تونس تستقطب استثمارات خارجية بقيمة 517 مليون دينار خلال الثلاثي الأول من 2024    الرابطة الأولى: الغموض والتشويق يكتنفان مواجهات مرحلة تفادي النزول    البطولة العربية لألعاب القوى للشباب: ميداليتان ذهبيتان لتونس في منافسات اليوم الأول.    على طريقة مسلسل "فلوجة": تلميذة ال15 سنة تستدرج مدير معهد بالفيسبوك ثم تتهمه بالتحرّش..    كشف لغز جثة قنال وادي مجردة    جربة: حجز أكثر من 500 كغ من الفضّة والبلاكيور المهرّب    4 جوائز لمسرحية تونسية بمهرجان مفاحم الدولي لمسرح الطفل بالمغرب    بوتين يحذر الغرب: قواتنا النووية في تأهب دائم    «راشد الغنوشي حرباء السياسة التونسية» للكاتب ياسين بوزلفة    سفير السعودية: بناء المستشفى والمدينة الصحية "الأغالبة" خلال هذه الفترة    بطولة روما للتنس للماسترز : انس جابر تواجه الامريكية صوفيا كينين في الدور الثاني    بطولة الكرة الطائرة: نتائج منافسات الجولة الرابعة لمرحلة "السوبر بلاي أوف" .. والترتيب    كتاب«تعبير الوجدان في أخبار أهل القيروان»/ج2 .. المكان والزّمن المتراخي    البنك الدولي: تعزيز الإطار التنظيمي يسرع برنامج تونس الطموح لتطوير الطاقة المتجددة    نقطة بيع من المنتج الى المستهلك: هكذا ستكون الأسعار    عاجل/ نشرة استثنائية: أمطار متفرقة بهذه المناطق..    بطاقة إيداع بالسجن ضد عون بمجمع الصحة الأساسية ببنزرت في قضية مخدرات..    قفصة: القبض على شخص بصدد بيع تجهيزات تستعمل للغشّ في الامتحانات    تطور عائدات زيت الزيتون ب91 بالمائة    آخر أجل لقبول الأعمال يوم الأحد .. الملتقى الوطني للإبداع الأدبي بالقيروان مسابقات وجوائز    «قلق حامض» للشاعر جلال باباي .. كتابة الحنين والذكرى والضجيج    هل انتهى القول في قضية تأصيل الأدب ؟    كلمة أثارت'' الحيرة'' لدى التونسيين : ما معنى توطين و مالفرق بينها و بين اللجوء ؟    "ألقته في نهر التماسيح".. أم تتخلص من طفلها بطريقة صادمة    تأجيل إضراب أعوان شركة ''تاف تونس'' بمطار النفيضة    يهم التونسيين : ما معنى التضخم ولماذا ترتفع أسعار السلع والخدمات؟    وزيرة التجهيز تدعم البلديات في ملف البنايات الآيلة للسقوط    إذا علقت داخل المصعد مع انقطاع الكهرباء...كيف تتصرف؟    محمد بوحوش يكتب...تحديث اللّغة العربيّة؟    مدْحُ المُصطفى    ستنتهي الحرب !!    بعد التقلبات الأخيرة: ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة بداية من هذا التاريخ    خوسيلو يسجل هدفين ليقود ريال مدريد لنهائي رابطة الابطال    عاجل/ حشانة يفجرها ويكشف عن اتفاق أوروبي خطير يتعلّق بالمهاجرين غير النظاميين..    السعودية: عقوبة ضد كل من يضبط دون تصريح للحج    ! منديل ميسي للبيع ...ما قصته    نبيل الهواشي يؤكد عودة المفاوضات مع وزارة التربية    وكالة حماية وتهيئة الشريط الساحلي تنبه من خطر قائم    بنزرت:معتمدية تينجة تتخذ عددا من الإجراءات العملية لتعزيز المخطط المحلي للسلامة المرورية    عشرات الشهداء والجرحى والمفقودين جراء قصف متواصل على قطاع غزة    رئيس كوريا الجنوبية يدعو لإنشاء وزارة لتشجيع زيادة المواليد    بدء تشغيل أكبر محطة في العالم لامتصاص التلوث من الهواء    الرابطة الأولى.. تعيينات حكام مباريات الجولة 7 ''بلاي أوف''    يديمك عزي وسيدي ... أصالة ترد على شائعات طلاقها من فائق حسن    إرساء تصرّف ذكي في المياه    البنك الدولي: بإمكان تونس تحقيق نمو اقتصادي هام بداية من 2030    محيط قرقنة يُقصي الترجي من سباق كأس تونس    أول تعليق من عميد المحامين على "أزمة المهاجرين"    معهد باستور: تسجيل ما بين 4 آلاف و5 آلاف إصابة بمرض الليشمانيا سنوياّ في تونس    90 % من الالتهابات الفيروسية لدى الأطفال لاتحتاج إلى مضادات حيوية    السباح التونسي احمد ايوب الحفناوي يغيب عن اولمبياد باريس    عاجل/يصعب إيقافها: سلالة جديدة من كورونا تثير القلق..    عاجل/ فضيحة تطيح بمسؤولة بأحد البرامج في قناة الحوار التونسي..    تراجع عدد أضاحي العيد ب13 بالمئة مقارنة بالسنة الماضية    "دور المسرح في مواجهة العنف" ضمن حوارات ثقافية يوم السبت 11 ماي    سحب لقاح "أسترازينيكا" من جميع أنحاء العالم    بعض مناضلي ودعاة الحرية مصالحهم المادية قبل المصلحة الوطنية …فتحي الجموسي    متى موعد عيد الأضحى ؟ وكم عدد أيام العطل في الدول الإسلامية؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



