'كان 2025': الجزائر تفتتح مشوارها بانتصار عريض على السودان    تطاوين: إطلاق حملة للتبرّع بالدم وسط مدينة تطاوين في إطار مجهودات دعم المخزون الوطني من الدم    الإطاحة بشبكة لترويج الأقراص المخدّرة بفريانة وحجز قرابة 330 ألف قرص مخدّر    الليلة: الحرارة تترواح بين 4 و12 درجة    مناظرة 2019: الستاغ تنشر نتائج أولية وتدعو دفعة جديدة لتكوين الملفات    بابا نويل يشدّ في'' المهاجرين غير الشرعيين'' في أمريكا: شنوا الحكاية ؟    أستاذ قانون: العاملون في القطاع الخاصّ يمكن لهم التسجيل في منصّة انتداب من طالت بطالتهم    هيئة السلامة الصحية تحجز حوالي 21 طنا من المواد غير الآمنة وتغلق 8 محلات خلال حملات بمناسبة رأس السنة الميلادية    توننداكس ينهي معاملات الإربعاء على منحى سلبي    كأس افريقيا للأمم : فوز بوركينا فاسو على غينيا الاستيوائية    قبلي: الاعداد لمشروع انتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية الكهروضوئية المزمع انجازه بمعتمدية رجيم معتوق    الديوانة تكشف عن حصيلة المحجوز من المخدرات خلال شهري نوفمبر وديسمبر    في الدورة الأولى لأيام قرقنة للصناعات التقليدية : الجزيرة تستحضر البحر وتحول الحرف الأصيلة إلى مشاريع تنموية    القصور: انطلاق المهرجان الجهوي للحكواتي في دورته الثانية    زلزال بقوة 1ر6 درجات يضرب هذه المنطقة..#خبر_عاجل    الرابطة الأولى: علاء الدين بوشاعة رئيسا جديدا للمستقبل الرياضي بقابس    الديوان الوطني للأسرة يجهّز ثلاث مصحات متنقّلة بهذه المناطق    عاجل: شوف شنيا قال عصام الشوالي على الماتش الجاي لتونس    قفصة: إصدار 3 قرارات هدم لبنانيات آيلة للسقوط بالمدينه العتيقة    عدّيت ''كوموند'' و وصلتك فيها غشّة؟: البائع ينجّم يوصل للسجن    مدرسة الطيران ببرج العامري: ارتفاع سنوي في عدد الطلبة و مسار مهني واعد    تزامنا مع العطلة المدرسية: سلسلة من الفعاليات الثقافية والعروض المسرحية بعدد من القاعات    عاجل/ بعد وصول سلالة جديدة من "القريب" إلى تونس: خبير فيروسات يحذر التونسيين وينبه..    قائمة سوداء لأدوية "خطيرة" تثير القلق..ما القصة..؟!    حليب تونس يرجع: ألبان سيدي بوعلي تعود للنشاط قريبًا!    كي تشرب القهوة يجيك النوم علاش؟...السّر الي ماكنتش تعرفو    هام/ المركز الفني للبطاطا و القنارية ينتدب..    عاجل: هذا موعد الليالي البيض في تونس...كل الي يلزمك تعرفه    ندوة علمية بعنوان "التغيرات المناخية وتأثيرها على الغطاء النباتي والحيواني" يوم 27 ديسمبر الجاري على هامش المهرجان الدولي للصحراء    رد بالك: حيلة جديدة تسرّق واتساب متاعك بلا ما تحسّ!    عركة كبيرة بين فريال يوسف و نادية الجندي ...شنوا الحكاية ؟    قابس: أيام قرطاج السينمائية في الجهات ايام 25 و26 و27 ديسمبر الجاري بدارالثقافة غنوش    درجة الحرارة تهبط...والجسم ينهار: كيفاش تُسعف شخص في الشتاء    هذا هو أحسن وقت للفطور لخفض الكوليسترول    بول بوت: أوغندا افتقدت الروح القتالية أمام تونس في كأس إفريقيا    صفاقس: تركيز محطة لشحن السيارات الكهربائية بالمعهد العالي للتصرف الصناعي    تونس: حين تحدّد الدولة سعر زيت الزيتون وتضحّي بالفلاحين    الحماية المدنية :425 تدخّلا خلال ال 24 ساعة الماضية    عاجل: تغييرات مرورية على الطريق الجهوية 22 في اتجاه المروج والحمامات..