من الواضح أن المطلبية الخصوصية تنامي منذ 14 جانفي/يناير الفارط بشكل مفزع. وذلك ما أثلج صدر النظام الذي لا يزال يجهد ليبقى. والحقيقة تجعلنا نتساءل كيف يمكن أن نطالب نظاما متهاويا بشيء سواء كان سياسيا أو اقتصاديا؟ إذ إنه سقط دستوريا وشرعيا. غير أن سلطته ظلت قائمة على اعتبار أنها سلطة أمر واقع أي على اعتبار أنها سلطة تصريف أعمال لا غير. ولكنها لا تزال تدأب على تجاوز صلاحياتها. وذلك ما حدا بها إلى أن تستجيب للمطالب الاقتصادية وغير الاقتصادية بقدر الجهد. بل لقد أخذت في إكمال الإصلاح السياسي لبن علي بنفس الروح?ونفس الرجال. وهو ما لم يحدث في تاريخ السياسة مطلقا لا في الغرب ولا في الشرق، لا في الماضي ولا في الحاضر. وبما أنها أول من أدرك أنها غير شرعية نلفيها تحث الخطى نحو الاستجابة لكل المطالب التي لا تضع سلطتها موضع تساؤل. وهكذا آلت تكرر ما أتاه بورقيبة حين أصدر مجلة الأحوال الشخصية بدون عرضها على المجلس التأسيسي أو على مجلس الأمة لاحقا وحين أصدر قانون الجمعيات قبل يوم واحد من انتخاب أول برلمان للجمهورية المستقلة. فأسس بذلك لطريقة في الحكم باتت طبيعة مستبدة بالنخبة نفسها وأساسها استبداد الفرد بالسلطة كل السلطة وم?يط آخذ في مدحه بهذه الحالة الغريبة الشاذة. ولكن من الواضح كذلك أن بورقيبة كان شرعيا بسلطة الباي الشرعية وبماضي الكفاح الوطني. أما سلطة تصريف الأعمال الحالية فلا شرعية لها إطلاقا. ولقد شجعت سلطة تصريف الأعمال على هذه المطلبية مثلما تغاضت على الانفلات الأمني وشجعت عليه. وقد نفهم وجود حالات عاجلة فعلا لا تتطلب تأجيلا مثل العمل بالمناولة ومثل المعطلين عن العمل في السياحة المهددين بالجوع. لكن ما ليس بمفهوم هو إصدار قوانين ذات طابع تشريعي بمفردها وقوانين أساسية تنظم المهن في سبق لأي سلطة قادمة منتخبة. ولعل من أخطر القوانين المنظمة للمهن هو القانون المنظم لمهنة المحاماة ذاك الذي أثار جدلا واسعا ومعارضة واسعة من عدة قطاعات. وليس خافيا أمر التواطؤ السياسي بين سلطة تصريف الأعمال وبين عمادة?المحامين. فقد دخلت هذه إلى الهيئة غير الممثلة وغير الشرعية المدعوة ب «الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي» فأيدت بذلك خطوات الحكومة غير الشرعية وجازتها هذه بقانون غير شرعي. ولكني لن أتعرض طويلا إلى القائمة الطويلة من المهن التي أباحها القانون للمحامين في بلد شعبه مهدد بالبطالة. بل سأركز في أمور أخرى على غاية من الأهمية وهي تخص الجانب القانوني والجانب السياسي في الأمر وتخص بصفة خاصة المجتمع المتضرر الأول من هذا القانون. لكن المجتمع ليس عنده جهة تدافع عنه. 1 موقف القضاة: لقد جد جديد فيه لا أريد له أن ينسى البتة حتى يتحمل الجميع المسؤولية السياسة والتاريخية المترتبة عنه. وهذا الجديد ماثل في أن نقابة القضاة بررت معارضتها لهذا القانون تبريرا قانونيا لافتا ينهض على حقيقة أن حكومة مؤقتة ليس من شأنها أن تصدره. وليس فحسب لأنها تعارض الفصل 47 منه الذي يعطي للمحامين حصانة مطلقة أمام القضاة. إذ الحقيقة كل الحقيقة ماثلة في أن سلطة مؤقتة كان شأنها ما كان أي سواء كانت ماثلة في سلطة القائم بمهام رئيس الجمهورية بصفة مؤقتة أو في سلطته باعتباره سلطة تصريف أعمال بعد الخامس من مارس/ آذار الم?