القيروان: إزالة توصيلات عشوائية على الشبكة المائية في الشبيكة    بالفيديو: مطار طبرقة الدولي يستعيد حركته ويستقبل أول رحلة سياحية قادمة من بولونيا    عاجل: أمر مفاجئ من ترامب: على الجميع إخلاء طهران فورا    في 5 سنوات.. 11 مليار دولار خسائر غانا من تهريب الذهب    كأس العالم للأندية: التشكيلة الأساسية للترجي الرياضي في مواجهة فلامينغو    كأس العالم للأندية: تعادل مثير بين البوكا وبنفيكا    اسرائيل تتآكل من الداخل وانفجار مجتمعي على الابواب    عاجل : ترامب يدعو إلى الإجلاء الفوري من طهران    كاس العالم للاندية 2025: تشلسي يفوز على لوس انجلس بثنائية نظيفة    بعد تسجيل 121 حريقا في 15 يوما.. بن الشيخ يشدد على ضرورة حماية المحاصيل والغابات    ميناء جرجيس يستقبل أولى رحلات عودة التونسيين بالخارج: 504 مسافرين و292 سيارة    يهم اختصاصات اللغات والرياضيات والكيمياء والفيزياء والفنون التشكيلية والتربية الموسيقية..لجنة من سلطنة عُمان في تونس لانتداب مُدرّسين    المندوبية الجهوية للتربية بمنوبةالمجلة الالكترونية «رواق»... تحتفي بالمتوّجين في الملتقيات الجهوية    في اصدار جديد للكاتب والصحفي محمود حرشاني .. مجموعة من القصص الجديدة الموجهة للاطفال واليافعين    الكوتش وليد زليلة يكتب .. طفلي لا يهدأ... هل هو مفرط الحركة أم عبقري صغير؟    أخبار الحكومة    انطلاق الحملة الانتخابية بدائرة بنزرت الشمالية    المنتخب التونسي للكرة الطائرة يفوز وديا على المنتخب الايطالي الرديف 3 - 1    بورصة: تعليق تداول اسهم الشركة العقارية التونسية السعودية ابتداء من حصّة الإثنين    تونس تحتضن من 16 الى 18 جوان المنتدى الإقليمي لتنظيم الشراء في المجال الصحي بمشاركة خبراء وشركاء من شمال إفريقيا والمنطقة العربية    منظمات تونسية تدعو سلطات الشرق الليبي إلى إطلاق سراح الموقوفين من عناصر "قافلة صمود".. وتطالب السلطات التونسية والجزائرية بالتدخل    طقس الليلة    تونس تعزز جهودها في علاج الإدمان بأدوية داعمة لحماية الشباب واستقرار المجتمع    إسناد العلامة التونسية المميزة للجودة لإنتاج مصبر الهريسة    تجديد انتخاب ممثل تونس بالمجلس الاستشاري لاتفاقية حماية التراث الثقافي المغمور بالمياه لليونسكو    عاجل/ وزير الخارجية يتلقّى إتّصالا من نظيره المصري    "تسنيم": الدفاعات الجوية الإيرانية تدمر مقاتلة إسرائيلية من طراز "إف 35" في تبريز    اتحاد الشغل يدعو النقابيين الليبيين الى التدخل لإطلاق سراح أفراد قافلة "الصمود"    تونس تدعو إلى شراكة صحّية إفريقية قائمة على التمويل الذاتي والتصنيع المحلي    نحو إحداث مرصد وطني لإزالة الكربون الصناعي    جندوبة: اجلاء نحو 30 ألف قنطار من الحبوب منذ انطلاق موسم الحصاد    العطل الرسمية المتبقية للتونسيين في النصف الثاني من 2025    عاجل/ باكستان: المصادقة على مشروع قرار يدعم إيران ضد إسرائيل    جندوبة: الادارة الجهوية للحماية المدنية تطلق برنامج العطلة الآمنة    "مذكّرات تُسهم في التعريف بتاريخ تونس منذ سنة 1684": إصدار جديد لمجمع بيت الحكمة    الدورة الأولى من مهرجان الأصالة والإبداع بالقلال من 18 الى 20 جوان    في قضية ارتشاء وتدليس: تأجيل محاكمة الطيب راشد    القيروان: 2619 مترشحا ومترشحة يشرعون في اجتياز مناظرة "السيزيام" ب 15 مركزا    عاجل : عطلة رأس السنة الهجرية 2025 رسميًا للتونسيين (الموعد والتفاصيل)    الكاف: فتح مركزين فرعيين بساقية سيدي يوسف وقلعة سنان لتجميع صابة الحبوب    ابن أحمد السقا يتعرض لأزمة صحية مفاجئة    تأجيل محاكمة المحامية سنية الدهماني    دورة المنستير للتنس: معز الشرقي يفوز على عزيز دوقاز ويحر اللقب    خبر سارّ: تراجع حرارة الطقس مع عودة الامطار في هذا الموعد    10 سنوات سجناً لمروّجي مخدرات تورّطا في استهداف الوسط المدرسي بحلق الوادي    189 حريق خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية….    باريس سان جيرمان يقسو على أتليتيكو مدريد برباعية في كأس العالم للأندية    النادي الصفاقسي: الهيئة التسييرية تواصل المشوار .. والإدارة تعول على الجماهير    تعاون تونسي إيطالي لدعم جراحة قلب الأطفال    كأس المغرب 2023-2024: معين الشعباني يقود نهضة بركان الى الدور نصف النهائي    صفاقس : الهيئة الجديدة ل"جمعية حرفيون بلا حدود تعتزم كسب رهان الحرف، وتثمين الحرف الجديدة والمعاصرة (رئيس الجمعية)    لطيفة العرفاوي تردّ على الشائعات بشأن ملابسات وفاة شقيقها    قابس: الاعلان عن جملة من الاجراءات لحماية الأبقار من مرض الجلد العقدي المعدي    تحذير خطير: لماذا قد يكون الأرز المعاد تسخينه قاتلًا لصحتك؟    من قلب إنجلترا: نحلة تقتل مليارديرًا هنديًا وسط دهشة الحاضرين    قافلة الصمود فعل رمزي أربك الاحتلال وكشف هشاشة الأنظمة    ملف الأسبوع .. أحبُّ الناس إلى الله أنفعُهم للناس    طواف الوداع: وداعٌ مهيب للحجيج في ختام مناسك الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المشهد السياسي المغربي بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة

شهد المغرب يوم 7 شتنبر 2007 الانتخابات التشريعية الثانية في عهد العاهل محمد السادس، الذي دعا الشعب المغربي في خطابه خلال الذكرى الثامنة لتوليه الحكم يوم 30
يونيو 2007 إلى التوجه إلى صناديق الاقتراع والإدلاء بصوته حيث قال: "..على الجميع أن يجعل من انتخاب مجلس النواب المقبل، موعدا جديدا لترسيخ الممارسة الديمقراطية المألوفة، وتجسيد إرادتك الحقيقية، وإفراز أغلبية حكومية ذات مصداقية، ومعارضة فاعلة وبناءة على أساس برامج ملموسة وهادفة وليس شعارات فارغة متبدلة للإصلاح والتغيير".
وهكذا فقد جعل الملك من عملية التصويت أحد أسس المواطنة، وما تمليه من واجبات و مسؤوليات على المواطن المغربي، حيث أكد على أهمية استشعار جسامة المسؤولية في حسن اختيار الممثلين من خلال انتخابات نزيهة.
أولا- مشاركة هزيلة ونتائج غير متوقعة
جاءت نتائج الانتخابات مخالفة لكل التوقعات، بل وصادمة للطبقة السياسية، وبخاصة للأحزاب التي لم تتوقع النسبة المتدنية للمشاركين في عملية التصويت؛ التي لم تتجاوز 37 %، أي أن 5700.000 من المواطنين فقط هي التي توجهت فعليا إلى صناديق الاقتراع، لتقوم بعملية التصويت على ممثلي 33 حزبا مغربيا؛ ولا عدد المقاعد التي كانت تنوي الحصول عليها.
وبالاطلاع على نتائج الاقتراع نجد أن نسبة 19% من الأصوات لم يكن لها أي دور في عملية التصويت، لأنها كانت ملغاة إما بسبب أخطاء المصوتين الذين لم يتمكنوا بعد من فهم واستيعاب نظام التصويت، أو لعدم رغبتهم في منح صوتهم لأحد المرشحين لعدم ثقتهم في أي منهم، أو لعدم ثقتهم في نظام الانتخابات ككل.
