رئيس الجمهورية: أولى الأولويات هي تحقيق العدالة الاجتماعية ودفع الاستثمار ووضع حدّ للفساد    منظمة إرشاد المستهلك تدعو لمراجعة قانونية لتجاوزات "الشنقال" و"الصابو"    عاجل/ الحماية المدنية تحذر من الابحار..    Activi Sifek مع شهري عرض Ooredoo الجديد للدفع الآجل على شبكة الجيل الخامس، مليء بالمزايا الحصرية    صابة ''الهندي'' تراجعت برشا.. والحشرة القرمزية السبب    الكاف: تجميع أكثر من مليون و100 الف قنطار من الحبوب    إلى غاية 06 جويلية: تجميع 518 ألف قنطار من الحبوب الممتازة    ترامب يفرض رسومًا جمركية شاملة على واردات 14 دولة بينها تونس بدءًا من 1 أوت    نتنياهو يعلن ترشيحه ترامب لجائزة نوبل للسلام    عاجل/ إيران تعلن حصيلة جديدة لضحايا الحرب مع إسرائيل..    هزة أرضية بقوة 9ر4 درجات تضرب قبالة هذا الساحل..#خبر_عاجل    بلاغ هام للنادي الافريقي..#خبر_عاجل    تشيلسي وفلومينينسي في صدام الكبار: تعرف على الموعد والقناة الناقلة    الشبيبة القيروانية: تواصل التحضيرات .. ولاعب إيفواري تحت المجهر    دورة الصداقة الدولية الودية للكرة الطائرة: المنتخب الوطني يفوز على نظيره المصري    النادي الصفاقسي: اليوم إنطلاق تربص عين دراهم .. و27 لاعبا في الموعد    سينر يبلغ دور الثمانية في ويمبلدون للتنس بعد انسحاب ديميتروف للإصابة    الكرة الطائرة – كأس العالم للسيدات تحت 19 سنة: على أي قناة وفي أي وقت يمكنك مشاهدة مباراة تونس وبورتو ريكو ؟    عاجل/ نشرة متابعة للوضع الجوي..وهذه التفاصيل..    عاجل/ الحرارة ستنخفض الأيام المقبلة إلى ما دون المعدلات العادية لشهر جويلية والسباحة ممنوعة..    حادث مرور قاتل بهذه الطريق..وهذه حصيلة الضحايا..    مجسّم ''الباخرة الغارقة'' يُثير الجدل في منزل جميل... والبلدية تؤكّد انه جميل وناجح    من دمشق إلى غزة… التراث العربي بين نيران الحروب وصمت العالم!    الصباح ما يكمل كان بفنجان تاي ولا قهوة... أما شنوّة المفيد فيهم؟    ئيس غرفة تجار المصوغ: الذهب عيار 18 قاعد يتباع بأكثر من 300د    قصّ عليك الضو؟ تعرّف على أسهل طريقة لتقديم ''ريكلاماصيون'' للستاغ    للتونسيين بالخارج: البريد يُمكّنك من دفتر ادّخار بالدينار القابل للتحويل    نتائج الباك المتميّزين اليوم.. وهذه تواريخ تأكيد التوجيه والمنح    مروان بن جمعة : المفاوضات مع واشنطن متواصلة وأجواؤها إيجابية    شنوّة معناها قرار ترامب بفرض 25% معاليم ديوانية على تونس؟    للتذكير: البحر ممنوع 3 أيام الجايين.. البحر خطير هالأيام ردوا بالكم على صغاركم    فيروس ''روتا'': مرض شائع يسبب التهاب المعدة والأمعاء إليك طرق للوقاية منه    علاش الصيف مهم؟ شنيا فوائد السخانة    طقس اليوم الثلاثاء    نادي الدحيل القطري يتعاقد مع الإيطالي فيراتي    نتنياهو يعلّق على إمكانية قيام دولة فلسطينية.. ويحدد شرطا    رئيس الجمهوريّة يستقبل وزيرة المالية    عاجل/ بعد الاجراءات الاخيرة في "التوينسار": هذا أبرز ما جاء في لقاء رئيس الدولة بوزير النقل..    