ان تدافع نقابة أطباء الاختصاص عن مصالح منظوريها وأن تبدي رأيها في طريقة تعامل الصندوق الوطني للتأمين على المرض معهم وخلاص الخدمات الصحية التي يقدمونها الى المضمونين الاجتماعيين فهذا امر لا جدال فيه وهو دورها الاساسي والطبيعي أمّا أن تتحول الى قوّة ضغط مبالغ فيها لافشال نظام اختاره وانخرطت فيه كل مكونات المجتمع التونسي وخاصة اولئك الممولين للضمان الاجتماعي في تونس اي الاجراء والمؤجرين فهذا غير معقول وغير مقبول تماما وينمّ عن عقلية مهنية قطاعية ضيّقة لا تأخذ بعين الاعتبار المنظومة الصحية في شموليتها ولا تراعي التوازنات المالية لصناديق الضمان الاجتماعي ومنها الصندوق الوطني للتأمين على المرض. كيف ذلك؟ تستعمل نقابة أطباء الاخصاص ثلاثة حجج لتبرير مقاطعتها للتعاقد مع الصندوق الوطني للتأمين على المرض أوّلها حرية اختيار الطبيب من طرف المريض باعتباره مبدأ من مبادئ ميثاق شرف المهنة الطبية والذي لا يحترمه الصندوق حسب النقابة باجباره المضمونين الاجتماعيين على التوجه الى طبيب متعاقد معه للتكفل بمصاريف علاجه، ان هذا الموقف ينطوي على مغالطة او هو من قبيل «كلمة حقّ أريد بها باطل» ذلك انّ كل نظام للتأمين على المرض في جلّ البلدان المتقدمة والنامية ينبني أساسا على التعاقد مع مقدمي الخدمات الصحية باعتباره يتضمن علاوة على التعريفات التعاقدية الضرورية لخلاص الخدمة الصحيّة التزامات تحدّد حقوق وواجبات كلّ طرف والطبيب الذي لا يتعاقد يكون في حلّ من هذه الالتزامات وهذا غير معقول وغير مقبول تماما! ثم لو فرضنا جدلا انّ الصندوق يقبل بالتكفل بمصاريف العلاج لدى طبيب او مقدم خدمة صحية غير متعاقد فما معنى التعاقد أصلا في هذه الحالة؟ ولماذا يتعاقد الاطباء اصلا؟ أليس في ذلك عقابا للاطباء المتعاقدين والمضمونين الاجتماعيين؟ الحجة الثانية التي تستعملها النقابة هي معارضتها لحصر المضمون الاجتماعي في منظومة علاجية واحدة وتسقيف مصاريف العلاج العادي في المنظومة الصحية الخاصة ونظام استرجاع المصاريف وان كان الامر يتعلق بمرض ثقيل (هكذا !!) وهنا ايضا مغالطة باعتبار ان المضمون يمكنه بعد سنة او في ظروف استثنائية تغيير منظومة علاجه كما انّ القانون لم ينصّ ابدا على عدم التكفل بالامراض الثقيلة خارج منظومة الاختيار بل العكس هو الصحيح اذ يمكن للمضمون ان يعالج المرض الثقيل في القطاع العمومي للصحة مهما كان اختياره او أن يطلب التكفل بهذا العلاج في القطاع الخاص بعد موافقة الصندوق، اما اجبارية المرور بالطبيب العام المسجل لديه في المنظومة العلاجية الخاصة فهو امر ضروري لمتابعة حالة المريض ومسك ملفه الطبي ومعرفة الحالة الصحية للعائلة عموما ومن هنا جاءت تسمية «طبيب العائلة» كما لابدّ من التذكير بان هناك اختصاصات لا يشترط فيها المرور بطبيب العائلة مثل طب الاسنان والعيون والاطفال والنساء والامراض الثقيلة والمزمنة المشخصة وهذا امر طبيعي ومعمول به في كل أو جلّ البلدان ولا يمكن ان يصبح الطبيب المختص طبيبا عاما كما لا يمكن ان يصبح الطبيب العام طبيبا مختصا. اضافة الى هذا لابدّ من الاشارة الى أنّ عديد الاختصاصات والتي هي موضوع اتفاقيات بين صناديق الضمان الاجتماعي وعدد من مقدمي الخدمات الصحية قبل صدور القانون الجديد للتأمين على المرض مثل اتفاقيات علاج امراض القلب والشرايين وتصفية الدم وتفتيت الحصى وغيرها سيتواصل العمل بها كما كان سابقا اي انّها مفتوحة على القطاع الخاص مهما كان اختيار المضمون. الحجة الثالثة التي تستعملها نقابة اطباء الاختصاص هي تعريفات خلاص الاطباء مؤكدة أنّ هذا الامر من مشمولات مجلس عمادة الاطباء ويبرر بارتفاع تكاليف التجهيزات الطبية ومستوى العيش وان حجم خلاص الاطباء عموما لا يتجاوز 15 وعلى الصندوق ان يبحث عن ترشيد النفقات الصحية في غير هذا الباب، هنا ايضا لابد من التأكيد أنّه لا أحد يجادل في حقّ العمادة تحديد التعريفات الطبية لكنّ من حقّ الصندوق ايضا ان يتفق مع الاطباء على تعريفات تعاقدية من شأنها ان تيسر على المضمونين الاجتماعيين التوجه الى القطاع الخاص باعداد كبيرة كما انّ هذه التعريفات نفسها كما نصّت على ذلك الاتفاقية القطاعية مع اطباء الممارسة الحرّة تتواصل الى سنة 2009 اي انّها قد تراجع في هذا التاريخ، فهل تبرر تعريفات تعاقدية محصورة زمنيا مقاطعة التعاقد وربّما ارباك نظام شامل لتطوير وتحسين التكفل بعلاج قرابة 8 ملايين من التونسيين من المضمونين الاجتماعيين ومن في كفالتهم؟ أخيرا لابدّ من اعطاء كلّ ذي حقّ حقه والتذكير بأنّ 32 من اطباء الاختصاص على المستوى الوطني أمضوا على الاتفاقية القطاعية مع الصندوق وأن 12 من أطباء الاختصاص في تونس الكبرى انخرطوا أيضا في هذه الاتفاقية والامل يظلّ قائما في أن ينخرط بقيّة أطباء الاختصاص في المدّة القادمة للمساهمة في انجاح النظام الجديد للتأمين على المرض وتقييمه وتطويره مستقبلا في ضوء تقييم نتائجه.