بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك    قضية منتحل صفة مسؤول حكومي.. الاحتفاظ بمسؤول بمندوبية الفلاحة بالقصرين    مخاطر الاستخدام الخاطئ لسماعات الرأس والأذن    صفاقس تُكرّم إبنها الاعلامي المُتميّز إلياس الجراية    سوريا... وجهاء الطائفة الدرزية في السويداء يصدرون بيانا يرفضون فيه التقسيم أو الانفصال أو الانسلاخ    مدنين: انطلاق نشاط شركتين أهليتين في قطاع النسيج    في انتظار تقرير مصير بيتوني... الساحلي مديرا رياضيا ومستشارا فنيّا في الافريقي    عاجل/ "براكاج" لحافلة نقل مدرسي بهذه الولاية…ما القصة..؟    الاحتفاظ بمنتحل صفة مدير ديوان رئيس الحكومة في محاضر جديدة من أجل التحيل    الطبوبي في اليوم العالمي للشغالين : المفاوضات الاجتماعية حقّ ولا بدّ من الحوار    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    انهزم امام نيجيريا 0 1 : بداية متعثّرة لمنتخب الأواسط في ال«كان»    نبض الصحافة العربية والدولية... الطائفة الدرزية .. حصان طروادة الإسرائيلي لاحتلال سوريا    الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    أولا وأخيرا: أم القضايا    المسرحيون يودعون انور الشعافي    إدارة ترامب تبحث ترحيل مهاجرين إلى ليبيا ورواندا    المهدية: سجن شاب سكب البنزين على والدته وهدّد بحرقها    الجلسة العامة للبنك الوطني الفلاحي: القروض الفلاحية تمثل 2ر7 بالمائة من القروض الممنوحة للحرفاء    الكورتيزول: ماذا تعرف عن هرمون التوتر؟    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    لماذا يصاب الشباب وغير المدخنين بسرطان الرئة؟    وزير الإقتصاد وكاتب الدولة البافاري للإقتصاد يستعرضان فرص تعزيز التعاون الثنائي    مصدر قضائي يكشف تفاصيل الإطاحة بمرتكب جريمة قتل الشاب عمر بمدينة أكودة    عاجل/ تفاصيل جديدة ومعطيات صادمة في قضية منتحل صفة مدير برئاسة الحكومة..هكذا تحيل على ضحاياه..    الطب الشرعي يكشف جريمة مروعة في مصر    تونس العاصمة وقفة لعدد من أنصار مسار 25 جويلية رفضا لأي تدخل أجنبي في تونس    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    بالأرقام/ ودائع حرفاء بنك تونس والامارات تسجل ارتفاعا ب33 بالمائة سنة 2024..(تقرير)    إقبال جماهيري كبير على معرض تونس الدولي للكتاب تزامنا مع عيد الشغل    وزير الصحة: لا يوجد نقص في الأدوية... بل هناك اضطراب في التوزيع    عاجل/ مجزرة جديدة للكيان الصهيوني في غزة..وهذه حصيلة الشهداء..    الطبوبي: انطلاق المفاوضات الاجتماعية في القطاع الخاص يوم 7 ماي    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    البطولة العربية لالعاب القوى للاكابر والكبريات : التونسية اسلام الكثيري تحرز برونزية مسابقة رمي الرمح    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تختتم مسابقات صنفي الاصاغر والصغريات بحصيلة 15 ميدالية منها 3 ذهبيات    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    عاجل/ المُقاومة اليمنية تستهدف مواقع إسرائيلية وحاملة طائرات أمريكية..    تونس العاصمة مسيرة للمطالبة بإطلاق سراح أحمد صواب    صادم: أسعار الأضاحي تلتهب..رئيس الغرفة الوطنية للقصابين يفجرها ويكشف..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..