الإسعاف الإسرائيلي: مقتل 11 إسرائيليا وإصابة 187 في الهجوم الإيراني الأخير    قافلة الصمود تُقرّر العودة إلى تونس    جندوبة: اجلاء نحو 30 ألف قنطار من الحبوب منذ انطلاق موسم الحصاد    باكستان تغلق حدودها مع إيران    العطل الرسمية المتبقية للتونسيين في النصف الثاني من 2025    الشيوخ الباكستاني يصادق على "دعم إيران في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية"    عاجل/ إضراب جديد ب3 أيام في قطاع النقل    ما هو السلاح النووي؟...إليك كل التفاصيل    جندوبة: الادارة الجهوية للحماية المدنية تطلق برنامج العطلة الآمنة    "مذكّرات تُسهم في التعريف بتاريخ تونس منذ سنة 1684": إصدار جديد لمجمع بيت الحكمة    الدورة الأولى من مهرجان الأصالة والإبداع بالقلال من 18 الى 20 جوان    الكأس الذهبية: المنتخب السعودي يتغلب على نظيره الهايتي    في قضية ارتشاء وتدليس: تأجيل محاكمة الطيب راشد    عاجل/ هذا موقف وزارة العدل من مقترح توثيق الطلاق الرضائي لدى عدول الإشهاد..    إجمالي رقم اعمال قطاع الاتصالات تراجع الى 325 مليون دينار في افريل 2025    منوبة: الاحتفاظ بمربيّي نحل بشبهة إضرام النار عمدا بغابة جبلية    كأس العالم للأندية: تشكيلة الترجي الرياضي في مواجهة فلامنغو البرازيلي    من هو الهولندي داني ماكيلي حكم مباراة الترجي وفلامينغو في كأس العالم للأندية؟    منذ بداية السنة: تسجيل 187 حالة تسمّم غذائي جماعي في تونس    الكاف: فتح مركزين فرعيين بساقية سيدي يوسف وقلعة سنان لتجميع صابة الحبوب    القيروان: 2619 مترشحا ومترشحة يشرعون في اجتياز مناظرة "السيزيام" ب 15 مركزا    كهل يحول وجهة طفلة 13 سنة ويغتصبها..وهذه التفاصيل..    معرض باريس الجوي.. إغلاق مفاجئ للجناح الإسرائيلي وتغطيته بستار أسود    كيف نختار الماء المعدني المناسب؟ خبيرة تونسية تكشف التفاصيل    ابن أحمد السقا يتعرض لأزمة صحية مفاجئة    عاجل : عطلة رأس السنة الهجرية 2025 رسميًا للتونسيين (الموعد والتفاصيل)    دورة المنستير للتنس: معز الشرقي يفوز على عزيز دوقاز ويحر اللقب    تأجيل محاكمة المحامية سنية الدهماني    الحماية المدنية: 536 تدخلا منها 189 لإطفاء حرائق خلال ال 24 ساعة الماضية    خبر سارّ: تراجع حرارة الطقس مع عودة الامطار في هذا الموعد    10 سنوات سجناً لمروّجي مخدرات تورّطا في استهداف الوسط المدرسي بحلق الوادي    صاروخ إيراني يصيب مبنى السفارة الأمريكية في تل أبيب..    كأس العالم للأندية: برنامج مواجهات اليوم الإثنين 16 جوان    اليوم الإثنين موعد انطلاق الحملة الانتخابية الخاصة بالانتخابات التشريعية الجزئية بدائرة بنزرت الشمالية    وفد من وزارة التربية العُمانية في تونس لانتداب مدرسين ومشرفين    طقس اليوم..الحرارة تصل الى 42..    النادي الصفاقسي: الهيئة التسييرية تواصل المشوار .. والإدارة تعول على الجماهير    تعاون تونسي إيطالي لدعم جراحة قلب الأطفال    كأس المغرب 2023-2024: معين الشعباني يقود نهضة بركان الى الدور نصف النهائي    باريس سان جيرمان يقسو على أتليتيكو مدريد برباعية في كأس العالم للأندية    صفاقس : الهيئة الجديدة ل"جمعية حرفيون بلا حدود تعتزم كسب رهان الحرف، وتثمين الحرف الجديدة والمعاصرة (رئيس الجمعية)    بعد ترميمه فيلم "كاميرا عربية" لفريد بوغدير يُعرض عالميا لأوّل مرّة في مهرجان "السينما المستعادة" ببولونيا    لطيفة العرفاوي تردّ على الشائعات بشأن ملابسات وفاة شقيقها    زفاف الحلم: إطلالات شيرين بيوتي تخطف الأنظار وتثير الجدل    المبادلات التجارية بين تونس والجزائر لا تزال دون المأموال (دراسة)    الإعلامية ريهام بن علية عبر ستوري على إنستغرام:''خوفي من الموت موش على خاطري على خاطر ولدي''    قابس: الاعلان عن جملة من الاجراءات لحماية الأبقار من مرض الجلد العقدي المعدي    إطلاق خط جوي مباشر جديد بين مولدافيا وتونس    باجة: سفرة تجارية ثانية تربط تونس بباجة بداية من الاثنين القادم    هل يمكن أكل المثلجات والملونات الصناعية يوميًا؟    