في وقت تسعى فيه الحكومة المؤقتة الى إزاحة الثقل البيروقراطي الذي هيمن على الادارة التونسية لأكثر من 23 سنة، واعادة ثقة المواطن في الاجهزة الادارية التي طالما أرهقته بسبب تعنتها وعدم تساهلها معه في قضاء حاجاته، نجد ان بعض المصالح الادارية بوزارة السياحة في مستوى المندوبية الجهوية بالمهدية، وبوزارة الداخلية في مستوى ولاية المهدية ومنطقة الامن الوطني تشذّ عن القاعدة، وتحول مهامها من تقديم الخدمة الى جلب المتاعب والمشاكل وهدر الوقت، ودفع المواطن الى حرق اعصابه واستنفار حواسه، وجعله يكره اليوم الذي قرر فيه استخراج جواز سفر ينقله خارج الديار مغتربا يسعى وراء المجهول، ثم يعيده الى أرض الوطن بعد غياب طويل، ليستثمر ما جمعه من مال اثناء غيابه عن الأهل والعشيرة، في مشاريع تساعد على خلق مواطن شغل للشباب العاطل المعطل. هذا ما حدث لرجل التونسي محمود ساتاي، صاحب مطعم »الدلفين الأبيض« بالمهدية، الذي أوقعته المكائد في سنة 2008 تحت طائلة قرار اداري، قضى بسحب رخصة بيع المشروبات الكحولية، لعدم استجابته لطلب مندوبية السياحة الداعي الى رفع إخلالات تتعلق بالتجهيزات وقواعد التصرف وحفظ الصحة والسلامة ما عجل بغلق المطعم المذكور، ومنعه عن تقديم الخدمة لأكثر من سنتين، وقد تدارك السيد محمود ساتاي النقائص المزعومة وأنفق في سبيل ذلك ما لا يقل عن 45 الف دينار، وتقدم في 285 اكتوبر 2008 بطلب زيارة تفقد ومعاينة، لكن طلبه ظل حبيس أدراج مكاتب مندوبية السياحة المهدية ولم تقع إحالته كما هي العادة الى الادارة العامة لديوان السياحة بتونس. وهذه هي اسباب غلق المطعم وتعود اسباب غلق مطعم »الدلفين الأبيض« بالمهدية الى الثقل البيروقراطي الذي خيم على الادارة التونسية في فترة حكم الرئيس المخلوع، وتسبب في الكثير من المتاعب لأصحاب الأعمال وغيرهم، كما تعود وهنا مربط الفرص الى شيطنة الفاسدين المتمسحين على اعتاب قصور اقارب الرئيس المخلوع الذين عاثوا في الارض فسادا، بحيث يكون من المفروض ابان قيام ثورة 14 جانفي المجيدة، ان يبادر مسؤولو المندوبية الجهوية للسياحة والسيد والي المهدية ورئيس منطقة الامن الوطني، بالعمل على ابطال قرار غلق مطعم المواطن محمود ساتاي الذي قال ان تقارير حبرت ضده بفعل وشايات مقبوض ثمنها مزايا وخدمات اتهمته في ذلك الوقت بالتطاول على شخص رئيس الدولة الطاغية بن علي، فكان ان تنكرت له الادارة في شخص والي الجهة انذاك بينما الحقيقة انه وقف كغيره من ابناء هذا الوطن الجريح في وجه المساومة والابتزاز، فحيكت له المكائد، وانتزعت منه مساحات من الارض التي يملك، تم التفويت فيها عنوة الى المقربين، وقد أنصفته العدالة مؤخرا وعاد اليه جزء من تلك الارض في انتظار باقي الاجزاء الاخرى المنزوعة وهو يؤكد اليوم من باب اعطاء كل ذي حق حقه ان مسؤولين في وزارة السياحة وفي الديوان التونسي للسياحة تجاوبوا مع قضيته ودفعوا باللجان الفنية المختصة الى تأدية زيارات تفقد ومعاينة، وتأكدوا من جملة الاصلاحات والترميمات والتحسينات التي أنجزها صاحب المطعم وطلبوا منه توفير بعض الوثائق الضرورية لإكمال الملف حتى يسترجع رخصة بيع المشرويات الكحولية مع الطعام، وهو أمر سوف يظل معلقا على جهود صلحة التراتيب بوزارة الداخلية التي سعت والحق يقال الى تنشيط عمل اللجنة المكلفة بالنظر في ملفات التراخيص المعروضة على مصلحة التراتيب. حتى نخرج من دوامة التدمير الذاتي وبعيدا عن اسداء النصح لهذا او ذاك، وحتى لا نكون واهمين في ضرورة اعادة الثقة بين الادارة وسائر من تحمل في الماضي ثقل بيروقراطيتها المقيتة، فانه على مصلحة التراتيب بوزارة الداخلية، ان لا تتأخر اكثر في دعوة لجنة اسناد التراخيص مجددا الى الانعقاد للبث في الملفات المعروضة عليها وتسويتها في ضوء القوانين المعمول بها، مع امكانية عدم اعتبار التقارير المغرضة التي قد تكون وصلتها قبل الثورة من بعض الاطراف في محاولة لإطالة حبس تلكم التراخيص ومن بينها رخصة صاحب مطعم »الدلفين الأبيض« بالمهدية التي ظلت مجمدة لأكثر من سنتين. مع ما رافق ذلك من تعطيل قسري عن العمل ألحق بالعمال اضرارا معيشية لا يحسدون عليها، ناهيك عن الضرر المادي الكبير الذي لحق بصاحب المطعم في مستوى مستحقات الضمان الاجتماعي والجباية وغيرها. ونحن على يقين ان محاربة ثلاثة عقود من السيطرة والتحكم في رقاب الناس ليس بالامر الهين، لكن مصلحة الوطن ومصلحة الاجيال القادمة تفرض علينا التحدي، حتى نخرج من دوامة التدمير الذاتي بفعل البيروقراطية الادارية التي يجب ان نتخلص منها قبل فوات الآوان. اذ لا يكفي ان تعلن الحكومة المؤقتة انها مع المتضررين الذين ذاقوا الامرين في عهد الرئيس المخلوع، بل يجب ان يتأكد هذا الموقف كما تأكدت مواقف كثيرة في سرعة تدخل اجهزة هذه الحكومة، لحل المشاكل التي تحصل هذا وهناك قبل تفاقمها، حتى تكون هناك قناعة بأن الدولة موجودة فعلا في الساحة الاجتماعية والمهنية، ذلك ان مشاكل بعض الناس لا تتحمل الانتظار واضاعة الوقت في اقامة الملتقيات والندوات ومنابر الحوار لحلها، بقدر ما تتطلب سرعة تدخل الاجهزة المسؤولة على مستوى الوزارات المعنية حتى لا تتعطل مصالح المواطنين وتتعطلل بالتالي السلسلة الانتاجية المشدودة اليها.