنة 1994 والإجراءات الخاصة بالسياحة الصحراوية والنهوض بالصناعات التقليدية وغيرها قبيل انتخابات 1999 والإجراءات الخاصة بالمؤسسات التي تمر بصعوبات ظرفية سنتي 2008 و 2009بمناسبة انتخابات سنة 2009.
لقد كانت أهم الدوافع التي ارتكزت عليها الدولة للقيام بهذه الإعفاءات التشجيع على التشغيل لحاملي الشهادات العليا والتشجيع على بعث المشاريع في المناطق الداخلية. إلا أن الواقع الاجتماعي قد بيّن فشل هذه الخيارات، ذلك أن الذين أشعلوا شرارة الانتفاضة في نهاية سنة 2010 هم بالذات حاملو الشهادات العليا الذين نص عليهم الفصل 43 من مجلة تشجيع الاستثمار، أما المناطق التي عبرت عن سخطها على سياسة الإقصاء والتهميش فهي تلك التي نص عليها الفصل 25 من المجلة المذكورة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.