موسم واعد في الشمال الغربي: مؤشرات إيجابية ونمو ملحوظ في عدد الزوار    تحذير خطير: لماذا قد يكون الأرز المعاد تسخينه قاتلًا لصحتك؟    من قلب إنجلترا: نحلة تقتل مليارديرًا هنديًا وسط دهشة الحاضرين    المدير العام لمنظمة الصحة العالمية يؤكد دعم المنظمة لمقاربة الصحة الواحدة    قافلة الصمود فعل رمزي أربك الاحتلال وكشف هشاشة الأنظمة    خطبة الجمعة .. رأس الحكمة مخافة الله    ملف الأسبوع .. أحبُّ الناس إلى الله أنفعُهم للناس    طواف الوداع: وداعٌ مهيب للحجيج في ختام مناسك الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما جدوى مهرجان أيام قرطاج المسرحية في نظر المسرحيين؟
نشر في الشروق يوم 15 - 11 - 2009

توقيت الدورة الحالية لأيام مهرجان قرطاج المسرحية, جاء متزامنا مع احتفال تونس بمائوية المسرح التونسي, وبين تاريخ تأسيس أول دورة لهذا المهرجان عام 1983 إلى حدود هذا التاريخ وخلال سلسلة من الدورات شهد المهرجان فيها تحولات كبرى في سياق الفعل الثقافي في تونس. كيف يقيّم أهل الذكر هذه التحولات؟ وكيف ينظرون الى التراكم الحاصل وما هي تصوراتهم لتفعيل هذا القطاع الهام؟
هذا الملف يحاول النظر في المهرجان بإلقاء سؤال التقييم و النظر في الجدوى الحقيقية من إقامة المهرجان على شاكلة الدورات السابقة, وقد طرحنا السؤال على أهل الذكر من المخرجين والفنانين والمختصين في الشأن المسرحي, والفاضل الجعايبي, بوصفه المخرج و المؤلف المسرحي التونسي المتميز الذي اكتسب شهرة واعترافا دوليا في المجال المسرحي بفضل أعماله المسرحية وتاريخه المسرحي الحافل بالتجارب منذ نهاية الستينات إلى اليوم... المنصف السويسي, أحد أهم الأعلام المسرح التونسي مخرجا و مؤلفا و ممثلا و خبيرا في شؤون المسرح و أحد مؤسسي مهرجان أيام قرطاج المسرحية... الدكتور محمد المديوني, الأكاديمي البارز في شؤون المسرح, والأستاذ الجامعي في علوم المسرح وتاريخها, و أحد مديري مهرجان أيام قرطاج المسرحية... الدكتور رضا بوقديدة, مخرج و مؤلف مسرحي وأستاذ جامعي بالمعهد العالي للفن المسرحي وناشط في نقابة الفنون الدرامية.
د. رضا بوقديدة: ( مسرحي و جامعي وكاتب عام نقابة الفنون الدرامية ): ضرورة العودة إلى الأسس المبدئية الأولى التي تأسس من أجلها المهرجان
الناظر في تظاهرة أيام قرطاج المسرحية عليه أن يتمثل تاريخية قيام مثل هذه التظاهرة وأهم خاصياتها بمعنى النظر في فلسفة قيامها. فالأيام كانت تواصلا للنموذج السابق لتأسيس مهرجان أيام قرطاج السينمائية ونعني بذلك, أنه تأسيس ناشد الانخراط في الحركة الثقافية في العالم الثالث في مواجهة الهيمنة الثقافية الغربية فيما بعد معركة التحرر الوطني, فأيام قرطاج المسرحية أيضا كما هو حال شقيقتها الأيام السينمائية تنخرط بدورها كتظاهرة ثقافية في نضالات تحرير العقل العربي و الإفريقي وإبراز قدراته وخصائصه الحضارية و الفنية و محاولة النهوض بالمنتوج الرمزي لهذه المنطقة, تلك كان الهدف الأول للأيام و هو ما يفسر التصاقها بعنواني المسرح العربي و الإفريقي.
