«النص تميمة »كما يقول رولان بارط، ففي صباح غامض «تفتّحت تلك الوردة في غبارها القديم» (1٭) ليلتها، ونحن نمسح القذى من عيوننا، لم نصدّق لسعة البرق ولم نصدّق أحدًا. خشينا أن تُحبس أنفاسٌنا أعوامًا ونحن نصرخ في النزع الاخير: أقدامنا أدماها الحصى والجبل قرب أصابعنا! وقبل أن نغمض عيوننا مرّ جنرالات الموت على آلاف الجثث القديمة المتفحّمة من أثر البنزين والكبريت، لقد مرّوا عليها مثلما يمرّون على أوراق النّعناع. كان الموت يسعل لإخافتنا بشاربيْه الطويليْن.. ثم لا شيء آخرَ: الوردة تصفّق فيها أعشاش الرّيح ويداها الحمراوان تصطكّان مثل أسنان البرق. الوردة تعثر على شعرها الأسود لأوّل مرّة وفرسان الموت يمرّون في خُيلاء! في النّصّ، في حركته الدّاخلية الممضّة العاتية، الحصى يتساقط من كلّ الجهات، في الطرقات وفوق الأشجار، والأغصان تتمزّق بفعل الحصى وفي خضمّ ذلك تتلوّى أصابع الشعراء مثل ثعابين جميلة وتتشابك مثل قوس قزح مقطوع. في «حركة نصّ» دومًا ثمّة بنادقٌ قَنْص وكلابً مدرّبة على الرّوائح وجنود ببدلاتهم الكاكيّة حيث تقف عصا الكتابة مثل أفعى في يوم قائظ! في الغابة، لا شيء يفيد أنّ للنيران بطنا كبيرةً، وأنّ لحاء الشجر يفيد اللّون الأزرق. نحن إذن، ضيوف الغابة، عشاءاتنا من لبن الماعز وأغطيتنا من وبَر النُّوق وهتافات النسيان وقهقهات البرق في ضلوعنا نحن، أبناءالنّص / الكلب، تؤلمنا المسافة القصيرة جدًّا بين الشعر وسيرة الأمكنة. تؤلمنا القمصان الرثّة للآخرين ليلاً نهارًا، حيث يكون النبيذ أقرب إلى أرواحنا من صلاة، لأنّ النبيذ فعل الصّلاة! يؤلمنا وهْم الشيوخ والحرّاس وكهنة المعابد في الحكمة، يؤلمنا صراخ الأطفال حول ثريد أعراس الشعر الخاوية على موائد اللّئام! لسنا أيتامًا، ولا شيء يُخيفنا: لا البيت ولا الطريق! نحن الطريق مشاؤٌون باستمرار مثل أخينا «آرثر رمبو» لذلك أحذيتنا مثقوبة دومًا وسراويلنا ممزّقة. نعرف أهازيج البدْو والرّعاة وحداء الإبل، نعرف الأغنيات السّكرى والتلال والينابيع والقلال على ظهور العذارى! نحبّ نبيذ النصّ سلال الذّهب مثل اصداف لامعة والنجوم تمائم أرواحنا نجعلها صلبانًا لكم فوق صدوركم مثل معلّقة شُكْرٍ! عندما ينزّ العرق من بين أصابعنا نسبّ جلالة العالم بصوت مرتفع مادّين للمارّة ألسنتنا الحمراء ثم نبصق على الرّمل مُنزلين سراويلنا شماتةً في الرّيح لأنّّها تخجل من عوراتنا! نحن لا نبدأ إلاّ من البحر! من البحر أوّلاً أيها الرّفاق يا توائم النجوم والأيائل! ندخّن سجائرنا التي هي بطعم الصنوبر بشراهة ونتقن الكلمات القذرة. تعوّدنا أن نقرأ الشعر في البراري والحقول لكن خلافًا لأولئك الذين يقرؤون اللّيل من الخارج هاهي الآلة التي نكشط بها الحجارة! ٭ لابدّ لنا من منازل لها جدران عالية. ٭ لابدّ لنا من أسوار شائكة تحيط بمنازلنا. ٭ لابدّ لنا من حدائق. ٭ لابدّ لنا من غرف للنوم في منازلنا. ٭ لابدّ لغرف النّوم من سماوات بيضٍ وألسنة شمعدانات ولهب خيزران. ٭ لابدّ لنا من غرف أخرى لمعرفة اللّه وطنين ذباب الأرض. ٭ وأكثر من ذلك أيضا، لابدّ لنا من غُرفٍ للسّعال. ٭ لابدّلنا من شرفات لنبصق منها على العالم! (...) في «حركة نصّ» القصيدة مسمار تُعلّقون عليه معاطفكم لذلك، لا وقت لنا لإلقاء اللّوم على أوّل القرن! النصّ غابة ونحن فؤوسها. لابدّ من العودة إلى الشعر حيث الفكرة أمضى من السّيف والمعنى أبلغ من جميع استراتيجيات القراءة. عندما يصفّق الشعر بداخلنا تَصْطَفق ريح وراء الأبواب منادية شجر الغابات. لذلك تروننا محتفلين دومًا بالمطر والبرق. فنحن غجر النصّ! ------------------------------------ (1٭) حسب الشيخ جعفر. ٭هذا النصّ بيان شعريّ من بيانات «حركة تصّ»الشعرية التونسية التي تأسست في جويلية 2011 وتضمّ الشعراء:أمامة الزّاير،زياد عبد القادر، شفيق طارقي، نزار الحميدي،صلاح بن عياد، خالد الهداجي وعبد الفتاح بت حمودة.