ضي ليست مؤهلة لإصدار القوانين. والحقيقة التي لا تقبل جدلا هي أن التفويض بإصدار المراسيم ليس من حق القائم بمقام رئيس الجمهورية بل هو من حق الرئيس المنتخب فحسب دون غيره ولا المراسيم من حق سلطة تصريف أعمال حتى ولو كان البرلمان قائما غير منحل. ومع احترامي الكامل للسلطة القضائية وهي السلطة الشرعية الوحيدة الباقية في الوقت الحاضر فإن السادة القضاة لم يفصحوا عن هذا الموقف إلا بعد أن مست مصالحهم بصفة مباشرة. ولكنه حتى وإن جاء متأخرا فهو يقود حتما إلى أن هذا القانون غير شرعي. وتبعا لذلك فكل المراسيم الصادرة عن هذه ?لسلطة سواء قبل 15 مارس/آذار أو بعده هي غير شرعية بما في ذلك قانون الانتخابات نفسه. ولا بد من الخضوع للمنطق. فالخاص يقود حتما إلى العام. والاستنتاج سيكون ضرورة كالآتي في هذا القياس الشرطي الإضماري: إذا كان ليس من حق السلطة القائمة إصدار قانون منظم لمهنة فهل من حقها أن تصدر قوانين ذات طابع اشتراعي عام؟ والجواب ضرورة إذا أردنا جوابا هو قطعا لا. 2 موقف عمادة المحامين: بدءا لابد من الإشارة إلى أنني لن أستعمل كلمة محامين إلا في ما ندر وليس ذلك فحسب بسبب احترامي لأصدقائي من المحامين الذين أدرك مدى نزاهتهم ولكن كذلك تجنبا لأن يفهم كلامي على أنه هجوم على المحامين جملة وتفصيلا. وهكذا سأتحدث بدل ذلك عن العمادة أو عن المحامي بتعريف الجنس. إذ العمادة هي من ورط المحامين الشرفاء في هذا القانون الجائر الذي محا كل شيء طيب قام به المحامون في الثورة التي لم تنته بعد فصولها. فهذا القانون أباح للمحامي عامة (بتعريف الجنس) مهنا وحرفا ما كان أجدره أن يترفع عنها. فمثلا أباح له أن يكون وكي? فنان أو لاعب كرة قدم أو راقصة. وهو بذلك قد تنازل عن عليائه ليقوم بكل المهن حتى تلك التي لا تليق بمحام. وذلك ما هو أشبه بأستاذ جامعي يقبل أن يقوم بدروس خصوصية لتلاميذ الثانوي. والأهم من ذلك ما كان أجدر بالعمادة أن تنزع بمنظوريها إلى الاختصاص. فنلفي هكذا محاميا مختصا في الجزائي وآخر في العقاري وهكذا دواليك حتى يكون تدخله لصالح موكليه أكثر فاعلية. ثم ما كان أجدر بهم أن يحددوا تسعيرة لأتعاب المحامي حتى نتجنب التجاوزات الحاصلة بعد. والأنكى في الأمر كله أن العمادة ذهبت بعيدا حين ادعت أن نظام بن علي جوعهم. والواقع متى جاع المحامون؟ فحتى من نشط في السياسة لم يجع. فهذا ضرب من الادعاء لا يليق بكل محام شريف أن يسكت عليه. فالمحامي مترفه بل مترفه جدا مثله مثل الطبيب في القطاع الخاص وأجره عال جدا مقارنة بغيره. ولكن العمادة بدل أن تحدد تسعيرة وسعت من مشمولات المهنة على حساب مهن أخرى. ومن أهمها السطو على العقد الخطي الناقل للملكية ذاك الذي يكاد يكون المهمة الأساسية التي يضطلع بها عدل الإشهاد. والأنكى من ذلك كله أن المحامين لم يكونوا يضطلعون ب?