سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
التوظيف السياسي للإسلام ومظاهر الوحدة والتنوع في مجتمع دمشق خلال الحكم العثماني
(الجزء الخامس والأخير)
خامسا : الإدارة العثمانية ومسائل الأمن الاجتماعي
لم يكن موضوع الأمن الاجتماعي للسكان في مدينة دمشق وغيرها من المناطق ليشغل بال الولاة الذين تناوبوا على حكم هذه الولاية واحدا بعد آخر، ويلاحظ ان هذا الموضوع لم يكن موضع اهتمام الدولة العثمانية نفسها بدلالة ان هذه المدينة تعرضت لنكبات كثيرة ومؤثرة في حياتها، تركت آثارا عميقة في نفوس أبنائها، دون ان يكون للدولة إسهام واضح في التقليل من هذه التحديات أو العمل على التصدي لها. فكانت مسائل الأمن في معظمها، هي مسائل ذاتية تهم السكان دون سواهم، والدولة غير معنية الا بما يمس أمنها الخاص ولو حاولنا رصد ما جرى في مدينة دمشق ما استطعنا الوقوف الا على النذر اليسير من هذه الحوادث التي اصبحت جزءا لا يتجزأ من الحياة اليومية للسكان آنذاك. لقد اتصف السلطان سليم العثماني، كما يقول عنه المؤرخون، بحبه للقتل، ورغبته فيه، فخنق إخوته وقتل عددا آخر من أهل بيته وصل الى 17 نفرا عندما تولى أمور السلطنة واعتاد فيما بعد على قتل وزرائه الذين قتل منهم سبعة لأسباب تافهة، وطبيعي ان تجد هذه الصفات نفسها في سياسة الدولة عموما، وهي السياسة التي بدأت بمجازر وحشية كبيرة أدخلت الرعب والخوف في قلوب السكان الى ان اصبحت السلطة عاجزة عن ضبط الأمور في الفترات اللاحقة، مما جعل البلاد: ومدينة دمشق في مقدمتها تتعرض لمظاهر الاضطراب والتذمر وعدم الاستقرار. في الفترات الاولى من عهدها، يصف المؤرخون ما قام به رجال الدولة في قرية الصالحية القريبة من مدينة دمشق، والتي تعد الآن حيا من أحيائها عندما استطاعت قوات الدولة التي كانت تضم نحو أربعة وثلاثين ألفا أن تهزم قوات الغزالي (الذي أراد الاستقلال عن الدولة العثمانية والخروج عن طاعتها) وقتلته وتلاحق جنوده الهاربين الى قرية الصالحية، على سفح جبل قاسيون، وتهاجم سكانها، وتقتل منهم نحو الخمسين من شبابها، ونحو المائة من كل حاراتها المجاورة، ويقدر المؤرخون عدد من قتل آنذاك بأكثر من 7000 شخص، لقد هاجم جنود السلطة أحياء الق?ية، وكسروا أبواب البيوت فيها وأبواب الدكاكين، وآذوا النساء فضلا عن الرجال ولم يحترموا صوفيا، ولا فقيها، ولا كبيرا. وقد اجتمعت النساء بجامع الحنابلة ومدرسة أبي عمر، فهجمت قوات الدولة عليهن، وعرّونهن، وأخذوا بعض النساء جوارِيَ، وبعض الرجال عبيدا وخدما، وجهّز الباشا، قائد الحملة رأس الغزالي ومعه قرابة ألف أذن من آذان المقتولين وبعث بها جميعا الى السلطان. أما سياسة الولاة في ادارة الشؤون المدنية فقد ظهر لها نوعان، حيث اتبع بعضهم الأساليب السلمية في جمع الضرائب، وضمن الحدود التي يستطيع الأهالي من خلالها التفاعل الايجابي مع زعماء الاحياء ورجالاتها. غير ان بعضهم الآخر اعتمد سياسة البطش والقوة وسفك الدماء بمعزل عن أهالي الحي وزعمائه ورجاله البارزين، وبمعزل ايضا عن علماء الدين الذين كانوا يتمتعون بمواقع رفيعة بين السكان، ولما كانت المسؤوليات الملقاة على عاتق الولاة من السلطان العثماني تفوق القدرات المتاحة أمامهم، فان الولاة من النوع الاول كانوا أقل استقرارا وسرع?