أخيرا: الطفل ''أحمد'' يعود إلى منزل والديه    زلزال بقوة 4.6 درجات يضرب هذه المنطقة..    الإطاحة بشبكة مختصّة في الإتجار بالبشر تنشط في هذه المناطق    عاجل/ ستشمل هذه المناطق: تقلبات جوية منتظرة..وهذا موعدها..    جائزة مهرجان ''مالمو'' للسينما العربية للفيلم المغربي كذب أبيض    بعد مظلمة فرنكفورت العنصرية: سمّامة يحتفي بالروائية الفسطينية عدنية شبلي    شركة نقل تونس: خط جديد يربط تونس البحرية بمطار تونس قرطاج    يوميا : التونسيون يهدرون 100 مليار سنويا    تقلبات جوية في الساعات القادمة ..التفاصيل    مفزع: 17 حالة وفاة خلال 24 ساعة في حوادث مختلفة..    عاجل : بشرى للتونسيين المقيمين بالخارج    مواجهة صعبة لأنس جابر اليوم في بطولة مدريد    دكتور مختصّ: ربع التونسيين يُعانون من ''السمنة''    تونس / السعودية: توقيع اتفاقية اطارية جديدة مع المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة    قرار جديد من العاهل السعودي يخص زي الموظفين الحكوميين    معز السوسي: "تونس ضمن القائمة السوداء لصندوق النقد الدولي.."    بطولة ايطاليا : رأسية أبراهام تمنح روما التعادل 2-2 مع نابولي    العثور على شخص مشنوقا بمنزل والدته: وهذه التفاصيل..    غوارديولا : سيتي لا يزال أمامه الكثير في سباق اللقب    سان جيرمان يحرز لقب البطولة للمرة 12 بعد هزيمة موناكو في ليون    ثمن نهائي بطولة مدريد : أنس جابر تلعب اليوم ...مع من و متى ؟    طقس الاثنين: تقلبات جوية خلال الساعات القادمة    حزب الله يرد على القصف الإسرائيلي ويطلق 35 صاروخا تجاه المستوطنات..#خبر_عاجل    السعودية: تحذير من طقس اليوم    السعودية: انحراف طائرة عن المدرج الرئيسي ولا وجود لإصابات    سينعقد بالرياض: وزيرة الأسرة تشارك في أشغال الدورة 24 لمجلس أمناء مركز'كوثر'    دولة الاحتلال تلوح بإمكانية الانسحاب من الأمم المتحدة    عملية تجميل تنتهي بكارثة.. وتتسبب بإصابة 3 سيدات بالإيدز    العروض الأجنبية بين الحقيقة والخيال...هل يحمي الترجي نجومه من لعبة «السماسرة»؟    الرابطة الثانية (ج 7 ايابا)    أسير الفلسطيني يفوز بالجائزة العالمية للرواية العربية    غار الدماء: قتيلان في انقلاب دراجة نارية في المنحدرات الجبلية    افتتاح الدورة السابعة للأيام الرومانية بالجم تيسدروس    البنك التونسي للتضامن يحدث خط تمويل بقيمة 10 مليون دينار لفائدة مربي الماشية [فيديو]    نابل: إقبال هام على خدمات قافلة صحية متعددة الاختصاصات بمركز الصحة الأساسية بالشريفات[فيديو]    عميد المحامين يدعو وزارة العدل إلى تفعيل إجراءات التقاضي الإلكتروني    بودربالة يجدد التأكيد على موقف تونس الثابث من القضية الفلسطينية    انطلاق فعاليات الدورة السادسة لمهرجان قابس سينما فن    تسجيل طلب كبير على الوجهة التونسية من السائح الأوروبي    جمعية "ياسين" تنظم برنامجا ترفيهيا خلال العطلة الصيفية لفائدة 20 شابا من المصابين بطيف التوحد    تونس تحتل المرتبة الثانية عالميا في إنتاج زيت الزيتون    الأهلي يتقدم بطلب إلى السلطات المصرية بخصوص مباراة الترجي    وزير السياحة: عودة للسياحة البحرية وبرمجة 80 رحلة نحو تونس    بمشاركة ليبية.. افتتاح مهرجان الشعر والفروسية بتطاوين    برنامج الدورة 28 لأيام الابداع الادبي بزغوان    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    8 شهداء