للوطن العربي
غزو السلفية السياسية إستراتيجية امريكية فرنسية
نشر في الشعب يوم 17 - 12 - 2011

لقد برهنت الاحداث العالمية والتحوّلات الاقليمية على أنّ الولايات المتحدة الامريكية بصفتها رأس حربة العولمة الامبريالة الغاشمة قد أقدمت منذ تفكيك اوصال اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية من الداخل من طرف زمرة نيكيتاخروتشوف في أواسط الخمسينات، ثمّ قورباتشوف فجر التسعينات، ومن الخارج من طرف جميع دوائر الرجعية والدول الرأسمالية القائمة تقودها امريكا قد اقدمت علي تغييب الاتحاد السوفياتي سياسيا وعسكريّا وتقليص تأثيراته علي الاحداث العالمية والاقليمية، من أجل بسط الهيمنة الامبريالية الامريكية المنفردة على مصائر الشعوب والامم ونهب ثرواتها وتسليط عدوانها وجبروتها بالنار والحديد والديناميت والفوسفور الابيض على بلدان العالم وشعوبها...
كما انّّه بداية من فجر الالفية الثالثة.. اختفت تماما جميع مرتكزات اول نظام اشتراكي عمّالي في العصر الحديث واستحوذت على الاتحاد السّوفياتي أشنع مافيات الرأسمالية علي الاطلاق وتوابعها من سرقة العرق والنهب والفساد المنظم واستفحال التهريب وتجارة الاسلحة والمخدرات ولصوصية رموز الدولة الرأسمالية القائمة فضلا على شبكات الدعارة المنظمة والمتاجرة بالاعضاء البشريّة، وهو ما يبرهن على علوية القاعدة التاريخية التي تثبتُ دوما بأنّه كلّما اسقطنا النظام الاشتراكي وألغينا الاشتراكية العمّالية الثورية.. لن يكون في انتظارنا سوى البربرية الرأسمالية المدمّرة ومعها الفاشية الدمويّة ممثّلان معًا في عنكبوت الفساد العام، ونفق الاستبداد الشامل وضمن هذا المناخ العالمي والاقليمي المتميّز بطغيان سياسي وعسكري واعلامي لمحور القطب الرأسمالي الامبريالي الاوحد، نسجتْ جميع خيوطه العنكبوتية وتقوده امريكا والاتحاد الاوروبيّ بغاية فرض العولمة الامبريالية إستفاقت الشعوب والامم المناضلة ونهضت من استكانتها الظرفية وحطّمت جدران الصمت الخوف وكسّرت القيود والحواجز من اجل حقوقها الشرعية في التحرّر من نير الاستغلال البغيض وجبروت الاستعمار الجديد واستبداد الانظمة القائمة العميلة للامبريالية، سواء في الوطن العربي وافريقيا، أو في اسيا وأمريكا اللاّتينية.. بل وحتّى في البلدان الاوروبية نفسها وضمن ذلك السياق التاريخي من النضال العالمي المناهض للإمبريالية والاستغلال برزت بقوّة جبّارة حركاتُ التحرر الوطني والانعتاق الاجتماعي والمنظمات العمالية النقابية العتيدة والاحزاب الثورية الاصيلة والقوى الوطنية الصادقة ومنظمات المجتمع المدني الديموقراطي وقد ساهمت جميعها وان بدرجات متفاوتة في تشكيل جبهة مقاومة اجتماعية وسياسية في وجه استبداد وفساد الانظمة القائمة وفي وجه جبروت الاستعمار الجديد وطغيانه وجرائمه في كل أصقاع العالم... كما أنّّه في نفس ذلك السياق التاريخي تفتّقت في بلادنا ثورة 14 جانفي المجيدة بفضل تضحيات شهدائها البواسل الابطال ومُصابيها الرجال الابرار والصبايا والنّساء البررة وبفضل الطلائع الثورية للشعب التونسي البطل وقواه السياسية والنقابية والحقوقية التي احتضنت تلك الثورة ونظّمت فعالياتها وحصّنتها منذ انطلاقتها الاولى صبيحة يوم 17 ديسمبر 2011 باستشهاد رمزها الأول الخالد الذكر الشهيد محمد البوعزيزي..
