استرعى انتباهي استسهال البعض للغة الدعوة للنزول للشارع وكأنهم يملكون زرّ التحكم في فعالياته، وهو استنتاج تكذبه حالة الانتكاس التي اصابت الحراك السياسي الشعبي التلقائي والمتمثلة خاصة في عدم تفاعله مع الدعوات المحمومة وحالة التهييج التي اعتمدتها أحزاب الضدّ على الصفحات الفايسبوكية التي لا يخفى علاقة بعضها بها صراحة أوضمنا، كما انني لا أتصور ان القمع المسلط على المتظاهرين والاعتقالات في صفوف شباب الثورة سواء في العاصمة او الدواخل هي السبب لأن لغة الترهيب والقمع والاعتقال أثبتت انها وسيلة وأداة لا تنفع مع جماهير مصممة على تحقيق أهدافها ولو نفعت لكان بن علي وحسني مبارك وغيرهما من الطغاة في كراسيهم وهو ما يدلل أن الشارع إمّا غير مٌبالٍ بالموعد الانتخابي جملة وتفصيلا او انه يشعر ضمنيا بعدم تَهَيٌّؤِ الظروف المناسبة لها وهو ما يصدقه الاستياء المتكرر من الحكومة المؤقتة بسبب تراخيها في استكمال المسار الثوري (محاسبة رموز النظام، تطهير الادارة، فتح ملف الفساد ومحاسبة المتورطين، محاكمة قتلة ابناء الشعب سواء كانوا من القناصة المسلحين بالسلاح او المال...). إنّ لغة التهديد بالشارع صارت تزعج لانها فقدت مفعولها السحري الذي كان عندما توحدت أجندة الأحزاب حقيقة او نفاقا مع ارادة الجماهير الثائرة. اليوم أصبح الشارع صار »زنق و وحواري« وساحات حيث انتظم أو يكاد في غالبيتة الاكثر فعالية وتأثيرا في أحزاب قانونية ومعترف بها. لذلك فمن الأفضل للجميع ولتجذير المسار الديمقراطي أن يتحمل كل مسؤوليته ونبدأ بحديث جدي عن واجبات الاحزاب، التي تدين للشارع بالكثير بما انّه هو من وهبها حقّ الوجود العلني تحت شمس هذا الوطن المحرر، وأخرجها للحياة بعد مواتها والمفترض منها أن تعبر به الطريق نحو ارساء دعائم دولة القانون والمؤسسات وتعيد له حريته وكرامته فتبرًّئ نفسها من دينه في رقابها وتستحق شرف العمل السياسي الذي تدعيه لذلك نقول الكرة في ملعب الاحزاب وليكن مقياس شرعيتها وجدارتها بالوصول الى الكرسي مدى التزامها باستكمال مسار ثورة الشعب، اما اللهاث المسعور الذي لمسناه في سلوك بعض الاحزاب بالذهاب الى الصندوق مهما كان الثمن ولو كان روح الثورة وجذوتها وجوهر العملية الانتخابية في حد ذاته فهو خيانة للشعب وانتصار للحزبوية الضيقة والاجندات المرسومة بميقات من الداخل المستفيد أو الخارج المراقب على حساب دماء الشهداء... الهيأة العليا المستقلة المكلفة باجراء الانتخابات أعلنتها سراحة وبحجج مقنعة أن الظروف التقنية واللوجستيّة غير مهيّأة لاجراء انتخابات نزيهة وشفافة وديمقراطيّة، وهو ما دفع أمينة أحد أحزاب الضدّ في البرنامج الحواري على قناة تونس 7 ليلة الاثنين 23 ماي 2011 إلى أن تتجرأ على القول بلغة سياسية واضحة لا تنم عن تمرس بالعمل السياسي واحترام لارادة الثورة وعلى الملأ »ما دام كل شيء استثنائي«. فلتٌجْرَ الانتخابات بشكل استثنائي وهي ذات الحجج المقنعة التي دفعت بممثل أحد الأحزاب المصرّة على الموعد الى ابتلاع لسانه وكظم غيضه واستيائه من ممثل الهيئة الذي أقنعت حججه التي صاغها بكل مسؤولية وصدق وامانة يقتضيها دور الهيئة العليا للانتخابات.. الحكومة على غير عادتها اختارت الحياد السلبي المتواطئ ووضعت الهيئة المستقلة في وضع لا تحسد عليه يجعلها اما أن تمضي في اجراء الانتخابات »كيما يجي« في موعدها وتدخل البلاد في طريق مجهول بما أنها سبقت واكدت ان اجراء الانتخابات في موعد 24 جويلية لن يضمن نزاهتها ومصداقيتها وشفافيتها أو استقلاليتها وانتصارها للحرفية والمهنيّة والمسؤولية المناطة بعهدتها ورفض دور شاهد الزور على أكبر جريمة تحاك ضد الثورة والمتمثلة في تنظيم انتخابات مجتزأة مرتجلة وشكلية ترضي نهم بعض الاحزاب المكلوبة والمتكالبة التي لا يعنيها سوى اقتناص الفرصة للاستحواذ على السلطة. ولو كان ذلك على حساب مستقبل الوطن.. نعم الوطن الذي استشهد من اجله المئات ولا تزال ارواحهم إلى يوم الناس هذا تطلب قصاصا عادلا.