لما نتحدث عن الاتحاد العام التونسي للشغل فاننا نتحدث آليا عن عمال تونس بالفكر والساعد في جميع القطاعات الوظيفة العمومية والقطاعين العام والخاص ولما نتحدث عن المطلبية فانها تتفرع لعديد المقاسم حسب خصوصية القطاعات وهو ما تتناوله الهياكل المختصة من جامعات ونقابات عامة واتحادات جهوية ومنها ما هو عام يمس الجميع بصفة متفاوتة فمشاكل الوظيفة العمومية هي غيرها في القطاع العام ومشاغل هذا الاخير تختلف تماما عما هي عليه في القطاع الخاص لكن فلسفة الاتحاد جعلت من المركزية وهياكل القرار الوطنية هي المرجعية لمثل هذه المسائل مثل الجباية والتغطية الاجتماعية والقطاع الصحي العمومية والتعليم والتشغيل والمناولة والسمسرة باليد العاملة والسياسة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية والتوازن الجهوي ومراجعة مجلة الشغل والقانون العام والديمقراطية والحريات العامة والفردية والمفاوضات الاجتماعية ومؤشر الاسعار والمقدرة الشرائية والحد من البطالة والامية والصحة والسلامة المهنية وغيرها من المشاغل العمالية العامة ولقد جاءت كل هذه المسائل في جميع لوائح مؤتمرات الاتحاد دون تمييز وتخصيص لمرحلة أو القائمين عليها مرورا بالازمات او القضايا المفتعلة التي تطرحها الحكومات المتعاقبة على طاولة النقاش امام الطرف النقابي التي كثيرا ما تستغرق وقتا طويلا والتي كما هو متعارف عليه كل امر لا يراد له النجاح او جعله يتآكل مع الزمن تحدث له لجنة معينة وكم كانت هذه اللجان كثيرة وكم كانت بعض الملفات متنوعة وعديدة هذا اضافة لموضوع البيئة ومقاومة التلوث بعديد المناطق الصناعية والعمل اللائق وتطبيق الاتفاقيات الدولية التي يعتبرها البعض من المحرمات ويمنع حتى التطرق اليها بالحديث كل هذه المسائل كان الاتحاد اول المطالبين دائما بمعالجتها والتصدي لها ومقاومتها والوقوف في وجه النظام لفرض معالجتها والتخفيف من وطأتها على المجتمع وتأثيرها على الفرد وحقوقه المدنية والنقابيون ومن ورائهم العمال لم يبخلوا يوما عن طرح مثل هذه المسائل ولم يسقطوها من حساباتهم هذا لا يمنع بان نعترف بان الاتحاد العام التونسي للشغل كائن حي يمر بفترات قوة وفترات فراغ يعيش التحولات العالمية ويتفاعل مع كل المتغيرات فيها ويتعامل مع تأثيراتها في الحياة المهنية والاجتماعية للعمال الذين هم اول المستهدفين من برامج العولمة الموجهة أساسا لضرب المكاسب الاجتماعية للعمال في العالم ولا يمكننا ان ننكر بان المنظمة لم يكن لها برنامجها الخاص لمعالجة هذه الظاهرة على المستوى الوطني وكذا لا يمكننا ان ننكربأن التصدي لعمليات الخصخصة لبعض المؤسسات العامة لم يكن في مستوى النضالية النقابية للاتحاد العام التونسي للشغل وهذا ليس عيبا في المنظمة ولا في مبادئها انما العيب في القائمين على هذه القطاعات وهياكل القرار الوطنية خاصة التي لم تتبع الاسلوب النضالي لحماية المؤسسة من الضياع والعمال من التشرد والبطالة المفروضة قسْرا على الجميع رغما بعض التضحيات التي قدمها العمال في بعض المؤسسات اعتبر العديد منا العولمة قدرا لا يمكن الافلات منه وهي عاصفة لابد من الانحناء لها لكن هذا لا يعني ان النضال تجمد في عروض النقابيين والعمال قطعا لا بل زاد التمسك بالقطاع العمومي لدى الجميع وغلبت على المشهد النقابي