طقس حار..    قيس سعيد: ''عدد من باعثي الشركات الأهلية يتمّ تعطيلهم عمدا''    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    توجيه تهمة 'إساءة استخدام السلطة' لرئيس كوريا الجنوبية السابق    منذ سنة 1950: شهر مارس 2025 يصنف ثاني شهر الأشد حرارة    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة للسيدات: المنتخب المغربي يحرز لقب النسخة الاولى بفوزه على نظيره التنزاني 3-2    وفاة أكبر معمرة في العالم عن عمر يناهز 116 عاما    منظمة الأغذية والزراعة تدعو دول شمال غرب إفريقيا إلى تعزيز المراقبة على الجراد الصحراوي    معز زغدان: أضاحي العيد متوفرة والأسعار ستكون مقبولة    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    مباراة برشلونة ضد الإنتر فى دورى أبطال أوروبا : التوقيت و القناة الناقلة    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المشهد السياسي المغربي بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة

شهد المغرب يوم 7 شتنبر 2007 الانتخابات التشريعية الثانية في عهد العاهل محمد السادس، الذي دعا الشعب المغربي في خطابه خلال الذكرى الثامنة لتوليه الحكم يوم 30
يونيو 2007 إلى التوجه إلى صناديق الاقتراع والإدلاء بصوته حيث قال: "..على الجميع أن يجعل من انتخاب مجلس النواب المقبل، موعدا جديدا لترسيخ الممارسة الديمقراطية المألوفة، وتجسيد إرادتك الحقيقية، وإفراز أغلبية حكومية ذات مصداقية، ومعارضة فاعلة وبناءة على أساس برامج ملموسة وهادفة وليس شعارات فارغة متبدلة للإصلاح والتغيير".
وهكذا فقد جعل الملك من عملية التصويت أحد أسس المواطنة، وما تمليه من واجبات و مسؤوليات على المواطن المغربي، حيث أكد على أهمية استشعار جسامة المسؤولية في حسن اختيار الممثلين من خلال انتخابات نزيهة.
أولا- مشاركة هزيلة ونتائج غير متوقعة
جاءت نتائج الانتخابات مخالفة لكل التوقعات، بل وصادمة للطبقة السياسية، وبخاصة للأحزاب التي لم تتوقع النسبة المتدنية للمشاركين في عملية التصويت؛ التي لم تتجاوز 37 %، أي أن 5700.000 من المواطنين فقط هي التي توجهت فعليا إلى صناديق الاقتراع، لتقوم بعملية التصويت على ممثلي 33 حزبا مغربيا؛ ولا عدد المقاعد التي كانت تنوي الحصول عليها.
وبالاطلاع على نتائج الاقتراع نجد أن نسبة 19% من الأصوات لم يكن لها أي دور في عملية التصويت، لأنها كانت ملغاة إما بسبب أخطاء المصوتين الذين لم يتمكنوا بعد من فهم واستيعاب نظام التصويت، أو لعدم رغبتهم في منح صوتهم لأحد المرشحين لعدم ثقتهم في أي منهم، أو لعدم ثقتهم في نظام الانتخابات ككل.
و جاءت نتيجة الاقتراع التي أعلن عنها وزير الداخلية في صالح حزب الاستقلال، الذي حصل على 52 مقعدا، أي بنسبة 16 % من الأصوات المعبر عنها، وهو ما يعني زيادة أربع مقاعد مقارنة مع انتخابات 2002، و التي كان قد حصل فيها على 48 مقعدا.
وجاء في المرتبة الثانية حزب العدالة و التنمية ب 47 مقعدا، تليه الحركة الشعبية في المرتبة الثالثة ب 43 مقعدا، ثم في المرتبة الرابعة حزب التجمع الوطني للأحرار ب 38 مقعدا، واحتل حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المرتبة الخامسة ب 36 مقعدا، فيما وزعت باقي المقاعد على 21 حزبا و بعض اللامنتمين.