التفاصيل    عاجل/ العثور على الصندوق الأسود للطائرة اللّيبيّة المنكوبة..    بطاقة التعريف عن بعد لتلاميذ الثالثة ثانوي: شنيا الحكاية؟    راس السنة : جورج وسوف بش يكون موجود في هذه السهرية    مع بداية العام الجديد.. 6عادات يومية بسيطة تجعلك أكثر نجاحا    وزارة التجهيز تنفي خبر انهيار ''قنطرة'' في لاكانيا    عاجل/ قضية وفاة الجيلاني الدبوسي: تطورات جديدة..    البرلمان الجزائري يصوّت على قانون يجرّم الاستعمار الفرنسي    تونسكوب تطلق نشيدها الرسمي: حين تتحوّل الرؤية الإعلامية إلى أغنية بصوت الذكاء الاصطناعي    عاجل: اصابة هذا اللّاعب من المنتخب    اتحاد المعارضة النقابية: استقالة الطبوبي ليست نهائية ولم تكن مفاجئة    كأس الأمم الإفريقية المغرب 2025: برنامج مباريات اليوم والقنوات الناقلة..#خبر_عاجل    كأس أمم افريقيا (المغرب 2025: تونس-اوغندا 3-1): تصريحات ما بعد المباراة..    انفجار في دار لرعاية المسنين في ولاية بنسلفانيا الأمريكية والنار تحاصر المقيمين    عبد الستار بن موسى: المنتخب الوطني قادر على التطور.. والمجبري كان رجل مباراة اليوم    اشتباكات بين الجيش الأردني ومجموعات مسلحة على الحدود مع سوريا    دعاء السنة الجديدة لنفسي...أفضل دعاء لاستقبال العام الجديد    مع الشروق : تونس والجزائر، تاريخ يسمو على الفتن    في رجب: أفضل الأدعية اليومية لي لازم تقراها    برّ الوالدين ..طريق إلى الجنة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما جدوى مهرجان أيام قرطاج المسرحية في نظر المسرحيين؟
نشر في الشروق يوم 15 - 11 - 2009

توقيت الدورة الحالية لأيام مهرجان قرطاج المسرحية, جاء متزامنا مع احتفال تونس بمائوية المسرح التونسي, وبين تاريخ تأسيس أول دورة لهذا المهرجان عام 1983 إلى حدود هذا التاريخ وخلال سلسلة من الدورات شهد المهرجان فيها تحولات كبرى في سياق الفعل الثقافي في تونس. كيف يقيّم أهل الذكر هذه التحولات؟ وكيف ينظرون الى التراكم الحاصل وما هي تصوراتهم لتفعيل هذا القطاع الهام؟
هذا الملف يحاول النظر في المهرجان بإلقاء سؤال التقييم و النظر في الجدوى الحقيقية من إقامة المهرجان على شاكلة الدورات السابقة, وقد طرحنا السؤال على أهل الذكر من المخرجين والفنانين والمختصين في الشأن المسرحي, والفاضل الجعايبي, بوصفه المخرج و المؤلف المسرحي التونسي المتميز الذي اكتسب شهرة واعترافا دوليا في المجال المسرحي بفضل أعماله المسرحية وتاريخه المسرحي الحافل بالتجارب منذ نهاية الستينات إلى اليوم... المنصف السويسي, أحد أهم الأعلام المسرح التونسي مخرجا و مؤلفا و ممثلا و خبيرا في شؤون المسرح و أحد مؤسسي مهرجان أيام قرطاج المسرحية... الدكتور محمد المديوني, الأكاديمي البارز في شؤون المسرح, والأستاذ الجامعي في علوم المسرح وتاريخها, و أحد مديري مهرجان أيام قرطاج المسرحية... الدكتور رضا بوقديدة, مخرج و مؤلف مسرحي وأستاذ جامعي بالمعهد العالي للفن المسرحي وناشط في نقابة الفنون الدرامية.
