تحول الى شخصية خلافية خصوصا في السنة المنقضية وتحديدا منذ قبوله المشاركة في حكومة الباجي قائد السبسي،صمت حسب البعض حين كان لا بد له أن يتحدث،فإذا بالوزير داخله يتغلب على النقابي والحقوقي،وإذا بمواقفه المتخذة آنذاك وهو على كرسي الوزارة لا تدل إطلاقا على حجم المضايقات والضغوطات التي تعرض لها في سنوات الجمر، ومع ذلك فالرجل رصين بطبعه الى حد الهدوء،حين تجالسه تشعر وكأنك أمام مثقف عضوي يتكلم بسلاسة ويحفر جيدا في عمق المفاهيم والمصطلحات والأشياء، ربما عجز طيلة الفترة التي تقلد خلالها مقاليد الأمور في وزارة التربية من أن يكون كما هو في وضعه الذي اعتاده، وضع المعارض للنظام والمدافع عن الحقوق والحريات ، كانت له بصمة واضحة في مرحلة معينة من تاريخ الاتحاد العام التونسي للشغل،التقيته بمناسبة إحياء ذكرى تأسيس الاتحاد بسوسة ولم تمنعني الحفاوة البالغة التي استقبل بها وتدافع الإطارات النقابية للتحدث إليه من التقاط جملة من الإجابات المهمة التي جاءت على لسانه. انه المناضل النقابي والحقوقي والوزير السابق السيد الطيب البكوش أو الأخ الأمين العام للمنظمة الشغيلة أيام الجمر الذي تحدث بهذه المناسبة كما لم يتحدث من قبل،ونبش في حاضر الاتحاد وماضيه ومستقبله،وأبدى موقفه علنا من التعددية النقابية،ومؤتمر طبرقة الذي افرز قيادة نقابية مناضلة،وتسييس العمل النقابي،والاتفاقيات التي أبرمتها وزارة التربية في عهده مع الاتحاد وعديد المحاور المهمة الأخرى التي أسهب الأخ الطيب البكوش في سردها وشرحها وتفكيكها وهذا أهم ما جاء على لسانه في ذكرى تأسيس اتحادنا العظيم. في بداية حديثه أبدى الأخ الطيب البكوش سعادته بتواجده ضيفا على الاتحاد الجهوي للشغل بسوسة للمشاركة في إحياء ذكرى تأسيس الاتحاد العام التونسي للشغل في ظرف زمني خاص يتميز بحدثين مهمين على الأقل،الأول ربطه المتحدث بمؤتمر طبرقة،والثاني بالتعددية النقابية التي أصبحت اليوم حقيقة ماثلة على ارض الواقع وان باحتراز. الأخ الطيب البكوش لم يفوت الفرصة على نفسه للحديث بهذه المناسبة بإكبار شديد عن المنظمة الشغيلة التي احتضنته مناضلا نقابيا وحقوقيا فقال أن الاتحاد عبر تاريخه الطويل الزاخر بالنضالات قد عرف هزات نسبية بسبب الانقسامات هي التي أضعفته في فترات تاريخية معينة،وأبدى سروره البالغ بعد تصحيح الاتحاد لبعض أخطائه واعترافه يذلك علنا أمام قواعده معتبرا أن هذا لا يحدث إلا في المنظمات العتيدة التي تنقد ذاتها بذاتها وتعرف كيف تستفيد من أخطائها وتجعل منها خارطة طريق لرسم سياسات تقطع مع السابق وتنشد نجاحات جديدة وفق مقتضيات المرحلة وخصوصيتها. وأكد الطيب البكوش على أن اخطر ما يمكن أن يهدد الاتحاد هو المنطق الاقصائي الذي لن يفرز في كل الحالات إلا منطقا انشقاقيا وقال لا نخال أن هذا سيحدث اليوم في الاتحاد الذي يحتاج اليوم أكثر مما مضى الى وحدة قوية وتفكير معمق. وفي قراءة تاريخية برقية لتأسيس اتحادنا العتيد،ربط الطيب البكوش عملية التأسيس تلك بجامعة عموم العملة سنة 1924 مع محمد علي الحامي والطاهر الحداد وآخرون.وقال ان هذا الربط هو أكثر من ضروري لان الاتحاد حين تأسس لم يقطع مع هذه التجربة وإنما جددها وحافظ علي شعاراتها والياتها. وأضاف بان تجربة عموم العملة رغم أنها كانت قصيرة على المستوى الزمني إلا ان تأثيرها كان كبيرا ومهما لعدة اعتبارات أهمها رفع جامعة عموم العملة لشعارات وطنية ومناداتها بوضوح بالتحرر الوطني وهذا ما طالب به أيضا الاتحاد العام التونسي للشغل الذي يمكن عده تبعا لذلك الوليد الشرعي لأول جامعة لعموم العملة التونسيين. وعن الأسباب التي منعت تواصل تجربة جامعة عموم العملة فقد أعادها الطيب البكوش الى الظروف التي لم تكن مناسبة ولما لقيته من صد ومقاومة من قبل الاستعمار وكذلك من الحزب الدستوري القديم الذي كان يعتقد ان العمل السياسي هو عمل من خصائص الأحزاب ولا يجب ان يمت بصلة للمنظمات النقابية. وهذه