ن ما تم تبديلهم لعدم قدرتهم على تحقيق المطلوب بالطرق المريحة للسكان. بينما كانت الفئة الثانية من الولاة أقدر على تحقيق ما هو مطلوب منها، وأقدر على تلبية رغبات السلطات العثمانية بحكم عدم اهتمامها بقضايا الأهالي وأوضاعهم، فكانوا يستخدمون القوة والضبط لأهداف عديدة منها على سبيل المثال. أ : تأمين فائض مادي نقدي لدفعه مرة أخرى لموظفي الباب العالي لتجديد مهام الولاية. ب : تأمين قافلة الحج الشامي، وتحقيق الأمن والاستقرار لها لإرضاء الباب العالي، والظهور أمامه بمظهر القدرة على ضبط الأمن. ج : توفير فائض مالي يمكن من تلبية الحاجات الأساسية الراهنة من جهة، والعمل على توفير فائض مالي يستفيد منه الوالي بعد عزله من الولاية من جهة أخرى. ولم يكن امام الولاة الا طريق جباية الضرائب من التجار والمهنيين والحرفيين، وغيرهم من الفلاحين والمزارعين بصرف النظر عن قدراتهم وإمكاناتهم الاجتماعية، ولو استدعى ذلك استخدام الضرب والقتل وغيره ويروي في هذا السياق ان أحمد باشا الجزار الذي تولى أمور دمشق وصيدا قد قضى على حياة اكثر من (400) شخص معظمهم من الأبرياء، وشوّه أجساد المئات بجذع الأنوف، وصلم الأذان، وقطع الألسنة، وبتر الاطراف وفق العيون، والحرق بالنار، ولم يرتح الشعب شهرا واحدا من طلب المال ظلما، فأرهقت جماعة ابناء اهل الريف والمدن بالاكراميات، ولم تكن?السلطة العثمانية لتهتم بهذا الاسلوب او بغيره الا بمقدار نتائجه المرتبطة بتأمين الموارد المالية من جهة، وتوفير ظروف الأمن والحماية لقافلة الحج الشامي من جهة اخرى. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، اذ تعرض سكان مدينة دمشق لاعتداءات الجيش العثماني الذي انقسم على نفسه وراح يحارب بعضه بعضا، كما حدث في عام 1756 حيث قدم عبد الله باشا الجتمي بوصفه واليا جديدا على المدينة ومعه خمسة الاف جندي من استانبول، وما إن دخل دمشق حتى وجه ضربة قوية لقوات الجيش الانكشاري المستقرة في المدينة، وخاصة في حي الميدان، ويصف المؤرخون ما أدت اليه هذه الحملة بقولهم «لم يزل يضرب بالسيف هو وعساكره الى ان وصلوا الى خارج باب الله، (والمقصود بوابة الميدان حاليا) فقتلوا خلقا كثيرا، ونهب العساكر الميدان، و?م يتركوا كبيرا ولا صغيرا الا قتيلا أو أسيرا، ولم يتركوا دكانا، ولا امرأة ولا طفلا الا استعملوا النهب والسبي، وهتك الأعراض من سلب النساء، والحلي، وسلب البنات الأبكار، وغير ذلك مما يعمي الأبصار... وانتكب اهل الشام في ذلك العام. والى جانب الصراع بين قوات السلطة نفسها، وقد استطاع كل فريق ان يجند معه عددا كبيرا من المواطنين ضد الفريق الآخر تجد مظاهر اخرى للفساد وغياب الأمن الاجتماعي، كمظاهر الرشوة، والسطو، التي انتشرت في معظم الأماكن، والتي استهدفت المجلات التجارية والمساكن، وحتى المساجد والقبور بالاضافة الى مظاهر