د. رضا بوقديدة: ( مسرحي و جامعي وكاتب عام نقابة الفنون الدرامية ): ضرورة العودة إلى الأسس المبدئية الأولى التي تأسس من أجلها المهرجان
الناظر في تظاهرة أيام قرطاج المسرحية عليه أن يتمثل تاريخية قيام مثل هذه التظاهرة وأهم خاصياتها بمعنى النظر في فلسفة قيامها. فالأيام كانت تواصلا للنموذج السابق لتأسيس مهرجان أيام قرطاج السينمائية ونعني بذلك, أنه تأسيس ناشد الانخراط في الحركة الثقافية في العالم الثالث في مواجهة الهيمنة الثقافية الغربية فيما بعد معركة التحرر الوطني, فأيام قرطاج المسرحية أيضا كما هو حال شقيقتها الأيام السينمائية تنخرط بدورها كتظاهرة ثقافية في نضالات تحرير العقل العربي و الإفريقي وإبراز قدراته وخصائصه الحضارية و الفنية و محاولة النهوض بالمنتوج الرمزي لهذه المنطقة, تلك كان الهدف الأول للأيام و هو ما يفسر التصاقها بعنواني المسرح العربي و الإفريقي.
ولقد كانت أيام قرطاج المسرحية فعلا فرصة لتضامن المسرحيين في البلدان العربية و الإفريقية, وفضاء للتّعرف على تجارب البعض في العالمين العربي والإفريقي, لكن مع مرور الزمن تحوّل هذا الهم الأول الذي نشأت من أجله التظاهرة إلى اهتمامات ثانوية وشكلية, وفقدت أيام قرطاج المسرحية تلك الحماسة البريئة التي توفرها اللقاءات الحميمة مع المسرحيين وتلك الدهشة في اكتشاف الآخر, وتلك المتعة الجمالية التي يوفرها ذلك الحوار و ذلك اللقاء و ذلك الجدل وتلك الصداقات والعلاقات الودية التي تشعر المسرحي التونسي أنه ليس بالفنان المعزول وأنه ينتمي إلى عائلة كبرى هي عائلة المسرح . لقد أصبحت الأيام مجرد لقاء رسمي ودبلوماسي أكثر منه فرصة للفكر, كما تحول بالنسبة للمسرحي التونسي فرصة نادرة للمردودية المادية إذا ظفر بالبرمجة, فالغرض التونسي يتضاعف ثمنه في الأيام طبعا إذا كان والناظر أيضا في أيام قرطاج المسرحية اليوم سيدرك كيف أن التراكمات التي حدثت طوال مسيرة المهرجان قد تم بشكل ما التفريط فيها على إثر أمزجة المديرين وتوجهاتهم بالرغم من وجود نص شبه قانوني يضبط أهداف المهرجان و رهاناته و محطاته الرئيسية فلا سوق مسرحية حقيقية عربية أو إفريقية ولا تبادل منهجي للخبرات و لا تنامي للبنية التحتية و التقنية التي تضمن جدوى المهرجان, ولا استقلالية في الإدارة ولا ديمومة لها حتى تحافظ على هذه التراكمات فالإدارة لا زالت تحتكم للارتجالية والاعتباطية على جميع المستويات باعتبارها مرتهنة للعرضي والظرفي وبالتالي فإن فعل التأسيس يظل صعب المنال.
لذلك في رأيي لا بد من العودة إلى الأسس المبدئية الأولى التي تأسس من أجلها المهرجان وتحيينها على خلفية التحولات العالمية الجديدة و التحولات الثقافية الجديدة أيضا, ذلك أننا نعتبر أننا في حاجة إلى إعادة إبتكار وسائل جديدة لإقامة هذه التظاهرة والتصدي لهذا الانتكاس الذي أصابها. وإذا كان هذا الرأي الداعي إلى العودة إلى المبادئ يبدو في ظاهرة رجعيا أو ارتداديا ففي باطنه دعوة ملحة في إعادة النظر في مجمل الفعل الثقافي في بلادنا بوصفه رهانا إستراتيجيا.
المنصف السويسي: (رجل مسرح و خبير ومؤسس لمهرجان أيام قرطاج المسرحية): مراجعة سياسة المهرجان أمر ضروري
الأحلام تكبر عندما تتجسم بواكيرها, وأنا حلمت بمهرجان أيام قرطاج المسرحية كبعد تنشيطي مساند للفعل المسرحي في إطار الصّرح الذي أسّسته وهو المسرح الوطني. لكن الأيام رغم تدرجها نحو الشموخ وعلت قامتها عَبْرَ الدورات الثلاث الأولى التي أدرتها والدورات الأخرى فإن هذا المشروع لم يجد في رأيي الظروف الملائمة والشروط الموضوعية التي تجعله يعانق أحلامه, فلقد اضطررت إلى تقديم استقالتي سنة 1993من إدارة الأيام وفي نفسي حسرة وألم بعد دورته السادسة.