ولقد كانت أيام قرطاج المسرحية فعلا فرصة لتضامن المسرحيين في البلدان العربية و الإفريقية, وفضاء للتّعرف على تجارب البعض في العالمين العربي والإفريقي, لكن مع مرور الزمن تحوّل هذا الهم الأول الذي نشأت من أجله التظاهرة إلى اهتمامات ثانوية وشكلية, وفقدت أيام قرطاج المسرحية تلك الحماسة البريئة التي توفرها اللقاءات الحميمة مع المسرحيين وتلك الدهشة في اكتشاف الآخر, وتلك المتعة الجمالية التي يوفرها ذلك الحوار و ذلك اللقاء و ذلك الجدل وتلك الصداقات والعلاقات الودية التي تشعر المسرحي التونسي أنه ليس بالفنان المعزول وأنه ينتمي إلى عائلة كبرى هي عائلة المسرح . لقد أصبحت الأيام مجرد لقاء رسمي ودبلوماسي أكثر منه فرصة للفكر, كما تحول بالنسبة للمسرحي التونسي فرصة نادرة للمردودية المادية إذا ظفر بالبرمجة, فالغرض التونسي يتضاعف ثمنه في الأيام طبعا إذا كان والناظر أيضا في أيام قرطاج المسرحية اليوم سيدرك كيف أن التراكمات التي حدثت طوال مسيرة المهرجان قد تم بشكل ما التفريط فيها على إثر أمزجة المديرين وتوجهاتهم بالرغم من وجود نص شبه قانوني يضبط أهداف المهرجان و رهاناته و محطاته الرئيسية فلا سوق مسرحية حقيقية عربية أو إفريقية ولا تبادل منهجي للخبرات و لا تنامي للبنية التحتية و التقنية التي تضمن جدوى المهرجان, ولا استقلالية في الإدارة ولا ديمومة لها حتى تحافظ على هذه التراكمات فالإدارة لا زالت تحتكم للارتجالية والاعتباطية على جميع المستويات باعتبارها مرتهنة للعرضي والظرفي وبالتالي فإن فعل التأسيس يظل صعب المنال.
لذلك في رأيي لا بد من العودة إلى الأسس المبدئية الأولى التي تأسس من أجلها المهرجان وتحيينها على خلفية التحولات العالمية الجديدة و التحولات الثقافية الجديدة أيضا, ذلك أننا نعتبر أننا في حاجة إلى إعادة إبتكار وسائل جديدة لإقامة هذه التظاهرة والتصدي لهذا الانتكاس الذي أصابها. وإذا كان هذا الرأي الداعي إلى العودة إلى المبادئ يبدو في ظاهرة رجعيا أو ارتداديا ففي باطنه دعوة ملحة في إعادة النظر في مجمل الفعل الثقافي في بلادنا بوصفه رهانا إستراتيجيا.
المنصف السويسي: (رجل مسرح و خبير ومؤسس لمهرجان أيام قرطاج المسرحية): مراجعة سياسة المهرجان أمر ضروري
الأحلام تكبر عندما تتجسم بواكيرها, وأنا حلمت بمهرجان أيام قرطاج المسرحية كبعد تنشيطي مساند للفعل المسرحي في إطار الصّرح الذي أسّسته وهو المسرح الوطني. لكن الأيام رغم تدرجها نحو الشموخ وعلت قامتها عَبْرَ الدورات الثلاث الأولى التي أدرتها والدورات الأخرى فإن هذا المشروع لم يجد في رأيي الظروف الملائمة والشروط الموضوعية التي تجعله يعانق أحلامه, فلقد اضطررت إلى تقديم استقالتي سنة 1993من إدارة الأيام وفي نفسي حسرة وألم بعد دورته السادسة.