التسليح التي كانت تمارس ضد المستضعفين من ابناء الشعب والفلاحين وابناء السبيل وقوافل التجارة غير المسلحة، وقوافل الحج في بعض الاحيان، وكان يقوم بذلك عناصر مسلحة مختلفة، منهم اللصوص، وقطّاع الطرق، وكذلك الجنود والبدو وغيرهم. وقد أدى غياب الامن العام في المدينة، وعدم تدخل السلطات الحكومية في مسائله الى قيام زعماء الاحياء بهذا الدور من خلال عمليات التنسيق والتعاون مع ابناء الحي أنفسهم، والعمل على تنظيم شؤون الحياة فيه بما يضمن أمنه وسلامته، أما العلاقة بين الاحياء فغالبا ما كانت بين مدّ وجذر، حيث تظهر اذا ما برز تهديد مشترك، وتضعف عند ما تزول مصادر التهديد، خاصة أن الوالي العثماني كان يقيم صلاته مع الاحياء تبعا لما يخدم طموحاته ومسؤولياته إزاء السلطة، وكان من زعماء الاحياء من يتعاون معه، ومنهم من يرفض، لذلك لم تكن علاقات الاحياء?ببعضها بعضا مستقرة تمام الاستقرار. فبرزت مظاهر الالتفاف حول زعامة الحي، والعمل وفق ما تقتضيه مصلحة ابنائه، ولما كانت الاحياء قائمة في أساسها على اعتبارات دينية بالدرجة الاولى، كان الوعي الديني يزداد كلما ازدادت التحديات، خاصة ان السلطات العثمانية كانت تقيم سياسة محددة مع الطوائف المسيحية ظنا منها ان لهؤلاء صلة ما مع المسيحيين الأوروبيين الذين كانوا في حرب مع العثمانيين على حدود أوروبا، وكذلك الحال مع المسلمين الشيعة، اعتقادا منها بأن لهؤلاء صلة وثيقة مع الدولة الصفوية في ايران، لذلك كان من الطبيعي ان تسهم ?ذه الادارة من حيث لا تدري الى دفع السكان الى الالتفاف نحو ذواتهم، والعمل على ابراز خصوصياتهم كإجراء وقائي لحماية أنفسهم، ورد فعل على مظاهر التحدي التي كانوا يتعرضون لها. إن ادارة الدولة العثمانية لبلاد الشام، ولمدينة دمشق خاصة لم تكن مستمدة من احكام الشريعة الاسلامية، ولا هي مستمدة من المشاعر القومية للأتراك، وإنما كانت في معظمها انتقائية، تعطي لنفسها الحق في الدفاع عن اهل السنة في محاولات الضبط التي تمارسها ضد الشيعة، وهي تمارس بحق السُنة أنفسهم أبرز مظاهر الظلم التي نتجت عن اللامبالاة في شؤون البلاد. وباختصار يمكن ايجاز أهم الخصائص التي اتصفت بها الادارة العثمانية في بلاد الشام عموما، وفي مدينة دمشق على وجه الخصوص بالسمات الرئيسية التالية: 1 توظيف الدين الاسلامي لمصلحة السلطة، والتحكم في اتجاهات الرأي العام، باعتباره مرتبط تمام الارتباط بالقيم والمشاعر العاطفية للسكان، لتغطية جوانب القصور في الادارة ولتحقيق مزيد من الضبط. 2 الاهمال واللامبالاة ازاء مسائل الامن الاجتماعي والضبط والانشغال بقضايا سياسية تخص السلطة وحدها ولا تتصل بمشكلة السكان على نحو مباشر. 