نعم لقد حققت الثورة التونسية في مرحلتها الأولى يوم الرابع عشر من جانفي ما طالبت به وما يبعث على الفخر والاعتزاز ويرفع رؤوسنا في العالم وحققت في مرحلتها الثانية في يوم الثالث والعشرين من أكتوبر يوم انتخابات أعضاء المجلس التأسيسي ما زاد في فخرنا واعتزازنا بأنفسنا وبكفاءاتنا النيرة وبتفهٌم شعبنا لمقتضيات الحدث ما قد رفعنا لدى البعض إلى مستوى المعجزة فلماذا لا نواصل في مسيرة الإبداع هذه إلى الآخر؟ لماذا مازلنا نتحدث عما يسمّى بالمعارضة ما دام الشعب هو الذي سيحكم البلاد في المستقبل؟ألم تكن المعارضة في النظم السابقة هي في مقابل حاكم أو حزب مستبد بالسلطة لغرض الحد من شوكته وجبروته؟ أما اليوم وستحكم البلاد مجموعةٌ منتخبة من الشعب نفسه ومحكومة برقابته فلم يعد هناك بالتالي مجال للمعارضة، إنما الحديث عن المعارضة هو عود بنا إلى) العصر الجاهلي)، إلى العقلية السابقة المربوطة بعجلة التخلف وعديمة الخبرة بمقتضيات الديمقراطية الحقيقية وإلا كيف يكون الشعب حاكما و في مقابله أحزاب معارضة؟ هذا محض خيال متناقض ومتضارب إذ لا معارضة لإرادة الشعب إلا إذا كانت هذه المعارضة غازية له من الخارج بقصد استغلاله أو احتلاله وهو ما يجدُ الشعب نفسه في حالة ضرورية لمواجهته وصده . الحزب الحاصل على الأغلبية في الأصوات ليس هو بالضرورة الحزب الحاصل على حق الأغلبية في الحكم لأن 41 في المائة لا تفوق 59 في المائة وأن الحكومة ستتألف بالضرورة من أغلبية المنتخبين في المجلس التأسيسي لا من أغلبية المصوتين لهؤلاء أو لهؤلاء يعني أن 59 ستكون لهم الأولوية في الحكم من الناحية المنطقية وربما القانونية أيضا لكن تلبية لرغبة الجميع في التعاون بكل أخوة ومحبة ووضع اليد في اليد فإن الحكومة إذن ستتألف قبل كل شيء من تقنوقراطيين أكفاء مشهود لهم بالخبرة دون اعتبار لانتماءاتهم السياسية التي هي مهما تكن لابد أنها تصبّ جميعها في المصلحة العامة . نريدها إذن حكومة توافقية تآلفية تلتقي فيها جميع الأحزاب السياسية الفقيرة منها والغنية على قدم المساواة لأن جميعها من حيث المبدئ ترغب في تحقيق المصلحة الوطنية التي كثيرا ما انتُهكت وتضررت في الحقبة المنقضية؟ نريدها حكومة كفاءات تونسية قادرة على التفاعل مع الشعب والتناغم معه بطريقة شبيهة بالسمفونية تجعل من الجميع في راحة نفسية اجتماعية تعدّل الموازين على جميع الأصعدة وفي جميع الجهات التونسية وهكذا تنجح الثورة في مرحلتها الثالثة عسانا ننتظر منها قريبا ثمارا جنية.