أسأل نفسي دائما إلى أين ستؤول أيام قرطاج المسرحية و هي تتقزم شيئا فشيئا عوض أن تكبر وتكبر وتينع. أسأل نفسي لماذا يحذف مديرها محمد إدريس المسابقة ويعتبر أن المنافسة والسباق لا يكونان إلا بين الخيل. في حين أراه يتباهى بأبسط جائزة حصل عليها حتى في المسرح المدرسي. لماذا يحذف الندوة الفكرية الدولية, هل أن ذلك من باب العداوة للفكر والنقد وإمعان النظر في الشؤون المسرحية أم انتصار لما هو ضد التثقيف والتنوير؟ ألا تستأهل تونس أن تكون عاصمة للمسرح العربي والإفريقي بمناسبة المهرجان وتفتح أبوابها للفكر والنقد والذوق والجمال؟ لماذا يكرم المهرجان من هب و دب و لا يكرم كل الذين يستحقون كل هذا التكريم وأنا على رأسهم مؤسس و مدير للمهرجان طوال عشرة أعوام, أفلا أستحق التكريم؟ أم أن الذين كرمهم المهرجان في الدورات السابقة يستأهلون التكريم أكثر مني.
لماذا يتم الإنزياح عن الفقرات الأساسية للمهرجان عمدا دون بدائل أخرى وقد غدت هذه الفقرات من تقاليد المهرجان؟ لماذا تحذف النقاشات على إثر العروض حيث
يتم اللقاء المباشر بين الجمهور والمبدع؟ أسأل هذه الأسئلة فلا أجد من مبررات لذلك إلا الإمعان في تفريغ المهرجان من فحواه و فاعليته و تحويله إلى مجرد سلسلة من العروض المضغوطة في زمن ضيق. فأين احتفالية الأيام؟ فقد تحولت إلى جنائزية و مجرد لقاءات اجتماعية ضيقة لا يعلم بها أهل المسرح و كأنها لقاءات سرية.
كنت أحلم بأن تتحول مدينة تونس إلى قلعة مسرحية عالمية وتصبح الأيام محجّا لعشاق المسرح في العالم ليس من المسرحيين فقط بل من جمهور المسرح في العالم , أي أن تصبح التظاهرة قاطرة للسياحة الثقافية في بلادنا على غرار مهرجان آفنيون , واعتقد هذا ممكن في المنطقة . كما حلمت أن تكون الأيام منتجة لأعمال مشتركة مع فرق غربية و أخرى أورو متوسطية وأخرى إفريقية, وأن يكون الافتتاح بعرض مسرحي دولي تنتجه الأيام. وأن تكون الأيام أيضا موعدا للإصدارات المسرحية التونسية والغربية والإفريقية, كما كنت أود أن تكون الأيام بزخمها ذاك مسوغا ودافعا ملحا لإنجاز فضاءات مسرحية جديدة تستوعب هذا الزخم المسرحي المتنامي, وقد كانت التقاليد ذاهبة في توطيد علاقة القطب بالأطراف في اتجاه التخفيف من مركزية الأيام, لقد توصلنا إلى تنظيم الأيام بصفة مصغرة في باجة والكاف وصفاقس كامتداد للأيام الأم. كنت أحلم أن تكون الأيام فرصة لدعم الرصيد المسرحي على مستوى الذاكرة والمسرحية الوطنية والعربية والدولية بوصف أن الأيام باتت مرجعا في المنطقة, كنت أتمنى أن تظل الجوائز قائمة فهي بمثابة نياشين المسرح التونسي على صدور المسرحيين الغرب والأفارقة يتباهون بها في بلدانهم. كنت أحلم... كنت أحلم... كنت أحلم...
أعتقد أنه حان الوقت الآن لمراجعة سياسة مهرجان أيام قرطاج المسرحية.