3 اهتمام الولاة بجمع الضرائب واستخدام العنف والقوة في سبيل ذلك. 4 اعتماد سياسات خاصة ازاء كل طائفة من الطوائف تبعا للظروف السياسية المحيطة بها، وسعيا وراء تعزيز وجودها بين السكان. وكان من نتيجة ذلك ان تعززت مظاهر التنوع والتباين في الواقع الاجتماعي، وازدادت التنوعات اختلافا حتى اصبحت مظاهر اختلاف وتناقض، وغدت تشكل مصادر تهديد أساسية للسكان فيما بينهم ولم تعمل على التقليل من حدة التباينات التي ورثها المجتمع الاسلامي عن المراحل السابقة، انما جعلتها الاساس الذي تقوم عليه معايير الحكم والادارة والسلطة. سادسا : مظاهر الوحدة والتنوع في بدايات عصر النهضة برزت مع بدايات النصف الثاني من القرن التاسع وبدايات القرن العشرين تحولات اقتصادية واجتماعية وسياسية عديدة اقترنت بظهور الوعي الاجتماعي على المستويين القومي والوطني، حيث تأثرت بلاد الشام، ومدينة دمشق خاصة برواد الفكر العربي الداعي الى التحرر من السيطرة العثمانية، ومقاومة مظاهر الاحتلال والدعوة الى تأكيد مظاهر الوحدة الوطنية والقومية في السلوك والفعل، وقد برزت في غضون ذلك تيارات فكرية ونشاطات ثقافية متنوعة معارضة للسلطة احيانا، ومؤيدة لها احيانا اخرى، وظهرت مجموعة من الصحف التي عمل على اصدارها مفكرون وأدباء ?ن اتجاهات مختلفة، ومن ذلك على سبيل المثال صحيفة دمشق، التي أسسها احمد عزت باشا العابد سنة 1879، وصحيفة مرآة الشرق التي أسسها سليم عنحوري سنة 1886، وصحيفة الشام التي أسسها مصطفى واصف سنة 1896، واضافة الى الصحف التي برزت مع بدايات القرن العشرين كجريدة المقتبس التي أسسها محمد كرد علي سنة 1809، والقبس التي أسسها شكري العسلي، وغيرها. وقد تأثرت الحركة الفكرية ولتحررية في مدينة دمشق بمظاهر التحرر الفكري التي برزت ايضا في المدن السورية الاخرى، وخاصة في حلب، وكذلك في الاقطار العربية المجاورة في مصر ولبنان، حيث برزت اعمال كل من عبد الرحمان الكواكبي، وبطرس البستاني ومحمد عبده، وغيرهم الكثير. ووجد ذلك آثاره واضحة في النشاطات السياسية التي ظهرت في المدينة حيث تطور التنظيم الحزبي السياسي، وأخذ يستقطب العدد الكبير من الشخصيات السياسية والفكرية. وينظم بالتعاون مع الاحزاب الاخرى مسارات العمل الوطني والتحرري ضد الاحتلال العثماني، وقد برزت في تلك الاثناء احزاب عديدة لعل من أهمها: «الاخاء العربي» و «المنتدى الأبي» و «الجمعية القحطانية» و «العهد» و «الجمعية الثورية» و «النهضة اللبنانية» و «الاصلاح المسيحي» ، وغيرها، وضمت هذه الاحزاب عددا من المواطنين امثال: شفيق المؤيد العظم، وحقي العظم، وعبد الحم?د الزهراوي، وحسين حيدر، ورشيد رضا، وعبد الغني العربي، وعبد الرحمان الشهبندر، وغيرهم. لقد شهد النصف الاول من القرن العشرين أحداثا متتالية ومتلاحقة على المستويين الدولي والعربي، وانعكس ذلك على واقع المدينة فجعل احداثها اكثر سرعة، وتغيراتها اكثر شمولا، لقد استقبل السكان القرن العشرين وهم على ما هم عليه من الاهمال واللامبالاة الحكومية لمسائل الامن، والضبط الاجتماعيين، والتركيز المتزايد على تجنيد السكان للخدمة العسكرية وزجهم في معارك محكوم عليها بالفشل والهزيمة، الامر الذي كان يجعل احتمالات عودتهم الى أوطانهم ضعيفة للغاية، لقد تكرست في مشاعر السكان وأحاسيسهم مسألة التغاير بين المجتمع والدولة بح?