غريب أمر نواب الشعب الذين لا يمثلون الشعب في شيء! وغريب أمرهم فبعد أن كسبوا الحرية بفضل الثورة الشعبية صاروا يهيجون ويميجون دون خجل ولا وقار! غريب أمر هؤلاء الذين لم نكن نسمع أن احدهم اعترض على التصويت لمشروع أحد القوانين أو احتفظ على الاقل بصوته.. طبعا دون الاشارة إلى النوّاب المعارضين الذين كانوا يتسابقون للتأييد والمساندة ونعم... نعم... نعم فهؤلاء لو تركوا مقاعدهم شاغرة لكان أفضل، لكن لابدّ للتلفزة أن تفرض على مشاهديها وكانوا قلة مشاهدة حضورهم الصوري. تسمّرت كغيري أمام جهاز التلفزة بمناسبة الجلسة الاولى بعد الثورة لمجلسي النواب والمستشارين وأنا شبه متأكد أنّ الأعضاء المحترمين سيطالبون الحكومة المؤقتة أن تضع في أولوياتها التشغيل ثم التشغيل... ودعوة الشعب التونسي بكل فئاته إلى الالتحاق بالعمل بعد تسجيل التراجع الذي بلغ عشرات ملايين الدينارات، والدعوة إلى ترميم ما وقع حرقه ونهبه من منشآت ومؤسسات وفضاءات ودكاكين... وإلى وقف الاضرابات والاعتصامات وكل ما يمس بالسير العادي للعمل نظرًا إلى حساسية الظرف ودقة الاوضاع خاصة من الناحية الاقتصادية والى حماية محيط المدارس والمعاهد والكليات، وبث الوعي في صفوف التلاميذ والطلبة لضمان حقهم في الدراسة وضمان ظروف سير طبيعي للدروس. وكم تمنيّت أيضا أن يزور أعضاء المجلسين عائلات الشهداء والجرحى لمواساة أفرادها والرفع من معنوياتهم ومدهم بالمساعدات بكل أنواعها وانتظرت طويلاً أن يطالبوا بالسماح لهم بالتنقل إلى مختلف أرياف وقرى ومدن البلاد والاجتماع بافراد الشعب الذي يمثلونه ويناشدونهم بالحفاظ على الثورة المجيدة ويعدونهم بالمستقبل المشرق لتونس، ويطمئنوا الشباب العاطل الذي طالت بطالته ان القادم أفضل وأن الفقر زائل وان الخصاصة ستذهب دون رجعة وان المؤسسات ستفتح الابواب لاحتضانهم وان الحكومة المؤقتة ليست لها عصًا سحرية لحل كل المشاكل في يوم واحد أو بضعة أيام، ولكنها ستعمل جاهدة هي والحكومة القادمة و»نحن معها« على حل مشاكل البطالة والتنمية والخصاصة والفقر ومقاومة الرشوة والمحسوبية والتدخلات و»الأكتاف« و.. و.. وانتظرت ايضا من نوابنا الافاضل أن يطالبوا بكل الحاح من وزارة الداخلية بالقضاء على المجموعات الاجرامية الخطيرة التي مازالت ترعب التونسيين في كل مكان و»البراكاجات« التي أصبحت تقع في وضح النهار وفي كل مكان... وإذا بنوّابنا المحترمين وفي أول جلسة لهم بعد الثورة بأيام يتغافلون عن كل هذا الذي ذكرته وغيره كثير يخطبون ويتطاولون ويزعقون ويصيحون وينادون ويلومون... وينددون... لا بغلاء المعيشة والبطالة والخصاصة والفقر.. بل بعدم تمثيلهم وتمثيل حزبهم (إن كان له وجود) في تشكيلة الحكومة المؤقتة! تصوّروا! شتم وثلب وعبارات أقل ما يقال فيها انها نابية.. ودون ان ينسوا ان التاريخ لا يرحم سهروا ليلتها على كتابة خطاباتهم الرنانة ليوهموا الشعب التي لا يمثلونه أنّّه وقع التغرير بهم وتغليطهم، وأنهم قالوا كذا... وكذا.. وان تدخلاتهم مدونة ويمكن في أي وقت الرجوع إليها... وليت المجلس يسمح بنشرها في الصحف و»يا نهار الكشفة«! انتم يا من لا تمثلون الشعب (وغيركم كثيرون) أكدتم لنا بكل وضوح وفهمكم الشعب الذي تمثلونه أنكم بتدخلاتكم وخطبكم الرنانة في أول جلسة لكم بعد الثورة (وستكون الاخيرة طبعا) أنّه لا غاية لكم سوى الحفاظ علي مرتباتكم وامتيازاتكم ومصالحكم، حتى وان أدى ذلك إلى »سرقة« ثورة شعبكم الذي لا تمثلونه والذي لم يكن ولم يعد »يستبلهه« أحد... لذلك قرر هذا الشعب ان لا يمثله في المستقبل واحد من وجوه ما قبل ثورة 14 جانفي.. فوداعًا للمرتبات والامتيازات.. ووداعًا لنعم.. نعم... نعم وتحيّة اكبار لتواضع وصبر الوزير الاول الذي كان صبره اكبر بكثير من صبر أيوب. ❊ ملاحظة هامة: كم أعجبت بالمستوى الرفيع لأبناء القصرين في الملف التلفزي للقناة الاولى للتلفزة الوطنية وأتمنى أن يتابعه النّواب ليكون درسا لهم في النقاش.