منذ أن كان ناشطا في الحركة الطلابية والى الآن، وهو في الحركة النقابية، عُرف أستاذ القانون المحامي الهادي الشمانقي بإلتصاقه الشديد وإلتحامه العملي بالقاعدة العمالية، وقد أخذ على عاتقه مبادرة إحياء ذكرى التأسيس النقابي الأول بريادة محمد علي الحامي ورفاقه والتي انعقدت بتاريخ 3 ديسمبر 2006 بتونس العاصمة فانتقلت بذلك هذه التظاهرة الثقافية من اطارها المحلي (الحامة) الى اطار وطني، وقد لاقت هذه اللبنة التأسيسية الوطنية استحسانا من قبل العمال والمثقفين الذين واكبوا فعالياتها. عن هذه المبادرة وحيثياتها وآفاقها المستقبلية كان لنا مع الاستاذ الهادي الشمانقي هذا الحوار أستاذ شمانقي، من المعروف أنك لا تتحمل أي مسؤولية نقابية لا في الحركة العمالية ولا في سلك المحاماة، ومع ذلك حظيت مبادرتك بدعم من المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل، فكيف تقيم هذا الدعم؟ أقول في البداية، أنه يتوجب علي شكر هياكل الاتحاد على احتضان هذه المبادرة وفتح ذراعها لمناضل قاعدي للمشاركة في تأسيس ثقافة بديلة، حيث وضعوا في شخصي ثقتهم من خلال تحميلي مسؤولية التنسيق والتقديم لهذه التظاهرة الثقافية بالأساس. وهذا التفاعل يقوّض الحواجز الوهمية بين مسؤولي الاتحاد العام التونسي للشغل وكافة منخرطيه بدرجة أولى، وأيضا بين هياكل الاتحاد وكافة المثقفين التونسيين وأيضا على مؤسسات الحياة الاجتماعية باعتباري محاميا وهذا الموقف إنما يُبرهن فعلا على نكران مسؤولي الاتحاد على ما يمكن وصفه بالممارسات الفوقية. وللتاريخ وقعت يوم 6 أكتوبر 2006 الموافقة بين أعضاء المكتب التنفيذي للاتحاد على تكليفي بمهمة التقديم والتنسيق للتظاهرة وكان ذلك بإشراف مباشر من الأخ محمد الطرابلسي الأمين العام المساعد المسؤول عن العلاقات الخارجية والهجرة. وطبعا لا أنسى دعم الأمين العام الأخ عبد السلام جراد الذي حرص حرصا شديدا على تنظيم هذه التظاهرة وأبى إلا أن يفتتح يومها الأول الذي وافق 3 ديسمبر 2006. ما هو الاطار التاريخي العام للحركة التأسيسيةالنقابية؟ أهم نقطة في تقديري الشخصي هي تلاقي أصالة الطاهر الحداد خريج جامع الزيتونة وحداثة محمد علي الحامي الوافد من الحضارة الغربية عموما ببعدها الأممي وهو المنطلق الاجتماعي والثقافي والحضاري للحركة التأسيسية التي تم على اثرها تلاحم المثقف العضوي مع العمال وتحديدا عمال الرصيف يوم 13 أوت 1924، وتم اثر ذلك تكوين هياكل أول حركة نقابية مستقلة يوم 3 ديسمبر 1924 (مكتب تنفيذي ولجنة الدعاية ولجنة المراقبة...) . وهذا البعد الاجتماعي والثقافي جاء اثر محاولة تكوين التعاونيات خلال شهري جوان وجويلية 1924 وهو المشروع الذي سعى الى إرساء اقتصاد تعاوني يهدف الى القطيعة مع الاحتلال بإرساء تنمية مستقلة من شأنها أن تدعم وتحقق لاحقا السيادة الوطنية. هذا التلاقي بين الاجتماعي والثقافي والاقتصادي بين مؤسسي