معضلة قال الطيب البكوش ان الاتحاد العام التونسي عانى منها كثيرا انطلاقا من تدخل السلط السياسية نفسها بعد تأسيس الاتحاد في تركيبته على مستوى القيادة الوطنية أي تركيبة المكتب التنفيذي الوطني. وابرز ان هذا التدخل تواصل ولم يتوقف إلا في المؤتمر الرابع عشر للاتحاد العام التونسي للشغل حيث أصبحت السلطة عاجزة عن التدخل سواء من خلال الترشح أو سحب الترشحات وأعاد الطيب البكوش فشل السلطة في ذلك الى استقلالية المنظمة ،استقلالية قال الطيب البكوش انه تم انتزاعها انتزاعا وذلك بفضل تجدد كوادر الاتحاد وبروز جيل جديد من النقابيين كان همه الشاغل استقلالية الاتحاد عن الحزب الحاكم والسلطة السياسية . ومن اجل تأكيد هذا المنحى فيما يتعلق باستقلالية الاتحاد تحدث الطيب البكوش عن أول اجتماع لحكومة ما بعد الثورة في تونس بتاريخ 20 جانفي والذي اتخذ على إثره قرار فك الارتباط نهائيا بين الحزب والدولة وإنهاء مهمة الشعب المهنية في المؤسسات جميعا الاقتصادية والتربوية والتجارية فتم بذلك لأول مرة إلغاء التماهي الذي كان يميز علاقة الدولة بالحزب الحاكم. هذه الاستقلالية التي فرضها الاتحاد وقواعده وكوادره هي التي أدت حسب الطيب البكوش الى تصدع العلاقة مع السلطة،واعتبر انه ليس من قبيل الصدف ان يضرب الاتحاد في 26 جانفي 1978 لان الاتحاد في مؤتمره الرابع عشر بدأ يدرس عمليا واقع الطبقة الشغيلة ويجهز جملة من الدراسات تم على إثرها ومن خلالها إصدار كتاب للغرض بعنوان « في سبيل تنمية اشمل وتوزيع أعقل « وابرز كيف ان الحكومة آنذاك رأت في هذه الخطوات خطرا حقيقيا يحدق بها ومحاولة جدية من الاتحاد لفرض مكاسب عمالية مستحقة بناء على استحقاقات ومطالب مشروعة لا مجال للتشكيك فيها. الطيب البكوش عاد ليؤكد ويبرز طبيعة الظرف الحالي الذي يحيي فيه الاتحاد ذكرى تأسيسه وليقول ان أهم ما يميز الظرف الحالي هو الثورة التونسية المجيدة التي مازالت لم تحقق بعد كل أهدافها وأنها تحتاج الى مساهمة الاتحاد العام التونسي للشغل للدفع نحو تحقيق هذه الأحداث وذلك عبر التعاطي كما يجب مع الأوضاع الجديدة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وطالب على المستوى السياسي بان لا يكون الاتحاد طرفا سياسيا أو ان تكون له ممارسات سياسوية كما لو كان حزبا سياسيا أو حزبا عماليا وقال انه مع الاتحاد العام التونسي للشغل الذي يرفض المشاركة في السلطة مع ترك الحرية الكاملة للنقابيين للمشاركة في الحراك السياسي. على مستوى آخر نادى الطيب البكوش بموقف نقدي للاتحاد من السياسات الاجتماعية والاقتصادية وكذلك من الاختيارات السياسية للنظام وأكد على أهمية الاتحاد كسلطة اجتماعية ومعنوية مضادة لا يقتصر دررها فقط على الاجتماعي والسياسي وإنما على ما هو أهم وهو واجب الاتحاد في دعم الحريات العامة وحقوق الإنسان معتبرا في هذا الإطار ان الحقوق النقابية جزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان. وأسهب الطيب البكوش في الحديث عن محور التعددية النقابية فتناولها بتهكم صريح وقال في هذا المجال لقد عرفنا التعددية سابقا بصفتها تعددية مفروضة فرضا وبإيعاز من النظام خصوصا على مستوى الأحزاب السياسية المعارضة ، اليوم نقف أيضا أمام مشهد نقابي مبني على تعددية غير مفهومة لا تفيد العمال وتضعف الحركة النقابية أكثر مما تقويها وقال ان من يده ملطخة بالتجاوزات لا يمكنه ان يكون رمزا من رموز هذه التعددية مجددا في هذه المسألة دعمه الكلي للاتحاد العام التونسي للشغل. وفي الأخير وحول سؤال طرحناه على الطيب البكوش حول اللغو الكثير الذي قيل عن الاتفاقيات التي أبرمتها وزارة التربية في عهده مع الاتحاد العام التونسي للشغل وتصريح الوزير حسين الديماسي الذي احدث ضجة وترك تململا عند رجال التعليم، ابتسم الطيب البكوش قائلا اتفاقياتنا كانت مدروسة وبالتشاور والتنسيق مع وزارة المالية وكل ما يقال عكس ذلك فهو هراء وكلام فارغ.