ذه المهمة إطلاقا قبل حكم بن علي الذي ادعى عليه عميدهم أنه جوعهم. ففي عهده أصبحوا يكتبون العقود الخطية الناقلة للملكية المسجلة. أما في القانون الجديد فقد وسعت المهمة ليشمل العقد الخطي العقود الناقلة للملكية عامة والاتفاقات العقارية. يقول الفصل الثاني في فقرته الثالثة ما يلي: « كما يختص بتحرير العقود والاتفاقات الناقلة للملكية العقارية. كل ذلك دون المساس بما أجازه القانون لعدول الإشهاد ولمحرري العقود التابعين لإدارة الملكية العقارية.» وذلك ما يعني أن العقد الذي كنا نكتبه في البلدية بخصوص الملكية غير المسجلة?أي غير الثابت ملكيتها قانونيا أصبح غير جائز. وذلك ما يفهم من كلمة اتفاقات ومن التعميم. وعلينا وقتها أن نذهب إلى محام أو عدل إشهاد لنكتبه. والفرق بينهما يقع في أن عدل الإشهاد سيكتب بأجرة محددة. أما المحامي فيكتبه بأجرة يفرضها على الشاري أو بنسبة مثلما وقع في كثير من الأحيان مع العقود الناقلة للملكية المسجلة. أما محررو العقود التابعون لإدارة الملكية العقارية فلا أحسبهم سيقبلون التدخل في مثل هذه العقود. ولهذا السبب نلفي العمادة تستغرب موقف عدول الأشهاد تستغربه لأن القانون وسع من مشمولاتهم. إلا أنه في واق? الأمر سمح لدخيل أن ينتهك عليهم مهمتهم الأصلية. والحقيقة أنه ما كان أجدر بعمادة المحامين أن تتخلى بعد الثورة من تلقاء نفسها عن كتابة العقود الخطية. إذ في ذلك ما يتيح الفرصة للعديد من الخريجين الجدد أن يلجوا مهنة عدول الأشهاد لا سيما أنهم من حملة الديبلومات العليا بنفس الدرجة التي عليها المحامون. ثم إذا قبلنا دخول المحامين على خط العقد الخطي فما الذي يمنع عدول التنفيذ من أن يدخلوا عليه بدورهم؟ لا شيء على الإطلاق. ولكن الأخطر من ذلك كله هو أن هذا القانون يبيح العمل بالنسبة. يقول الفصل 38 في بنده الثاني ما يلي: «ويمكن للطرفين كذلك الاتفاق كتابة على تخصيص المحامي بنسبة من قيمة ما سيتم تحقيقه من النتائج على أن لا تفوق تلك النسبة عشرين بالمائة وأن لا تكون ذات طبيعة عينية أو مخلة بشرف المهنة وكرامة المحامي» هكذا يصبح المحامي صاحب حق في تعويض عن حادث أو في إرجاع حق في عقار. لكن حذار فهو لن يقبل أن يحصل على نصيب من عقار. فعلى موكله أن يبيع النسبة العائدة إليه ويقدمها له في شكلها النقدي حتى لا تمس كرامته. ولكن ما الذي ?غير حين يفرض المحامي على موكله أن يبيع عوضا عنه نصيبه من العقار المعاد إليه. فههنا ستبدأ مساومات جديدة ويبدأ حجز أوراق الملف حتى يحصل المحامي على أتعابه. ثم إنه كذلك لن يقبل بنسبة من قطيع ضأن لأنها تخل بكرامته. فهل إذًا بعد هذا بقيت للمحامين كرامة؟ وليس كاتب هذا المقال من أهدر كرامة المحامي بل المحمي نفسه من أهدرها وعليه أن يحاسب نفسه أو يحاسب من تسبب في هذه الفضيحة. وإني على علم بأن العديد من المحامين قد رفضوه ورأوا أن الوقت لم يحن بعد لإصدار مثله. ولكن العمادة أصرت على إقراره بألف مناورة ومناورة. ولقد ذر?