فزع الامبريالية والرجعية من ثورة تونس ومصر:
إنّ الرأي العام في بلادنا وفي بقيّة بلدان الوطن العربي.. يتذكر جيّدا درجة الامتعاض والفزع الذي كبّل الامبريالية الامريكية وامبراطورية الاتحاد الاوروبي من ثورة 14 جانفي الباسلة في تونس ومن ثورة 25 يناير المجيدة في مصر الشقيقة على حدّ السّواء.. بل انّ جميع أنظمة العمالة والرجعية في الوطن العربي وفي بلدان الخليج العربي قد غرقت بدورها في نفس كابوس الفزع من ثورة شعوبها كما انّه وبسرعة قياسية بدأت دوائر الرأسمالية العالمية وقياصرة الاتحاد الاوروبيّ وعنكبوت الرجعية الخليجية تحت اوامر امريكا في رحلات وزيار ات تشاورية مكّوكية ضمن مخطّط تخريبي مشترك وحازم لا غاية له سوى تطويق فعاليات الثورة الشعبية الوطنية في تونس وفي مصر علي السواء.. والسعي الحازم إلى التحكّم في مسارها ومحاولة تطويعه بدرجة اولي للمصالح الاستراتيجية للامبريالية الامريكية والاوروبية كما أنّ ضمن نفس ذلك المخطط التخريبي للمسار الثوري الوطني في تونس ومصر عملت امريكا والاتحاد الاوروبي وانظمة الرجعية الحاكمة عملوا جميعا سياسيا واعلاميا على افراع ثورة تونس وثورة مصر من مضمونها الاجتماعي والسياسي وتجريدها من طابعها الوطني الاصيل ولكن بالرغم من الماكينة الدعائية العدائية لمسار الثورات رغم الانتفاضات الاحتجاجية الهائلة المطالبة بالتحرر والعدالة الاجتماعية والكرامة وسيادة الوطن قد تصاعدت تماما واتسعت رقعتها الجغرافية وتجذّرت مطالبها فشملت الشعوب العربية وجماهيرها الكادحة المفقّرة والمحرومة في اليمن وليبيا والاردن وسوريا والجزائر والمغرب والسودان والبحرين، بل وحتى العراق الشقيق المحتل من طرف ايران وامريكا، بما فيه اقليم كردستان في شمال العراق...
ولقد استنتجت الدوائر الامبريالية الاستعمارية واباطرة رأس المال وديناصورات الشركات العملاقة متعددة الجنسيات والعنكبوتات المالية والبنكية في مصرف البنك العالمي وصندوق النّقد الدولي وبيوت المال في الخليج وبمؤازرة مؤثرة مباشرة من شبكات استعلاماتها واجهزة مخابراتها استنتجوا جميعًا ان الأوان قد آن بعدُ قبل فوات الاوان لاعادة ترتيب البيت المشترك الملوّث بين الامبريالية والرجعية» واعادة صياغة التحالفات الموبوءة وتحديد الاصدقاء الجدد القابلين للتواطؤ والعمالة من أجل غاية وحيدة لا غير: وهي محاولة ترويض النهوض الثوري الوطني للشعوب العربية والتضييق عليه قصد خنقه وتحجيم فعاليته واطفاء توهّجه وذلك باستمالة أيادي وحناجر حُلفاء قُدامى من داخل بلدان الوطن العربي نفسه ومن داخل تربة تونس ومصر بدرجة أولى قصْد افتكاك زمام السلطة السياسية عبر صندوق خشبي او بلاستيكي بريء وصامت تماما وغير قادر على الكلام وكشف المستور علي غرار جميع الصناديق التي نصّبت على كرسيّ الحكم أشنع قياصرة الديكتاتورية والاضطهاد والفساد في العالم وفي مقدّمتهم ميسوليني الفاشية في إيطاليا وهتلر النّازية في ألمانيا وبوش الاب وبوش الابن في امريكا، وبينوشي في الشيلي، ونوري المالكي في العراق المحتل، ورجب أردوغان في تركيا وأحمد نجادي حفيد الخميني في إيران وغيرهم بالعشرات...