د . محمد المديوني: (جامعي و مدير سابق للمهرجان و مدير مائوية المسرح التونسي بوزارة الثقافة والمحافظة على التراث): اهتمامات المهرجان ليست مجرد شعار فضفاض يتم استهلاكه كعنوان للدّورة
مهرجان أيام قرطاج المسرحية مكسب هام جدا. لماذا؟ أولا لأنه لقاء حول المسرح و فنونه والمسرح في حاجة لهذا. ثانيا أيام قرطاج المسرحية في صورتها تختلف عن كل المهرجانات المسرحية في الدنيا ولكنها في نفس الوقت تستفيد من كل المهرجانات المسرحية وهذه أهم خاصيات الأيام. كيف ذلك؟ إن مهرجان أيام قرطاج المسرحية يتمتع بثوابت قارة تمكنه من هذا النوع من المرونة التي لا تتوفر عند غيرة من المهرجانات وهو بعده العربي و الإفريقي, وهي ثوابت إنتماء تجعله منفتح بحكم هذا التحديد الإقليمي أو الجغرا سياسي من الانفتاح على مجمل الأقاليم الكونية بحكم الموقع الذي تحضى به تونس في المنطقة الإفريقية والغربية والمتوسطية فهي قلب هذه المنطقة التاريخي والإستراتيجي, وبذلك فإن مهرجان أيام قرطاج المسرحية متمكن بحكم هذه الطبيعة والموقع أن يستفيد من كل التيارات والاتجاهات والتجاذب والتقاطع في خارطة المسرح الكوني.
ذلك هو الإطار العام لتظاهرة أيام قرطاج المسرحية, لكن إذا كانت دورة مسرحية لا تأخذ بعين الاعتبار ما تم إنجازه و تراكمه هي دورة باهتة وغير ضرورية وهو ما نلمسه منذ سنوات في ما تبدى من فتور على هذه الدورات. إذن ماذا يمكن أن نفعل إزاء هذه القضية؟ أولا لابد من تمثل التراكمات الحاصلة في مسيرة المهرجان, كما أنه لابد من أن تنطلق أية دورة في إطارها المعتاد من إشكالية ما أي من موضوع ما يبسط للنظر والبحث, أي الإنطلاق من أجل تحقيق هدف ما يكون أساسا لجملة الشواغل والاهتمامات التي تحوم حولها نشاطات الدورة وليس مجرد شعار فضفاض يتم استهلاكه كعنوان للدورة دون أن يكون لهذا الشعار وجود حقيقي وملموس على الواقع وضمن الحيز الزمني والفضائي الذي تستغرقه الدورة. وعلى مدير الدورة في رأيي أن يدرك أن الدورة يجب أن تكون أولا على قياس ما بلغه المسرح التونسي من حراك واختلاف و تجدد و أن يدرك ثانيا أن الدورة على قياس هذا المخاض الذي تعيشه الساحة المسرحية وأن تترجم بوادره وطلائعه و ممثليه. وعليه في ذلك أن لا ينتظر التصفيق الفوري لأن قيمة المجهود في تنظيم الدورة سيظهر فيما بعد. كما أن على مدير المهرجان أن يدرك أيضا أنه ينظم مهرجانا في خريطة تزدحم بالمهرجانات وأن يضع في اعتباره أن من يأتي للمهرجان ينتظر شيئا من المهرجان لذلك لا بد للدورة أن تكون على قدر إنتظارات القادمين إليه . كما يجب عليه أن يسعى إلى تذليل قدوم بعض الفرق الهامة والتي لا تتمكن بحكم وضعيات بلدانها الاقتصادية من الحضور كما هو الحال لبعض الفرق الإفريقية درءا لسوء التفاهم مع الأطرف وانخراطا في النهوض بالمسارح التي تستأهل المشاركة في الدورة . فالمهرجان سلسلة من الالتزامات والعقود الرمزية المترابطة التي لا يجب الإخلال بها والمحافظة فيها على التوازن, وهو توازن في رأيي لا يتم إلا في التشارك مع الأفراد.
وفي نهاية القول لابد من التذكير حول ما يغشى الدورات من إنزلاقات لا مبرر لها، فكيف يتم الخلط بين التكريم والتتويج و كيف يتم مرة حجب الجوائز ومرة أخرى الندوة الفكرية ومرة أخرى نقاشات العروض. وبالعودة إلى التتويج الذي دأبت عليه الأيام منذ عام 1983, فإني ألاحظ في الدورات الأخيرة أن التتويج لم يعد يخضع إلى مقاييس بل أصبح يحشر فيه المتوجون دون الخضوع لأية مقاييس, إن المهرجان مدعو إلى ضبط هذه المقاييس حتى تكون التتويجات والتّكريمات والجوائز بمثابة الشهادات الحقيقية التي ستكون سفيرة المسرح التونسي في البلدان العربية و الإفريقية.
