بدأت أقنعة حكومة السبسي تتساقط يوما بعد آخر... ويبدو الأمر واضحا اين تسير الامور. إنها تسير الى الوراء بخطى متسارعة، لكن ما لا يعلمه السيد الوزير الاول هو أن »التاريخ لا يعيد نفسه الا في شكل مهزلة« كما قال ماركس. في آخر حوار صحافي أجري معه بدا جليا ان الحوار مفبرك وموجه صرح الباجي قايد السبسي انه يرفض ان يشاركه احد صلاحياته! لكن لِمَ لَمْ يقل لنا من اين استمدّ هذه الصلاحيات؟ هل اختاره الشعب، هل ترك له الشهداء وصية؟ أليس هذا شكلا من اشكال الديكتاتورية المقيتة، أليست الصلاحيات المتحدث عنها مستمدة من فؤاد المبزّع الذي لا شرعية له ولا قانون يبرر وجوده على رأس البلاد، أليس هو رئيس البرلمان الصوري لبن علي!! عفوا سادتي أين هيبة الشعب؟ أين دم الشهداء؟ أين الثورة؟ إن الحكومة الحالية بدأت بالتراجع حتى على الاجراءات البسيطة التي اتخذتها عقب 14 جانفي ومنها الاجراءات الاجتماعية مثل »إلغاء المناولة« وغيرها من الاتفاقيات وفي المقابل بدأت باتخاذ اجراءات زجرية وقمعية ضد كل الاصوات المنادية بتحقيق أهداف الثورة وتطهير البلاد من رموز الفساد، بل بدأت بالتراجع عن محاكمة الموقوفين من رموز النظام السابق، وسرعان ما عادت ممارسات النظام السابق الى القمع والاعتقالات وتلفيق التهم. ماذا ننتظر من حكومة يرأسها وزير انتهت مدة صلوحيته منذ عهد بورقيبة ووزراء مثل دمى متحركة، فكل الوزارات والهياكل التابعة لها لم يتغير منها شيء، سوى ازالة صورة المخلوع من مكاتبها، اما مسؤوليها المتكرشين والفاسدين فمازالوا في مناصبهم وحالات الفساد والارتشاء مازالت تحكم جل ا لمصالح، فلماذا لم يُطهر الوزراء الجدد أروقة وزاراتهم من هؤلاء الفاسدين، هكذا ظلت كل الوزارات مشلولة وعديمة الفائدة، ما عدا وزارة الداخلية هذا الغول الذي حكم البلاد والعباد طيلة 23 سنة بالحديد والنار هذه الوزارة ظلت ناشطة وفاعلة بإصرار على ان تكون بيد رموز النظام السابق وهذا ما يبرر ان القطاع الوحيد المستفيد فعليا من الثورة هو أعوان وزارة الداخلية. بداية بمسرحية القناصة، ثم الانفلات الأمني، والتناحرات الجهوية تساوم الحكومة الشعب الأمنَ مقابل الهدوء والانضباط للدولة، بعبارة أخرى الامن مقابل الثورة، أما اذا أصر الشعب على حماية ثورته ومواصلتها حتى تحقيق اهدافها فعقابه هو غياب »الأمن والأمان« فالفوضى والتخريب يعرف الجميع من يديرها ومن يبثّ الرعب في الشارع التونسي. انهم رموز النظام السابق ومع هذا تصمت الحكومة حيالهم، فما هو الدور الذي تقوم به هذه الحكومة، أليس المطلوب منها هو اجراءات ثورية لتحقيق القطيعة النهائية مع الماضي الأسود؟ إن كل المؤشرات التي يشهدها الشارع اليوم تدل على عودة هذا الماضي بأشكاله وممارساته ورموزه وبصمت متواطئ من الحكومة، مما يجعلنا نتساءل هل هذه حكومة الثورة ام حكومة الثورة المضادة، حكومة الشعب ام حكومة الدولة أداةً لقمع طبقي؟ تحدث الوزير الاول عن الثورة التونسية ووصفها بأنها عفوية وغير مؤطرة وليس لها قيادة سياسية. قد نشاطره الرأي لكن هذا لن يكون مبررا لشرعيته وصلاحياته بالاضافة الى انه لم يكن الى جانبها قبل 14 جانفي، بل كان في الصف الآخر وإن نسي فسنذكره بموقفه المساند لبن علي في انتخابات 2009 فلا داعي لأن يثلب الاطراف السياسية ويدعوها الى احترام نفسها، لأن من »بيته من زجاج لا يقذف الناس بالحجارة«. ولان تلك الاطراف لم تكن يوما في الصف الاخر ولم تلوث مسيرتها النضالية بتأييد الطاغية أو الصمت على جرائمه. انتظرنا الكثير من تلك الندوة الصحافية لكننا خرجنا، بيقين أن دار لقمان ظلت على حالها، فلا الحكومة اعتبرت وفهمت الدرس واحترمت الشعب، ولا وسائل الاعلام البصرية غيرت من طبيعة خطابها التهليلي لكل من يعتلي الكرسي. هذا هو المشهد: غياب تام لأي تمثيلية للشعب المنتفض قبل 14 جانفي وشعاراته، فلا الحكومة ولا الوزارات ولا وسائل الاعلام يمكنها تقديم صورة صادقة عن الثورة وهذا دليل على ان الثورة لم تتم بعد فحتى الهيئات ولجان تقصي الحقائق هي هيئات ولجان صورية لذرّ الرماد في العيون، ولم نلحظ اي اجراء ثوري الى حد الآن، ماعد المسرحيات والمناورات والتضليل والتعتيم الاعلامي المتواصل. إنهم مجموعة من الأوصياء يحكمهم التهالك على المناصب ويتحدثون عن وجوب إنقاذ البلاد من الفوضى والفراغ السياسي متناسين مواقفهم قبل 14 جانفي، فهل انتظروا انتفاضة الشعب لينقذوا البلاد ولهم وحدهم الرؤية السياسية الراشدة لإنقاذ البلاد. ألم يعلمهم الشعب الدروس الثورية، إن الرقابة الشعبية متواصلة وحالة الشارع تنذر بعودة الانفجار ثانية، ان لم يتدارك هؤلاء الأوصياء الامور فالقادم أخطر. إن انقاذ البلاد، لن يتم بتسليمها الى حفنة المتكرشين الذين بدؤوا في تهيئة أنفسهم للانقضاض ثانية على البلاد والعباد بتواطؤ النخب والهيئات الصورية المؤقتة. إن مشاهد الاحتجاجات وصمود المتظاهرين التي نراها في الشوارع العربية في اليمن وسوريا وليبيا ومصر وغيرها ستكون دافعا قويا لهذا الشعب للعودة الى الشارع والى تقديم مزيد من الشهداء في سبيل الحرية الفعلية والكرامة الحقيقية، فعلى الحكومة ان تقرأ كل تلك العوامل والظروف الثورية وتفهمها جيدا، قبل ان يطالبها الشعب بالرحيل، خاصة ان تواياها بدأت بالانكشاف وأقنعتها بدأت بالتساقط فسرعان ما تناست هذه الحكومة الشعب وبدأت باستعراض عضلاتها الامنية على المتظاهرين وسرعان ما ألقت بالمطالب الاجتماعية الملحّة في سلة المهملات وعوضا عن محاسبة جلاّدي الشعب نجدها تسعى جاهدة الى اعادة »غرسهم« في شرايين البلاد ودعم تواجدهم في مناصب ومسؤوليات حيوية تدل على توجه عام للحكومة هو اعادة الحياة الى الأخطبوط التجمعي ليثبت سيطرته على البلاد في ظل الفوضى العارمة المفتعلة طبعا من قِبَلِ نفس اللاعبين حتى قناع مقاومة التطرف والارهاب هذه الفزاعة القديمة الجديدة لتبرير عسكرة الشارع وعدم محاسبة المسؤولين الأمنيين لم تعد تجد نفعا باعتبار ان تلك اللعبة قديمة وألفناها وحفظها الشارع التونسي ولم تعد تنطلي عليه فأولائك الملتحون فيهم عناصر أمنية تحركهم لافتعال قضايا وهمية تلهي الشارع عن مهامه الحقيقية. في ظل غياب تام للحقيقة وامام ضبابية المشهد يبقى الشارع التونسي يطرح الاسئلة الحارقة التي لا يجد لها اجابات تشفي غليله ويبقى يبحث في موقعه الحقيقي بعد هذه الثورة، فيجد نفسه خارج المشهد وعلى هامش أجندة الحكومة وبتأثير من الشارع العربي بعد ان أثّر هو فيه سيطرح السؤال الجوهري على المتكلمين باسم الثورة التونسية باسم الشعب، باسم الشهداء، سيسألهم من أنتم؟