مسرحي مهووس بالخشبة حتى العظام، رغم صغر سنه نسبيا فهو المتوّج بعديد الجوائز المحلية والعربية القيّمة التي تثبت علوّ كعب الموهبة أحسن ممثل بمهرجان قفصة للمسرح سنة 2008 عن دوره في مسرحية »والآن« للمخرج أنور الشعافي كما توج عن دوره في مسرحية »أهل الهوى« للمخرج عبد الوهاب الجمني بجائزة لجنة التحكيم في مهرجان قفصة وبجائزة أفضل ممثل عربي بمهرجان الأردن سنة 2006، كما حَصَلَ على جائزة النقاد في ايام قرطاج المسرحية سنة 2003 عن دوره في مسرحية »بعد حين« لأنور الشعافي، وحَصَلَ سنة 2001 على جائزة أحسن ممثل في مهرجان قفصة عن مشاركته في مسرحية »الضحك تحت الرقابة المشددة« للمخرج فتحي والأكاديمي العكاري. هو مغامر ومقامر وموهبة مسرحية فذة عمل على دعمها وصقلها بالتخصص والتربصات، فمشروع تخرّجه من المعهد العالي للفن المسرحي، حمل توقيعا خاصا به لا يأتيه الا هو، له من العناوين »السيد مواطن« وهو عمل في نوعية مسرحية نادرة وغير متداولة في عالمنا العربي ال »وان مان شو«، هو الآن أحد أبطال المسرحية الحدث للفاضل الجعايبي في السنتين الأخيرتين »يحي يعيش«، كما شارك قبلا في »خمسون« لذات المخرج، أما انطلاقته التلفزيونية الجماهيرية الكبرى فكانت في رمضان السنة المنقضية من خلال دور »الفاهم« في سيت كوم »نسيبتي العزيزة« على قناة نسمة التونسية، مع المسرحي خالد بوزيد كان »للشعب« هذا اللقاء: ❊ خالد بوزيد والمسرح الصامت، أسباب هذا الاختيار؟ هو هوس قديم بالمسرح الصامت بالشفرة الحركية التي يأتيها ممثل عبقري كشارلي شابلن فيضحك كل الناس ويؤلمهم في الآن ذاته بإيماءة أو انحناءة... وأنا الآن بصدد اعداد ماجستير في كتابة النص الصامت، كيف يكتب شارلي شابلن نصه الصامت في السينما والمسرح، من خلال لغة الحركة والايماءة، مواطن التعبير لدى الممثل مخارج الحروف وغير ذلك من الانشغالات في مسرح الميم والبانتوميم. ❊ ولغة الحركة والإيماءة هذه، هل تستمدها من محيطك الخاص أم العالمي؟ هناك شفرة في الميم والبانتوميم الكلاسيكيّين، تقنيات عالمية يتم المران عليها، مع ان للجسد طبعا ثقافته وحضارته الخاصة به، فحتى في الجلسة هناك فرق شاسع بين جلسة الياباني والافريقي، ففي هذا المجال اكثر من حركة بين واحدة فعلية وأخرى اشهارية وثالثة تعبيرية ورابعة متعارف عليها كلغة مثل لغة الصم. هناك من يؤكد ان اصل المسرح هو الميم، او ممارسة للمسرح منذ الانسان البدائي هو المسرح الايمائي حينما يجسد مشهد الصيد امام النار، ومنذ كنا رضَّعًا نحسن لغة الاشارة، الايحاءات وتفاصيل الايماءة واضحة لدى الرضع وبمجرد تعلم اللغة والكلام تتجمد أجسادنا على التعبير ولعل ما جعل المسرح العربي ينتكس اهتمامه في مرحلة ما باللغة والنحو والصرف وتضخيم الكلمات فأوقعه في الشعبوي والتهريج. ❊ نفهم من كلامك أن للممثل موقف في صياغة اللعبة المسرحية؟ بلا شك، الممثل كأي عمل انساني آخر جامع وجمّاع لآليات المهنة التي يمتهنها، وعلى الممثل ان يطلع على جميع المدارس في اللعب حتى يكون الجسد مرنا وواعيًا في الآن ذاته، الممثل ليس دمية بين يدي المخرج... فالممثل لديه ومن الضروري أن يكون كذلك صاحب مرجعية ومواطن تعبيرية خاصة من خلال المرجعيات الفيزيولوجية والفكرية... هي مهنة صعبة ومن المؤسف احيانا ان نرى بعض الممثلين الذين لا يبحثون عن اصل الشخصية في تركيبتها الفيزيولوجية والايمائية وكيفية المحافظة عليها نفسيا... . ❊ أجل هذا إذن أنت دائم التربصات؟ هذا طبيعي وبديهي، فإلى حدود الآن قمت بأربعة عشر تربصا في جميع اختصاصات المسرح من الكوميديا دي لارتي الى فن المهرج الى المسرح الايمائي الى جانب الاخراج وغيرها من الاختصاصات التي تثري في زاد الممثل كل هذا من مالي الخاص، فالجانب التطبيقي مهم والمران على الحالات والشخصيات أهم. ❊ كل هذا وجدناه حاضرًا وبقوة في شخصية »الفاهم« في سيت كوم »نسيبتي العزيزة«، فلو حدثتنا عن التجربة، وعن الصوت فيها تحديدا؟ بطبيعة الحال صوت الفاهم ليس صوتي الطبيعي هو صوت يصطلح عليه علميا ب »الأقرع النحاسي« وهو صوت مركب مع تصرف بشكل يتماشى مع شخصية »الفاهم«، وهي شخصية »البهلول« كما هو متعارف عليه أو »بوعزيز« الطريف لدى الصفاقسية وهي بمثابة شخصية جحا في المدن العربية وبالتعاون مع كاتب السيناريو والمخرج، حاولنا ان تكون الشخصية، رغم تركيبتها تلقائية وعفوية بالنسبة للمتفرج وحتى لا نسقط في فخ الجهوية حاولنا ان نشد المتفرج لتركيبة الشخصية وان يضحك من انفعالاتها وحركاتها وطريقة أو أسلوب تعاملها مع الوضعيات، لا على اللهجة او الجهة. ❊ لكن رغم كل هذا فقد قوبل العمل بالرفض من قبل أهالي صفاقس ِلمَا احتواه من استهجان للهجة الصفاقسية. الاستهجان لم يكن مقصودا وبأي شكل من من الأشكال، لكن الكوميديا تتطلب دائما التضخيم في المواقف وفي الكلمات، وأنا في الواقع انتمي الى جهة صفاقس وحتى السيناريست فرحات هنانة كما ان الفنانة القديرة منى نور الدين تعشق الصفاقسية ولم يكن في حسباننا جميعا اننا سنزعج أهالينا بصفاقس عندما فكرنا في العمل، واتمنى صراحة في »نسيبتي العزيزة 2« أن نتجاوز هذا الاشكال، كما أؤكد على ضرورة عدم تحميل الفنانة منى نور الدين الدين المسؤولية لأنها في النهاية ممثلة جسدت الدور دون اي خلفية سلبية ضد الصفاقسية، ومن المعلوم دائما ان شخصية »الحماة« عادة ما تكون مرفوضة ومذمومة. ❊ في مسرحية »يحي يعيش« تناولتم السياسي المضطهد والمفعول به في أيام الصمت، كيف أمكن لكم أن تعبروا في زمن اللاتعبير؟ العمل مع الفاضل الجعايبي كان دائما وأبدا شعاره الآن وهنا، السهل الممتنع والبسيط المعقد، ينطلق من نظرة ميكروسكوبية للواقع المعيش ليضع إصبعه على الخور الموجود والمتفشي اجتماعيا او سياسيا او ثقافيا مثل ما هو الشأن في »خمسون« فكل التيارات الفكرية والايديولوجية موجودة، »يحي يعيش« هي المرحلة المتقدمة من الحديث عن الهم التونسي... حديث عن مسؤول في أعلى هرم السلطة، لكن النقد يشمل