يمكن القول إن ضعف نسبة المشاركة هو السمة الأبرز لهذه الانتخابات؛ ويمكن القول أن تدني نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية ليوم 7 شتنبر وبالرغم الحملة الإعلامية الكبيرة التي قادتها الأحزاب، ودعوة العاهل المغربي إلى المشاركة، جاءت مفاجئة وبخاصة للمجتمع السياسي، حيث بلغت أدنى نسبة مقارنة مع الانتخابات السابقة، وهو الأمر الذي دفع المهتمين بالحقل السياسي إلى دق ناقوس الخطر حول مخاطر "ظاهرة العزوف السياسي" الذي يعبر عن اقتناع المواطنين بتكرار نفس النتائج ونفس السلوكات والتجارب منذ بداية الحملة الانتخابية وإلى غاية نهاية الولاية التشريعية... مما يجعلها بمثابة ردة فعل طبيعية إزاء الأداء السياسي الباهت للأحزاب.. واستمرار الإكراهات الاجتماعية المرتبطة بتراجع مستوى الدخل الفردي ومستوى العيش المرتبط بشروط السكن والتعليم والصحة إضافة إلى تنامي البطالة وتفشي الرشوة والزبونية في مختلف القطاعات الإدارية..
ناهيك عن الأداء الهزيل للأحزاب السياسية بسبب اهتمام أعضائها بالمراكز السياسية وبمصالحهم الشخصية، وبعدهم عن المواطنين ومصالحهم، مما أسهم في تعميق أزمة الثقة في صفوف المواطنين اتجاه هذه المؤسسات والشعور بعدم قدرتها على التغيير الحقيقي داخل المجتمع وتجاوز مختلف الأزمات الاقتصادية والاجتماعية و السياسية.
وإذا كانت مجمل التوقعات قد رشحت فوز حزب العدالة والتنمية ذو المرجعية الإسلامية الذي جعل من تخليق الحياة العامة ومحاربة الفساد المالي والإداري من أهم مبادئ حملته الانتخابية بأغلبية المقاعد، وبخاصة وأنه وسع من تغطية الدوائر الانتخابية، واعتمادا على أدائه؛ المرتبط باجتهاد أعضائه في الحضور إلى جلسات مجلس النواب، و طرح أسئلة تمس عمق المجتمع المغربي، واعتماده سياسة منفتحة اتجاه العنصر النسوي، و الذي وضعه على قائمة العديد من اللوائح الانتخابية، إضافة إلى رغبة بعض المواطنين في فوز هذا الحزب، ليس فقط لاقتناعهم ببرنامجه الانتخابي، و لكن أيضا لرغبتهم في اكتشاف ما يمكن أن يقدمه أعضائه، و الذين لم يسبق لهم المشاركة في أي من الحكومات السابقة.
فإن هذه التوقعات لم تكن في محلها ذلك أن الحزب احتل المرتبة الثانية ب 47 مقعدا، و هو ما أثار حفيظة أعضائه الذين اتهموا بشكل شبه صريح عددا من الفائزين باستعمال طرق غير نزيهة في الحصول على العديد من الأصوات، كاستعمال المال الحرام و خاصة بالبوادي والقرى.
ويبدو أن حزب العدالة والتنمية لم يقدر جيدا إمكانياته الداخلية، وأنصت لإدعاءات الإحصاءات الداخلية والخارجية بالفوز الأكيد، آخذة بعين الاعتبار نجاح حزب العدالة و التنمية التركي بقيادة أردوغان، مع أن القواسم المشتركة بين الحزبين تبقى ضعيفة، فحزب العدالة و التنمية التركي يعد أكثر انفتاحا و اعتدالا على اعتبار أنه يتعايش والتيارات العلمانية السائدة بتركيا، عكس العدالة و التنمية المغربي الذي و إن كان يعتبر نفسه معتدلا، إلا أن خطاباته و سلوك أعضائه تدل على أنه لا زال تقليديا محافظا وأحيانا متشددا.