ت القوانين المنظمة للمحاماة في فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وفي بعض البلاد العربية دون أن أفوز بقانون واحد يبيح العمل بالنسبة. بل إنها جميعها تجمع عل تحريمه لأنه فعلا يمس من كرامة المحامي ويخل بشرف المهنة. وكما قلت لقد محت عمادة المحامين كل شيء طيب ودللت بذلك على جشع مستبد. علما أن هذا النوع من الجوع لا يحدث في الغالب بسبب الجوع نفسه ولكن بسبب الشبع الذي غالبا ما يولد إفراطا. فيصبح الشبعان جائعا أبديا. ولقد قضى الغرب على هذه الصفة فيه حين كتب رابليه الكاتب الفرنسي ذائع الشهرة كتابه الجردبان أو «قارقنتويا» في القدح في الجشع وفرط الأكل والتشهير بهما. وفعلا لننظر جميعا إلى الإنسان فهو إذا اعتاد أكل اللحم أدمن عليه. فأفرط فيه. فمات به. وذلك لأنه تصرف ضد طبيعته وجعل من نفسه لاحما في حين أنه متعدد الغذاء. أما بخصوص الفصل 47 فالقول آخر. ذلك أن عمادة المحامين بمواقفها السالفة جعلت الفئات الأخرى لا تساند المحامين في أحقيتهم في نوع من الحصانة المعقولة في حين أن مساندتهم في ذلك أمر لازم حتى نجعل من قضائنا قضاء مستقلا. ولكنها بات في غنى عن كل مساندة بما أن سلطة تصريف الأعمال أنصفتها عل حساب المهن الأخرى. أما مساندتهم فلا تعني البتة الموافقة على الفصل سابق الذكر الذي ينص على ما يلي:» «لا تترتب عن الأعمال والمرافعات والتقارير المنجزة من المحامي أثناء مباشرته لمهنته أو بمناسبتها أي دعوى ضده. ولا يتعرض المحامي تجاه الهيئات والسلطات والمؤسسات التي يمارس مهنته أمامها إلا للمساءلة التأديبية وفق أحكام هذا القانون». وهذا ما يعني أن المحامي قد اكتسب حصانة مطلقة لا ترفع ولا يتمتع بها أحد على الإطلاق لا النائب في البرلمان ولا القاضي كذلك. والواقع يحتم إذا ما طلبنا أن يكون قضاؤنا مستقلا أن يتمتع المحامي كالقاضي بنوع من الحصانة تضمن له القيام بمهنته في شيء من الطمأنينة. ولكن ذلك لا يعني أن يصبح مطلق الحرية فلا يتعرض سوى للمساءلة التأديبية. فهل يجب على سبيل المثال أن نسمح للمحامي أن يهين القاضي في جلسات المحكمة دون أن يحاسب على أفعاله؟ بل هل مثل هذا السلوك مقبول كذلك من القاضي؟ لا أبدا. ولكن كان بالإمكان التفكير في جهاز خ?ص مشترك ينظر في التجاوزات التي تصدر من كلا الطرفين الواحد إزاء الآخر حتى نحفظ حرمة القضاء بمختلف أطرافه. ولكن هيهات أن يقع ذلك والتفكير في المصالح الفئوية سيد الموقف. والواقع أنه في السنوات الأخيرة بات عمل القاضي (بتعريف الجنس كذلك) في كثير من الأحيان أشبه بعمل إداري خالص. وذلك ما جعل المحامين ناقمين وجعلهم ينظمون للثورة. ولكن كذلك هو نفس السبب الذي جعلهم ينخرطون في البحث عن الربح ما دام دورهم في القضاء بات شكليا. وذلك ما أدركته أيما إدراك من الوضع في جامعاتنا. فالأساتذة فيها تقلص دورهم بعدم سماع رأيهم في أي إصلاح تعليمي وتقلص دورهم بسبب ضعف المستوى. فأدركوا إدراك الضرورة أنهم لن يغيروا من أمر التعليم شيئا. ولذلك لم يحجموا عن الانخراط في مصالحهم وترقياتهم. ولقد أتا?