... من الملفات الساخنة والتي ظلّت محل حديث الخاص والعام ملف اصلاح أنظمة الضمان الاجتماعي وبما أنّ الاتحاد العام التونسي للشغل كان قدّم وعلى امتداد هذه السنوات العديد من التصورات لانقاذ هذه الأنظمة من الافلاس، كان لابدّ من وضع المسألة في اطارها الزماني خاصّة أمام سريان اشاعة أنّ هذه الأنظمة لم تعد قادرة على الايفاء بتعهداتها ولتوضيح الملف أكثر كان هذا الحديث الخاص مع الأخ عبد الكريم جراد الأمين العام المساعد المكلف بالتغطية الاجتماعية والصحة والسلامة المهنية. _ من أين يمكن أن نبدأ هذا الحوار؟ طبعا من ملف الساعة وهو الصناديق الاجتماعية. _ قيل الكثير عن عجز الصناديق الاجتماعية كيف لك أن تضع هذا الملف في اطاره؟ ... ملف الصناديق الاجتماعية ملف مزمن نتيجة سياسات واختيارات اجتماعية سابقة والمشكل الرئيسي الذي أدّى إلى عجز في هذه الصناديق هو اقتصار التمويل على الانخراطات فقط أي انخراطات الاجراء والمؤجرين والقطاعين العام والخاص على عكس جلّ الصناديق الاجتماعية في دول العالم التي تتكفّل الدولة بجزء من تمويلها وهو خلل هيكلي هذا على مستوى الموارد المالية، أمّا على مستوى تدخلات الصناديق ومصاريفها فهي كذلك تشهد بعض الاخلالات على مستوى بعض التدخلات التي من المفروض أن تكون من مشمولات هياكل أخرى. _ لنتوقف أمام هذه الاخلالات أين تكمن؟ ... هي اخلالات متعدّدة وفي صور عديدة أهمّها الاعفاءات الممنوحة من المساهمات للتشجيع على الاستثمار وعلى أحداث مواطن الشغل في المناطق ذات الأولوية كما أنّ صدور عديد الأوامر لاعفاء المؤجرين من دفع خطايا التأثير في دفع المساهمات ساعد عديد الأعراف على دفع المساهمات في آجالها. _ كيف السبيل إلى تجاوز هذه الصعوبات؟ كيفية التجاوز تكمن في صدور أدبيات التجاوز والتي كان أعدّها الاتحاد سواء على مستوى دراسات خاصة بالصناديق الاجتماعية أو في لوائحه وآخرها وليس آخرا ما تقدّم من تصورات إلى نوّاب المؤتمر الانتخابي المنعقد بطبرقة وهذا يعني أنّ انقاذ الصناديق الاجتماعية من عجز يبقى مهمّة وطنية. _ في تصريح سابق للسيد حافظ العموري الرئيس المدير العام للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي قال أنّ العجز بالمليارات فهل يمكن تجاوز هذا العجز بمجرّد تصورات؟ لابدّ من مراجعة مصادر التمويل وهذا شرط أساسي للتجاوز والمحافظة على هذه الصناديق وتوازناتها المالية، ولن أُذيع سرّا إذا قلت أنّ الاتحاد كان قدّم في أكثر من مرّة في دراساته ولوائحه طرق التجاوز والتي كان يمكن ان تطبق على أرض الواقع في مراجعة القوانين الخاصّة بتمويل هذه الصناديق. _ الذي أعرفه كذلك أنّ السيد حافظ العموري كان محاضرًا دائما في دراسات الاتحاد وهذا يعني أنّه كان من الممكن الاستئناس بورقات الاتحاد أليس كذلك؟ ... السيد حافظ العموري وغيره من الخبراء في مجالات متعدّدة هم أصدقاء الاتحاد وكان الاتحاد يستفيد من خبراتهم في تكوين النقابيين والدراسات التي يعدها الاتحاد حسب اختصاصات كلّ خبير مثل وزير المالية الحالي السيد حسين الديماسي ووزير الشؤون الاجتماعتية الدكتور خليل الزاوية وحتى وزراء زمن بورڤيبة مثل الشاذلي العياري الذي نشط ندوة علمية حول الأزمة المالية العالمية للنقابيين، اذن الاستفادة من خبرات هؤلاء، الاتحاد لا يخجل منها، وحتى الخبراء أنفسهم فقد طوّروا أفكارهم ودراساتهم من خلال نقاشاتهم مع النقابيين خلال ندواتهم النقابية. _ ثمّة ملف وهو الذي أرق كل التونسيين وهو ملف الكنام؟ ... ملف الصندوق الوطني للتأمين على المرض يمكن ملامسته على أكثر من واجهة، الواجهة الأولى تهمّ علاقة الصندوق والخدمات المقدّمة للمضمون الاجتماعي (يمكن الحديث عن عدم رضى المضمونين الاجتماعيين على الخدمات المقدمة على مستوى الكم والكيف). خاصّة لمّا نعرف أنّه ثمّة 3 منظومات علاجية الأولى: تسمّى المنظومة العمومية وهي تهمّ المداوة في مؤسسات الصحة العمومية وهي الأقل تكلفة بالنسبة للمضمون الاجتماعي وهي تهمّ حوالي 70٪ من منخرطي الصندوقين للضمان الاجتماعي (الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية). ومن سلبياتها الاكتظاظ خاصّة في المستشفيات والمستشفيات الجامعية وهذا ينتج عنه التأخير في مواعيد أطباء الاختصاص أو الكشوفات التكميلية (التصوير والأشعة والسكنار والايرام) ونقص الأدوية ممّا يجبر المضمون على اقتناء الأدوية على حسابه الخاص. أمّا المنظومة الثانية والثالثة فتهمّ الطرف الدافع ومنظومة استرجاع المصاريف فإنّ المشكل فيها يكمن بتسقيف مصاريف الأمراض العادية بسقف لا يفي بالحاجة تماما إذ يمكن استنزافه في فترة قصيرة جدّا من السنة ليحرم بعدها المضمون الاجتماعي وعائلته في بقيّة السنة من تكفل الصندوق من مصاريف التداوي لكل أفراد عائلته بالنسبة للأمراض العادية لذلك وجب مراجعة هذا السقف والذي هو في حدود 200 سنويا لكل أفراد العائلة. ومن تشكيات المضمونين الاجتماعيين الاكتظاظ الكبير في مراكز الصندوق وفروعه في كلّ الجهات ممّا يعطل مصالح هذا المضمون الاجتماعي. أمّا علاقة الصندوق بمسدي الخدمات فهي علاقة اتّسمت بضعف الصندوق أمام هذه الأطراف حيث فرضت على مصالح الصندوق تعريفات تعاقدية مشطة تثقل كاهل الصندوق حيث بلغت قيمة عيادة الطبيب العام 18 دينارا والمختص 30 دينارًا وحصّة العلاج الطبيعي بين 11 و50 للحصة الواحدة وحصّة تصفية الدّم ب 90 دينار للحصة الواحدة ومازال مسدو الخدمات يطالبون بالترفيع في هذه التعريفات. _ ألا يعني هذا أنّ جماعة مسدي الخدمات أصبحوا هم كذلك تجّارا؟ في حقيقة الأمر انّ مسدي الخدمات في تحديد تعريفاتهم يعتمدون على مرجعيات خصوصية ويعممونها على سبيل المثال: عيادة الطبيب العام مرجعياتهم التعريفية المعمول بها في الاحياء الراقية من المدن الكبرى أين تصل التعريفة الحقيقية الى 30 دينارًا لكن الواقع أنّ في جلّ الأماكن الأخرى من كلّ الولايات وحتى في تونس الكبرى اذا استثنينا الأحياء الراقية نجد التعريفات الحقيقيّة تحوم بين 15 و20 دينارًا في غالبية الأحيان مع 25 دينار في البعض منها ونفس الشيء ينطبق على باقي مسدي الخدمات. ومن أهم الملفات التي اثرت على التوازنات المالية لهذا الصندوق ملف ما يسمّى بتكفل الصندوق بالأدوية الخصوصية prise en charge des medicaments hors nomenclature حيث بلغت مصاريف الصندوق في هذا الباب سنة 2011 حوالي 200 مليارًا ومقاييس اسناد هذه الأدوية غير واضحة (؟). هنا لابدّ من التأكيد على أنّ مصاريف الصندوق الوطني للتأمين على المرض جلّها تصرف على القطاع الخاص للصحة وهذا في غياب عدم احترام سلط الاشراف للاتفاق الممضى مع الاتحاد العام التونسي للشغل قبل صدور قانون التأمين على المرض وهو أهم بنود هذا الاتفاق ضرورة تأهيل القطاع الصحي العمومي حتى يتمكّن من منافسة القطاع الخاص. _ وكأن في هذه الاجابة اشارات للمصحات الخاصة وفاتوراتها الثقيلة؟ بالطبع الاشارة واضحة باعتبار ان ثقل الكلفة الصحية تكمن اساسا في الاقامة الاستشفائية والعمليات الجراحية ومداوة الامراض المزمنة ونتيجة لعدم جاهزية القطاع العام على كل المستويات فان المضمون الاجتماعي يلتجيء للقطاع الخاص او يوجه في بعض الحالات لهذا القطاع. _ ألا ترى معي ان غياب الوقاية وانعدام ظروف العمل اللائق ساهمت في تعدد الامراض المزمنة خاصة؟ الأمراض المزمنة حسب اعتقادي ليست له علاقة بظروف العمل فهذه الامراض هي امراض وراثية وجزء اخر منها ناتج عن السياسة الغذائية والانتاجية، اما الامراض التي لها علاقة بظروف العمل فهي الامراض المهنية حسب التوصيف القانوني وهي محددة بنص قانوني لكنها لا تشمل كل الامراض التي لها علاقة مباشرة بظروف العمل مما حدى بالاتحاد للمطالبة بمراجعة وتحسين هذه القوائم نتيجة ظهور بعض الصناعات الجديدة والتكنولوجيا التي لها انعكاس على صحة العامل بصفة عامة والتي لم تؤخذ بعين الاعتبار في تحديد هذه القوائم. _ المعهد الوطني للصحة والسلامة المهنية مركز وطني على اهميته ربما بقي حبرا على ورق في غياب دور ريادي له داخل المؤسسات والتي كانت تطغى عليها المجاملات والاشياء الاخرى، فكيف السبيل للارتقاء بدوره الفاعل داخل هذه المؤسسات؟ اعتقد ان هذا المعهد له من الكفاءات ومن الامكانيات ما يخول له القيام بدراسات متخصصة وتكوين العمال بصفة عامة في بعض المؤسسات لكن نقطة الضعف تكمن في عدم التعريف بالشكل الكافي بما يمكن ان يقدمه هذا المعهد، ولي في ذلك تجربة حينما كنت طلبت منه بصفتي مسؤولا عن هذا القسم في جهة صفاقس في سنوات سابقة عندما تسربت بعض الغازات الخانقة نتيجة مادة بترولية تم استعمالها لأول مرة في واحدة من المؤسسات الصناعية بالجهة تسببت في حالات من الاغماءات فطلبنا من المعهد ارسال فنييه وتجهيزاته للقيام بتحاليل خاصة لهذه المادة للوقوف على مخاطرها وبالفعل تحول فريق على عين المكان واخذ عينات وقام بتحليلها وامدنا بتقرير تضمن توصيات فنية لبعض وسائل الوقاية الفردية وبعض المواد التي يمكن استعمالها للحد من انعكاسات هذه