اقتتل المسلمون وبأشدّ ما تكون ضراوة القتال فكم من زعيم قُتل ففصلت رأسه عن جسده ثمّ يكون الاحتفال بارعا بل وصلت الشدّة إلى ضرب الكعبة ونزع حجرها الأسود (الحجّاج بن يوسف أبو طاهر القرمطي...) ومن زعماء الاقتتال كان بعض الخلفاء والصحابة وكان بعضهم أيضا من مليارديرات تلك الأيّام (الزبير طلحة...). ما الهدف ممّا يسمّى بالفتنة الكبرى وما تلاها؟ الاجابة بسيطة ولا تحتاج الى بحث يوجع الدماغ. هو بناء دولة ذات سلطة سياسيّة تؤمّن نموّ واشتداد عود المستجدّات سياسيا واقتصاديا وفكريّّا وتندفع في اكتساح الأرض ما أمكن. وقبلهم كان أشدّاء مكّة يدافعون عن التجارة وعبادة الأصنام باعتبارها دينًا مُرْبحًا ماليا واجتماعيا. لذلك طوّعوا كلّ قدراتهم المعنوية والماديّة لتأمين الموروث فكانوا غلاظًا شِدادًا. كلّهم وفي المرحلتين فعَلُوا ما فعلُوا لإثبات الذات. القتل والتنكيل إهانة للأنسنة. ولكن على الأقلّ نحاول استنادا إلى الحنونة البكماء نجِدُ ما يُبرّرُهَا. فعلوا ما فعلوا لتأمين الذات الخصوصيّة واستمرارها. ولكنّ الأمر نفسه اذا ما نزلنا دون مرتبة الحيوان الأبكم تُصْبحُ المسألة ذات شأن آخر لا تُسيءُ بوجَعٍ لا يُحتملُ إلى الحيوان المؤنس فحسب بل حتّى إلى الحيوان الأبكم أيضا وربّما هو الأوّل خصّيصًا. ذاك زمان لعِبْنا به ربّما، ولكنّ هذا الزّمان بنا يلْعبُ ومُؤكّدٌ ذلك. الخلافة العثمانية تسود العالم الاسلاميّ بالسياط تحرق أجساد رعيّتها، وبالقرآن والسنّة تُبرّرُ أفْعالَها. ولمواجهة طائرات الغرب البرجوازي ودبّاباته تُشْهرُ السّيف والبندقيّة والمدفع البدائيّ والراية الاسلاميّة وتُبرّرُ عجْزها الدفاعيّ بانعدام الصناعة الحربيّة الحديثة. بعد اللعب بفلسطين كانت أحداث. وبعد سقوط كابول بسلاح مجاهدي أفغان براية البيت الأبيض وتل أبيب كان الاقتتال فظيعًا بين المكوّنات الاسلامية للجهاد حتّى يُؤمّن كلّ فريق مصلحته السياسية... ثمّ كان الخلاف مشتدّا بين اسلاميي أفغانستان وباكستان وكشمير والمحيط السوفياتي سابقا... وكان أَسْرُ مُناصِرِ القضيّة الفلسطينية وأهمّ رموزها النضالية «كارلوس» بأيدٍ اسلاميّة سُودانيّة تحت راية فلسطينيّة... وَقُدّم أوكامُوتو العظيم بعد خروجه من السجن الاسرائيلي بتهمة دخول التراب اللبناني دون تأشيرة... ثمّ كان الفتح المبين للعراق بأيد اسلاميّة تحت السلاح الأمريكي وراية البيت الأبيض الأمريكي. عاش الاسلام براية أمريكية. ذلك هو النّهج السعودي لتكتيكات وتحليلات مجلس الأمن القومي للبيت الأبيض. وقع اكتشاف هذا الاختيار وأصبح معلومًا فليواصل فعله تحت الطاولة وليكن آخر هو القطري المنسوج بمباركة السّلطة التركية. راية التحرّر ومساندة الشّعوب العربية هي قطر عفوا إمارة البيت الأبيض والأطلسي. قطر وكْرُ العلن والخفاء للسياسة الامبريالية ولحلف الناتو. وكان مشهودها في ليبيا الممزّقة بين ديكتاتورية القذافي ونهم امبريالي لنفطها وموقعها الجغرافي المرتبط بأعماق القارّة الافريقية بأيْدٍ اسلاميّة تعرف كيف تطوّع انتفاضة الشعب الليبي وتلتفّ عليها. التجربة الأولى وكَفِعْلٍ أوّل مُهمٍّ حازت الامتياز وصفّق كلّ الناتو حتّى أصدقاء معمر القذافي. وانتقل الاختيار الجديد إلى سوريا لتنفيذه تُباركُهُ الثورات الملتفّ عليها والمال الاسلامي الذي أدّى مهمّته وبأجْودِ ما يكون الامتياز فقد كان بارعًا بمَا لمْ يكن انتظاره. صنع رموزًا عبيدًا له من دمشق إلى طرابلس إلى القاهرة إلى تونس إلى الجزائر... كالمعتاد القدس عروس الاسلام والعروبة. شعار مُدَوٍّ أثناء التحرّكات والانتفاضات (وليس ذلك إلاّ إلهاء حتّى تنجز البنوك العالمية مهمّاتها فيقع تفويت القطاع العام لصالح القطاع الخاص مثلما نفّذت سلطة زين العابدين بن علي) ولكن بعد حصول المنشود تكون المسألة منسيّة بالأساس في جوهرها يُشارُ بالإصبع إلى شكلها. إخوان الأردن في برلمانهم لا يهتمّون باتفاقيات الصلح مع اسرائيل. كما الشأن نفسه في مصر فلا مشكلة مع معاهدة «كامب ديفد» مثلما صرّح واحد من قياديي السلفيين مع إذاعة جيش الكيان الصهيوني بل ضدّ التظاهر الذي تأتيه بعض مكوّنات الشعب المصري رفضا لحاكمية الجيش، كلّ المحيطين يتخلّصون من المسألة ويرمون بها بعيدًا وخاصّة شمال افريقيا البربري ليرفع الشعار بدَلَهُمْ. تونس بادرة الثورات بشكل جديد. تونس الاعتصامات وازدياد البطالة تونس الموعود لشعبها بالكثير ولم ينجز منه شيء... تونس الثلج... تونس قيادة الائتلاف تطرد سفير سوريا وتبرمج لعقد لقاء عالمي «لأصدقاء سوريا» بوطننا يوم 24 فيفري 2012. أنجزنا كلّ مهمّات ما نادى به يوم 14 جانفي بل ومن الرخاء النفسي والجيب المنتفخ بالأموال أصبحنا نصدّر حلولاً للشعوب الأخرى حتّى ينام البيت البيض نومًا هنيئا. استعملوا الدين سابقا لإثبات ذواتهم لكنّ الدين يُستعمل اليوم لإثبات استمراريّة الامبريالية والاستعمار. إنّ الجاهلية القديمة أرفع شأنا إذ جديدُها لهُ الخزي والعَارِ بلُغةِ البدو. أمّا الذين لهم طمع في التداول السلمي للسلطة مع الجاهليّة الجديدة فإمّا أصابتهم الغباوة أو هم انتهازيون وفّر لهُمْ الالتفاف على الثّورة بِساطًا على مقاس أقْدامهم عليه يسيرون.