م غياب التجانس بين الحاكم والمحكوم. ومع بدايات الحرب العالمية الاولى لم يكن امام السكان الا ان يتصدوا لمزيد من اجراءات السلطة الرامية الى تجنيد ما تستطيع تجنيده منهم لزجهم في مسارات الحرب غير ان قسما كبيرا من هؤلاء لم تُتَحْ له امكانية العودة الى بلاده، وأرضه، الامر الذي جعل اهالي المدينة يفقدون الكثير من اتباعهم الذين نقلتهم السلطات الى أماكن غير معروفة لتحارب بهم خصومها، والى جانب ذلك لم تكن الدولة قادرة على توفير ظروف الأمن الاجتماعي بحكم تزايد قطاع الطرق وعصابات السطو والسرقة والقتل، في المدن والارياف على حد سواء، والتي نتجت عن البطالة و?لفقر وغياب الضبط الاجتماعي، وهي المسائل التي لم تكن الدولة توليها القدر الكافي من الاهتمام. وما ان انتهت الحرب العالمية الاولى، والتي تزايدت فيها مصادر التهديد الاجتماعي للسكان، وعوامل قلقهم واضطرابهم، وبينما كانت المدينة تعيش على امل تطورات جديدة تتحقق من خلالها بعض جوانب الامن الاجتماعي فاذا بالاستعمار الفرنسي ينشر قواته التي راحت تأخذ مواقع القوات العثمانية من قبل وبدأت سياسة جديدة للانتداب قوامها تعزيز مظاهر التباين التي كانت قائمة بفعل اهمال الادارة العثمانية لشؤون البلاد، ودعم مظاهر التناقض التي كانت قائمة بفعل إهمال الادارة العثمانية لشؤون البلاد، ودعم مظاهر التناقض التي كانت قد تكرست بين ?لاهالي عبر مئات السنين ورغم ان فرنسا استطاعت ان تستقطب حولها عددا من الاشخاص الذين ظنوا للوهلة الاولى ان فرنسا راغبة حقا في تحقيق الامن والاستقرار في البلاد، مما دفعهم الى التعاون معها، ومع ذلك فقد تعرضت قواتها لابرز مظاهر المقاومة من الثوار الذين انتشروا في الارياف المحيطة بالمدينة، وراحوا يجندون معهم الكثير من المواطنين القادرين على حمل السلاح داخل المدينة وخارجها، وكل ذلك بتمويل التبرعات التي كانت تأتيهم من كل جهة. لقد وجدت فرنسا خلال وجودها بدمشق أعنف اضطراب عرفته هذه المدينة من تاريخها الطويل، لقد كا? التفاعل بين الاهالي والثوار على أتمّه خلال فترة زمنية تزيد عن العشرين عاما، لم يمض يوم منها الا وكان الاحتلال الفرنسي حديث الناس وشغلهم الشاغل، ولم يمض يوم منها الا وظهرت فيه مؤشرات الرفض والمقاومة لوجود قوات الاحتلال. غير ان القوات الفرنسية لم تأخذ موقفا سلبيا إزاء هذه الاحداث، لقد راحت تبحث عن اعوان لها ومؤيدين، تستفيد من واقع التنوع الذي ورثته المدينة عن ماضيها وتعمق من خصائصه ومقوماته وتعمل على تمويل هذه التنوعات الى تناقضات قد تستفيد منها، فأقرت سياسة التعليم المبنية على هذا الاساس، وشجعت على قيام كل طائفة او مذهب بتأسيس مدارس للتعليم خاصة بها دون ان يكون هناك اي ارتباط بين هذه المؤسسات اعتقادا منها بأن هذا الاسلوب يساعد كثيرا على تعميق مظاهر التباين والتناقض الاجتماعيين، والمحافظة على أركانه وخصائصه، ورغم محاولات ?