رغم أنّ الحكومة المؤقتة لم يمرّ على بداية عملها أكثر من شهر، فإنّ تفاقم الوضع الاجتماعي والاقتصادي بالبلاد وتدهور الأوضاع الأمنيّة نتيجة حالة الانفلات الأمني قد استدعت التنادي لعقد جلسة عامة استثنائية لأعضاء الوطني التأسيسي لتدارس الأوضاع الجهات والتشاور من أجل وقف النزيف الاقتصادي الذي أصبح ينذر بعواقب قد تتهدّد مجمل المنجز الثوري الذي حققته تونس بعد 14 جانفي 2011. ? خسائر ب 2500 مليون دينار الكلمة التي تقدّم بها السيد رئيس الوزراء حمادي الجبالي أمام المجلس التأسيسي تضمّنت رسائل مهمّة حرص من خلالها على ظمأنة الشعب التونسي بعمل الحكومة على الوفاء بتعهداتها التي توافقت عليها القوى السياسيّة والمدنيّة بأن تكون مدّة صياغة الدستور وانجاز المهام المستعجلة لا تتجاوز السنة، وإن تعدته فلمدّة قصيرة. وبنبرة قلقة عبّر عن وعي الحكومة بحجم التحدّيات التي تنتظرها جرّاء التركة الثقيلة التي ورثتها عن النظام السابق على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والأمني، مُثنيًآ على مجهودات حكومة السيد الباجي قائد السبسي التي حاولت التقليص من حجم الأضرار. أمّا فيما يخصّ الحراك الاجتماعي الأخير الذي أعقب الانتخابات والذي اتسم بارتفاع حدّة المطلبيّة وانتشار الاضرابات والاعتصامات التي وصلت درجة الانفلات الأمني في مجمل جهات الجمهوريّة فاعتبر السيد رئيس الوزراء أنّها جاءت نتيجة نفاذ صبر المواطن التونسي خاصة من الفئات الضعيفة والمحدودة الدخل والمناطق الداخلية المحرومة وهو لا يحمل مسؤوليتها لأحد أو جهة بعينها، رغم تحذيره من استغلال هذه الحاجيات الاجتماعية الحقيقية لأغراض سياسيّة، مؤكدا أنّ الخاسر الوحيد من هذا الانفلات والتراجع الاقتصادي هي البلاد والوطن ولن تكون الأغلبيّة أو حزب النهضة. وفي هذا السياق كشف السيد الجبالي عن جملة من الأرقام حيث أكّد أنّ نسبة النمو تدنّت إلى ما دون 1،8٪ وبأنّ خسائر الدولة جرّاء الانفلات الأمني والاعتصامات العشوائية بلغت إلى موفى سنة 2011 2500 مليون دينار، 1200 مليون دينار منها فقط خسرها قطاع المناجم نتيجة التوقف المتكرّر للانتاج. ? 260 مشروعا في الأفق كما أعلن السيد حمادي الجبالي في كلمته أنّ الحكومة قد برمجت 260 مشروعا، ستوفّر في صورة ما أُتيحت لها فرص الانجاز 28 ألف موطن شغل، وأكّد أنّ المشاريع ستتركز حول البنية التحتية ومجالات التعليم والصحة الى جانب بعث عديد المشاريع الفلاحيّة والحضائر وتطوير قطاع السياحة الذي تراجعت مساهمته في الاقتصاد الوطني نتيجة الانفلات الأمني. وقد اعتبر السيد رئيس الوزراء أنّ انجاز هذه المهمّات الوطنية المسعجلة رهين بتعاضد كل جهود المجموعة الوطنيّة من أحزاب وقوى مجتمع مدني وفعاليات شعبية في اطار تشاركيّة سياسيّة لا تقصي أحدًا مؤكدا أنّ الحكومة لا تفرّق بين الأحزاب مهما كانت مرجعياتها، وهي تعبّر عن ابتهاجها للحركة السياسية التي تشهدها ومواقفها المشرفة من الاعتصامات الفوضويّة والاعتداءات المتكرّرة سواء منها الماديّة أو المعنوية وآثرها ما وقع