في الآونة الاخيرة موجة محاربة السمسرة باليد العاملة ومقاومة المناولة واحترام عاملات التنظيف وضرورة توفير العمل اللائق للجميع واطلق البعض صيحة فزع حول مصير القطاع العام الذي انهكته الخصْخصة وعمليات التفويت المجاني وهو ما أدّى إلى قيام عديد التحركات الاحتجاجية نتيجة تفاقم ظاهرة الطالة ليس لدى العمال المسرّحين بل في صفوف اصحاب الشهائد العليا وتفشي المحسوبية والرشوة في عملية التشغيل وما انتفاضة الحوض المنجمي بجهة قفصة الاّ اكبر دليل على ذلك وامام وضعية التفاوت الجهوي وانخرام التوازن في العدالة الاجتماعية الذي انقسمت به البلاد إلى شريط ساحلي منتعش وشريط غربي شمالي جنوبي يعيش حالة ضياع على جميع المستويات مما حدا بالاتحاد العام التونسي للشغل للقيام بعديد الدراسات الميدانية بهذه الجهات مثل الكافوقفصة والقصرين وسيدي بوزيد وقدمت كلها في قالب بدائل اقتصادية واجتماعية لكن الرأي السائد وقتها »لا تروْنَ إلاّ ما أٌريكٌم«وايضا لاننا لم نؤمن كثيرا بضرورة النضال لتحقيق هذه الدراسات ولا يفوتنا ان نتحدث عن بعض الأصوات التي ارتفعت وطالبت بالحد من المناولة والغاء السمسرة باليد العاملة على مستوى الهياكل وعلى مستوى الافراد لكنها لم ترتقي إلى المستوى المطلوب والمأمول من العمال انفسهم ونذكر هنا على سبيل الذكر جامة المهن والخدمات وجريدة الشعب وعديد النقابيين الذين ربطوا هذه المواضيع ببعض المحطات التاريخية والاعياد الوطنية على غرار عيد المرأة وعيد الشغل وذكرى تأسيس الاتحاد وذكرى استشهاد حشاد حتى جاءت الثورة وهب الجميع لان شرارتها الاولى اندلعت احقاقا للحق كما ذكرنا آنفا سنة 2008 بالحوض المنجمي وبقيت النار تحت الرماد حتى نفخ فيها من روح الشعب الرافض للذل والهوان واشتعلت ثورة عارمة عامة من اجل الكرامة والكرامة هي اساسا شغل كما قال حشاد ووظيفة تغني الفرد عن السؤال وتصون كرامته من التذلل وعدم اعتباره سلعة تباع وتشترى على مرأى ومسمع من الجميع وبما ان امر الركون للنظام كان شأن وطني وواقع مَعِيش في ما قبل 14 جانفي كان النقابيون اول من تجاوب مع الثورة لعدة اعتبارات اهمها النزعة الثورية الكامنة في نفوسهم وثقافتهم الميالة إلى رفض كل ما هٌوَ بَالٍ وظالم وهاضم للحقوق العمالية تحت اي تسمية وهو موروث محمد علي وحشاد والتليلي وعاشور لذلك كانت دٌورٌ الاتحاد هي المنطلق لكل تظاهرة نظمت داخل البلاد وكانت ساحة محمد علي هي نقطة الانطلاق والعودة لكل حراك داخل العاصمة وكانت انطلاقة ضربة النهاية للنظام منها رأسا ثم كان دوره رياديا في القصبة بكل ترقيماتها والدور في اسقاط حكومة الغنوشي وموقف المنظمة من الحكومة الحالية منذ بدايتها قبل ان ترتفع اليوم بعض الاصوات المشككة في أدائها وعدم صدقيّتها وتسترها على بقايا النظام البائد ثم جاء دور البائد ثم جاء دور التحركات العمالية المنضوية تحت لواء الاتحاد او التي لا تعرف للانخراط فيه سبيلا والاعتصامات التي كان دافعها الحصول على عمل لائق وحتى تلك التي تسببت في اعاقة دوران عجلة الاقتصاد رغما الوضعية الحرجة التي كانت عليها البلاد ثم كانت المطالب الاساسية إلغاء المناولة وانهاء التعامل مع سماسرة اليد العاملة الوقتية والمتاجرة بالجهد البشري وسلعنته حيث فاقت النتائج المحققة خيال اكثر العمال تفاؤلا ولقد