أقيم برواق علي القرماسي للفنون، المعرض الثامن للرسام والخطاط حكيم البلهوان، في الفترة من 7 إلى 30 جوان 2011وقد ضم المعرض 17 لوحة بأحجام مختلفة تحت عنوان: »تجليات الربيع« ويقام هذا المعرض إجلالا وتخليدا لثورة الكرامة والحرية، معتبرا إياها ربيعا صنعته أياد تونسية. يؤكد الرسام حكيم البلهوان أن جميع الأعمال المتكون منها معرضه، إنما هي لوحة واحدة تمت تجزئتها في الذهن، وكلما أنجز lمنها جزءًا، فُتح المجال للجزء الذي يليه، حتى اكتملت اللوحة، ويمكننا أن نضيف إلى ذلك: »لكن الملحمة لم تكتمل بعد« فملحمة الثورة وأهدافها تبقى الوعي المتحفز لدى كل من قاوموا الإحباط في أنفسهم يوم 14 جانفي، وكذلك من ناضلوا من أجل ذلك، وتمثلوا ما قد يفضي إليه ذلك التحفز. فمن خلال هذا المعرض، ندرك أن شتاء الثورة كان ربيعيا بامتياز، وقد رفده حكيم البلهوان أن حوله إلى مزيج من حرارة العاطفة، وحماسة الشدو، والنداء بشعارات الثورة، مجسدة في الأصوات التي تلهج بها وترددها، وبين حرارة الجو المتقد حماسا تجاه ردود الفعل غير الوطنية، التي ساهمت في تشنج الموقف، المتشنج أصلا، والمختصر في كلمة Dژgage وهي إلى جانب شعارات أخرى تظهر في أعمال هذا المعرض، كل ذلك إلى جانب احتمالات عديدة صاحبت تلك اللحظات. كانت اللطخات والتمريرات والتشويهات التعبيرية متناغمة مع ما فجرته الثورة من إحساس بالكرامة المغدورة، وبضرورة الحسم مع كل التدخل السلبي تجاه القيم والمكتسبات الحضارية والمادية. فاللون الأحمر لم يعد يرمز فقط لحرارة الطقس، بل أصبح رمزا لحرارة الانفعال وقوة التفاعل بين جميع مكونات المجتمع التونسي، الذي ثأر لكرامته ولحقوقه في الشغل والحياة الكريمة والعدالة. فالمناداة بسقوط النظام وبرحيل الطاغية، إلى جانب فضح الممارسات المضرة بالمواطن، كانت كلها تمور بشحنات الانفعال، ويتجلى ذلك خاصة في تجمهر الحشود وتدافعها كلما تدخل البوليس بعنفه النوفمبري، كما تجلى ذلك في جانب من الشعارات التي رفعتها تلك الجماهير. أصوات تتحدى، وأذرع ترتفع في الفضاء، إيمانا بمحتوى تلك الشعارات وبقوة ذلك التحدي السلمي. الجميع يتعاضدون في رفع العلم المفدى، رمز تونس الحرة الأبية، ذلك الرمز الذي كاد يفقد قدسيته في العهد السابق بقسميه. وبرغم تقلب حالات الطقس في أعمال حكيم البلهوان، تظل السماء تجللها وتغطيها سحب ملونة بحسب تلون الهتافات واندفاعات الشباب الذي عقد العزم على إنقاذ تونس مهما كانت التضحيات. السماء المتلبدة السحب تُزخرفها الطيور البيضاء المحلقة، التي تعلن للكائنات بزوغ ربيع جديد، واللافت هي تلك الشعارات العميقة الدلالات، التي منها ذلك الشعار المتحدي: »ننتصر أو... ننتصر«، بحيث لا يوجد خيار افتراضي أو احتياطي آخر، فإما النصر وإلا النصر، وهو ما تحقق فعلا، تصديقا لعبقرية شاعر تونس الفذ أبي القاسم الشابي، في رائعته: إرادة الحياة. حقا لا أدري من أين استعار الرسام ذلك الأفق الممتزج حمرة وصفرة وأطيارا بيضاء ليعبر به عن كون ربيعي يحل بتونس الخضراء في فصل الشتاء؟ ولعل الفنان هنا يشير إلى ذلك الإحساس بالفرحة التي عمت البلاد بنبإ فرار المخلوع، فكانت البشرى بحجم ربيع صاغت تلويناته إرادة شعب مل القهر وأشكال الابتزاز والاستغلال. هكذا يبدو الرسام مجسدا فكرة ربيع، أشعل شموع أفراحه شهداء أبطال أعلنوا أن الفناء خلود، إذن هو الحياة. في تعامله مع المواد اللونية وغيرها، استخدم البلهوان أسلوب التعبير المباشر، مع بعض التنقية من كل ما يجر إلى انحراف الصورة أو المعنى. وفي تشكيله للضوء داخل المساحة المرسومة، يمكن الإشارة إلى أن اختياره للكوى الضوئية، انحصر في المظاهر المشرقة في جسم الإنسان، مثل الأسنان وأبيض العين، وكذلك دائرة النجمة والهلال في العلم التونسي. أما اختلاط المواد، فكان محدودا بحيث جاءت إحدى لوحاته، كأنما ليجرب عليها الفكرة، ولكنها تنحو منحا تشخيصيا مباشرا يجعل نجاحها رهن صياغة أكثر إبداعا.