❊ تَسْعَوْنَ منذ مدّة إلى إنشاء حركة شعريّة وأدبيّة تونسيّة معاصرة ضدّ السائد والمألوف، كيف ترى هذه الحركة مستقبلاً في ظلّ مشهد يتسّم باختلاف الايديولوجيات والمصالح الحزبية الضيّقة؟ إنّ فكرة انشاء حركة شعريّة وأدبيّة هي ليست بالجديدة بل كنّا نسعى في الجامعة إلى استغلال فضائها من خلال عملنا في النوادي الأدبيّة ضمن الاتحاد العام لطلبة تونس لخلق بديل ثقافي يقطع مع كلّ أشكال الثقافة الرجعيّة والسطحيّة التي كان النظام السابق يسعى إلى تكريسها من أجل ضرب العقول وانتاج ثقافة التفسّخ والانسلاخ والرداءة. أمّا كيف أرى مستقبل الحركة فأنا لا يمكن الاّ أن أكون متفائلا لأنّه من شأن الاختلاف الايديولجي أن يثري الحركة الفكرية بمختلف تمظهراتها وهو ظاهرة صحّية لأنّ التجانس ضدّ منطق الطبيعة أصلا. ونحن ضدّ الثقافة الواحدة والفكر الواحد الذي لا ينتج سوى التحجّر والتعصّب وبالتالي نعود من جديد إلى حلقة الدكتاتورية والرجعية. نحن مع التنوّع والاختلاف وضدّ تدجين الثقافي وحصره ضمن رؤية سياسوية ضيّقة ترى الشأن الثقافي هامشيّا وثانويّا. ومن هنا أنبّه كلّ الأحزاب والحساسيات السياسية التقدّمية إلى ان كلّ مشروع سياسي حقيقي يجب أن يطرح بالموازاة مشروعه الثقافي التنويري.وأعتقد أنّ أدنى مستويات الثورة هو المستوى السياسي.كما أدعوها إلى أن تعيد إلى المثقف دوره الريادي لطرح تصوّراته البديلة والخلاقة للنهوض بالواقع السياسي والثقافي .وهناك مسألة خطيرة يجب التفطّن إليها وهي ضرورة إعادة الاعتبار للمثقف باعتباره سلطة في حدّ ذاته وليس باعتباره مثقفا تابعا للسطلة لأنّ مسألة استقلال المثقف عن السلطة هي مسألة جوهريّة من أجل إبداع حرّ وبالتالي عدم الارتباط بقيود تحدّ من تفكيره أو توجّه مسار أفكاره مهما كانت هذه الأفكار... ❊ هل نحن في حاجة اليوم إلى ثقافة بديلة أو بديل ثقافي، وكيف ترى ذلك باعتبارك شاعرًا؟ الثقافة البديلة موجودة أصلاً لكن الإشكال هو أن هذه الثقافة موجودة على الهامش ومغيّبة يتمّ اقصاؤها في ظلّ الأنظمة الرجعيّة العربية فكيف تأمل من عصابات جاهلة أن تكون لها أطروحات فكريّة وإيديولوجيّة أو أن تكون لها خلفيّة فكريّة وتصوّرات سياسيّة بديلة مادامت لا تفكّر. وحتى ان فكرت فهي تفكّر ضدّ شعوبها. والنماذج أمامنا عديدة في ظلّ الثّورة العربية الراهنة التي كشفت حقيقة هذه العصابات المافيوزيّة التي تتعامل مع شعوبها وكأنّها جرذان أعتقد أنّ البديل الثقافي ينطلق من تثوير الواقع السياسي واستبداله بأنظمة ديمقراطية تمثيلية تحترم إنسانيّة الانسان وتعتبرهُ ذاتًا مفكّرةً لا قيود لفكرها. وتثوير الواقع الثقافي ينطلق من قاعدة أساسيّة هي حريّة التعبير في مرحلة أولى ثمّ الإحاطة بالأعمال الابداعيّة والعمل على نشرها وترويجها حتى تصبح جزءًا من ممارستها. ❊ عمدت الأحزاب السياسيّة إلى تهميش »الثقافي« ولم تضعه في استراتيجيّاتها المستقبليّة كيف ترون مستقبل هذه الأحزاب العرجاء؟ أعتقد أنّه لا يمكن أن نتحدّث عن أحزاب سياسيّة في ظلّ واقع سياسي تُغَيّبُ فيه أدنى مستويات الحريات وبالتالي لا يمكن أن نلوم هذه الأحزاب كثيرًا وشكرًا لها أصلا لأنّها حافظت على أسمائها أمّا بعد الثّورة فعلى هذه الأحزاب أن تعي جيّدا أنّ بقاءها مرهون بما تطرحه من بدائل ثقافيّة حيث لابدّ من تحايث الايدلوجي والجمالي (الفنّي) فالخطاب السياسي يقوم على اللغة التي يتمّ من خلالها التواصل مع القواعد الحزبيّة داخل الحزب الواحد ومع بقيّة الحساسيات السياسية فهذه اللغة يجب أن تكون متماسكة ومقنعة. ولتكون كذلك لابدّ من طرح ثقافي جدّي ينهل من مخزونه ومرجعيّاته الحضاريّة. أعتقد أنّه لا يمكن استيراد البدائل الثقافية بل يجب أن تكون منبثقة من رحم الواقع تعبّر عن ملامح تلك المجموعة وتطلّعاتها ولابد لكلّ كائن سياسي أن يكون مثقّفا وبالتالي لابدّ أن يكون الثقافي والسياسي متلازميْن.