التسربات مما مكن المؤسسة المعنية بعد تطبيق توصياته من تجاوز هذا المشكل، وحسب اعتقادي فانه يجب تكثيف العلاقة بين القسم والمعهد في علاقة بالجهات والقطاعات حتى نتمكن من وضع بعض البرامج التكوينية الخصوصية لبعض المهن ونستفيد من خبراته وتجربته. _ ألا ترى معي ان مجيئك لقسم التغطية الاجتماعية والصحة والسلامة المهنية سيفيد النقابيين خاصة امام اطلاعك على كل الدوسيات بحكم تجاربك السابقة في هذا المجال أيام كنت عضوا للاتحاد الجهوي بصفاقس؟ كل عضو من المكتب التنفيذي الوطني مطالب بوضع خبرته وتجربته على ذمة النقابيين وهياكلهم وهو مطالب بتقديم الاضافة خاصة في قسمه وان رغبتي في هذا القسم بالذات كانت نتيجة استعدادتي لتقديم الاضافة وتصورات جديدة وطريقة عمل جديدة تهم كل الملفات ذات العلاقة بالقسم وهي تتمحور في 3 ملفات مهمة وهي مراجعة أنظمة التقاعد ومراجعة قانون التأمين على المرض وتفعيل ملف الصحة والسلامة المهنية على الميدان بالتنسيق مع الهياكل القطاعية المعنية مع الاستعانة بخبرتهم في الميدان مثل نظام الضمان الاجتماعي وقطاع اطباء الصحة العمومية والصيادلة وكذلك الاطباء الجامعيين وقسم الشباب العامل والمرأة وأقسام التشريع والتكوين والدراسات. _ هل في البرنامج زيارات لجهات معيّنة لمعرفة مشاكلها والنظر في وضعياتها الاجتماعية؟ القسم بصدد الاعداد للندوة الدستورية السنوية المزمع عقدها مع نهاية شهر فيفري والتي من خلالها سنضع البرنامج السنوي لعمل القسم وذلك بتشريك كل الجهات وبالنسبة للجهات المحرومة فانني اعتقد انها بحاجة الى مشاريع تفتح لها فرص تشغيل اكثر منها الى ندوات نقابية والقسم على اتم الاستعداد وعلى ذمة الهياكل النقابية في هذه الجهات للقيام بنشاط ميداني وندوات حسب حاجياتهم وطلباتهم. _ نعود مرة أخرى للحديث عن الوضع المالي للصناديق الاجتماعية، فهل من اجابات تطمئن البعض وخاصة المتقاعدين منهم؟ وضعية الصناديق ليست بالقتامة التي يروج لها ولكن وضعها يتطلب اجراءات تحفظ ديمومة هذه الصناديق فالوضع خطير بالنسبة للصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية حيث لا يوجد احتياطي لصرف الجرايات رغم ان المعدل المعمول به دوليا هو ان يكون الاحتياطي في حدود جراية 36 شهرا مما دفع المسؤولين على الصندوق للاتفاق مع وزارة المالية على تسبقة شهرية على المساهمات (اي مساهمات موظفي الدولة) اجراء ومؤجرين كقيمة جملية للجرايات وتوفير الشهرية ل 260 الف منتفع وهذا الرقم يعني حوالي مليون مواطن تونسي. أما بالنسبة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي فهو يملك احتياطي لبعض الاشهر لكنه دون المعادلات الدولية وموازاناته الجملية في تدهور دون ان تكون سلبية وهي نفس الوضعية تقريبا بالنسبة للصندوق الوطني للتأمين على المرض. _ وحتى نلتقي مرة أخرى، هل تقسم أنك قلت الحقيقة؟ في مستوى هذه المسؤولية الوطنية لا يمكن للواحد منا الا ان يقول الحقيقة وستكشف الايام مدى مصداقيتنا.