لو كتب لهذا المقال أن ينشر ، وهو أملٌ ضئيل و لكنَّني أسعى إليه ، فكل رجائي أن تطَّلع عليه كل قيادات الأحزاب »المعترف بها« من طرف النظام قبل وخاصة بعد (...)❊ وكل العاملين بوسائل الإعلام »المرخص لها« بعد وقبل (...). ليس رجائي هذا بحثا عن الشهرة أنا النَّكرة على كل شاشاتكم وفي كل قائماتكم. إنه سؤالي الممنوع حول التماثل البائس الذي آل إليه الواقع. إنني لا أبحث عن حقيقة فالواقع هو الحقيقة: وهي أجمل من كلِّ حلم وأفظع من كلِّ كابوس. غير أن الأكثر ألما في الحقيقة أن تحيلوا حلمنا إلى كارثة. الركح كبير (بلاتو التلفزات ، استديوهات الإذاعات ، النزل فئة خمسة نجوم ، ملتقيات ندوات محاضرات ،اجتماعات...) وبشاعة المساحقة على المباشر بين ممثلين من جنس النظام ذاته : جلاَّد في الواقع تحول إلى ضحية على الركح و ضحية على الركح تحولت إلى جلاَّد في الواقع .إتقان الدور في تمرير النظام من جلادي الأمس إلي جلادي الغد. وحدة التَّضاد بين الكوميديا والمأساة: الكادح الزّارع العاطل المحروم الجائع البائس الشهيد الذي يلغون في دمه و يدنِّسون إسمه على ألسنتهم »السمينة الفاجرة« ويسرقون كل معانيه في حفلة تنكر صاخبة . فلا يجد العقل البارع ولا الوجدان المتَّقد تفسيرا لحفل آكلي لحم البشر هؤلاء: أخطر أعداء الوطن وألدِّ الأعداء في الإنسانية. هرب السيد وترك كلابه ومع كلابه جاءت كلاب و كلاب أخرى ستأتي تتضور جوعا وطمعا. يضيق التفسير أمام المشهد، نراوح بين الجنون والمنطق، الغضب و الحكمة فقدت اللغة حدود الوعي بالُمتَضادَّات. واصل الشباب إلقاء شبابه في البحر وواصلت الكرة تزويق الإفلاس. واصل »البَلْدِية« احتكار السياسة و»القْعَار« لعب دور »الصبايحي«. واصلت النَّواعم الدفاع عن الديمقراطية الجنسية باسم التناصف في المراكز والوظائف السياسية والعسكرية المعلنة والسرية. وواصلت الُمضْطَهَدات في المزارع والمعامل العناء وهن صامدات في الشقاء مع أزواجهم و أبنائهم . واصل الجياع البحث عن ألمٍ أقلّ لموت يليق بإنسانيتهم. الواضح أن كلَّ من فرَّخَهُم النظام قبل وخاصة بعد (...) يبحثون عن إثبات نسب لهم بالسلطة لتمرير شرعيتهم المزيَّفة التي تطابق شرعية جلادنا/ صانعهم الذي صار يسوِّق إعلاميا لمن يقايض المبادئ بالمناصب والوطنية بالكراسي في حفلات التهريج السياسي. حفلات لترويج الصورة وفرضها بالتكرار ليكون صاحبها وعاء لسلعة النظام الفاسدة على طريقة صنع النجوم في الغناء و الكرة أو الإشهار للياغورت الذي يبقى في الأخير ياغورت في علب مختلفة الأشكال والألوان. لا يعنيني أن يكون موقفي متطرفا أو جلدا للذات كما لا يهمُّني كم مضى أو بقي من العمر. المعنى الذي سيأتي هو الأهم . لن تكون البداية كما يتصور الباحثون عن موقع بين الكراسي. لقد أضاعوا البداية منذ عدّلوا رؤوسهم على موقف و ساعة الأعداء. ستكون عنوانا للتِّيه بين انتفاضة وأخرى ، يبحث الشعراء بينهما عن المعنى أو الجوائز والنجوم الجدد عن الكراسي والتوبة النَّصوح . أما التاريخ فيستمر محمُوما متفجِّرا حاملا متناقضاته إلى معركة أخرى قد تكون قريبة نحتاج فيها إلى مقاتلين لن يُهزموا لأنهم ما زالوا يقاومون .لأنَّ ما يَعتقد الضِّبع المبشوم أنه قد حُلَّ إنما تأزَّم وهو لن يحلَّ إلاَّ متى »عادت الأسود أسودا والكلاب كلابا«. ❊ هو التاريخ المعلوم الذي يُوصِّفه البعض كونه ثورة والبعض كونه إنتفاضة ونحن نقول أن عدد الضباع والغربان والكلاب شهد بعده تفجُّرا نتيجة جدية ونجاعة مفارخ النظام في العمل.