نتذكّر جميعا الاضراب عن الطعام الذي نفّذه الأساتذة الثلاثة علي جلولي ومحمد المومني ومعز الزغلامي سنة 2008 احتجاجًا على طردهم من التعليم الثانوي بسبب مشاركتهم في اضراب عن العمل دعت إليه النقابة العامة للتعليم الثانوي في أفريل 2007. وكان الأساتذة الثلاثة قد نجحوا قبل ذلك في كتابي »الكاباس« لكن تمّ إسقاطهم عمدًا في الشفاهي بسبب تاريخهم النضالي في الاتحاد العام لطلبة تونس. وبعد أن خاضوا عديد التحركات الاحتجاجية والنضالية مع زملاء لهم دفاعًا عن حقهم في الشغل، تمّ انتدابهم كأساتذة متعاونين إلى أن تمّ الاستغناء عنهم كما أشرنا بسبب مشاركتهم في إضراب 7 أفريل 2007. وطبيعي جدّا أن تستنبط السلطة حينها أسبابًا واهية للاستغناء عنهم ومنها عدم الكفاءة البيداغوجية حتى لا يتمّ تجديد عقودهم وانتدابهم نهائيا في مرحلة قادمة. ❊ وثائق وحقائق وبعد أن تجرّع الثلاثة مرارة الظلم، ولم ينفع حينها حتى الاضراب عن الطعام الذي نفذوه في مقر النقابة العامة للتعليم الثانوي احتجاجًا على الذي اعتبروه طردًا لأسباب نقابية وسياسية، هاهي الثورة تأتي لتكشف بعضا من المستور حول المظلمة التي تعرّض لها الأساتذة الثلاثة من خلال وثائق تخصّ أحدهم وهو علي الجلولي ومتعلقة بأعداده الصناعية وآراء المتفقدين فيه العاكسة لمستوى أكاديمي مرضي يؤهله لتجديد العقد والانتداب، لكنّها تحوّلت »بقدرة قادر« إلى أعداد دون المستوى تمّت فبركتها حتى لا يتمكّن الأستاذ المذكور من مواصلة شغله وحرمانه منه. ومن خلال الوثائق التي في حوزتنا، نجد أنّ علي الجلولي وخلال مدّة مباشرته في تدريس مادة الفلسفة بمدرسة ابن منظور بڤبلي كان مثالاً للمواظبة والمثابرة والمستوى الأكاديمي المرموق، فالتقرير التقييمي الخاص به ليوم 7 ماي 2007 أكّد أنه السيد الجلولي يتميّز بلغة سليمة ومضمون معرفي دقيق وتواصل جيّد مع المتعلّمين وحصَلَ على 20/12 كعدد بيداغوجي من قبل المتفقد، هذا الأخير الذي اقترح تجديد انتدابه، كما حصَلَ على 100/80 كعدد مهني أسندته إليه الادارة الجهوية للتربية والتكوين بڤبلي يوم 12 جوان 2007. وملاحظة طيب وأعداد بلغت 20/16 حول المردود والمواظبة والمثابرة متضمّنة في وثيقة العدد الاداري السنوي محرّرة يوم 13 فيفري 2007، وهي وثيقة لم تُسلّم إلى الأستاذ المذكور في السابق خلافا للقانون الذي يضمن معرفة الأستاذ لعدده الاداري السنوي. نفس الادارة الجهوية للتعليم بڤبلي، وفي تقرير لمدير المعهد ابن منظور تمّ اقتراح تجديد الانتداب وتمّ اسناد عدد 20/13. كلّ هذه الوثائق والتقارير والأوراق والملاحظات والتقييمات لم تَشفع للأخ علي بل تمّ قبرها وإخفاؤها وتجاهلها ليأتي قرار نفس الادارة الجهوية بڤبلي التي أمضت على تلك الوثائق الايجابية لتمضي بعد ذلك على وثائق أخرى لا علاقة بالواقع وبالمستوى الأكاديمي للأستاذ، فتمّ الإبلاغ بعدم تجديد الانتداب طبقا لمراسلة الادارة العامة للمرحلة الثانية من التعليم الأساسي والتعليم الثانوي تحت عدد 18847، وتضع الكلّ في وضعية الدّهشة والاستغراب. الطامة الكبرى، والتي تبعث السّخريّة هي العدد السنوي المسند إلى الأستاذ وهو 8 من 20 والذي جاء في وثيقة عدم تجديد الانتداب أمضاها وزير التربية السابق الصادق القربي ورضا البكري عن الادارة الجهوية للتعليم بڤبلي ومحسن القروي عن مكتب مدرسي المدارس الاعدادية والمعاهد، وهي وثيقة مثّلت نقيضًا للوثائق الأخرى تصل إلى حدّ تدليس الأعداد، فالعدد الاداري 80 من 100 إذا تمّ احتسابه بمعادلة معيّنة يبلغ 16 من 20 وليس 8 من 20، وبالتالي يمكن اعتبار ذلك تدليسًا هدفه حرمان علي جلولي وكلّ زملائّه الأساتذة المعارضين من مواصلة شغلهم. ❊ المتورطون في أماكنهم هذا إذن أنموذج من الفرز الأمني والسياسي الذي استهدف في عهد بن علي عديد المعارضين من الحركات الطلابية والسياسية والنقابية وحرمانهم من الشغل وتوفير حدّ أدنى معيشي، بقي أنّ المشكل هو أولئك الرموز الذين تورّطوا في مثل هذه العمليات ومازالوا إلى حدّ الآن يصولون ويجولون في أروقة وزارة التربية والإدارات الجهوية للتربية والتكوين وما من مُحاسب أو رقيب. واليوم فإنّ السيد علي الجلولي رفع مؤخّرا قضيّة ضدّ الصادق القربي ومن سيكشف عنه البحث في التدليس، وذلك بعد أن أعادته الثورة هو وزملاؤه إلى العمل. ❊ ملاحظة: اتصلنا بالادارة الجهوية بڤبلي لكنّنا لم نتمكّن من التحصل على أي مسؤول، بل لم يتمّ تعيين أصلاً أي مسؤول بعد 14 جانفي إلى الآن. كما حاولنا الاتصال بمكتب مدرسي المدارس الاعدادية والمعاهد بوزارة التربية لإستجلاء الأمر لكن إلى حدّ طباعة الجريدة ما من مُجيب.