على الفايسبوك. ? تعهّد بتطبيق القانون وفي علاقة بحالة الانفلات الأمني الذي تشهده البلاد أشار رئيس الوزراء إلى أنّ الحكومة تتفهّم حالة الحريّات التي جعلت عديد المحرومين من العائلات المعوزة والعاطلين يطالبون بحقوقهم، لكن ما لا تستطيع قبوله بعض الجرائم المنظمة التي يقف وراءها أُناس يريدون استهداف البلاد وادخالها في أزمة. وذكر بأنّ الحكومة دخلت في مفاوضات مع المعتصمين بما فيهم غير الشرعيين، وأرسلت وفُودًا للجهات للاستماع إلى مطالب المعتصمين وتمكّنت من حلّ عديد المشكلات، ليعلن أنّّه حان الوقت لتطبيق القانون فلا ديمقراطيّة لا يحميها القانون. كما ختم السيد رئيس الوزراء كلمته بالتأكيد على حرص حكومته على فتح ملفات الفساد خاصة أنّ الضحايا يبحثون عن أعمال تاجرة وفعليّة، بالاضافة للعمل على جلب الأموال المهرّية رغم التعقيدات التي تحفّ بها سواء في الداخل أو الخارج. ووعد الشعب التونسي والسادة أعضاء المجلس الوطني التأسيسي بأنّ الحكومة ستظلّ وفيّة لشعارات الثورة لبناء صرح ديمقراطيّا الناشئة التي ترسي دولة القانون، دولة لكلّ التونسيين مهما كانت اختلافاتهم، تقوم على الاستثمار في الديمقراطية والشفافيّة والحريّات. ? ردود النوّاب: تدخلات مقتضبة وفتَاوٍ وانسحابات على غير ما كان منتظرًا أن تشهده الجلسة العامة الاستثنائية من جدل حول الأوضاع العامة التي تمرّ بها البلاد، كان الوقت المحدّد كمداخلات أعضاء المجلس التأسيسي والكتل كالسيف المسلّط على رقابهم كما جاء في تعليقات أغلب المتدخلين حيث اختار رئيس المجلس السيد مصطفى بن جعفر أن يخصّص دقيقتين لكل عضو، والسماح لرؤساء الكتل النيابيّة بسبع دقائق على الأكثر. هذار التقدير ولئن أبدى حرصًا على عدم اطالة وتمطيط الخلسة فإنّه حرم المتدخلين من، التعمق في شرح الوضع العام ومجادلة الحكومة في السّبل الكفيلة بتجاوزه. ? العودة إلى الواقعيّة مداخلة السيد أحمد ابراهيم النائب عن القطب الحداثي تضمّنت اشارات سياسيّة غير خافية عن عودة الحكومة الى الواقعيّة بعد ان اصطدمت بحجم تعقيدات الواقع الاقتصادي والاجتماعي ممّا جعلها تبتعد عن تهجاتها الانتصاريّة ومنطق الأغلبيّة ضدّ الاقليّة متسائلاً: هل تقدر الحكومة لوحدها على مواجهة المشكلات؟ وذكر بأنّ حزبه قد اقترح قبل الانتخابات أنّ هذا الوضع لا يمكن مواجهة إلاّ بحكومة كفاءات وليست حكومة ولاءات وترضيات كما هو الحال مع حكومة السيد الجبالي. وختم مداخلته بالتنويه إلى أنّه لمس في خطاب السيد رئيس الوزراء نوايا طيّبة، وبأنّ البلاد في حاجة إلى احداث مناخ من الثقة والاستعداد للتضحية. ? بلغ السيل الزبى هذه رسالة محمد الحامدي النائب عن العريضة الشعبية التي أراد ابلاغها الى رئيس الوزراء من جهة سيدي بوزيد مؤكدا على تقصير الحكومة في الاستماع إلى مشاغل سكان الجهات الداخليّة وخاصّة المحرومة منها. ? استغراب استغرب السيد فيصل الجدلاوي كيف يتحدّث رئيس الوزراء عن انفلات أمني أدّى إلى تعطيل الاستثمار والتنمية أسبابه اعتصامات غير شرعيّة ولا يسمح بتدخّل حكومته لفضّها؟ وحمّل مسؤوليّة ما يحدث الى تردّد الحكومة وعدم تحمّلها مسؤولياتها. ? لنسمِّ الأشياء بأسمائها كلمة السيد نجيب الشابي رئيس كتلة الحزب الديمقراطي التقدّمي أكّدت على أنّه لا يمكن تحميل الحكومة التي لم يمرّ على تشكيلها شهر واحد المسؤوليّة عن الأوضاع، لكنّه أكّد أنّ وصول البلاد إلى هذه الوضعيّة الحرجة يعود إلى اضاعة الائتلاف الحكومي 3 أشهر في بعد الانتخابات في التشاور لتوزيع المسؤوليات وتقاسم المقاعد الوزاريّة، مُستغربًا حديث رئيس الحكومة عن نيّتها اعداد مشاريع في الشهرين القادمين وهو ما يؤكد غياب رؤية تنمويّة جديدة في برامجها واكتفائها بالمشاريع القديمة التي لو كان تنفع لما حدثت الثورة وتمّ انتخاب هذه الحكومة. وطالب من رئيس الوزراء تسمية الأطراف التي تقف وراء الاحتجاجات لتحميلها مسؤوليتها وعدم الاكتفاء بإلقاء التهم على المعارضة، وهو ما يساهم بحسب رأيه في توتير الأوضاع وزيادة التوتّر ودعاها إلى النظر في الأسباب الحقيقيّة وخاصّة الأوضاع المتردية في المناطق المحرومة التي يعاني مواطنوها شعورًا حادًا بالاقصاء والتّهميش. كما لم يخف السيد الشابي امتعاضه من الوقف الوجيز الذي خصّص للنقاش بالرّغم من انتظار النواب لأسابيع لانعقاد هذه الجلسة الاستثنائية وهو ما دفعه إلى الانسحاب من الجلسة بعد رفض رئيس المجلس السماح له بمواصلة مداخلته. ? قضايا متفرّقة عديد القضايا كانت محور تدخلات السادة أعضاء المجلس الوطني التأسيسي مثل الوضع في الجهات والواقع الاقتصادي والاجتماعي وخاصّة حالة الانفلات الأمني وتكرّر حالات العنف ضدّ السياسيين والصحافيين التي أقدمت مجموعات محسوبة على حركة النهضة وطالبوا بوقف هذا التعدّي على الحريّات الشخصية والعامة لضمان حريّة التعبير عن الرأي. ? نوّاب الترويكا يدافعون باستثناء بعض المداخلات التي تعرّضت إلى أداء الحكومة بالنقد وطرحت عديد التساؤلات، كانت مداخلات نوّاب الترويكا في مجملها مدافعة عن الحكومة ومؤكدة على ضرورة عدم تحميلها نتيجة ما يحدث في الجهات من حراك اجتماعي احتجاجي نظرا لأنّها ورثت تركة ثقيلة عن النظام البائد. ولم تخل بعض المداخلات من وجود اشارات تحمل المعارضة أو بعض أحزابها المسؤولية عن توتير الأوضاع بقصد افشال الحكومة. كما دعا أغلب المتدخلين إلى ضرورة تطبيق القانون ومنع الاعتصامات والاضرابات الفوضويّة التي أصبحت تشكّل خطرًا حقيقيّا على الثّورة واستقرار البلاد. ? شورو يُفتي والحامدي يردّ النائب عن حركة النهضة السيد الصادق شورو أثار من خلال تدخله موجة من ردود الفعل تجاوزت أروقة المجلس الوطني التأسيسي لتصل المنتديات السياسية والفضاء الاجتماعي، حيث استشهد في تدخله بآية قرآنية تتحدّث عن حكم الراية ولخروجة عن السلطان، وجراؤهم القتل أو الصلب أو تقطيع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو النفي. واعتبروا تدخله دعوة صريحة إلى سفك دم التونسيين من المحتجين والمعتصمين وتوظيف للنصّ القرآني في شأن اجتماعي سياسي خلافي. وهو ما استدعى خلال الجلسة الثانية بيوم الثلاثاء