ومتى ربّاهُ نشتدّ ونبني بيدينا بيتنا الحر الجديد؟ الشاعر اللساني: خليل حاوي الشعب يريد... تحقيق العدالة ❊ 1 مجلّة »المحاماة« تصدر من جديد مهداة إلى أرواح الشهداء مع الذكرى الشهرية الثالثة ليوم 14 جانفي 2011، يوم فرار الدكتاتور »بن علي« صدر عن مركز الدراسات والبحوث للمحامين التونسيين عدد ممتاز من مجلة »المحاماة« تحت عنوان: »الحركة الثورية للشعب التونسي والشرعية القانونية الجديدة«. كتب في هذا العدد الذي تمّ اهداؤه الى ارواح الشهداء الابرار جملة من الحقوقيين هم الاساتذة عبد المجيد عبدلّي وقيس سعيّد وعبد الرزاق كيلاني وعبد المجيد مقطوف وعبد الرؤوف العيادي واسماعيل الجنيدي وطارق العبيدي واحمد الرّحموني ومحد الطاهر الضيفاوي وحسن المانسي ومحمد الصالح غومة والهادي الشمانقي وعبد الستار البرهومي و، وقد تناولت كتاباتهم مواضيع متعددة مثل القانون الدّستوري واصلاح الاعلام واصلاح القضاء واصلاح المحاماة واصلاح النظام الجبائي وتمجيد الحركة الثورية للشعب الهادفة لتحقيق الحرية والكرامة والعدالة وفي باب التوثيق تمّ نشر مختارات من المواقف التي اتخذتها الهيئة الوطنية للمحامين، كما تم نشر النصين الكاملين للمرسوم حول العفو العام وإلى القرار الاستعجالي الصادر ابتدائيا عن المحكمة الادارية والقاضي بتجميد صرف المنح لاعضاء البرلمان بغرفتيه. ❊ 2 قانون الأحوال الشخصية في ميزان حزب »النهضة« ! يوم السبت 16 افريل 2011 مع الساعة الثانية بعد الزّوال وبفضاء »الحمراء« بباب الجزيرة بتونس وقعت واقعة غير مسبوقة في بلادنا تمت بموجبها مواجهة او مناظرة (لا يهمّ الاسم) بين راشد الغنوشي زعيم حزب »النهضة« ونادية السليتي الجامعية المختصة في الحضارة الاسلامية كانت لحظة فريدة من نوعها عكست بصدق مدى قدرة النخب التونسية بعد 14 جانفي 2011 على ادارة اختلافاتها و حتى خلافاتها مع المحافظة على حدّ ادنى من الاداب وحسن الاصغاء والتداول المنظم على الكلمة. هذه المناظرة التي حضرها جمهور غفير غصّت به اقاعة تمت ادارتها بكفاءة عالية من قبل الصّحافية نورة برصالي، اما الحاضرون فلم يمنعوا انفسهم من التصفيق تعبيرا منهم عن انحيازهم لهذا الرأي او الآخر، وكان اجدر بهم في الحقيقة ان يمتنعوا ورغم ذلك فقط حافظ النقاش على درجة من اللّياقة والرّقي والتحضّر... شمل هذا النقاش نقاطا عديدة مثل علاقة الدين بالسياسة وضرورة الاجتهاد ولكن لعلّ اهم تلك النقاط كانت تلك المتعلّقة بموقف حزب »النهضة« من مجلة الاحوال الشخصية اذ قامت نائلة السليني باجراء مقارنة بين موقف راشد الغنوشي المتمسّك بهذه المجلة وبين موقف الحبيب اللّوز الرافض لها وكلاهما قيادي بنفس الحزب! قال راشد الغنوشي بلهجة هادئة ومطئنة للمستمعين: إنّ الحبيب اللّوز »مخطئ« وان الموقف الرّسمي لحزب النهضة هو التمسّك فعلا بمجلة الاحوال الشخصية ولكن جانبا كبيرا من الحضور بقيت لديه ريبة حول الموضوع خوفًا من وجود ازدواجيّة في الخطاب! . ❊ 3 بورقيبة... هل يمكن أن يكون رمزا للشرعية الجديدة؟ لم يُخْفِ الباجي قائد السبسي الشاغل لمنصب الوزير الاول منذ تعليق اعتصام القصبة الثاني انبهاره بالحبيب بورقيبة رغم انه كان احد معارضيه ضمن تيار احمد المستيري والفقيد حسين بن عمار... وقد استغل ذكرى وفاته للتنقل الى مدينة المنستير ولاقامة جنازة جديدة له بعد ان كان »بن علي« (المخلوع بفضل ارادة الشعب) قد حرم بورقيبة من جنازة حقيقية عند وفاته قبل 11 سنة. »بن علي« هو بساطة امتداد للحبيب بورقيبة، وقد تربّى كما هو معروف في مدرسته السياسية وهو مدين له بكل المناصب التي شغلها ولكن طباعه لم تسمح له بالوفاء لوليّ نعمته بل انه عرّضه بشهادة الجميع الى معاملات قاسية واحتقارية في بعض الاحيان... ومع انفضاح كل الجرائم التي قام بها »بن علي« والتي منها جرائمه ضد الانسانية اصبحت البورجوازية الحاكمة في حاجة ملحّة الى ايجاد رمز جديد يمثلها وهكذا تم الرّجوع الى »بورقيبة« من قبلها اما الشعب فإنه بقي في الحقيقة بعيدا كل البعد عن هذه المحاولة... وهو مازال يبحث عن رمز حقيقي لهذه المرحلة الجدية من مراحل تاريخه التي دشنها بدماء مجموعة من خيرة ابنائه منذ 17 ديسمبر 2010، فبورقيبة بالنسبة إلى هذا الشعب ومهما كان افضل من »بن علي« في هذه النقطة او الاخرى مازال مسؤولا عن اضطهاد اليوسفيين ما بين 1955 و1962 وعن التنكيل بالنقابيين في 26 جانفي 1978 وعن اضطهاد الحركة الطلابية وعن اطلاق النار على الجياع في 3 و4 جانفي 1984 وعن سجن وتعذيب كل من خالفوه الرأي حتى ولو كانوا من المقربين اليه فهو اذن عنوان للاستبداد ولاي يمكن ان يكون رمزا لاية مرحلة دستورية وقانونية جديدة يطمح اليها أبناء الشعب ويريدون خلالها ولوج ميادين الحرية والكرامة وفاء لدماء الشهداء الابرار التي بذلوها بسخاء حتّى تصل تونس إلى برّ أمانها وترسي سفنها على شاطئ الدّيمقراطية التي هي جديرة بها. ❊ 4 متى تتمّ محاكمة من أجرموا في حقّ الشعب؟ الخبر الذي ورد على لسان توفيق بودربالة رئيس احدى اللجان الثلاثة المعيّنة من قبل النظام الرّسمي ونشر بالشروق والصباح والصريح يوم 13 افريل 2011.. هو خبر مفزع من جميع النّواحي ومفاده ان الطاغية »بن علي« قد أمر بدكّ حيّ الزهور بمدينة القصرين بالقنابل! ومن حسن الحظ أنّ الجيش لم يستجب للأمر كما هو معروف... هذه جريمة أخرى تضاف إلى سجلّ الجرائم العديدة التي ارتكبها »الهارب« في حقّ الوطن وهو الذي كان فيما كان نهّابا وحشاشا وقاتلا وجاسوسا بل ومرتكبا للخيانة العظمى على حدّ توصيف الباجي قائد السبسي له في احدى ندواته الصحفيّة. ورغم ذلك فإنّ محاكمته كمحاكمة بطانته وقرابته وشركائه من المجرمين في حقّ الشعب مازالت لم تتمّ إلى حدّ الآن، لقد أقامت مجموعة من الشبان التونسيين محاكمة رمزيّة لبن علي بشارع الحبيب في ذكرى الشهداء يوم 9 افريل 2011 على غرار المحاكمة الرمزية التي أقامها الشباب المصريّ بميدان التحرير بالقاهرة للمجرم حسني مبارك ولكن هذا الاخير وقع تقديمه عند النهاية إلى المحاكمة من قبل السلطات العسكرية بمصر في حين لا يزال التباطؤ هو سيّد الموقف في خصوص محاكمة من اجرموا في حق الشعب