أسأل نفسي دائما إلى أين ستؤول أيام قرطاج المسرحية و هي تتقزم شيئا فشيئا عوض أن تكبر وتكبر وتينع. أسأل نفسي لماذا يحذف مديرها محمد إدريس المسابقة ويعتبر أن المنافسة والسباق لا يكونان إلا بين الخيل. في حين أراه يتباهى بأبسط جائزة حصل عليها حتى في المسرح المدرسي. لماذا يحذف الندوة الفكرية الدولية, هل أن ذلك من باب العداوة للفكر والنقد وإمعان النظر في الشؤون المسرحية أم انتصار لما هو ضد التثقيف والتنوير؟ ألا تستأهل تونس أن تكون عاصمة للمسرح العربي والإفريقي بمناسبة المهرجان وتفتح أبوابها للفكر والنقد والذوق والجمال؟ لماذا يكرم المهرجان من هب و دب و لا يكرم كل الذين يستحقون كل هذا التكريم وأنا على رأسهم مؤسس و مدير للمهرجان طوال عشرة أعوام, أفلا أستحق التكريم؟ أم أن الذين كرمهم المهرجان في الدورات السابقة يستأهلون التكريم أكثر مني.
لماذا يتم الإنزياح عن الفقرات الأساسية للمهرجان عمدا دون بدائل أخرى وقد غدت هذه الفقرات من تقاليد المهرجان؟ لماذا تحذف النقاشات على إثر العروض حيث
يتم اللقاء المباشر بين الجمهور والمبدع؟ أسأل هذه الأسئلة فلا أجد من مبررات لذلك إلا الإمعان في تفريغ المهرجان من فحواه و فاعليته و تحويله إلى مجرد سلسلة من العروض المضغوطة في زمن ضيق. فأين احتفالية الأيام؟ فقد تحولت إلى جنائزية و مجرد لقاءات اجتماعية ضيقة لا يعلم بها أهل المسرح و كأنها لقاءات سرية.
كنت أحلم بأن تتحول مدينة تونس إلى قلعة مسرحية عالمية وتصبح الأيام محجّا لعشاق المسرح في العالم ليس من المسرحيين فقط بل من جمهور المسرح في العالم , أي أن تصبح التظاهرة قاطرة للسياحة الثقافية في بلادنا على غرار مهرجان آفنيون , واعتقد هذا ممكن في المنطقة . كما حلمت أن تكون الأيام منتجة لأعمال مشتركة مع فرق غربية و أخرى أورو متوسطية وأخرى إفريقية, وأن يكون الافتتاح بعرض مسرحي دولي تنتجه الأيام. وأن تكون الأيام أيضا موعدا للإصدارات المسرحية التونسية والغربية والإفريقية, كما كنت أود أن تكون الأيام بزخمها ذاك مسوغا ودافعا ملحا لإنجاز فضاءات مسرحية جديدة تستوعب هذا الزخم المسرحي المتنامي, وقد كانت التقاليد ذاهبة في توطيد علاقة القطب بالأطراف في اتجاه التخفيف من مركزية الأيام, لقد توصلنا إلى تنظيم الأيام بصفة مصغرة في باجة والكاف وصفاقس كامتداد للأيام الأم. كنت أحلم أن تكون الأيام فرصة لدعم الرصيد المسرحي على مستوى الذاكرة والمسرحية الوطنية والعربية والدولية بوصف أن الأيام باتت مرجعا في المنطقة, كنت أتمنى أن تظل الجوائز قائمة فهي بمثابة نياشين المسرح التونسي على صدور المسرحيين الغرب والأفارقة يتباهون بها في بلدانهم. كنت أحلم... كنت أحلم... كنت أحلم...
أعتقد أنه حان الوقت الآن لمراجعة سياسة مهرجان أيام قرطاج المسرحية.