و جاءت نتيجة الاقتراع التي أعلن عنها وزير الداخلية في صالح حزب الاستقلال، الذي حصل على 52 مقعدا، أي بنسبة 16 % من الأصوات المعبر عنها، وهو ما يعني زيادة أربع مقاعد مقارنة مع انتخابات 2002، و التي كان قد حصل فيها على 48 مقعدا.
وجاء في المرتبة الثانية حزب العدالة و التنمية ب 47 مقعدا، تليه الحركة الشعبية في المرتبة الثالثة ب 43 مقعدا، ثم في المرتبة الرابعة حزب التجمع الوطني للأحرار ب 38 مقعدا، واحتل حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المرتبة الخامسة ب 36 مقعدا، فيما وزعت باقي المقاعد على 21 حزبا و بعض اللامنتمين.
يمكن القول إن ضعف نسبة المشاركة هو السمة الأبرز لهذه الانتخابات؛ ويمكن القول أن تدني نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية ليوم 7 شتنبر وبالرغم الحملة الإعلامية الكبيرة التي قادتها الأحزاب، ودعوة العاهل المغربي إلى المشاركة، جاءت مفاجئة وبخاصة للمجتمع السياسي، حيث بلغت أدنى نسبة مقارنة مع الانتخابات السابقة، وهو الأمر الذي دفع المهتمين بالحقل السياسي إلى دق ناقوس الخطر حول مخاطر "ظاهرة العزوف السياسي" الذي يعبر عن اقتناع المواطنين بتكرار نفس النتائج ونفس السلوكات والتجارب منذ بداية الحملة الانتخابية وإلى غاية نهاية الولاية التشريعية... مما يجعلها بمثابة ردة فعل طبيعية إزاء الأداء السياسي الباهت للأحزاب.. واستمرار الإكراهات الاجتماعية المرتبطة بتراجع مستوى الدخل الفردي ومستوى العيش المرتبط بشروط السكن والتعليم والصحة إضافة إلى تنامي البطالة وتفشي الرشوة والزبونية في مختلف القطاعات الإدارية..
ناهيك عن الأداء الهزيل للأحزاب السياسية بسبب اهتمام أعضائها بالمراكز السياسية وبمصالحهم الشخصية، وبعدهم عن المواطنين ومصالحهم، مما أسهم في تعميق أزمة الثقة في صفوف المواطنين اتجاه هذه المؤسسات والشعور بعدم قدرتها على التغيير الحقيقي داخل المجتمع وتجاوز مختلف الأزمات الاقتصادية والاجتماعية و السياسية.
وإذا كانت مجمل التوقعات قد رشحت فوز حزب العدالة والتنمية ذو المرجعية الإسلامية الذي جعل من تخليق الحياة العامة ومحاربة الفساد المالي والإداري من أهم مبادئ حملته الانتخابية بأغلبية المقاعد، وبخاصة وأنه وسع من تغطية الدوائر الانتخابية، واعتمادا على أدائه؛ المرتبط باجتهاد أعضائه في الحضور إلى جلسات مجلس النواب، و طرح أسئلة تمس عمق المجتمع المغربي، واعتماده سياسة منفتحة اتجاه العنصر النسوي، و الذي وضعه على قائمة العديد من اللوائح الانتخابية، إضافة إلى رغبة بعض المواطنين في فوز هذا الحزب، ليس فقط لاقتناعهم ببرنامجه الانتخابي، و لكن أيضا لرغبتهم في اكتشاف ما يمكن أن يقدمه أعضائه، و الذين لم يسبق لهم المشاركة في أي من الحكومات السابقة.
فإن هذه التوقعات لم تكن في محلها ذلك أن الحزب احتل المرتبة الثانية ب 47 مقعدا، و هو ما أثار حفيظة أعضائه الذين اتهموا بشكل شبه صريح عددا من الفائزين باستعمال طرق غير نزيهة في الحصول على العديد من الأصوات، كاستعمال المال الحرام و خاصة بالبوادي والقرى.