أما حزب الاتحاد الاشتراكي فقد إلى المرتبة الخامسة في انتخابات 7 شتنبر 2007 ب 38 مقعدا، بعد أن كان قد احتل المرتبة الأولى في انتخابات 2002 ب 50 مقعدا، ويبدو أنه كان هو أيضا ضحية المشاركة الضعيفة التي أدت إلى نتائج في غير صالح الأحزاب، ف 12 حزبا لم يحصلوا على أي مقعد، كما أن هناك أسماء وازنة ووزراء سابقين لم يتمكنوا من الفوز في هذه الانتخابات، كنبيل بنعبدالله عن حزب التقدم والاشتراكية، الذي كان مرشحا في دائرة الصخيرات تمارة، و محمد أوجار عن التجمع الوطني للأحرار، و الذي كان مرشحا في دائرة الرباط المحيط، وعبد الكريم بن عتيق عن الحزب العمالي، و الذي كان مرشحا عن دائرة الرباط شالة، وأيضا محمد الأشعري وإدريس لشكر و نزهة الشقروني عن الاتحاد الاشتراكي.
ويبدو أن وجود أعضاء حزب الاتحاد الاشتراكي في صفوف حكومة 2002، والتي كانت تضم إلى جانبهم وزراء من أحزاب سياسية محافظة و ليبرالية تحت رئاسة وزير تقنوقراطي، ومحدودية أدائهم والذي فرضتها إكراهات اجتماعية واقتصادية و سياسية داخلية وخارجية، هو أساس تراجع التعاطف الشعبي مع هذا الحزب، و الذي كان قد اكتسبه خاصة عندما كان في صفوف المعارضة في عهد الملك الراحل الحسن الثاني؛ وهذا ما يفسر دعوة العديد من الأصوات داخل المكتب السياسي للحزب بضرورة العودة إلى المعارضة.
أسفرت انتخابات 7 شتنبر 2007 عن فوز حزب الاستقلال ب 52 مقعدا، وهو حزب محافظ، ويعد من أقدم أحزاب مغرب ما بعد الاستقلال، كما لعب دور المعارضة إلى جانب أحزاب أخرى في عهد الملك الرحل الحسن الثاني.
وحصل حزب الاستقلال على أكبر عدد من المقاعد مما أهله إلى أن يتولى قيادة الحكومة. وتجدر الإشارة إلى أن تعيين الوزير الأول في المغرب لا تحكمه معايير موضوعية وقارة، ولا يتم اختياره دائما من داخل الأغلبية الفائزة بأكبر عدد من المقاعد، فالوزير الأول السابق في حكومة 2002 إدريس جطو، لم يكن مرشحا ولا منتمي إلى أي حزب، بل تم اختياره بناء على مؤهلاته العلمية و تكوينه في مجال الاقتصاد والتسيير والتدبير.
ثانيا- حكومة هشة، وبرنامج محفوف بالتحديات
شكل تعيين عباس الفاسي مفاجأة غير متوقعة، ولم يستسغه عدد من المواطنين نظرا لما يعرف بقضية "النجاة"، عندما كان وزيرا للتشغيل حيث تم تقديم وعود بالتشغيل ووقع ما يناهز عن 30 ألف شاب عقودا من أجل توظيفهم بشركة إماراتية، ودفعوا مقابل ذلك مبالغ مالية مهمة، لكن الصفقة لم تكن إلا مجرد نصب واحتيال، وهو ما كانت له نتائج سيئة وصادمة للمرشحين الشباب الذين تبخرت أمالهم في الهجرة وتحقيق مستقبل أفضل، وهو ما أدى إلى مطالبة هؤلاء الشباب وأسرهم بفتح تحقيق في هذه القضية.
و كانت بعض التكهنات تذهب إلى إمكانية تعيين السيد علي الهمة وزيرا أولا، بعد أن استقال من منصبه كوزير منتدب في الداخلية، وترشح في الانتخابات الأخيرة كلامنتمي عن دائرة الرحامنة، ليفوز بمقعد في البرلمان، واستطاع تكوين فريق برلماني وصل عدده إلى حد الان إلى أكثر من 30 برلمانيا، و لكن التكهنات لم تكن في محلها، حيث أن علي الهمة لم يتول أي حقيبة وزارية، ولا يعرف لحد الآن إلى أين ستقود سياسته داخل البرلمان.!