د . محمد المديوني: (جامعي و مدير سابق للمهرجان و مدير مائوية المسرح التونسي بوزارة الثقافة والمحافظة على التراث): اهتمامات المهرجان ليست مجرد شعار فضفاض يتم استهلاكه كعنوان للدّورة
مهرجان أيام قرطاج المسرحية مكسب هام جدا. لماذا؟ أولا لأنه لقاء حول المسرح و فنونه والمسرح في حاجة لهذا. ثانيا أيام قرطاج المسرحية في صورتها تختلف عن كل المهرجانات المسرحية في الدنيا ولكنها في نفس الوقت تستفيد من كل المهرجانات المسرحية وهذه أهم خاصيات الأيام. كيف ذلك؟ إن مهرجان أيام قرطاج المسرحية يتمتع بثوابت قارة تمكنه من هذا النوع من المرونة التي لا تتوفر عند غيرة من المهرجانات وهو بعده العربي و الإفريقي, وهي ثوابت إنتماء تجعله منفتح بحكم هذا التحديد الإقليمي أو الجغرا سياسي من الانفتاح على مجمل الأقاليم الكونية بحكم الموقع الذي تحضى به تونس في المنطقة الإفريقية والغربية والمتوسطية فهي قلب هذه المنطقة التاريخي والإستراتيجي, وبذلك فإن مهرجان أيام قرطاج المسرحية متمكن بحكم هذه الطبيعة والموقع أن يستفيد من كل التيارات والاتجاهات والتجاذب والتقاطع في خارطة المسرح الكوني.
ذلك هو الإطار العام لتظاهرة أيام قرطاج المسرحية, لكن إذا كانت دورة مسرحية لا تأخذ بعين الاعتبار ما تم إنجازه و تراكمه هي دورة باهتة وغير ضرورية وهو ما نلمسه منذ سنوات في ما تبدى من فتور على هذه الدورات. إذن ماذا يمكن أن نفعل إزاء هذه القضية؟ أولا لابد من تمثل التراكمات الحاصلة في مسيرة المهرجان, كما أنه لابد من أن تنطلق أية دورة في إطارها المعتاد من إشكالية ما أي من موضوع ما يبسط للنظر والبحث, أي الإنطلاق من أجل تحقيق هدف ما يكون أساسا لجملة الشواغل والاهتمامات التي تحوم حولها نشاطات الدورة وليس مجرد شعار فضفاض يتم استهلاكه كعنوان للدورة دون أن يكون لهذا الشعار وجود حقيقي وملموس على الواقع وضمن الحيز الزمني والفضائي الذي تستغرقه الدورة. وعلى مدير الدورة في رأيي أن يدرك أن الدورة يجب أن تكون أولا على قياس ما بلغه المسرح التونسي من حراك واختلاف و تجدد و أن يدرك ثانيا أن الدورة على قياس هذا المخاض الذي تعيشه الساحة المسرحية وأن تترجم بوادره وطلائعه و ممثليه. وعليه في ذلك أن لا ينتظر التصفيق الفوري لأن قيمة المجهود في تنظيم الدورة سيظهر فيما بعد. كما أن على مدير المهرجان أن يدرك أيضا أنه ينظم مهرجانا في خريطة تزدحم بالمهرجانات وأن يضع في اعتباره أن من يأتي للمهرجان ينتظر شيئا من المهرجان لذلك لا بد للدورة أن تكون على قدر إنتظارات القادمين إليه . كما يجب عليه أن يسعى إلى تذليل قدوم بعض الفرق الهامة والتي لا تتمكن بحكم وضعيات بلدانها الاقتصادية من الحضور كما هو الحال لبعض الفرق الإفريقية درءا لسوء التفاهم مع الأطرف وانخراطا في النهوض بالمسارح التي تستأهل المشاركة في الدورة . فالمهرجان سلسلة من الالتزامات والعقود الرمزية المترابطة التي لا يجب الإخلال بها والمحافظة فيها على التوازن, وهو توازن في رأيي لا يتم إلا في التشارك مع الأفراد.
وفي نهاية القول لابد من التذكير حول ما يغشى الدورات من إنزلاقات لا مبرر لها، فكيف يتم الخلط بين التكريم والتتويج و كيف يتم مرة حجب الجوائز ومرة أخرى الندوة الفكرية ومرة أخرى نقاشات العروض. وبالعودة إلى التتويج الذي دأبت عليه الأيام منذ عام 1983, فإني ألاحظ في الدورات الأخيرة أن التتويج لم يعد يخضع إلى مقاييس بل أصبح يحشر فيه المتوجون دون الخضوع لأية مقاييس, إن المهرجان مدعو إلى ضبط هذه المقاييس حتى تكون التتويجات والتّكريمات والجوائز بمثابة الشهادات الحقيقية التي ستكون سفيرة المسرح التونسي في البلدان العربية و الإفريقية.