ويبدو أن حزب العدالة والتنمية لم يقدر جيدا إمكانياته الداخلية، وأنصت لإدعاءات الإحصاءات الداخلية والخارجية بالفوز الأكيد، آخذة بعين الاعتبار نجاح حزب العدالة و التنمية التركي بقيادة أردوغان، مع أن القواسم المشتركة بين الحزبين تبقى ضعيفة، فحزب العدالة و التنمية التركي يعد أكثر انفتاحا و اعتدالا على اعتبار أنه يتعايش والتيارات العلمانية السائدة بتركيا، عكس العدالة و التنمية المغربي الذي و إن كان يعتبر نفسه معتدلا، إلا أن خطاباته و سلوك أعضائه تدل على أنه لا زال تقليديا محافظا وأحيانا متشددا.
أما حزب الاتحاد الاشتراكي فقد إلى المرتبة الخامسة في انتخابات 7 شتنبر 2007 ب 38 مقعدا، بعد أن كان قد احتل المرتبة الأولى في انتخابات 2002 ب 50 مقعدا، ويبدو أنه كان هو أيضا ضحية المشاركة الضعيفة التي أدت إلى نتائج في غير صالح الأحزاب، ف 12 حزبا لم يحصلوا على أي مقعد، كما أن هناك أسماء وازنة ووزراء سابقين لم يتمكنوا من الفوز في هذه الانتخابات، كنبيل بنعبدالله عن حزب التقدم والاشتراكية، الذي كان مرشحا في دائرة الصخيرات تمارة، و محمد أوجار عن التجمع الوطني للأحرار، و الذي كان مرشحا في دائرة الرباط المحيط، وعبد الكريم بن عتيق عن الحزب العمالي، و الذي كان مرشحا عن دائرة الرباط شالة، وأيضا محمد الأشعري وإدريس لشكر و نزهة الشقروني عن الاتحاد الاشتراكي.
ويبدو أن وجود أعضاء حزب الاتحاد الاشتراكي في صفوف حكومة 2002، والتي كانت تضم إلى جانبهم وزراء من أحزاب سياسية محافظة و ليبرالية تحت رئاسة وزير تقنوقراطي، ومحدودية أدائهم والذي فرضتها إكراهات اجتماعية واقتصادية و سياسية داخلية وخارجية، هو أساس تراجع التعاطف الشعبي مع هذا الحزب، و الذي كان قد اكتسبه خاصة عندما كان في صفوف المعارضة في عهد الملك الراحل الحسن الثاني؛ وهذا ما يفسر دعوة العديد من الأصوات داخل المكتب السياسي للحزب بضرورة العودة إلى المعارضة.
أسفرت انتخابات 7 شتنبر 2007 عن فوز حزب الاستقلال ب 52 مقعدا، وهو حزب محافظ، ويعد من أقدم أحزاب مغرب ما بعد الاستقلال، كما لعب دور المعارضة إلى جانب أحزاب أخرى في عهد الملك الرحل الحسن الثاني.
وحصل حزب الاستقلال على أكبر عدد من المقاعد مما أهله إلى أن يتولى قيادة الحكومة. وتجدر الإشارة إلى أن تعيين الوزير الأول في المغرب لا تحكمه معايير موضوعية وقارة، ولا يتم اختياره دائما من داخل الأغلبية الفائزة بأكبر عدد من المقاعد، فالوزير الأول السابق في حكومة 2002 إدريس جطو، لم يكن مرشحا ولا منتمي إلى أي حزب، بل تم اختياره بناء على مؤهلاته العلمية و تكوينه في مجال الاقتصاد والتسيير والتدبير.
ثانيا- حكومة هشة، وبرنامج محفوف بالتحديات
شكل تعيين عباس الفاسي مفاجأة غير متوقعة، ولم يستسغه عدد من المواطنين نظرا لما يعرف بقضية "النجاة"، عندما كان وزيرا للتشغيل حيث تم تقديم وعود بالتشغيل ووقع ما يناهز عن 30 ألف شاب عقودا من أجل توظيفهم بشركة إماراتية، ودفعوا مقابل ذلك مبالغ مالية مهمة، لكن الصفقة لم تكن إلا مجرد نصب واحتيال، وهو ما كانت له نتائج سيئة وصادمة للمرشحين الشباب الذين تبخرت أمالهم في الهجرة وتحقيق مستقبل أفضل، وهو ما أدى إلى مطالبة هؤلاء الشباب وأسرهم بفتح تحقيق في هذه القضية.