وعشرات الجرحى في قصف لقوات الاحتلال على النصيرات    مدنين: وزير الصحة يؤكد دعم الوزارة لبرامج التّكوين والعلاج والوقاية من الاعتلالات القلبية    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    وزير الخارجية يعلن عن فتح خط جوي مباشر بين تونس و دوالا الكاميرونية    طقس اللّيلة: الحرارة تصل 20 درجة مع ظهور ضباب محلي بهذه المناطق    السيناتورة الإيطالية ستيفانيا كراكسي تزور تونس الأسبوع القادم    بنسبة خيالية.. السودان تتصدر الدول العربية من حيث ارتفاع نسبة التصخم !    تألق تونسي جديد في مجال البحث العلمي في اختصاص أمراض وجراحة الأذن والحنجرة والرّقبة    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بين الهاجس المالي والدعم الاجتماعي
قروض الصناديق الاجتماعية: بقلم: بدر السماوي
نشر في الشعب يوم 14 - 05 - 2011

لئن لم تُصنّف القروض ضمن قائمة المنافع التي تضمنها تعريف الضمان الاجتماعي فإنها ما لبثت أن أصبحت خدمة من الخدمات التي تقدمها الصناديق الاجتماعية إلى منخرطيها. وقد بدأ إسناد القروض في بلادنا منذ أكثر من ثلاثة عقود، ولم يكن ذلك لأجل تقديم منفعة إضافية إلى المضمونين الاجتماعيين فحسب بل بهدف حسن توظيف موارد الصناديق المالية.
سنحاول في هذه المقال استعراض الظروف التي أحدثت فيها هذه الخدمة والمراحل التي مرت بها ودراسة التعديلات التي أدخلت على شروطها ومبالغها في علاقة بالتحولات الاقتصادية والاجتماعية التي رافقتها ورصد درجة الإقبال عليها.
وقد تنوعت القروض الاجتماعية من القروض السكنية إلى القروض الجامعية مرورا بالقروض الشخصية وقروض السيارات، علاوة على القروض التي تمنح للمستأجرين لتمويل مشاريع اجتماعية لفائدة العملة. وانطلقت الصناديق في إسنادها في فترة متقاربة وذلك سنة 1976 بالنسبة للقطاع العمومي وسنة 1981 في القطاع الخاص وكانت البداية بالقروض المخصصة للسكن.
1) في البدء كانت قروض السكن
ففي القطاع العمومي كانت الخطوة الأولى سنة 1976 أي مباشرة بعد إنشاء الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية حيث أصبح بإمكان المنخرطين 1 الحصول على قرض سكني لإتمام تمويل بناء مسكن أو اقتناء مسكن جديد أو اقتناء أرض معدة لبناء مسكن. ويقدر مبلغ القرض حسب الحالة بمجموع المرتب لمدة سنتين ونصف، أو بمرتب سنة. أما بالنسبة للفائدة فقد اختلفت نسبتها آنذاك باختلاف المرتب 3٪ إذا كان المرتب ما بين 40 و 80 د و %4 إذا كان المرتب ما بين 80 و 120 د و %6إذا تجاوز المرتب 120 د في الشهر.
وما أن أصبح الموظفون يتمتعون بهذه القروض حتى بدأ عمال القطاع الخاص يطالبون بتنظيرهم بزملائهم في القطاع العمومي معتبرين أن لا شيء يبرر هذا التفاوت مثلما يتضح في مقال صدر في تلك الفترة »وهنا تبرز أيضا قلة العدالة في المعاملة ويبدو أعوان القطاع الخاص من الإطارات وحتى الإطارات المتوسطة وكأنهم غير مساهمين في صندوق الضمان الاجتماعي بينما كان بالإمكان تخصيص نسبة معينة لترضية رغباتهم مع ترضية رغبات الأغلبية الساحقة التي يمثلها صغار العمال« (2) وكما جاء على لسان أحد المنخرطين في صندوق الضمان الاجتماعي: » لماذا يميز الموظف بحق الاقتراض من صندوق التقاعد سواء لبناء مسكن أو لتوسيعه أو حتى لشراء مسكن جاهز بينما يحرم زميله العون بالقطاع الخاص من مثل ذلك الاحتمال وتفتح في وجهه إمكانية واحدة وهي نيل مسكن من النوع الاقتصادي«.