المنظومة والنظام السياسي من بورقيبة الى بن علي بشكل تفكيكي، هذا الخور المؤسساتي من أعلى هرم السلطة الى أسفلها، تم العمل على استجلائه على مدى سنة ونصف وبمعدّل سبع ساعات يوميا بالمران والتطبيق والبحث المرجعي، فاستندنا الى عديد الكتب ككتاب الامير لماكيافيلي وكتاب محاكمة أحمد بن صالح وكتاب نصيبي من الحقيقة لمحمد مزالي وبعض ا لكتب عن بن علي وحرمه الى جانب التجربة الشخصية كمواطنين ننتمي الى هذا الوطن. فأوجدنا شخصية تمثل أعلى هرم للسلطة من بن علي الى يومنا هذا. وعند عرضنا للمسرحية في فرنسا أو ايطاليا تصبح المسرحية لدى بعض الفرنسيين أو الايطاليين نقدا ما لساركوزي أو لبرلسكوني، فالتركيبة السياسية في ذاتها بين جميع زعماء العالم وان اختلفت الجزئيات. الامر الذي يجعل من المسرحية ناجحة أينما حلت، لأن طريقة المعالجة وصنع العرض متقدمة على مستوى الاستيتيقا من حيث بنية العرض في اعتمادها على الركح الخالي وجدلية العلاقة بين الممثل والشخصية من خلال التقشف الجمالي. ❊ وماذا عنك؟ كنت أكثر من ممثل في العمل، لكن العمل أفادني جدا لانه متقدم جدا في طرحه، وليس من باب المجالة ان قلت ان مسرح الجعايبي مبهر لجميع من شاهده، فكم من مرة قدم الجعايبي درسا في المسرح لهم وهذا ليس مدحا لشخصه، بل شيء عاينته بنفسي وبأكبر المسارح العالمية. ❊ هناك من يرى أن سيادة المسرح التونسي على العالم العربي بمثابة المتسابق الذي يتسابق مع نفسه ولوحده، فكيف ترد؟ المسرح التونسي ناجح عالميا وليس عربيا فقط، ليس بفضل الهياكل، بل بفضل أشخاص اعتمدوا تجاربهم الشخصية وعلاقاتهم الشخصية... وهم قلة جدا وهذا لا يعني ان هناك مسرح متخلف جدا في تونس. ❊ وخالد بوزيد لأي شيء يؤسس؟ كمسرحي شاب مرجعياتي المسرحية أستمدها من مسرح الجعايبي وڤنون والجبالي والجزيري ورجاء بن عمار والورغي... وأنا الى الآن أحاول التشبع بكل هذه التجارب وأسرق منها أحيانا وأتعلم لأؤسس لمسرحي الخاص واللاحق، لأن المسرح ليس فن التقليد بل فن الاستلهام مما هو مميز ومن تجربة كاملة، فكل مسرحي له خصوصيته كالبصمة وله مسار تاريخي خاص به يجب الانفتاح عليه تماما كالمسرح العالمي بكل مدارسه وأنماطه لنؤسس لمسرح اليوم ومسرحي الخاص من خلال هواجسي الخاصة. ❊ وأين أنت من السينما؟ وهل لنا سينما حتى أكون فيها أصلا، فتجاربنا السينمائية قليلة ومحدودة، ومعلوم ان القطاع السينمائي مكلف جدا وللأسف الشديد لم تهتم به الدولة بالشكل الجيد، أما على مستوى الكيف فان ملاحظتي قد تكون نسبيا فيها شيء من الصحة، ما شاهدته في السينما التونسية غياب كلّي لشيْئين مُهمّيْن هما الدراماتورجيا السيناريو الحوار والخرافة، هذا الى جانب ادارة الممثل التي تكاد تكون شبه غائبه. أما في خصوص التقنية فلم يُولِهَا اهتمامًا كبيرًا مقارنة بالتقنية العالمية في التصوير وهو ما يسقطنا عادة في صراع بين الدراما وجمالية الصورة الى جانب أداء الممثل الضعيف الذي يحكمه السيناريو الأضعف.