ترامب: سنرسل المزيد من الأسلحة الدفاعية إلى أوكرانيا    طقس الثلاثاء: انخفاض في درجات الحرارة    بعد الرسامة الدنماركية.. فنان فرنسي يتهم الإعلامية المصرية مها الصغير بسرقة إحدى لوحاته    غدا: عملية جراحية بمستشفى سهلول للمرأة التي أفقدها زوجها عينيها    تاريخ الخيانات السياسية (8): الغدر بالحسين بن علي    جهة وتاريخ: «بئر بروطة» بالقيروان... مَعلم مائي تتعدّد حوله الأساطير    أولا وأخيرا ... فلفل بر العبيد    مهرجان قرطاج: الكشف عن شعار الدورة ال59 'قرط حدشت'    كيت ميدلتون: "الأصعب يبدأ بعد العلاج"… الأميرة تتحدث عن تحديات مرحلة التعافي من السرطان    المهرجان الجهوي للمسرح بدور الثقافة ودور الشباب بولاية منوبة يومي 8 و9 جويلية    مدنين: الميناء التجاري بجرجيس يستقبل ثاني رحلة عودة لابناء تونس المقيمين بالخارج    الندوة الصحفية لمهرجان جمال: "مرتضى" في الافتتاح وأمينة فاخت في الإختتام    قبلي: تواصل مراقبة الوضع الصحي للواحات وعدم تسجيل بؤر مقلقة للاصابة بعنكبوت الغبار    عاجل/ نشرة تحذيرية جديدة للحماية المدنية..وهذه التفاصيل..    إصدار طابعين (02) بريديين حول موضوع "البريد الأورومتوسطي: محميات طبيعية من البحر الأبيض المتوسط"    بكالوريا: اليوم انطلاق التسجيل في خدمة ال SMSلنتائج دورة المراقبة    شنية سرّ السخانة في جويلية.. بالرغم الي أحنا بعاد على الشمس؟    تاريخ الخيانات السياسية (7): ابن مُلجم و غدره بعلي بن أبي طالب    تاريخ الخيانات السياسية (6) .. أبو لؤلؤة المجوسي يقتل الفاروق    تذكير بقدرة الله على نصرة المظلومين: ما قصة يوم عاشوراء ولماذا يصومه المسلمون ؟!..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المتسامحون الجدد
نشر في الشعب يوم 12 - 03 - 2011

إنّ مجرّد سقوط رؤوس النظام البائد القائم على التّجريف والتّصحير والتّشريد والتّجويع وأنشطة المخبرين وإفراغ المواطن من شحنته الوطنيّة شهادة لانخراط تونس العظيمة في مسار جديد لا يمكن لكل قوى الرّدّة والرّجعية وأحاديي النظرة ولكل الظّلاميين بالقوّة أو بالفعل إثناءها عنه. لقد تدفّق السيل يتلوه السيل وما عادت ممارسات الغوغاء والرعاع والمندسين قادرة على أن توقف صبيبه بقذارتها الداعية إلى الغضب والاستغراب ثمّ الرثاء.
هؤلاء »الأبطال« هم المرتزقة الذين شبّوا في محضنة الخزي والعار ورضعوا حليب مؤسسات الانتهازية والخيانة واللاوطنية من المؤسسة الأم التي يمثّلها الحزب الأوحد السابق وإنّ الشجرة الخبيثة لا يمكن إلاّ أن يكون أكلها من جنسها وأنّ كلّ إناء بما فيه يرشح وإنّ »هذه العصا من تلك العصية ولا تلد الحيّة إلاّ الحيّة«!!
كلّ ذلك ومازلنا بين الحين والحين نسمع أصواتًا تُعدُّ من المشهود لها بالنضال في الساحة االوطنية تنادي بطيّ الصفحة وبداية أخرى جديدة وتعلن عن ضرورة اعتذار فئات من النظام السابق عن انتمائها يوما إلى حزب الشيطان والخطأ بشريّ ولا أحد معصوم منه!! وماذا بعد ذلك؟
إنّنا لا ندري إن كان هؤلاء متضلّعين في السياسة وأسرارها إلى درجة لا نستطيع معها مواكبة قدراتهم أم هم كرماء كرما حاتميًّا لا قدرة لنا على مجاراة نسقه أو بلوغ مداه أم هم متسامحون على الطريقة المسيحيّة في المقولة المعروفة »إذا ضربك أحد على خدّك الأيمن فأدِر له خدّك الأيسر«؟؟ بل لعلّهم يعتقدون وهم من هم أنّ زمان الحبّ المطلق قد حلّ غُفْلاً من كلّ الموانع والشروط!