وقد تحققت نتيجة هذه المطالبات رغبة الأجراء في القطاع الخاص إذ أصبح بإمكانهم منذ سنة 1981 التمتع بالقروض وذلك في إطار حصولهم في نفس الفترة على جملة من المنافع منها منحة الأجر الوحيد ورأس المال عند الوفاة والمنح العائلية لفائدة أصحاب الجرايات. كما تم في المجال السكني بناء أحياء سكنية لفائدة منخرطي صندوق التقاعد والحيطة الاجتماعية والمساهمة عبر شركة النهوض بالمساكن الاجتماعية في توفير مساكن اجتماعية لمنخرطي صندوق الضمان الاجتماعي.
وهكذا صدرت النصوص القانونية والترتيبية التي تقر إسناد قروض إلى المضمونين الاجتماعيين بالقطاع الخاص وكانت بدايتها في فيفري 1981 بمراجعة القانون عدد 60-30 المؤرخ في 14 ديسمبر 1960 والمتعلق بتنظيم أنظمة الضمان الاجتماعي عبر إحداث صندوق » يهدف إلى النهوض بعمل اقتصادي واجتماعي لفائدة العملة وذلك بإسناد قروض 3«. ثم صدر في أكتوبر 1981 الأمر الذي اهتم بالجوانب التطبيقية 4 بإقرار نوعين من القروض: قروض السكن والقروض الشخصية.
وكانت القروض المخصصة للسكن تهدف إلى إتمام تمويل اقتناء أو تحسين أو توسيع مسكن. وتبلغ قيمة القرض ألفي دينار بفائض %4 يتمّ تسديده على مدى 10 سنوات. أما القروض الشخصية فكان الهدف منها مجابهة مصاريف ذات صبغة استثنائية يتعدى مقدارها الطاقة المالية العادية لصاحب الطلب مثل اقتناء تجهيزات بقرض يبلغ 600 د أو قرض زواج يصل إلى1500د أو قرض لشراء سيارة بمبلغ مقداره الأقصى 1200 دينار. وكان على المترشح لطلب قرض الإدلاء بما يثبت هذه المصاريف الطارئة.
إلا أن حصول المضمونين الاجتماعيين لأول مرة على هذه القروض وإسنادها بشروط مرنة كنسبة الفائدة وأجل الإرجاع لم تحل دون تعبيرهم عن بعض الانتقادات منها اشتراط كفالة المؤجر. كما رأى البعض أن الإقبال على قروض السكن سيقتصر على فئة واحدة وهم أولئك الذين يملكون مساكن ويسعون إلى تحسينها أو توسيعها أو ممن يريدون شراء قطعة ارض.
ورغم السلبيات المذكورة فقد عرفت هذه القروض إقبالا منقطع النظير فاق كل التوقعات. وأدت كثافة المطالب التي تم تقديمها آنذاك إلى بروز ردود فعل عكسية من جانب المسئولين الذين اعتبروا المواصلة في إسناد القروض تشجيعا على الاستهلاك واستنزافا لموارد الصندوقين، فتم في سنة 1984 تجميد إسناد القروض الشخصية مع الإبقاء بوتيرة بطيئة على القروض السكنية. وهكذا لم تدم »فرحة« الأجراء طويلا.
2) منتصف الثمانينات وكبح الفرامل
بدت السلطة وكأنها قد ندمت على ما فعلته فشرعت في إعادة النظر في حق الاقتراض، فكان الأمران الصادران سنتي 1986 و1988 الذين أقرا شروطا جديدة لإسناد القروض ومبالغها وخاصة نسب فوائدها.
فصدر في مارس 1986 أمر أول (5) اقتصر على القروض السكنية وألغى أمر سنة 1981 وبالتالي ألغى القروض الشخصية بما فيها قروض السيارات. واتضح أن المسالة تتعلق فعلا بتراجع وليست سهوا، وهو ما أكده صراحة وزير الحماية الاجتماعية آنذاك معتبرا »أن إسناد القروض لاقتناء سيارات لم يكن قانونيا إذ تم بموجب منشور وزاري ولم يكن واضحا في أمر«. 1981 وعلّل موقفه بأن قروض السيارات التي يمنحها صندوق التقاعد والتي تم النسج على منوالها، لها مبررات أخرى إذ تم العمل بها في وقت سابق لتمكين الموظفين الذين تفرض عليهم خطتهم التنقل (6).