الفاضل الجعايبي: (مخرج و مؤلف مسرحي): أيام قرطاج المسرحية توحي بأن كل شيء موجود و لا و جود لأي شيء
لعلني من بين آخر من يكون موقفه راديكاليا في سياق التقييم والتثمين في أي ميدان ما, حتى إذا تعلق الأمر بتقييم تظاهرة ثقافية مسرحية وطنية في حجم أيام قرطاج المسرحية. فلا بد في رأيي من ذكر النقاط الإيجابية بخصوص هذا السؤال حول جدوى هذه التظاهرة و ليس فقط ذكر الأشياء السلبية لكي لا يكون رأيي مجردا من أية مصداقية.
لقد كانت هناك جدوى نسبية للأيام في خطواتها الأولى, وهذا أمر طبيعي في ما يتعلق ببداية أي مشروع. أيام قرطاج المسرحية كانت المهرجان المسرحي الذي شكل فرصة لتعرّف الجمهور بأهل المسرح وتعرّف أهل المسرح ببعضهم البعض, وتعرف أهل المسرح بأهل الرأي المعرفي والنقد إلى جانب تعرّف أصحاب القرار الثقافي على الفنانين ومشاريعهم. إن جدوى أيام قرطاج المسرحية أمر لاشك فيه من الناحية المبدئية. لقد مكنت التقاء الشرق بالغرب, وأنا أذكر كمشارك كيف أن الأيام قد شكلت الصدمة بالنسبة الى الذين يجهلون مسرحنا التونسي, زمن عروض مسرحية «عرب» مع المسرح الجديد, ومسرحية «فاميليا». كما أنها شكلت همزة وصل أساسية للمسرح الجديد وفيما بعد في تجربة فرقة فاميليا مع الجمهور الآخر وتطوير صلة حقيقية بيننا وبين جماهير البلدان الأخرى العربية والإفريقية والأوروبية باستثناء جمهور مصر و بلدان الخليج. وما حدث معي حدث مع غيري من الزملاء المسرحيين من جيلي ومع من جاء من بعدي.
لكن هذا التواصل على ما كان عليه ظل متواضعا على مستوى ما يتطلبه من محاور وطرح للإشكاليات الحقيقية, فقد كان من المفروض أن يكون هذا التواصل قائما على الجدل والنقاش و التحليل, لا أن يكون مجرد لغو وحديث منمق و مجاملات معطلة و تواطؤ إخواني لا يسمن و لا يغني من جوع.
لم يتم في نظري الإستفادة من هذه الفرصة الثمينة التي كانت تمثلها أيام قرطاج المسرحية بتأسيس تقاليد للجدل الحقيقي حول النظر في أحوال مسيرة المسرح في البلدان العربية. والنظر بموضوعية في شأن المشاكل الأساسية التي تعترض الإبداع المسرحي في هذه البلدان وعلى رأس هذه المعطلات مسألة الاستقلالية عن السلطة في مختلف تجلياتها. والنظر في حرية المبدع وحرية الطرح, و مسألة النظر في طبيعة وموقع الفاعل المسرحي من التكوين وعلاقته بالسلطة الرابعة وعلاقته بالنقد وحرية التعبير وعلاقته بالإعلام السمعي البصري وتحولاته وعلاقة هذا الفاعل المسرحي بجملة الفاعل الآخر الموازي في الحقل المعرفي الشاسع الذي تمثله العلوم الإنسانية كعلماء الإجتماع و علماء النفس والمختصين في المشاغل الحضارية والإحصائية والإستراتيجية ضمن السياق العقلاني والمنهجي المتقدم. إنني ألاحظ أن الفاعل المسرحي معزول عن هؤلاء الفاعلين على قياس عزلة هذه التظاهرة نفسها عن مراكز الإهتمام... لكأن مهرجان أيام قرطاج المسرحية يوحي بأن كل شيء موجود ولا وجود لأي شيء.
وكأن السنوات تلو السنوات والدورات تلو الدورات وكل تلك الجهود لم تفض على أقل ما يمكن الحصول عليه من مادة تقييمية تشعرك أن التراكم قابل لإرساء التقاليد, فلا وجود لأي دراسة عميقة تقييمية صادرة عن سلطة الإشراف حول مسيرة الأيام بعد كل هذه السنوات. ولا صدى لكل تلك الهزات والقطائع الفكرية والجمالية والمناورات والتصادمات التي تحوم حول الفعل المسرحي والتي عايشتها الأيام. وكأني بمديري الدورات غير معنيين بهذا الأمر أصلا ولا يهمهم إلا التكالب و التضارب حول إدارة المهرجان.