و بعد تعيين عباس الفاسي وزيرا أول، بدأ الحديث عن الحكومة المرتقبة وعن الأحزاب التي من الممكن أن تشارك فيها، و التي تم تحديدها في الأحزاب التي احتلت المراكز الأولى في الانتخابات، وهي الأحزاب الأربع بعد حزب الاستقلال، أي حزب العدالة والتنمية، الحركة الشعبية، التجمع الوطني للأحرار والاتحاد الاشتراكي.
لكن التشكيل الحكومي أقصى كل من حزبي العدالة والتنمية والحركة الشعبية، وهو ما لم يستسغه أعضاؤها، حيث اتهم أحد أعضاء حزب العدالة والتنمية، المنهجية التي اعتمدها عباس الفاسي، في تشكيل الحكومة بأنها غير معقولة، خاصة و أنه لم تتم مفاتحة حزبه، وهو الحزب الذي يلي حزب الاستقلال مباشرة في عدد المقاعد عند تعيين التشكيلة الحكومية، وتوقع أن تكون الحكومة ضعيفة في أدائها، فهي لم تستغن عن الوزراء التقنوقراط، وبقيت بعض وزارات السيادة على حالها مستبعدة للوزراء الحزبيين وكأن حجم المسؤولية أكبر من قدراتهم، و هذا ما جعل حزب العدالة والتنمية يعلن التزامه بالقيام بدور المعارضة.
إلى جانب حزب العدالة والتنمية، فحزب الحركة الشعبية فوجئ بدوره بإبعاده عن صفوف الحكومة، وهو الذي كان ينوي الحصول على إحدى الحقائب المهمة نظرا لمكانته في ترتيب الفائزين في الانتخابات، لكن الحزب وجد نفسه في صفوف المعارضة، و هو ما دفعه إلى التساؤل حول أسباب استبعاده، مع أنه كان قد بعث برسالة استعطاف إلى الملك محمد السادس يشرح له فيها موقفه من الحقائب الوزارية التي عرضت عليه، ورغبته في رئاسة مجلس النواب، ولكنه لم يتلق أي جواب على ذلك، كما لم يتلق أي رد من الوزير الأول الذي تلقى بدوره مذكرة كتابية من الحركة تتضمن نفس الموضوع، وهو ما كان السبب في سريان إشاعة تفيد أن هناك غضب ملكي على الحركة لعدم قبولها للحقائب الوزارية المقترحة عليها، وبالطبع كان لهذا الأمر تأثير على أعضاء الحزب وقيادته، حيث راج الحديث عن وجود أزمة داخلية وعن محاولات لإعادة الحسابات داخل صفوف الحركة من أجل أن تقوم بدورها في صفوف المعارضة ومن أجل أن تحافظ على مكانتها بين الأحزاب الكبرى داخل المشهد السياسي المغربي.
وفي الأخير اكتفت الحكومة الجديدة بأربعة أحزاب وهي حزب الاستقلال، الاتحاد الاشتراكي، التجمع الوطني للأحرار، و التقدم و الاشتراكية.
حيث ضمت 18 وزيرا جديدا، و16 وزيرا سابقا، و7 نساء، و بلغ عدد التقنوقراط داخل هذه التشكيلة 10 وزراء، تولوا أبرز وزارات السيادة، وأكد الوزير الأول عباس الفاسي على أن الحكومة الحالية راعت التوزيع الجغرافي في تشكيلها، مع أنه يبدو واضحا أن أكبر عدد من الوزراء من ذوي الأصول "الفاسية".
بعد الإعلان عن التعيين الرسمي للحكومة قدم الوزير الأول عباس الفاسي، البرنامج الحكومي أمام أعضاء مجلس النواب، وهو البرنامج الذي استمر إلقاؤه ساعة ونصف، استعرض خلالها المشاريع المستقبلية لحكومته، وقد أكد على أن برنامجه يتوافق والمشاريع التي يديرها الملك محمد السادس.