وقد نص الأمر المذكور والمتعلق بقروض السكن على عدة تحويرات مثل الترفيع في مبلغ القرض وفي مدة التسديد وكذلك الترفيع في نسبة الفائدة من %4 إلى % 8.25 مرة واحدة أي بأكثر من الضعف وهو ما اعتبر أول مؤشر لسحب الصبغة الاجتماعية عن هذه القروض رغم تدارك الأمر جزئيا سنة 2002 بالتخفيض من النسبة إلى %6.75 . كما شملت التحويرات اشتراط تعاقد المضمون الاجتماعي مع الصندوق الوطني للادخار السكني بحجة تشجيع الطالبين على الادخار، إلا أن تطبيق هذا الشرط بدا صعبا مما أدّى بعد سنتين إلى إلغائه.
وحصلت هذه التراجعات في مجال القروض المعدة للسكن في ظل ظروف اتسمت ببداية انسحاب الدولة من تحمل أعباء السياسة السكنية والتي تزامنت مع إجراءات أخرى مثل تحويل الصندوق القومي للادخار السكني إلى بنك (بنك الإسكان) والانطلاق في التفويت في مساكن شركة النهوض المساكن الاجتماعية »السبرولس«.
ثم صدر سنة 1988 أمر ثان (7) أعاد صياغة شروط إسناد القروض الشخصية وفصل بين القروض الشخصية وقروض السيارات. وتبرز المقارنة بين نصي 1981 و 1988 أنه تم الترفيع في نسبة الفائدة من %4 إلى %8.25 وهو ما عُدّ خطوة أخرى نحو تحويل القروض الاجتماعية إلى ما يشبه القروض البنكية.
أما قروض السيارات فقد أفردت بشروط خاصة منها السماح بشراء السيارات المستعملة. ولعل ما دفع إلى القيام بهذه التعديلات ما عرفه قطاع السيارات آنذاك من أزمة نتيجة غلق معمل تركيب السيارات بسوسة وما انجر عنه من تراجع للشراءات، بعد أن كان القرض مرتبطا بصورة أولية بضرورة اقتناء سيارة مركبة في تونس.
فتم ترفيع المبلغ إلى 10 آلاف دينار وترفيع نسبة الفائدة من 4 % إلى 8.25 % وهما المعطيان اللذان ما زالا معمولا بهما إلى اليوم رغم الارتفاع المهول في أسعار السيارات ورغم التعديلات التي عرفتها نسبة السوق المالية طيلة هذه المدة.
ولضمان استرجاع القروض يقوم الصندوقان بتسجيل امتياز على البطاقة الرمادية للسيارة خلال فترة التسديد المتراوحة بين 5 و 7 سنوات حسب حالة السيارة أي جديدة أو مستعملة. إلا أن الغريب أن هذا الترسيم مازال يتم طبقا لأحكام »أمر عليّ« صادر عن الباي في فترة الاستعمار الفرنسي ومضى عليه ما يقارب ثلاثة أرباع قرن 8 حيث لم يكن هناك لا صناديق اجتماعية ولا قروض. وينص الأمر المشار إليه على أن الترسيم يتم لمدة 5 سنوات 9 في حين أن فترة تسديد القروض المخصصة للسيارات الجديدة تمتد إلى 7 سنوات وهو ما يمثل ثغرة قانونية لم يقع تجاوزها إلى اليوم.
وقد بدأ في هذه الفترة أي منتصف الثمانينات الحديث عن مؤشرات اختلال التوازنات المالية للصناديق حيث »أشارت التوقعات المالية لنظام التغطية الاجتماعية إلى احتمال استمرار انخفاض الفوائض المالية لجهاز الضمان الاجتماعي خلال المخطط السابع للتنمية 10« بما يعني أن التعديلات التي أدخلت على القروض اندرجت في سياق التمهيد للمرحلة الموالية التي كرست سحب المكاسب الاجتماعية والاستجابة لمتطلبات برنامج الإصلاح الهيكلي.
