في مثل هذا الوقت من السنة تعوّد المنتمون إلى قطاع الوظيفة العمومية على البدء في الاستعداد لجولة جديدة من المفاوضات وبما ان زيادات سنة 2011 كانت استثنائية سواء على مستوى قيمتها او في توقيتها فان الكثير من الكلام قيل خلال هذه الايام ولمزيد توضيح المسائل كان لنا اللقاء مع الاخ الامين العام المساعد المسؤول عن الوظيفة العمومية حفيظ حفيظ فكانت هذه التفاصيل: _ كيف اليوم بعد ثورة 14 جانفي أي يتحدث عن ملف الوظيفة العمومية بتشعباته الكثيرة؟ ... ثورة 14 جانفي قامت ضد الاستبداد والمظالم وبالتالي من أوكد المهام المطروحة بعد ان تحرر الشعب هو دفع هاته المظالم بكافة مستوياتها ويعتبر قطاع الوظيفة العمومية من اهم القطاعات التي تضررت من الخيارات الاقتصادية والاجتماعية التي اتبعها النظام السابق منذ اواسط الثمانينات عند شروعه في تطبيق سياسة الاصلاح الهيكلي للاقتصاد التونسي والذي من اهم وصفاته المملاة من البنوك العالمية تتمثل في رفع الدو لة اياديها عن القطاع العمومي والحد من الاتفاق فيه وفي المقابل تقديم كل الامتيازات للقطاع الخاص والتفويت له في اهم المؤسسات العمومية وبالتالي لم تتطور التشريعات التي ظلت على حالها منذ الخمسينات بل احدثت تشريعات جديدة بغاية ادخال انماط شغل هشة استفحلت في كل الوزارات بلا استثناء كنظام المناولة وحظائر الشغل والآليات المتعددة وهو ما اثر طبعا على هذا القطاع الذي اصبح مهمشا وسلبت كل الحقوق التي تضمنها المواثيق الدولية من المشغلين فيه. هذا اضافة الى عدم مواكبة عديد الفصول الواردة في القانون العام للوظيفة العمومية التي لم تعد متلائمة مع التطورات والتحولات التي يعرفها المجتمع كما ان عديد الحقوق الاجتماعية للعاملين في القطاع لم تتغير منذ 50 سنة مثل العائلة ومنحة الاجر الوحيد رغم ما عرفته الاسعار من ارتفاع جنوني عبر اكثر من 5 عقود. _ ألا ترى معي ان الموظف الحالي يعيش أزمات متعددة على امتداد اشهر السنة وبالتالي يصح عليه ذلك المثل «الاسم العالي والمربط الخالي، فكيف يمكن اليوم إعادة الاعتبار إليه؟ من الخيارات الليبرالية التي اتبعتها الدولة التونسية جعلت الاوضاع المادية للموظف وعامل الدولة تزداد سوء يوما بعد يوم حيث تختلف كثيرا الاجور والمنح والامتيازات بينهم وبين نظرائهم في القطاعات العمومية والخاصة وهو ما يستدعي اليوم وبعد ثورة 14 جانفي اعادة الاعتبار إليهم والتعويض الفعلي عن مقدرتهم الشرائية باجراءات ثورية يقطع مع السياسات القديمة التي لم تتجاوز فيها التدخلات لتحسين اوضاعهم بعض المسكنات بزيادات طفيفة كل 3 سنوات سرعان ما تلتهمها سياسات تحرير الاسعار. _ هذا يعني أنكم ستطالبون يتعوض الموظف لسنوات خلت، أليس كذلك؟ ... كل تفاوض مستقبلي حول تحسين المقدرة الشرائية للموظف لابد ان يعتمد على مقارنة علمية بين الاجور والاسعار وهو ما يتطلب بالفعل زيادات معتبرة قد تساهم ولو نسبيا في التعويض عما لحق اجرة الموظف من تدهور خلال السنين الماضية. _ لكن الموظف متهم بأنه «كركار»، فكيف يمكن دفع هذا الموظف إلى مزيد البذل وخدمة المواطن والإدارة معا؟ رغم ما عاشته البلاد خلال فترة ما قبل الانتخابات من انفلاتات طالت جميع اوجه الأنشطة الاجتماعية الا ان الادارة التونسية ورغم ما يعتريها من عديد اوجه الفساد ظلت صامدة وساهمت في تسيير البلاد وهي لا يمكنها ان تكون في مستوى هذه التحديات لولا وجود اعوان وعمال في القطاع العريض محنكين وغيورين على بلادهم وفي تقديرنا يمكنهم ان يتجاوزوا بعض السلوكات الفردية التي يتحدث عنها المواطنون في تلك الادارة او تلك لو تبذل المجموعة الوطنية جهودا اكبر لتحسين اوضاعهم حتى يحفزوا لمزيد التفاني في مهامهم. _ ما هو المشروع الذي ستقدمونه للحكومة من أجل مزيد الارتقاء بقطاع الوظيفة العمومية؟ كل اعضاء المكتب التنفيذي الوطني المنتخبون في مؤتمر طبرقة هم أمناء على ارث المنظمة أولا وعلى مقررات نواب المؤتمر الذين حمّلوهم مشروعا تترجم في لوائح. وكغيري من الأمناء العامين المساعدين متقيد بلائحة مهنية تتضمن مشروعا عليّ السهرُ على تنفيذه خلال خمس سنوات وعليّ بترجمته الى محاور بأسلوب علمي وبتفاعل مع كل مكونات القطاع فهو برنامج كل القطاعات التي تنتمي إلى الوظيفة العمومية وسأعمل على تشريكها في استنباط الآليات وفي ادارة التفاوض بمشاركة فعلية لخبراء الاتحاد المختصين في هذا المجال فلابد من تفعيل فعلي لمجمع الوظيفة العمومية والذي يجب ان تكون اجتماعاته قارة ودروية وغير مرتبطة بالمناسبات فهو العقل المدبر لهذا القطاع. اما اهم ملف وأوكد مهمة فهي تقنين الحق النقابي بكل تفاصيله من حرية الانخراط والنشاط والاجتماعات في المؤسسات والاضراب في القانون العام للوظيفة العمومية. _ متى ستبدأ جولة المفاوضات الجديدة؟ لقد وقع الاتفاق مع حكومة السبسي على الاقتصار على سنة 2011 في الزيادات الاخيرة على ان يستأنف التفاوض عبر استراتيجية جديدة بداية من سنة 2012 ونحن مازلنا ننتظر الجلسة المرتقبة مع الحكومة لنضع اسس التعامل الجديد ورسم استراتيجية جديدة قوامها الحد من المركزة السابق وتمكين القطاعات من استقلالية فعلية في التفاوض من اجل زيادات حقيقية لمنظوريها. _ ثم ماذا بعد ذلك؟ لقد راهن نظام بن علي على انتاج اجيال مهمشة عبر اتباع سياسات تعليمية مملاة من الدوائر العالمية هدفها قطع الناشئة عن بذورها وهويتها وتقوقعها وعدم انفتاحها على كل ما هو غير في الحضارات العالمية عبر اعتماد مناهج تعليمية لا تشجع على تكوين جيل متسلح بالفكر النقدي والعلمي وهو ما يتطلب اليوم القيام بثورة حقيقية داخل المنظومة التربوية سيسهر الاتحاد العام التونسي للشغل وقسم الوظيفة العمومية على بلورتها بالتنسيق الكامل مع نقابات التربية والتعليم والتعليم العالي وذلك في اقرب الاوقات.