الفاضل الجعايبي: (مخرج و مؤلف مسرحي): أيام قرطاج المسرحية توحي بأن كل شيء موجود و لا و جود لأي شيء
لعلني من بين آخر من يكون موقفه راديكاليا في سياق التقييم والتثمين في أي ميدان ما, حتى إذا تعلق الأمر بتقييم تظاهرة ثقافية مسرحية وطنية في حجم أيام قرطاج المسرحية. فلا بد في رأيي من ذكر النقاط الإيجابية بخصوص هذا السؤال حول جدوى هذه التظاهرة و ليس فقط ذكر الأشياء السلبية لكي لا يكون رأيي مجردا من أية مصداقية.
لقد كانت هناك جدوى نسبية للأيام في خطواتها الأولى, وهذا أمر طبيعي في ما يتعلق ببداية أي مشروع. أيام قرطاج المسرحية كانت المهرجان المسرحي الذي شكل فرصة لتعرّف الجمهور بأهل المسرح وتعرّف أهل المسرح ببعضهم البعض, وتعرف أهل المسرح بأهل الرأي المعرفي والنقد إلى جانب تعرّف أصحاب القرار الثقافي على الفنانين ومشاريعهم. إن جدوى أيام قرطاج المسرحية أمر لاشك فيه من الناحية المبدئية. لقد مكنت التقاء الشرق بالغرب, وأنا أذكر كمشارك كيف أن الأيام قد شكلت الصدمة بالنسبة الى الذين يجهلون مسرحنا التونسي, زمن عروض مسرحية «عرب» مع المسرح الجديد, ومسرحية «فاميليا». كما أنها شكلت همزة وصل أساسية للمسرح الجديد وفيما بعد في تجربة فرقة فاميليا مع الجمهور الآخر وتطوير صلة حقيقية بيننا وبين جماهير البلدان الأخرى العربية والإفريقية والأوروبية باستثناء جمهور مصر و بلدان الخليج. وما حدث معي حدث مع غيري من الزملاء المسرحيين من جيلي ومع من جاء من بعدي.
لكن هذا التواصل على ما كان عليه ظل متواضعا على مستوى ما يتطلبه من محاور وطرح للإشكاليات الحقيقية, فقد كان من المفروض أن يكون هذا التواصل قائما على الجدل والنقاش و التحليل, لا أن يكون مجرد لغو وحديث منمق و مجاملات معطلة و تواطؤ إخواني لا يسمن و لا يغني من جوع.
لم يتم في نظري الإستفادة من هذه الفرصة الثمينة التي كانت تمثلها أيام قرطاج المسرحية بتأسيس تقاليد للجدل الحقيقي حول النظر في أحوال مسيرة المسرح في البلدان العربية. والنظر بموضوعية في شأن المشاكل الأساسية التي تعترض الإبداع المسرحي في هذه البلدان وعلى رأس هذه المعطلات مسألة الاستقلالية عن السلطة في مختلف تجلياتها. والنظر في حرية المبدع وحرية الطرح, و مسألة النظر في طبيعة وموقع الفاعل المسرحي من التكوين وعلاقته بالسلطة الرابعة وعلاقته بالنقد وحرية التعبير وعلاقته بالإعلام السمعي البصري وتحولاته وعلاقة هذا الفاعل المسرحي بجملة الفاعل الآخر الموازي في الحقل المعرفي الشاسع الذي تمثله العلوم الإنسانية كعلماء الإجتماع و علماء النفس والمختصين في المشاغل الحضارية والإحصائية والإستراتيجية ضمن السياق العقلاني والمنهجي المتقدم. إنني ألاحظ أن الفاعل المسرحي معزول عن هؤلاء الفاعلين على قياس عزلة هذه التظاهرة نفسها عن مراكز الإهتمام... لكأن مهرجان أيام قرطاج المسرحية يوحي بأن كل شيء موجود ولا وجود لأي شيء.
وكأن السنوات تلو السنوات والدورات تلو الدورات وكل تلك الجهود لم تفض على أقل ما يمكن الحصول عليه من مادة تقييمية تشعرك أن التراكم قابل لإرساء التقاليد, فلا وجود لأي دراسة عميقة تقييمية صادرة عن سلطة الإشراف حول مسيرة الأيام بعد كل هذه السنوات. ولا صدى لكل تلك الهزات والقطائع الفكرية والجمالية والمناورات والتصادمات التي تحوم حول الفعل المسرحي والتي عايشتها الأيام. وكأني بمديري الدورات غير معنيين بهذا الأمر أصلا ولا يهمهم إلا التكالب و التضارب حول إدارة المهرجان.