وأدّت سياسة الضغط هذه في وقت لاحق إلى »الاقتصار على إسناد قروض السيارات للمضمونين الاجتماعيين الذين يكون معدل أجورهم الشهرية المصرح بها لدى الصندوق خلال الثلاثيات الأربع السابقة لتقديم المطلب يساوي أو يفوق أربع مرات ونصف الأجر الأدنى المهني المضمون (11). وهكذا تم إقصاء شريحة هامة من المضمونين الاجتماعيين بحجة الحرص على إسناد هذه القروض للذين تسمح مداخيلهم بإرجاع أقساط الديون دون المساس بقدراتهم المالية في حين أن شرط عدم تجاوز %40 من الدخل كان كافيا لانتقاء القادرين على التسديد.
لقد عرف إسناد القروض في بداية الثمانينات انطلاقة ايجابية تميزت برغبة ملحة في الاقتراض من قبل المضمونين الاجتماعيين سرعان ما تراجعت بسبب عدم مواكبة الشروط والمبالغ لتطور الظروف الاقتصادية، ذلك أن قرض السكن لم يعد يكفي لبناء غرفة واحدة حتى بعد الترفيع فيه إلى 15 ألف دينار، وقرض السيارة البالغ 10 آلاف دينار لا يغطي نصف ثمن السيارة وإن سميت سيارة شعبية. أما نسب الفائدة التي تتجاوز أحيانا نسبة السوق المالية فقد نزعت عن هذه القروض صبغتها الاجتماعية وحوّلتها إلى قروض تجارية مما دفع بالمضمونين الاجتماعيين إلى اللجوء إلى بدائل أخرى سواء داخل مؤسساتهم المهنية أو لدى البنوك أو الاستغناء عن الاقتراض بكل بساطة (جدول عدد 1)
3) القروض الجامعية: سيارة إسعاف أخرى
ارتبطت المنحة الجامعية منذ ستينات القرن الماضي بتكفل الدولة بها في إطار تكفلها بمصاريف التعليم العالي في كافة جوانبه. أما في منتصف التسعينات ومع انخراط تونس في مسار العولمة وما انجر عنها من تراجع الدولة عن القيام بدورها الاجتماعي، فقد تغيرت المعطيات بما في ذلك المجال الجامعي مع تزايد أعداد الطلبة الذين هم في حاجة إلى منح جامعية.
ووجدت الدولة الحل في انسحابها من القيام بدورها وذلك في نفس السياق الذي تم في قطاعات استراتيجية أخرى والذي أشرنا إليه في مقال سابق: »لا بد من التذكير أولا بما نصت عليه توجيهات الدوائر المالية العالمية منذ ثمانينات القرن الماضي من ضرورة انسحاب الدولة من التكفل بالخدمات الأساسية وفتح المجال للقطاع الخاص مما يؤدي بالضرورة إلى فتح الباب أمام الاستثمار الخارجي. وفي هذا الإطار تخلت الدولة تدريجيا على قطاعات ومرافق حيوية مثل التعليم والسكن والنقل الخ (12)«.
وفي الاتجاه ذاته تم اتخاذ عدة إجراءات منها تشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في التعليم العالي سواء في التجهيزات أو السكن أو الأكل وهو ما كرسته القوانين الصادرة في نفس الفترة (13) علاوة على فتح الأبواب للجامعات الأجنبية الخاصة. كما بدأت السلطة تعبر عن قلقها من تحمل كلفة المنح الجامعية التي بلغت قيمتها في السنة الجامعية 2000 - 1999 مثلا 22 مليون دينار والذي اعتبر آنذاك غير كاف للاستجابة إلى كل المطالب. وتم تعليل ذلك بأن المنحة ليست »حقّا مكتسبا« بل هي مساعدة تقدمها الدولة لمستحقيها من الطلبة. وهكذا وجدت الدولة الحل في تكليف الصناديق الاجتماعية بإسناد قروض معتبرة أن ذلك »سيخفّف العبء« عليها، في الوقت الذي أصبحت فيه تتكفل بمساهمات الأعراف في الضمان الاجتماعي مثلما تعرضنا إليه بالتحليل في دراسة سابقة (14).
