سرقة الثورة أخطر من سرقات ناهبي الشعب. هذه المسلمة قد تكون هي الأرسخ اليوم في ذهن كل تونسية وتونسي يتابع عن كثب ما تأتيه الحكومة المؤقتة، فهذا الشعب المفرط في فطنته وذكائه، المنسجم مع حرّيته وكرامته لم تعد تنطلي عليه الالعاب الفرجوية للسيرك السياسي المُعجب ببهلوانياته اليوميّة وبخفة أصابعه الخشبية التي تحرّك عرائسه الجديدة فوق الكراسي الوزارية وخلف كاميروات صناديق الاعلام... بالي التونسي يصرّ على مداعبة الخيوط الواهية بأقنعة »الأخلاقويّة« المفضوحة ويداعبنا كل يوم بُطعم سيء المذاق، فمرة يدين شخصًا بتهمة الخيانة العظمى ثم يطلق سراحه بعد أربع ساعات، ومرّة ثانية يدخلنا إلى دهاليز الكنوز القارونية ومرة ثالثة يذبح قسًا ثم يلقي القبض بعد يومين على صاحب الفعلة... ومرّة يغازل عمّال المناولة بطريقة أحاديّة... ويواصل لعب كل الاوراق الممكنة أمام جمهور ضئيل امتهن التصفيق الدائم وتصديق كل الحركات التي يأتيها المهرّج... إمّا لطبيعة استكانت فيه أو لمصلحة يخشى على ضياعها... إن سيميولوجيا الثورة التونسية تكتسح أفقنا وتتغلغل يومًا بعد يوم ويشتد عودها أمام المحاولات المرتبكة للحكومة المؤقتة ولمن يعضد تململها من الداخل والخارج وما على هذه الحكومة إلاّ أن تسرع في إلقاء خطابها الاخير وتقول فيه للشعب »أنا فهمتكم« وإن كان بعض وزراء هذه الحكومة قد جلسوا لأول مرّة على الكرسي الوثير فسنهدي كل وزير مكتبًا كاملاً يحمله معه إلى بيته... يضم في صفوفه فئات عدّة وقطاعات كثيرة لعلّ أبرزهم المهتمون بعالم الفنون، وأقصد من أشهرتهم وسائل اعلام بن علي، فهؤلاء لم نرهم ولم نسمع مواقفهم ولكن الاكيد أنهم سيحصدون ثمار ثورة الأحرار وسيخرجون من جحورهم ليتغنوا بالحرية ويصوروا أفلامًا عن الثورة ومسرحيات تؤرّخ لأحرار تونس... مثلهم أيضًا لاعبي كرة القدم، أولئك المتمعشون من النظام البائد والذين مازالوا في الملاعب ساهون عن حناجر القصبة وخطى هذا الشعب الأبي... أعرف جيدا أن الثورة ينجزها الأحرار ويقطف ثمارها الانتهازيون... أعرف ذلك جيدًا ولكن مهرّجونا تمادوا كثيرا في انتهازيتهم...