وحاول عباس الفاسي في تصريحه الحكومي أن يلامس مختلف القضايا التي تهدف إلى تحقيق تنمية البلاد سواء منها الاقتصادية والاجتماعية وأيضا السياسية في إطار الوحدة الوطنية، حيث ركز على المعضلة الكبيرة في صفوف الشباب، ووعد بأن يوفر نسبة كبيرة من فرص الشغل وصلت إلى حد 250 ألف منصب شغل سنويا، و تحسين مستوى الدخل و مستوى القدرة الشرائية للمواطنين، وتخليق الحياة العامة، و محاربة الرشوة و الفساد، وإنعاش السكن من خلال الرفع من وثيرة السكن الاجتماعي والعمل على المعالجة النهائية لمشكل السكن والتوسع العمراني بالأقاليم الجنوبية للمملكة؛ كما أكد أن الحكومة ستعمل على تقليص الفقر والإقصاء الاجتماعي والتهميش الذي يطال فئة من المواطنين كالأشخاص المعاقين الذين سيتم إدماجهم في مجال الشغل، كما سيتم الاهتمام بالمطلقات وأطفالهن وذلك من خلال تفعيل صندوق التكافل الأسري.
وفي المجال السياسي أشار عباس الفاسي إلى أن الحكومة ستعمل على ترسيخ قواعد الديمقراطية، و سياسة اللاتمركز الإداري في تدبير الشأن المحلي، و تقريب الإدارة من المواطنين.
وأكد أيضا على أن هناك أولويات حكومية في المجال الاقتصادي، تتمثل في تعبئة الموارد المائية والاهتمام بإيصالها للمناطق ذات الخصاص، والقيام بالتجهيز الكهربائي من أجل الدفع بنسبة الاستهلاك الوطني، وتعزيز الموقع الاستراتيجي للمغرب لكي يصبح قاعدة للاستثمارات الأجنبية، وجلب رؤوس الأموال الخارجية، مما سيمكن من الرفع من نسبة التصدير و تحسين عجز التجارة الخارجية.
و في مجال الصيد البحري والصناعة التقليدية؛ أشار الوزير الأول إلى أن الحكومة تأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات الوطنية، وحدة التنافسية الخارجية، لذلك فهي تهدف إلى هيكلة سلسلة الصيد البحري والاستغلال العقلاني المستديم للثروات، كما ستقوم بتطويرها مقاربة جهوية شمولية للرقي بجودة منتوج الصناعة التقليدية والاهتمام بالصناع التقليديون خاصة على مستوى الإنتاج و التسويق.
وفي المجال الفلاحي وعد الوزير الأول بأن الحكومة ستنكب على الاهتمام ببلورة إستراتيجية وطنية فلاحية جديدة تأخذ بعين الاعتبار إكراهات التقلبات المناخية والجفاف البنيوي و الندرة المطردة للموارد المائية، كما تضمن التصريح الحكومي إشارات أخرى همت قطاع الرياضة و الصحافة و التمدرس و مجال التجهيز الطرقي.
وبالنظر إلى البرنامج الحكومي، نلاحظ أنه وعلى خلاف البرنامج الحكومي للوزير السابق إدريس جطو، لا يتضمن أي أرقام مدققة، و ليست هناك آجال محددة لتحقيق الإنجازات الضخمة التي وعد بها والتي يبدو أنها لم تراع الإمكانات الواقعية للدولة، والتي ستجد أمامها العديد من التحديات سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، و من أبرزها استمرار حالة الجفاف، والارتفاع المستمر لأسعار البترول والذي يؤثر سلبا على العديد من القطاعات الداخلية وعلى ميزانية الدولة، إضافة إلى التزايد المستمر لأعداد المعطلين سنويا ولاستمرار نزيف هجرة الفعاليات الوطنية الشبابية، وتفشي الرشوة و الفساد، وأيضا تنامي نسبة العزوف السياسي، وهنا يطرح التساؤل: هل سيتمكن الوزير الأول عباس الفاسي في إطار هذه التحديات من الحفاظ على كرسيه الوزاري إلى غاية انتهاء ولايته الحكومية سنة 2012؟
* باحثة في علم السياسة؛ كلية الحقوق مراكش


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.