أعتقد أن المشكل العضال في أيام قرطاج المسرحية ناجم بالأساس عن سلطة المؤسسة الثقافية نفسها. فكم طالبنا نحن المسرحيين بالاستقلالية التامة, الاستقلالية الإدارية والتنظيمية والسياسية والذوقية لهذه التظاهرة, والتي يجب أن تكون خارج كل التقلبات المزاجية الحقيقية أو الزائفة. لقد طالبنا بأن يكون مدير المهرجان يتمتع بحالة وهيكل مستقل ماليا وإداريا, يسمح له بكل حرية التجوال و انتقاء العروض والأعمال المسرحية من خلال مقاييس فكرية و جمالية عالية وليس من خلال المقاييس الدبلوماسية الرسمية وحدها. لقد طالبنا أن يوكل التنظيم بذمة شركة احترافية مختصّة في تنظيم المهرجانات المسرحية الجدية. أقول هذا لأشهد وأنا أعرف من تذمر من سوء التنظيم والعشوائية والارتجال في كل دورة وكأن تونس في خطواتها الأولى في مجال المسرح. وكأن المسرح التونسي لم ينضج بعد. فأنا أسأل دائما كيف يقبل مدير مهرجان الأيام باستمرار هذا المرض العضال الذي يعاني منه المهرجان؟ كما استغرب كيف لسلطة الإشراف القبول بهذا التفاقم في الأخطاء؟.
أقول هذا وأنا أدرك أن المهرجان منذ تأسيسه قد سمح لأعمال مسرحية هامة بالظهور إلى الجمهور لكنها أصبحت نادرة دورة بعد دورة وعوضت بأعمال ضحلة وضعيفة لا تستأهل برمجة المهرجان.
أنا أدرك أن هناك أعمال هامة وتجارب مهمة في مسارح البلدان العربية غير أنها لا تصل إلى أيام قرطاج المسرحية. وإنني أشاهدها وأتعرف عليها لا في بلدانها أو في مهرجانات بلدانها, بل في مهرجانات أجنبية أوروبية وأمريكية, وهي أعمال هامة في سياقات المسرح في العالم العربي. والسبب في ذلك أن الفن هو حرية أو لا يكون, وهذا الفن في حاجة ماسة إلى جملة من الظروف السانحة بتطوره وانتشاره في مناخات معرفية ومادية وسياسية ثقافية تساعد على بروزه وانتشاره وهذا هو الأمر الغائب في البلدان العربية, ذلك أن الاختيارات بعهدة السفراء والوزراء و الإداريين والبيروقراطيين.
إذن ما العمل بخصوص النهوض بأيام قرطاج المسرحية و تأكيد جدواها؟
أولا لابد من التقييم الجاد والنزيه والصريح والحر, علينا مطالبة الذات وسلطة الإشراف والوزارات المعنية والفنانين ومديري التظاهرات بالقيام بواجبهم تجاه هذه التظاهرة المكسب. وفي رأيي على الإدارة المشرفة على المهرجان أن تتعلم الدرس من تجربة رائدة في تونس في التنظيم والجدية والجدوى وهو المثال الذي تقدّمه سهام بلخوجة في مهرجان الرقص المعاصر التابع لمؤسستها التربوية والفنية الخاصة, فقد تجد في النهر ما لا تجد في البحر, فقد نجحت هذه الأخيرة وبإمكانيات متواضعة تأسيس مهرجان عالمي محترم في تونس ومكنت الجمهور المحب للرقص المعاصر من أعمال فنية مبدعة وأخذت على عاتقها تقديم مقترحات الرقص التعبيري المعاصر وتمكّنت من خلق شبكاتها الخاصة وتشاركها في حراك كبريات المهرجانات العالمية المختصة في الرقص المعاصر.
كم قلنا إنّ الأيام تجاوزتها الأحداث في صيغتها العربية والإفريقية وأنه من المفروض أن تنفتح الآن على التجارب الغربية وأمريكا اللاتينية والآسيوية.
إن الحديث التقليدي عن معوقات المهرجان هي المشكلة المادية وهذا أمر ليس بالضرورة السبب المباشر في إنجاح المهرجان و إنما المسألة الأساسية تكمن في بالأساس في الإرادة السياسية والإرادة السياسية الثقافية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.