أعتقد أن المشكل العضال في أيام قرطاج المسرحية ناجم بالأساس عن سلطة المؤسسة الثقافية نفسها. فكم طالبنا نحن المسرحيين بالاستقلالية التامة, الاستقلالية الإدارية والتنظيمية والسياسية والذوقية لهذه التظاهرة, والتي يجب أن تكون خارج كل التقلبات المزاجية الحقيقية أو الزائفة. لقد طالبنا بأن يكون مدير المهرجان يتمتع بحالة وهيكل مستقل ماليا وإداريا, يسمح له بكل حرية التجوال و انتقاء العروض والأعمال المسرحية من خلال مقاييس فكرية و جمالية عالية وليس من خلال المقاييس الدبلوماسية الرسمية وحدها. لقد طالبنا أن يوكل التنظيم بذمة شركة احترافية مختصّة في تنظيم المهرجانات المسرحية الجدية. أقول هذا لأشهد وأنا أعرف من تذمر من سوء التنظيم والعشوائية والارتجال في كل دورة وكأن تونس في خطواتها الأولى في مجال المسرح. وكأن المسرح التونسي لم ينضج بعد. فأنا أسأل دائما كيف يقبل مدير مهرجان الأيام باستمرار هذا المرض العضال الذي يعاني منه المهرجان؟ كما استغرب كيف لسلطة الإشراف القبول بهذا التفاقم في الأخطاء؟.
أقول هذا وأنا أدرك أن المهرجان منذ تأسيسه قد سمح لأعمال مسرحية هامة بالظهور إلى الجمهور لكنها أصبحت نادرة دورة بعد دورة وعوضت بأعمال ضحلة وضعيفة لا تستأهل برمجة المهرجان.
أنا أدرك أن هناك أعمال هامة وتجارب مهمة في مسارح البلدان العربية غير أنها لا تصل إلى أيام قرطاج المسرحية. وإنني أشاهدها وأتعرف عليها لا في بلدانها أو في مهرجانات بلدانها, بل في مهرجانات أجنبية أوروبية وأمريكية, وهي أعمال هامة في سياقات المسرح في العالم العربي. والسبب في ذلك أن الفن هو حرية أو لا يكون, وهذا الفن في حاجة ماسة إلى جملة من الظروف السانحة بتطوره وانتشاره في مناخات معرفية ومادية وسياسية ثقافية تساعد على بروزه وانتشاره وهذا هو الأمر الغائب في البلدان العربية, ذلك أن الاختيارات بعهدة السفراء والوزراء و الإداريين والبيروقراطيين.
إذن ما العمل بخصوص النهوض بأيام قرطاج المسرحية و تأكيد جدواها؟
أولا لابد من التقييم الجاد والنزيه والصريح والحر, علينا مطالبة الذات وسلطة الإشراف والوزارات المعنية والفنانين ومديري التظاهرات بالقيام بواجبهم تجاه هذه التظاهرة المكسب. وفي رأيي على الإدارة المشرفة على المهرجان أن تتعلم الدرس من تجربة رائدة في تونس في التنظيم والجدية والجدوى وهو المثال الذي تقدّمه سهام بلخوجة في مهرجان الرقص المعاصر التابع لمؤسستها التربوية والفنية الخاصة, فقد تجد في النهر ما لا تجد في البحر, فقد نجحت هذه الأخيرة وبإمكانيات متواضعة تأسيس مهرجان عالمي محترم في تونس ومكنت الجمهور المحب للرقص المعاصر من أعمال فنية مبدعة وأخذت على عاتقها تقديم مقترحات الرقص التعبيري المعاصر وتمكّنت من خلق شبكاتها الخاصة وتشاركها في حراك كبريات المهرجانات العالمية المختصة في الرقص المعاصر.
كم قلنا إنّ الأيام تجاوزتها الأحداث في صيغتها العربية والإفريقية وأنه من المفروض أن تنفتح الآن على التجارب الغربية وأمريكا اللاتينية والآسيوية.
إن الحديث التقليدي عن معوقات المهرجان هي المشكلة المادية وهذا أمر ليس بالضرورة السبب المباشر في إنجاح المهرجان و إنما المسألة الأساسية تكمن في بالأساس في الإرادة السياسية والإرادة السياسية الثقافية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.