في تونس. ويمكن القول هنا: إنّه لولا الموقف المشكور والمشرّف لمجموعة المحامين الخمسة والعشرين لما شهدنا أيّ تحريك جدّي للملفات القضائيّة ضدّ رموز الفساد والاستبداد ببلادنا ومن المؤسف هنا ان الباجي قائد السبسي قد وصل به الامر الى محاولة التشكيك في صفتهم في حديثه الصّحافيّ الاخير وذلك عوضا عن معاضدتهم ومساندتهم لانهم كانوا ترجمانا صادقا لاحاسيس النّاس في حدود ما تخوّله القوانين سارية المفعول وفي حدود ما تسمح به العادات القديمة المترسّبة في النظام القضائيّ الذي اصبح مطلب اصلاحه مطلبا كثيرا لالحاح إن لمياء الفرحانيّ شقيقة أنيس الفرحاني شهيد »لافايات« والتي تعتبر نفسها ممثلة لعائلات الشهداء بالهيئة العليا للاصلاح السياسيّ والانتقال الدّيمقراطي سئلت عن سبب تهديدها بالاستقالة من هذه الهيئة فأجابت ان السبب هو: »فقدان الجدّية في تناول المسؤولين للقضيّة..« وهي تبدو على حقّ تماما فيما تقول لأنّ من يصغى جيّدًا في هذه الايام الى الشعب فإنه سيجده يتساءل علنًا حول انعدام الجدّية في محاكمة الذين أجرموا في حقّه... وهو أمر لا يمكنه السكوت عليه إلى ما لا نهاية له. ❊ 5 سجال أمام الشعب بين القضاة وأعوان الأمن يوم 29 مارس 2011 أجرى قاضي التحقيق بالمكتب الثالث بالمحكمة الابتدائية بسوسة تحقيقا مع ثلاثة اعوان من الامن المحالين أمامه في القضية عدد 3 / 6107 على خلفية بعض التجاوزات المنسوبة إليهم علما بانهم احضروا لديه بحالة تقديم ولكنه لم يصدر بطاقة ايداع بالسجن الا في شأن واحد منهم فقط. ويبدو انّ هذا القرار لم يرق لمجموعة من اعوان الامن تتكوّن من 50 نفرا فعمدوا حسب التقرير الذي حرّره قاضي التحقيق إلى اقتحام مكتبه فلما لم يجدوه تحوّلوا الى غرفة الاحتفاظ وهناك قاموا باخراج زميلهم مستعملين القوّة وأركبوه السيارة الادارية التي قدموا على متنها وانصرفوا نقلت التلفزة الوطنية خبر هذه الوقائع بكامل الامانة بعد استماعها الى تصريحات بعض القضاة وبعض كتبة المحامين ولكن وزارة الدّاخلية رأت في توضيح لها اصدرته بتاريخ 15 أفريل 2011 ان تؤكد ان المعلومات التي اوردتها التلفزة »لا صحّة لها« وأن عون الامن لم يقع تهريبه بل وقع اخلاء سبيله من قبل الدّائرة الجناحية بابتدائية سوسة بعد النظر في قضيته طبقا لإحالته عليها من قبل حاكم التحقيق لجلسة يوم 2 افريل 2011، وهكذا اصبح الصّحافيون العاملون بالتلفزة الوطنية متّهمين ضمنيا بمقتضى هذا التوضيح الرّسمي الصادر عن وزارة الداخلية بترويج اخبار زائفة وهي تهمة يمكن ان تؤدي بصاحبها إلى السجن. من حسن حظّ هؤلاء الصحافيين ان جمعية القضاة التونسيين ردّت بسرعة على هذا التوضيح مشدّدة على وقوع الاحداث بالصّفة التي تناولتها بها... التلفزة الوطنية... وهكذا اصبح من الواضح هنا أنّ وزارة الداخلية مازالت متمسّكة بأساليب تجاوزها الزّمن وهي أساليب قال فيها الشعب كلمته بوضوح راغبا في طيّ صفحتها الى الابد لانها تذكّره بعهد الاستبداد والطغيان... فلم يبق لنا هنا الا مطالبة الجميع بالعمل فعلا على احترام إرادة الشعب.