غاض ذلك بعض الاطراف السياسية التي كانت ترى في نفسها المؤهل الوحيد لقيادة الشعب والركوب على الثورة فانطلقت حملات التشويه والتشويش والتشكيك في قدرات الاتحاد ورجالاته رغما عن اعتراف الجميع بان الاتحاد والقائمين على شؤونه ليسوا منزّهين ولا معصومين من الخطأ بمن فيهم الامين العام وهو لم يكن قط فوق القانون لا قانون المنظمة ولا قوانين البلاد وان الثورة جاءت من اجل القطع مع كل ممارسات العهد البائد فقط امهالها للقيام بواجبها نحو الوطن ثم الانصراف إلى وضعها الداخلي ولابد من الاعتراف هنا بأن حملات التشكيك اربكت عديد النقابيين الذين خانتهم وسيلة الاقناع والتمكن من المعلومة للتعريف بالنتائج الايجابية جدا التي تحققت والتي لا بد من الاعتراف للثورة بمساهمتها الكبيرة والفعالة في الامر والمتمثل في نزع عنصر الخوف من نفوس العمال والمعطلين عن العمل غيرهم لكنهم كانوا بداخلهم يؤمنون بأن الاتحاد العام التونسي للشغل هو الوحيد القادر على حلّ كل مشاكلهم »استيقنتها أنفسهم وجحدوا بها« جحدوا بها في السابق وهربوا من الانخراط لكن بعد الثورة عرفوا ان لا ملجأ في هذه الظروف الظروف الا للاتحاد العام التونسي للشغل مرفأ النجاة الذي اندفع نحوه الجميع وطالبوه بحقوقهم المادية والاجتماعية والمهنية الذي قبلهم بصدر رحب وفتح لهم دٌورَهٌ للاعتصام واعتبر تحقيق مطالبهم امراً واجبُ تحقيقه ولم يرفض منها اي طلب ولم يوجه اي عامل او شريحة من منخرطيه وغير المنتسبين إليه لاي كان من المنظمات او الاحزاب الاخرى واكبر دليل على ذلك انه لم تعقد اي اتفاقية ولم يحرر اي محضر بين كل الاطراف الرسمية وغير الرسمية الا وكان الاتحاد العام التونسي للشغل طرفا فاعلا فيها ولم تكن قط اي اتفاقية قابلة للتطبيق ولا تحمل الصفة القانونية الا اذا ما حملت الختم النقابي للجهة او القطاع او المركزية هذا امر لا يمكن لاي كان انكاره او التغاضي عنه ولم تتكون في البلاد منذ اندلاع الثورة او لجنة وطنية في اي اخصاص إلا وكان الاتحاد طرفا اساسيّا في تكوينها وتركيزها واعطائها الشرعية اللازمة لكن النقابيين يمكن ان تكون انتماءاتهم السياسية او عدم قناعة بعضهم وهم قليلون والحمد لله ببعض الاتفاقيات وذلك يدخل ضمن حرية الرأي والديمقراطية النقابية جعلت هذه المكاسب الوطنية لم تأخذ حظّها من الترويج والاعلام الضروري فقط رفعا لشأن الاتحاد العام التونسي للشغل هل يعتقد اي كان ان تحصل اي تسوية عمالية او اي قضية مهنية لا يكون الاتحاد العام التونسي للشغل الطرف الرئيسي فيها؟ هل يشك اي كان في ان الاتحاد العام التونسي للشغل انما بعث اساسا لمثل هذه الظروف الحرجة التي تمر بها البلاد؟ أبدا فتحية نقابية لكل من ساهم في تحقيق كل هذه النتائج العمالية والمهنية التي كان من الممكن ان تتطلب منا نضالات ٍوتضحياتٍ جساما لكن الثورة سهلت الطريق والاتحاد لم يترك الفرصة تمر دون ان يغنم منها عديد المكاسب التي وان كثرت تبقى منقوصة لان عديد الملفات مازالت مفتوحة ولم تنل حظّها من النقاش وتبقى بصمات الاتحاد راسخة في تاريخ الثورة لما تعدد مكاسبها ونتائجها وسوف تتناقلها الاجيال المتلاحقة على مر الازمان سواء ساهم النقابيون في التعريف بها اولا ويبقى التعريف بها فرض عين على جميع المنتمين إلى الاتحاد العام التونسي للشغل.