ردّ النائب عن الحزب الديمقراطي التقدمي محمّد الحامدي الذي رفض توظيف النص القرآني في غير سيارقه وبشكل سيء تفهم على أنّه دعوة إلى التباغض بين الشعب وقال: «لا أرى فيمن يعتصمون رغم بعض التجاوزات التي قد تقع ممّن يحاربون اللّه ورسوله، ولا ممّن يحاريون الثورة، ولا ممّن يجدر أن يقتلوا أو يصلبوا أو ينفوا من الأرض أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف». واعتبر هذه الكلمة بمثابة الدعوة لتقويض مؤسسات الدولة. لأنّ كلّ عنف خارج مؤسسات الدولة يعدّ عُنفا غير شرعيّ. ? إدانة العنف ودعوة إلى التشاور على غرار اليوم الأوّل للجلسة الاستثنائية للمجلس الوطني التأسيسي شهد اليوم الثاني عدّة تدخلات من قِبَلِ السادة النوّاب تناولت عديد المشاغل التي تهمّ الرأي العام، حيث أكّد عديد النوّاب على ضرورة عمل الحكومة على تقديم حلول ناجعة ومليّة للمشاكل العويصة التي يعاني منها المواطنين والتي مثّلت السبب الرئيسي في ارتفاع الاضرابات والاعتصامات وعدم الاكتفاء بالإدانة. كما تناولوا حالات العنف المتكرّرة التي يتعرّض لها الصحافيون أثناء عملهم حيث دعت لبنى الجريبي النائبة عن التكتّل الى ضرورة حماية الصحافيين أثناء أدائهم عملهم ومراجعة المرسوم 116 المتعلّق بحرية الاتصال السمعي البصري، واقترحت الدعوة الى استشارة وطنيّة لتشخيص وضع المنظومة الاعلاميّة. الاتحاد العام التونسي للشغل كان حاضرا من خلال بعض المداخلات التي دعت الحكومة إلى تشريكه في الحوار الوطني لدفع قاطرة التنمية وتجاوز عديد الاشكاليات الشغلية التي تؤدي الى كثرة الاعتصامات. وفي ذات السياق الحواري اقترح النائب صلاح الدين الزحّاف على الحكومة مزيد الانفتاح على أصحاب المجمعات الصّناعيّة لدفع الاستثمارات التي تساهم بدورها في مضاعفة نسب التشغيل. أمّا النائب عن حركة الشعب مراد العمدوني فاستغرب غياب القرارات في كلمة رئيس الحكومة داعيا الى ايلاء العمل المشترك بين الحكومة والمعارضة وتغليب مصلحة البلاد. وأكّد أنّ الفشل مرفوض من قبل الحكومة. ? د. الجبالي يردّ بالأرقام: هذا هو الرقم الذي صرّح به رئيس الوزراء في معرض ردوده على أسئلة واستفسارات أعضاء المجلس الوطني التأسيسي، ولم ينف علم الحكومة بالأطراف التي تقف وراء الاعتصامات المتواصلة والتي تُزايد على الاتحاد العام التونسي للشغل كما أكّد على وجود أطراف تعمل بجدّ على إعادة هيكلة ميليشيا التجمّع المنحلّ. أمّا في علاقة بارتفاع الأسعار وتدهور المقدرة الشرائية للمواطن فأبرز ان الحكومة عاكفة على معالجة هذه الأزمة من خلال التصدّي للاحتكار الذي يساهم في ارتفاع الأسعار ولعمليّات التهريب المنظم التي تستنزف خزينة الدولة خاصّة أنّها طالت المواد الأساسيّة. كما أكّد عزم الحكومة على مواصلة العمل من أجل استرجاع الأموال المهرّبة رغم التعقيدات التي تحفّ بالعمليّة. وأشار إلى أنّ الحكومة عازمة على مواصلة التشاور والانفتاح على كل فعاليات المجتمع لضمان ايجاد حلّ للمشاكل الاقتصادية والاجتماعيّة والتخفيض من نسب البطالة ودفع عجلة التنمية.