و كانت بعض التكهنات تذهب إلى إمكانية تعيين السيد علي الهمة وزيرا أولا، بعد أن استقال من منصبه كوزير منتدب في الداخلية، وترشح في الانتخابات الأخيرة كلامنتمي عن دائرة الرحامنة، ليفوز بمقعد في البرلمان، واستطاع تكوين فريق برلماني وصل عدده إلى حد الان إلى أكثر من 30 برلمانيا، و لكن التكهنات لم تكن في محلها، حيث أن علي الهمة لم يتول أي حقيبة وزارية، ولا يعرف لحد الآن إلى أين ستقود سياسته داخل البرلمان.!
و بعد تعيين عباس الفاسي وزيرا أول، بدأ الحديث عن الحكومة المرتقبة وعن الأحزاب التي من الممكن أن تشارك فيها، و التي تم تحديدها في الأحزاب التي احتلت المراكز الأولى في الانتخابات، وهي الأحزاب الأربع بعد حزب الاستقلال، أي حزب العدالة والتنمية، الحركة الشعبية، التجمع الوطني للأحرار والاتحاد الاشتراكي.
لكن التشكيل الحكومي أقصى كل من حزبي العدالة والتنمية والحركة الشعبية، وهو ما لم يستسغه أعضاؤها، حيث اتهم أحد أعضاء حزب العدالة والتنمية، المنهجية التي اعتمدها عباس الفاسي، في تشكيل الحكومة بأنها غير معقولة، خاصة و أنه لم تتم مفاتحة حزبه، وهو الحزب الذي يلي حزب الاستقلال مباشرة في عدد المقاعد عند تعيين التشكيلة الحكومية، وتوقع أن تكون الحكومة ضعيفة في أدائها، فهي لم تستغن عن الوزراء التقنوقراط، وبقيت بعض وزارات السيادة على حالها مستبعدة للوزراء الحزبيين وكأن حجم المسؤولية أكبر من قدراتهم، و هذا ما جعل حزب العدالة والتنمية يعلن التزامه بالقيام بدور المعارضة.
إلى جانب حزب العدالة والتنمية، فحزب الحركة الشعبية فوجئ بدوره بإبعاده عن صفوف الحكومة، وهو الذي كان ينوي الحصول على إحدى الحقائب المهمة نظرا لمكانته في ترتيب الفائزين في الانتخابات، لكن الحزب وجد نفسه في صفوف المعارضة، و هو ما دفعه إلى التساؤل حول أسباب استبعاده، مع أنه كان قد بعث برسالة استعطاف إلى الملك محمد السادس يشرح له فيها موقفه من الحقائب الوزارية التي عرضت عليه، ورغبته في رئاسة مجلس النواب، ولكنه لم يتلق أي جواب على ذلك، كما لم يتلق أي رد من الوزير الأول الذي تلقى بدوره مذكرة كتابية من الحركة تتضمن نفس الموضوع، وهو ما كان السبب في سريان إشاعة تفيد أن هناك غضب ملكي على الحركة لعدم قبولها للحقائب الوزارية المقترحة عليها، وبالطبع كان لهذا الأمر تأثير على أعضاء الحزب وقيادته، حيث راج الحديث عن وجود أزمة داخلية وعن محاولات لإعادة الحسابات داخل صفوف الحركة من أجل أن تقوم بدورها في صفوف المعارضة ومن أجل أن تحافظ على مكانتها بين الأحزاب الكبرى داخل المشهد السياسي المغربي.
وفي الأخير اكتفت الحكومة الجديدة بأربعة أحزاب وهي حزب الاستقلال، الاتحاد الاشتراكي، التجمع الوطني للأحرار، و التقدم و الاشتراكية.
حيث ضمت 18 وزيرا جديدا، و16 وزيرا سابقا، و7 نساء، و بلغ عدد التقنوقراط داخل هذه التشكيلة 10 وزراء، تولوا أبرز وزارات السيادة، وأكد الوزير الأول عباس الفاسي على أن الحكومة الحالية راعت التوزيع الجغرافي في تشكيلها، مع أنه يبدو واضحا أن أكبر عدد من الوزراء من ذوي الأصول "الفاسية".
بعد الإعلان عن التعيين الرسمي للحكومة قدم الوزير الأول عباس الفاسي، البرنامج الحكومي أمام أعضاء مجلس النواب، وهو البرنامج الذي استمر إلقاؤه ساعة ونصف، استعرض خلالها المشاريع المستقبلية لحكومته، وقد أكد على أن برنامجه يتوافق والمشاريع التي يديرها الملك محمد السادس.