إذا كان ذلك فلنَعِشْهُ جميعًا ولنُوكل رعاية قطعان الضأن إلى الذئاب ولتعزف الغربان مع الجرذان سيمفونيّة التوافق والانعتاق وكلّنا إخوة أو إخوان!؟ وتونس تجمعنا ولا بأس في أن يتصالح المصعوق مع الصّاعقة وأن تحتضن الضحيّة جلادها!.. ولكنّ الجدل يقتضي منّا في أبجدياته أن ننظر من الزاوية المضادة فينشأ السؤال: »أليس هؤلاء المتسامحون فجأة قد انخرطوا بَعْدُ في حملاتهم الانتخابية؟ هذا هو مربط الأتان لا الفرس وهذه هي كلمة السّر وبداية سقوط الأقنعة!!
لقد أخذ ريقهم يتحلّب بعدُ طمعا في السلطة وأخذت عيونهم تتوهّج ببريقها المستعاد لنيل الكراسي الدوارة المثيرة الفاخرة. هؤلاء هم أيضا يصبحون ثوارا مرتزقة ونخشى أن يلحقوا بأحزاب التشريفات التي كانت تظنّ أنّها قادرة على إتقان لعبة التخفي وعلى ركوب بساط الريح!!
هل نُذكّر هؤلاء أيًّا كانت نواياهم القريبة والبعيدة بأنّ من ولغ في دماء أخيه يومًا وجالت يده في متاعه لا يمكن إلاّ أن يكون سفّاحًا قذرًا ولو كان رأسه بين الرؤساء وأنّ من لدغته أفعى يومًا لا يمكن أن يهبها الأمان أيا كانت قدراته الدفاعية. فلا بد مادام الأمر كذلك من محاسبة كلّ من تلوّث لسانه ويده وقلمه وجيبه بممارسات العهد المقبور من الوزير إلى الغفير!
أليست هذه الممارسات على اختلاف درجاتها من الرشوة والارتشاء إلى المحاباة والاختلاس ومن تبييض الأموال وتكديسها ومن نهب الصناديق الوطنية بأنواعها إلى تدبير التهم الملفقة لمواطنين شرفاء ومن لعبة الانتخابات المزورة إلى التصفية الجسدية ... منتظمة جميعها تحت عنوان الخيانة العظمى؟ هؤلاء هم الحيتان على اختلاف الأحجام والأنياب وماذا عن الأذناب والمليشيات؟
هل تونسيٌّ هذا الذي يتشفّى في ممتلكات »مواطنيه« فيحطّم بوحشية المغول والتتار والنازيين واجهات المحلات بل ينهبها ويضرم النار في زواياها وجدرانها؟
ألا يعلم هو ومن شحنوه وبرمجوه أنّهم يعتدون على خبز الأطفال وحليبهم وابتساماتهم وحفاظاتهم ويخلفون الآلاف من العاطلين الناظرين إلى الفراغ؟
... ماذا أقول يا أولاد ال... أفعى؟!! وهل يكون جديرا بلقب إنسان من يهجم على سيارات رابضة على حافة الطريق ليحوّلها مجرّد ذكرى؟ هؤلاء هم بقايا أسراب الجراد الذين فرّختهم أجهزة »البرودكان« الحاكم وزبانيته مع خالص تقديري للجيش الوطني واحترامي لدوره.