ت الثورة للمحاماة فرصة أن تتحرر بعض التحرر من هذا الواقع ولكنها لم تدرك بعد هذه الحقيقة المرة التي لم تصارح بعد بها نفسها. وهو ما جعلها لا تسعى إلى الوفاء للثورة بشيء بل سعت فحسب إلى التفكير في نفسها دون اعتبار المهن الأخرى متغاضية عن حقيقة كون هذه الحكومة لا تستطيع أن تصدر قوانين إطلاقا بكل المقاييس والأعراف والدساتير والشرائع. ولا يشفع لها البتة التعريف الجديد للمهنة في الفصل الأول من القانون نفسه: «المحاماة مهنة حرة مستقلة تشارك في إقامة العدل وتدافع عن الحريات والحقوق الإنسانية.» وهكذا يصبح لها دور حقو?ي. مما يجعلها تضطلع بمهام الجمعيات الحقوقية. ولم لا تفعل ما دامت الرابطة التونسية لحقوق الإنسان قد تحولت بدورها إلى حزب سياسي؟ إننا في عالم غريب كل يتجاوز على دور الآخر وسلطة تصريف الأعمال تأتي المأتى نفسه راضية قريرة العين لأنها وجدت من يسكت عليها ويتواطأ معها على شعب قدم التضحيات الجسام وعانى القمع والاستغلال والمهانة ليجد نفسه يراوح مكانه بسبب نخبة رفضت أن تكمل ما بدأه الشعب. ولقد ذرعت مختلف القوانين الأوربية المنظمة للمهنة دون أن أفوز بمثل هذا التعريف البدعة. والطريف في الأمر هو أن عميد المحامين خرج علينا بمناسبة محاكمة بن علي الأولى يمدح القضاء المستقل. وذلك ما ينبئ بأن ينقلب الدور بين القضاة والمحامين ليطالب الأولون باستقلالية القضاء ويطالب التالون ببقائه على حاله وإلا ما الذي حصل حتى يصبح القضاء فجأة مستقلا؟ ألأن بن علي حوكم؟ لقد حوكم فعلا ولكن لا أحد كما عكست الصحافة ذلك كان مقتنعا بتلك المحاكمة. لا أحد اقتنع بها لأننا لم نعد نجهل الإجراءات القانونية الصحيحة. فهل ترى كان بن علي يتسلل ليلا في خفية عن أنظار حراس خزينة الدولة والبنك المركزي ومختلف البنوك و?سرق حزم الأوراق المالية الحزمة فالحزمة ويخزنها في القصر الجمهوري بذلك الشكل البدائي. ولو قرأ السيد عميد المحامين محاكمة سليمان الحلبي عندما قتل قائد القوات الفرنسية في حملة نابوليون على مصر لأدرك معنى استقلال القضاء وحصافته. ثم ما الذي حصل داخل القضاء ليتحول بهذه السرعة ودون إصلاح لجهازه من قضاء غير مستقل إلى آخر مستقل. وسأجيبه وأجيب السادة القضاة كذلك بالحقيقة التي لم تتنبه إليها جهة على الإطلاق وهي الماثلة في أن القضاء لا يمكنه البتة أن يستقل ما دام عدد القضاة محدودا. فنحن في بلد أتاح لقوات الأمن أن تتضخ?. لكنه غمط حق القضاء في أن يكون عدد القضاة مريحا بعض الشيء. فظل ذلكم العدد في حدود 1800 قاض في حين أنه لو حسبنا ما يجب أن يكون عليه بالنسبة إلى عدد زملائهم في مصر الشقيقة لكان 8000 أي العدد الذي يساوي عدد المحامين اليوم. فبهذا العدد الصغير سيطرت السلطة التنفيذية على الوضع في القضاء. فحبت بعضهم وتركت البقية تشقى بالعمل ليلا نهارا إلى حد أن بعضهم بات يصطحب ملفاته معه إلى بيته. وختام قولي ما أجدر النخبة إن أرادت أن تكون نخبة أن تكبر على نفسها ومصالحها الخصوصية وتنظر إلى مستقبل وطن وشعب وتفتح الطريق لشعبها حتى يلج مجال الحضارة التي حرم منها طويلا من بابها الكبير.