صائفة 2011 ستكون حتمًا صائفة استثنائيّة، فإلى جانب حرارة السماء التي ستنزل حممًا ليلا نهارًا بعد التغيرات المناخية، سيتلظى الشارع التونسي بحمّى الحملات الانتخابية لمرشحي الاحزاب للمجلس التأسيسي المزمع عقدها يوم 23 أكتوبر 2011... وبيْن حمَمِ السماء وحمّى الأرض اختارت وزارة الثقافة أن تنفخَ بعضًا من الهواء الثقافي لعلّها تساهم في تلطيف ما »بُليت« به هذه الارض فقرّرت »المغامرة« بتأثيث دورة جديدة من »قهرجان« قرطاج الصيفي... وفي إطار الركوب على الثورة التونسيّة تقرّر افتتاح الدورة الجديدة بتحيّة فنيّة للثورة... والأكيد أن بعد التحيّة ستتواصل السهرات العشوائية لمن تعوّدوا على حمل عشرات الملايين كل سنة من الدولي... الثابت والأكيد أنّ كل البرامج الثقافية ودون استثناء، كانت تدور في فلك الولاء والخوف وارضاء القصر قبل يوم 14 جانفي، والثابت والأكيد ايضا ان »العقل الاداري« لوزارة الثقافة لم يستوعب ما أحدثه الشعب التونسي وظل كما عهدناه يدير الفعل الثقافي من زاوية التنشيط القائم اساسا على تسجيل الحضور باي شكل ولذلك ربما لا استغرب شخصيّا عدم التفكير في تثوير اعرق المهرجانات في بلادنا، واعتقد أن فعل التثوير الثقافي يمر حتما عبر منطق الحوار والتشاور مع الاطراف المعنية والقطع نهائيا مع منطق الاستئثار بالرأي... ثم وهذا الاهم عندي هو القطع النهائي مع منطق التكريس الفنّي، ذلك انه لا يوجد فنان مشهور بل هناك فنان صنعته السلطة سواء السياسيّة او الاعلاميّة فغطى على من سواه بوابل الاضواء والكاميراوات التي تحاصرهُ أَنَّى ذَهَبَ، وبالمقابل كانت اعين البوليس السياسي والثقافي تحاصر غيره من الفنانين فلا برمجة في المهرجانات ولا استضافات في وسائل الاعلام... اعتقد انّ المغامرة اليوم تقتضي برمجة الأغنية الهادفة والبديلة والملتزمة لمن ضحى بماله وفنه وجهده طيلة عقود من الزمن، ويكفي الاخرين ماغرفوا من مال الشعب... إن المسألة ليست دفاعًا عن فناني الكلمة المختلفة ولا تهجمًا على فناني الواجهات البلّوريّة بقدر ماهي اعمق من ذلك.. المسألة مسألة توزيع عادل للحضور... للظهور... للكلام... للضوء... لأني اعتقد أنّه لا يٌولد فنان أو مثقف صغير وآخر كبير... أعتقد أن المنظومة السائدة هي التي تؤسس هذا التمييز وتحوّله إلى قاعدة يصدّقها الجمهور.