رنسا الحثيثة في اذكاء روح التجزئة والانقسام، الا ان مدينة دمشق لم تعرف اي شكل من اشكال الحوادث الطائفية بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة طيلة تلك الفترة، مع ان فرنسا كانت تشجع في كثير من الاحيان قطاع الطرق وعصابات السطو على المرور بالاحياء الشعبية والنيل من المقدسات الدينية لهذه الطائفة او تلك. ومع خروج القوات الفرنسية من سوريا، واعلان الاستقلال كان على مدينة دمشق ان تتصدى لأشكال جديدة من الصراع السياسي حول السلطة، وتتبعها ايضا اشكال جديد من الصراع الاجتماعي، خاصة بعد قيام دولة «اسرائيل» في فلسطين حيث وجد أهالي دمشق انفسهم امام تحديات جديدة لم يكن لهم سابق خبرة فيها، في ذلك شأن معظم المدن العربية التي أخذت بلدانها تستقل عن قوات الانتداب والاحتلال الاجنبي بأشكاله المختلفة، وقد جعلهم غياب الاستقرار السياسي في حالة كثيرة الاضطرابات، فالتنوعات الاجتماعية والسياسية التي كانت منتشرة في المدينة أدت الى ?هور اختلافات شديدة وحادة حول كيفية التعامل مع الظروف المستجدة، سواء كانت هذه الظروف على المستوى الاجتماعي والاقتصادي داخليا، أو على مستوى الصراع مع اسرائيل، أو على مستوى العلاقات الدولية، ولما كانت المدينة تفتقر الى قواعد النظام السياسي، وتجهل قنوات التفاعل بين التنوعات الاجتماعية والسياسية والفكرية، فان مظاهر الاختلاف والتناقض ستبدو جلية وواضحة، وتبرز على شكل الانقلابات السياسية التي توالت بسرعة، وشهدتها المدينة خلال العقد الخامس من القرن الماضي. المراجع العربية 1) أبو النيل: محمد السيد. علم النفس الاجتماعي: دراسات عربية وعالمية: الجزء الأول: دار النهضة العربية: بيروت 1985. 2) الأخرس: محمد صفوح: علم الاجتماع العام: منشورات جامعة دمشق 1983. 3) بهجت محمد صالح: المدخل في العمل مع الجماعات: المكتب الجامعي الحديث الاسكندرية. 4) الحسيني السيد: النظرية الاجتماعية ودراسة التنظيم: دار المعارف بمصر. 5) الشطي: الشيخ محمد جميل، أعيان دمشق في القرن الثالث عشر ونصف القرن الرابع عشر. 6) الطويل: محمد أمين غالب: تاريخ العلويين، دار الاندلس. 7) العطار أحمد مقدمات البهائية والظروف سمحت بولادتها، مجلة المنطلق العدد 26 1984. 8) العلاف: أحمد حلمي: دمشق في مطلع القرن العشرين: 1986. 9) كرد علي محمد خطط الشام، دار العلم للملايين 1969. 10) لطفي عبد الحميد: علم الاجتماع: دار المعارف القاهرة 1987. 11) الموسوي: عبد الحسين شرف الدين: الفصول المهمة في تأليف الأمة دار الزهراء 1977. 12) نعيسة يوسف: مجتمع مدينة دمشق 1986 1256 للهجرة: دار طلاس دمشق 1986. المراجع الأجنبية 1) Boudon Raymond - Talcotte parsons: La grande Encyclopedie libraire larouse Paris 1985. 2) Chazel, Français Normes et Valeurs sociétés Encyclopédie Universalise Corpuse - Paris 1985. 3) Guy Rocher : Introduction à la Sociologie Général l'organisation social Edition H M H Montreal 1968. 4) Menget Patrick : Fonction et Fonctionnalisme Encyclopedie Universalise corpus (7) Paris 1984. 5) Tourin Alain «Action Collective», Encyclopedie universatise, corpus (1) Paris 1984. 6) Toutine Alain «sociologie de l'action» la grande Encyclopédie, librairie Larouse 1971.