وحاول عباس الفاسي في تصريحه الحكومي أن يلامس مختلف القضايا التي تهدف إلى تحقيق تنمية البلاد سواء منها الاقتصادية والاجتماعية وأيضا السياسية في إطار الوحدة الوطنية، حيث ركز على المعضلة الكبيرة في صفوف الشباب، ووعد بأن يوفر نسبة كبيرة من فرص الشغل وصلت إلى حد 250 ألف منصب شغل سنويا، و تحسين مستوى الدخل و مستوى القدرة الشرائية للمواطنين، وتخليق الحياة العامة، و محاربة الرشوة و الفساد، وإنعاش السكن من خلال الرفع من وثيرة السكن الاجتماعي والعمل على المعالجة النهائية لمشكل السكن والتوسع العمراني بالأقاليم الجنوبية للمملكة؛ كما أكد أن الحكومة ستعمل على تقليص الفقر والإقصاء الاجتماعي والتهميش الذي يطال فئة من المواطنين كالأشخاص المعاقين الذين سيتم إدماجهم في مجال الشغل، كما سيتم الاهتمام بالمطلقات وأطفالهن وذلك من خلال تفعيل صندوق التكافل الأسري.
وفي المجال السياسي أشار عباس الفاسي إلى أن الحكومة ستعمل على ترسيخ قواعد الديمقراطية، و سياسة اللاتمركز الإداري في تدبير الشأن المحلي، و تقريب الإدارة من المواطنين.
وأكد أيضا على أن هناك أولويات حكومية في المجال الاقتصادي، تتمثل في تعبئة الموارد المائية والاهتمام بإيصالها للمناطق ذات الخصاص، والقيام بالتجهيز الكهربائي من أجل الدفع بنسبة الاستهلاك الوطني، وتعزيز الموقع الاستراتيجي للمغرب لكي يصبح قاعدة للاستثمارات الأجنبية، وجلب رؤوس الأموال الخارجية، مما سيمكن من الرفع من نسبة التصدير و تحسين عجز التجارة الخارجية.
و في مجال الصيد البحري والصناعة التقليدية؛ أشار الوزير الأول إلى أن الحكومة تأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات الوطنية، وحدة التنافسية الخارجية، لذلك فهي تهدف إلى هيكلة سلسلة الصيد البحري والاستغلال العقلاني المستديم للثروات، كما ستقوم بتطويرها مقاربة جهوية شمولية للرقي بجودة منتوج الصناعة التقليدية والاهتمام بالصناع التقليديون خاصة على مستوى الإنتاج و التسويق.
وفي المجال الفلاحي وعد الوزير الأول بأن الحكومة ستنكب على الاهتمام ببلورة إستراتيجية وطنية فلاحية جديدة تأخذ بعين الاعتبار إكراهات التقلبات المناخية والجفاف البنيوي و الندرة المطردة للموارد المائية، كما تضمن التصريح الحكومي إشارات أخرى همت قطاع الرياضة و الصحافة و التمدرس و مجال التجهيز الطرقي.
وبالنظر إلى البرنامج الحكومي، نلاحظ أنه وعلى خلاف البرنامج الحكومي للوزير السابق إدريس جطو، لا يتضمن أي أرقام مدققة، و ليست هناك آجال محددة لتحقيق الإنجازات الضخمة التي وعد بها والتي يبدو أنها لم تراع الإمكانات الواقعية للدولة، والتي ستجد أمامها العديد من التحديات سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، و من أبرزها استمرار حالة الجفاف، والارتفاع المستمر لأسعار البترول والذي يؤثر سلبا على العديد من القطاعات الداخلية وعلى ميزانية الدولة، إضافة إلى التزايد المستمر لأعداد المعطلين سنويا ولاستمرار نزيف هجرة الفعاليات الوطنية الشبابية، وتفشي الرشوة و الفساد، وأيضا تنامي نسبة العزوف السياسي، وهنا يطرح التساؤل: هل سيتمكن الوزير الأول عباس الفاسي في إطار هذه التحديات من الحفاظ على كرسيه الوزاري إلى غاية انتهاء ولايته الحكومية سنة 2012؟
* باحثة في علم السياسة؛ كلية الحقوق مراكش


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.