مبروك لتونس الثورة وللهيئة العليا، ومبروك للديمقراطية، بعد مخاض عسير في أوّل امتحان لها في خضم ثورة الشعب، صدور المرسوم الانتخابي للمجلس التأسيسي هذا المرسوم الانتخابي تقدّمي وزيادة لم يسبقنا إليه أحد لا في الغرب ولا في الشرق خصوصا فيما يتعلّق بمشاركة المرأة رغم تضييقه على الأفراد والقائمات المستقلّة لفائدة مشاركة الأحزاب وهذا ليس موضوع المقال اشارة فقط والموضوع قد نعود إليه يوما فموضوعنا أساسا الكتابة في المرحلة القادمة المؤدية إلى انتخاب المجلس التأسيسي بعد 13 أسبوعا من الآن تقريبا. المجلس التأسيسي مطلب الحركة الشعبيّة بكافة أطيافها ننتظر منه اعلان جملة من المبادئ تكرّس سيادة الشعب وتفرّق بين السلطات وتضمن الحقوق والحريات ضمن دستور الجمهورية الثانية للدولة التونسية اضافة الى وظيفته التشريعيّة يمكن له تعيين حكومة جديدة على انقاض الحكومة الحاليّة كما يمكن له البقاء عليها في انتظار النظام السياسي الذي يقرّره لاحقًا، نظام سياسي يضمن التوازن بين السلطات، وبمجرّد إقرار هذا الدستور يكون نافذًا دون أن يتوقف ذلك على موافقة أحد في كلمة هذا المجلس ستكون له سلطة مطلقة تستمد قوّتها من المشروعيّة الشعبيّة وبأكثر وضوح هذا المجلس ستوجهه تركيبته التي سننتخبها يوم 24 جويلية القادم ان هذا المجلس لن يكون ملزما بما ذكرناه من مبادئ بل حرّا في تحديد ما يراه مناسبا من قوانين ومبادئ وإجراءات اللّهم كانت تركيبة المجلس المرتقب صورة مطابقة للهيئة العليا التي أصدرت المرسوم الانتخابي الأخير ففي هذه الحالة تكون هيئة المجلس التأسيسي قد وضعت أسسا صلبة تتحمّل بناء جمهوريّة قويّة تحاكي مثيلاتها في الغرب والشرق. في انتظار ذلك اليوم الخطير الهيئة العليا وجميع الأطياف الفكريّة والسياسيّة والاجتماعية مدعوّة إلى تبنّي القضايا المحوريّة التي ثار من أجلها الشباب والتخلّي عن المواجهات وتصفية الحسابات الايديولوجيّة القديمة والجديدة بين الأطياف السياسيّة. هذه القضايا التي تربك النسيج المجتمعي وتدفعه الى التطاحن وتؤزّم الوضع الذي نحن فيه والذي لا يحتمل حرائق جديدة واشعال نيران التباغض والأحقاد فشبابنا وبناتنا أداروا ثورتهم بذكاء فائق وتضحيات جسام أطاحت بالاستبداد والطغيان طالبوا بالعدالة الاجتماعية واحترام الحريّام وحقوق الانسان وتحقيق العدالة السياسيّة ولم نسمع منهم أبدًا شعارًا واحدًا نادى بخلافة اسلاميّة أو بتونس دولة لائكية فشعب تونس يفتخر بانفراده بالتعايش السلمي وبانتشار روح التسامح والتضامن وتفتحه على الحضارات وعلى روح الحداثة ورفض الانغلاق والتطرّف. ولإنجاح مرحلة الانتخابات وهي مرحلة صعبة وخطيرة في غياب استقلاليّة القضاء هذا القطاع السامي الذي يناضل منذ زمن طويل من أجل اصدار قانونه الأساسي واذا أضفنا الانفلاتات الأمنيّة هذه الانفلاتات الغامضة التي تبدو في أحيان كثيرة كأنّها مقصودة تحرّكها أيادٍ خفيّة إلى جانب الاعلامي الذي يخبط خبطات عشوائيّة وهو في حاجة متأكّدة إلى الترشيد... أضف إلى ذلك الانفلاتات الاجتماعيّة والحشود التي تقتحم البيوت والمؤسسات فتحرق وتسرق الخ.. كلّ هذا مسؤوليّة من؟ ان الحكومة المؤقتة والهيئة العليا مدعوان أكثر من أي وقت مضى إلى خلق مناخ ملائم ومطمئن يسوده الأمن وتحترم فيه حقوق كلّ المواطنين لإنجاح المحطة الانتخابيّة المقبلة. أمّا المسألة الثانيّة والمتمثلة في: اعتبارا للسلطة المطلقة التي سيتمتّع بها المجلس التأسيسي القادم فالتفكير يتجّه مثلما يطالب الكثيرون بميثاق اجتماعي وسياسي »فوق دستوري« مبادئ تشكّل وديعة لحقوق الانسان والقيم الكونيّة وأسس النظام الجمهوري الذي تقوم فيه الدولة على احترامها للقانون والدستور، مبادئ يلتزم بها المجلس التأسيسي لضمان سيادة الشعب وحقوقه الأساسيّة ومكتسبات مجلّة الأحوال الشخصيّة وإدراج هذه المكتسبات ضمن فصول الدستور الجديد. إعلان أعضاء الهيئة العليا التزامهم بهذا الميثاق وتحريره والإمضاء عليه ودعوة كلّ مترشّح للمجلس التأسيسي بالامضاء عليه. هذه الالتزامات أخلاقية ولا معنى لها سياسيّا ولنات مثال على ذلك سنة 1956 الأمر العلي الذي صدر على الباي لانتخابات المجلس التأسيسي القديم دعا فيه الناخبين إلى وضع دستور للمملكة ولكن في 25 جويلية 1957 وفي أوّل جلسة للمجلس انقلب الأعضاء على الباي وأعلنوا النظام الجمهوري وهذا ما قد يحدث أثناء أعمال المجلس القادم المكلّف أساسا بإعداد دستور جديد للجمهورية. فالهيئة العليا لا تتمتّع بالمشروعيّة الشعبيّة ولكنّها تتمتّع بالتمثيليّة السياسيّة لأغلب أطياف الشعب التونسي إلى جانب ثقة الأغلبيّة والمهام الجسام الموكولة إلى الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة فالهيئة مطالبة أكثر من أي وقت مضى إلى اصدار مرسوم يدعو الشعب إلى استفتاء حول المبادئ التي ذكرناها وبذلك نؤمن ميثاق المبادئ بقوّة القانون وقتها فقط نجعله »فوق الدستور« المرتقب.