وقد نصّ الأمر المتعلق بالقروض الجامعية والصادر سنة 1999 (15) على تمكين الصناديق الاجتماعية من إسناد قروض إلى المضمونين الاجتماعيين »لمساعدتهم على التكفل بمصاريف أبنائهم الطلبة الذين لا يتمتعون بمنحة من الدولة« ويبلغ مقدار القرض مقدار المنحة الجامعية أي 500 د بنسبة الفائدة تبلغ 5٪. وهكذا أصبحت مسؤولية الدولة تقتصر على من يقل دخلهم عن الأجر الأدنى.
ويسند القرض إلى الطالب بكفالة الولي الذي يجب أن يكون دخله متراوحا ما بين مرة وأربع مرات ونصف الأجر الأدنى المضمون. ومن المفترض أن يقوم الطالب بإرجاع القرض بعد الانتهاء من الدراسة بسنتين وإن تعذر عليه تتم مطالبة المنخرط نفسه.
وقد شهدت السنوات الأولى لإحداث هذه الخدمة إقبالا كبيرا يمكن تفسيره بحاجة المضمونين الاجتماعيين الماسة إلى الاقتراض بحكم ارتفاع تكاليف الدراسة من ناحية وإصرارهم على إتمام واجبهم في تعليم أبنائهم إلى آخر المطاف من ناحية أخرى. وقد يكون الإقبال ناتجا أيضا عن عدم تمييز المضمونين الاجتماعيين آنذاك بين المنحة والقرض خاصة في ظل الضجيج الإعلامي الذي رافق الإعلان عن القروض الجامعية والذي تزامن مع حملة الانتخابات الرئاسية والتشريعية لسنة 1999.
ولم يلبث هذا الإقبال أن تراجع بعد بضع سنوات فقط (جدول عدد 2) وقد يعود ذلك إلى أن الدفعة الأولى من المقترضين وجدوا صعوبات في تسديد ديونهم بسبب أن بعض أبنائهم الطلبة لم يكملوا دراستهم أو أكملوها وانضموا إلى صفوف المعطلين عن العمل، وهو ما خلق انطباعا لدى المضمونين الاجتماعيين بعدم جدوى هذه القروض التي لم تكن سوى تأجيل للمشكل وليس حلا له خاصة بالنسبة إلى العائلات التي تضم أكثر من طالب واحد من ناحية وباعتبار ما يترتب عن الفائض السنوي المقدر ب %5 من ناحية أخرى.
ولم تكن الضمانات التي أقرها القانون كافية للقيام بالاستخلاص سواء تعلق الأمر بولي في حالة نشاط يتراوح دخله بين مرة أو مرتين أو حتى ثلاث مرات الأجر الأدنى أو بولي محال على التقاعد لا توفر له جرايته سوى الحد الأدنى، وذلك بقطع النظر عن الاحتراز القانوني حول مدى صحة الحجز على الجرايات نظرا إلى صبغتها المعيشية.
وأخيرا نشير إلى القروض التي تمنح للأعراف في القطاع الخاص لإتمام تمويل مشاريع اجتماعية لفائدة العملة. وقد تم إقرارها سنة 1981 ثم تحويلها سنة 1996 إلى قروض مخصصة للنهوض بالصحة والسلامة المهنية (16). إلا إننا فضلنا عدم التعرض لهذه القروض باعتبارها لا تكتسي أهمية مقارنة بالقروض المسندة إلى المضمونين الاجتماعيين.
4) خطوة إلى الأمام... خطوات إلى الوراء
يتضح من خلال هذا العرض تراجع حجم القروض الاجتماعية ونوعيتها في العقدين الأخيرين بعد الانطلاقة الطيبة التي شهدتها في بداية الثمانينات. ففي الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي تضاءل عدد المطالب بسبب الشروط المجحفة التي لم تواكب التطورات الاقتصادية والاجتماعية. أما في الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية فقد توقف منذ سنوات رصد اعتمادات للقروض رغم حاجة العديد من أعوان القطاع العمومي إليها. كما كبلت القروض الجامعية الصناديق الاجتماعية محملة إيّاها عبء فشل الدولة في التعهد بالتعليم العالي.
وقد اتخذ المشرع احتياطاته القانونية ليجعل من القرض خدمة قابلة للسحب في كل لحظة أو على الأقل لتضييق شروط إسنادها وذلك باستعمال كلمة »يمكن« على خلاف المنافع التي تعتبر حقا على غرار المنح العائلية أو الجرايات. كما سمحت الأوامر الصادرة في هذا المجال لوزير الشؤون الاجتماعية إدخال »تحويرات على الشروط« كلما اقتضت الضرورة ذلك وهو ما قام به في أكثر من مرة.