لقد شاهدت بقايا سيارة »تاكسي« أُحْرِقَتْ إلاّ من بعض الأطلال الشاهدة على فظاعة الجريمة وقد يكون صاحب هذه السيارة »المسكين« دفع أو ما يزال يدفع أقساطها المشطة دون وجه حق للسماسرة من أولي الأمر من خبز أطفاله ومن »دروسهم الخصوصية!« ومن طموحهم إلى بعض الملابس القديمة التي لا حياة فيها ولا نبض »وَبَوَانِتُ قَوْمٍ عند قومٍ سَوَاقِرُ« في حين كان سفلة العهد البائد ينفقون الآلاف بل الملايين من اليوروات والدولارات في صخب الليالي الحمراء في اليخوت المسروقة التي تمخر عباب البحر الأبيض المتوسط. وأنّك لو سألت أحد هؤلاء عن الزعيم المناضل الشهيد »فرحات حشاد« لقال إنّه شارع من شوارع العاصمة ولنظر إليك بريبة متهّما حضرتك بأنّك »غوّابي« آت من وراء »البلايْك« ولو سألتهم عن »هوشي منه« (1) مثلا لأجابوك بكل اطمئنان أنّه أحد لاعبي التنس وهو معروف بقوّة الإرسال! ولو سألتهم عن »لوركا« (2) أو »ناظم حكمت« (3) أو »لوممبا« لأجابوك إجابات مماثلة تذكر باجابة »بوش الثاني« حين سئل أثناء حملته الانتخابية عن »طالبان« فقال هي مجموعة »روك«!
أفمازلنا إثر ذلك كلّه نسجّل الجريمة ضدّ مجهول؟ أم هل نترحّم على »الحجاج بن يوسف الثقفي« و»زياد بن أبيه«؟ ومازالت فرق الجرذان والجراد مبثوثة تظهر بين الحين والحين. كلّ ذلك من مخلفات العهد المنقرض وهو غيض من فيض لأنّ الخافي أعظم.
أما كان الأجدى »بقادتنا المفترضين« منذ عقود أن يفكروا في مشاريع تنموية كبرى وأن يستثمروا ذكاء أبناء هذا الوطن العظيم الذي يزخر بالامكانيات التي لا يعوزها إلا حُسن استثمارها؟ ولا يكون ذلك إلاّ بالحريّة والمواطنة والعدالة الاجتماعية. فبشرى مرّة أخرى لتونسنا الفذة بهذه الثورة الجبّارة نسيج وحدها والتي يمكن أن نقول عنها بكل موضوعية ونخوة حقيقيّة إنّها »صنعت في تونس«!
إنّنا نقول لهؤلاء »المتسامحين الجدد« أنّ أرواح الشهداء ستسكن كوابيسكم وستقضّ مضاجعكم وستخرج عليكم من علب الكبريت وصنابير المياه وفناجين القهوة والصّور الكرتونية. وإنّ مَنْ أطلّ على الأبديّة ولامس أطرافها لا يمكن أن يعود إلى الوراء!
الهوامش:
❊ تنسب إلى الشاعر الصحفي الشاطر حسين الجزيري (1894 1974) صاحب جريدة »النديم« الصادرة سنة 1921 بتونس.
1 هوشي منه: زعيم فيتنامي (1890 1969). قاوم الفرنسيين وهزمهم سنة 1954 وأصبح في العام ذاته رئيسا لفيتنام الشماليّة ثمّ هزم الأمريكيين بإخراج قوّاتهم من فيتنام الجنوبية في جوان 1969.
2 فيديريكو غارسيا لوركا: (1898 1936) شاعر اسباني ورسّامٍ ومؤلف موسيقيّ شهير، اغتيل في الحرب الأهليّة الاسبانيّة في عهد الدّكتاتور فرانكو.
3 ناظم حكمت: (1902 1962) شاعر تركيّ فذّ نشر أشعاره ومقالاته منذ دراسته الثانويّة. تنقّل بين المنافي اثر هروبه من السّجن الذي أُعيد إليه مرّة ثانية بسبب انتمائه إلى الشيوعيين في عهد مصطفى كمال أتاتورك.
4 باتريس لوممبا: (1925 1961) أوّل رئيس وزراء منتخب في تاريخ الكونغو أثناء الاحتلال البلجيكي لبلاده. قتله البلجيكيّون في جانفي 1961 بعد تولّيه الحكم لتأثيره على مصالحهم في الكونغو.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.