الحركة بث رعبا لدى سلطات المحتل الفرنسي خاصة لآفقها الاستراتيجية، المتمثلة في بعدها الوطني والتنمية المستقلة، ممّا جعله يسارع في القبض على رموز الحركة يوم 5 فيفري 1925 وتتم محاكمتهم خلال شهر نوفمبر من نفس السنة بنفيهم جميعا ووضع المستعمر بعد تنفيذ الحكم ما سُمي بالمراسيم الخبيثة، كما تجاوزت حملة القمع والمحاصرة نطاق الوطن الصغير الى كافة مستعمراته في الوطن الكبير وذلك لإجتثات أصول الحركة النقابية التأسيسية من جذورها ، ولا يفوتني هنا الاشارة الى رمزية يوم 5 فيفري باعتباره كان ايضا يوما مشهودا سنة 1972 في صفوف الحركة الطلابية. ولهذا تعتبر أن محمد علي ورفاقه كانوا مؤسسين؟ نعم إنهم كانوا مؤسسين لبناء متكامل تضمن بنية تحية تمثلت في القاعدة الاقتصادية (مشروع التعاونيات) والقاعدة الاجتماعية (تكوين جامعة عموم العملة التونسية) وبنية فوقية تمثلت في السعي الى نشر ثقافة وطنية تقدمية. وبالتالي فإنّهم تولوا عملية تأسيسية شاملة وليس مجرد إعادة تأسيس وقد قطعوا مع مسارالنقابات الفرنسية في ملحمة مشهودة وكونوا نقابات تونسية صميمة ومفتوحة لكل العمال مهما اختلفت جنسياتهم، وما العقاب الذي أنزل بمحمد علي ورفاقه المؤسسين إلا برهانا قاطعا على جسارة ما أسسوه. كيف تم التعامل في التظاهرة التي نظمتموها، مع كل هذه المعطيات التاريخية؟ تتجلى هذه الحركة العمالية في طبيعتها الوطنية التقدمية وتمثل تراثا مشتركا لكل من أراد أن يكون في هذا المدار ، الوطني التقدمي، لذلك سعت التظاهرة الى أخذ العبرة من تلك التجربة الحيّة في محاولة جادة منها لتجميع قوانا المشتتة لمواجهة مارد العولمة بمختلف تجلياتها كالتبعية والخوصصة والتفويت في المؤسسات للأجانب ومقاومة مظاهر البطالة الجماعية والفساد والتخلف. بعد نجاح هذه اللبنة التأسيسية، كيف ترون الآفاق المستقبلية لهذه التظاهرة الوطنية؟ ألح هنا على مفهوم التواصل والذي لا يمكن أن يتحقق إلا بالعمل الجماعي والمشترك لمزيد الإلمام بتفاصيل هذه التجربة وأخذ العبرة من ايجابياتها خاصة وأنها مثلما ذكرت تُلقي بظلالها على واقعنا الراهن ولعل المقالات والدراسات التي نُشرت على أعمدة جريدة الشعب، وضمن ملحقها الشهري «منارات» لهي أقوى دليل على حركة التواصل والاستمرارية لهذه التظاهرة الثقافية. وأغتنم هذه الفرصة لأقترح أن تمتد هذه التظاهرة على أكثر من يوم لتشمل يوم التأسيس النقابي الأول (3 ديسمبر) ويوم اغتيال فرحات حشاد (5 ديسمبر) وانتفاضة الدارالبيضاء (6 ديسمبر) ويوم 7 ديسمبر الموافق لتأسيس اتحاد عمال المغرب العربي و لِمَ لا تنظم هذه التظاهرة في أكثر من قطر مغاربي ثم عربي، اقتداءً بمسيرة محمد علي الحامي الذي جاب أكثر من بلد عربي في الحركة المعادية للاحتلال من ذلك اخص بالذكر محاولة الإلتحاق بحرب الريف بقيادة عبد الكريم الخطابي بالمغرب الأقصى وليبيا ومصر وغيرها من دول الوطن الكبير