هذا وقد اقتصر تناولنا لموضوع القروض الاجتماعية على الجوانب القانونية والتاريخية دون التمكن من تدعيمها بالأرقام والإحصائيات، ذلك أن ما ينشر في وسائل الإعلام الرسمية أو ما يوضع على شبكة الانترنت لا يمثل سوى معطيات سطحية أو أرقاما مبتورة أو دعاية سياسية في غير محلها.
ففي الموقع الالكتروني للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي تبتدئ الإحصائيات حول القروض من 1987 في حين أن إسنادها يعود إلى سنة 1981. أما الموقع الالكتروني للصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية فقد خلا من الإحصائيات وبدا وكأن عقارب ساعته قد توقفت يوم 13 جانفي 2011، إذ ما زلنا نقرأ إلى اليوم في ركن التعريف بالقروض ما يلي: »إن انخراط تونس في عهدها الجديد الذي فتحه تغيير السابع من نوفمبر قد ساهم أيما مساهمة في... ويتولى الصندوق إسداء أربعة أصناف من القروض«...
5) من أجل قروض اجتماعية
إن مستوى التطور الذي عرفه قطاع الضمان الاجتماعي في تونس يجعل من المشروع للمضمونين الاجتماعيين السعي إلى إعادة العمل بالقروض والنظر في شروطها بما يجعلها أكثر اجتماعية وذلك بالترفيع في مبالغها ومراجعة نسب فوائدها وتيسير ظروف تسديدها وإعادة النظر في القروض الجامعية بتكفل الدولة بها.
1) الأمر عدد 54 لسنة 1976 المؤرخ في 23 جانفي 1976 مثلما تم تنقيحه بالأمر عدد 624 لسنة 1978 المؤرخ في 6 جويلية 1978 يتعلق بإسناد قروض سكنية من الصندوق القومي للتقاعد والحيطة لاجتماعية.
2) جريدة الصدى بتاريخ 14 جويلية 1975
3) القانون عدد 5 لسنة 1981 المؤرخ في 12 فيفري 1981 المنقح للقانون عدد 60 لسنة 1960 مؤرخ في 14 ديسمبر (1960 الفصل 24 مكرر).
4) الأمر عدد 1371 لسنة 1981 المؤرخ في 21 أكتوبر 1981.
5) الأمر عدد 383 لسنة 1986 المؤرخ في 22 مارس 1986 والذي تم تنقيحه بالأمر عدد 2068 لسنة 2002 المؤرخ في 16 سبتمبر 2002.
6) جريدة لابراس بتاريخ 9 أفريل 1986 حوار مع رضا حمزة.
7) الأمر عدد 273 لسنة 1988 مؤرخ في 26 فيفري 1988.
8) الأمر العليّ المؤرخ في 7 نوفمبر 1935.
9) لنا أن نتساءل هنا لماذا بقيت السلطة متمسكة بهذا الأمر هل لأنه مؤرخ في 7 نوفمبر.
10) جريدة العمل بتاريخ 20 ماي 1987.
11) منشور وزير الشؤون الاجتماعية بتاريخ 10 فيفري 2003.
12) تعميم التغطية الاجتماعية حقيقة أم سراب، الشعب بتاريخ 26 فيفري 2011.
13 صدرت في نفس الفترة عدة نصوص من أهمها القانون عدد 73 لسنة 2000 المؤرخ في 25 جويلية 2000 والمتعلق بالتعليم العالي الخاص إلى جانب 3 أوامر.
14) الضمان الاجتماعي والصكوك البيضاء : إعفاء الأعراف من المساهمات أو تكفل الدولة بها أنموذجا »جريدة الشعب بتاريخ 9 افريل 2011 .
15) الأمر عدد 1544 لسنة 1999 مؤرخ في 15 جويلية 1999.
16) الأمر عدد 1050 لسنة 1996 مؤرخ في 3 جوان 1996 مثلما تم إتمامه بالأمر عدد 2343 لسنة 2009 المؤرخ في 12 أوت 2009.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.