الإستنجاد بالسلفية السياسية:
ففي مناخ من الفزع والارتباك والكوابيس الحقيقيّة التي أرّقتْ مضاجع الدوائر الامريكية والاوروبية والرجعية وارْبكت حسابات دهاليز الاستعلامات ومكاتب الدراسات وعصابات المخابرات التجأت امريكا والاتحاد الاوروبي لانقاذ مصالحها الاقتصادية والمالية والسياسية والثقافية في تونس ومصر على وجه التخصيص.. إلى مراجعة ملفّات تحالفاتها القديمة وأوراق اصدقائها القادمة على بنك الاحتياط، القابعين طيلة عقود داخل خلايا نائمة إلى أن يأتي اليوم اليوم الموعود...
فالامبريالية الامريكية والاوروبية تتفنّنُ دوْمًا في نسج عنكبوتات التحالفات الموبوءة المعادية للثورات وللشعوب المناضلة حتّى ولو كان ذلك مع الابالسة والشياطين، طالما انّ مصالحها الحيوية محفوظة ومضمونة حتّى ولو تطلب الامر في بعض الاحيان هذا التنازل الشكلي أو ذاك وهذا الحلّ الوسط المخاتل او ذاك: فالامبريالية، منذ بداية عهدها المشؤوم، لم يكن لها حلفاء دائمون على الاطلاق ولم يكن لها أبدًا اصدقاء دائمون بل ليس لها سوى مصالحها الخاصة ومطامعها الخاصة وأهدافها الخاصة قبل كلّ شيء آخر.. إلاّ الكيان الصهيوني!
ففي حالة تونس ومصر بوجه اخصّ، وفي الحالات المماثلة الاخرى تيقّنت امريكا والاتحاد الاوروبي تماما أنّ ثورة 14 جانفي المجيدة قد أحدثت شرخا هائلا في النظام الاستبدادي الفاسد والفاشي لجنرال الرّصاص والافيون بصورة لا رجعة فيها وانّ ثورة 25 يناير الباسلة قد أزاحت رأس النظام المصري وأركانه الاساسية وألغت الحزب الحاكم كما ان امريكا والاتحاد الاوروبيّ يعلمان علم اليقين بأنّ جميع القوى الوطنية الصادقة (السياسية والنقابية والحقوقية والمدنية الشعبية) في تونس ومصر على السّواء،، لن تمدّ اياديها اطلاقا للاستعمار الجديد المتخفيّ وراء حجاب الديموقراطية وحقوق الانسان...
وهكذا ومع مرور اسابيع قليلة على الثورة وجدت امريكا والاتحاد الاوروبيّ في جماعات السلفية السياسية المتحزّبة قشّة الانقاذ الوحيدة من الغرق وشرعت مبكّرًا في ماراطون المشاورات والزيارات (المعلنة وغير المعلنة) وعقد الصّفقات السياسية الخسيسة مع شيوخ «الاخوان المسلمون» (بقايا حسن البنّا) في مصر.. ومع شيوخ جماعة ما يسمّى «النهضة» وتوابعها في تونس الثورة...
كما تكفّل في نفس المضمار إمبراطورُ إمارة قطر، عرّابُ مشاريع الامبريالية والصهيونية والرجعية العربية، بمهمّة الاسناد المالي الضخم لاحزاب السلفية السياسية في مصر وفي تونس فيما اختار اردوغان العدالة والتنمية والصديق الاستراتيجي الوفي للكيان الصهيوني ولحلف النّاتو.. الاكتفاء بالاسناد السياسي والمعنوي والنّفسي.. فضلاً بطبيعة الحال عن امبراطورية أسامة بن لادن الفضائية (قناة الجزيرة بفروعها) التي تكفّلت بمهمّة الاسناد الاعلامي والدعائي الضّخم طيلة سنوات متتالية... كما انّ الطبيعة الاجتماعية والسياسية المتخزّبة في تونس ومصر من أجل العمل المشترك اللّئيم على الالتفاف على الثورة وخنق أنفاسها واخماد توهّجها التحرّري الاجتماعي والسياسي والوطني...
كما أنّه ينبغي أن لا يغيب عن الاذهان ولو لحظة واحدة أنّ مخطّط غزو السّلفية السياسية عبر صناديق الاقتراع البريئة تمّت طبخته بجميع تفاصيله داخل اروقة الدوائر الامبريالية الامريكية والاوروبية وفي قصور الرجعية العميلة في قطر والسعودية وفي مكاتب صديق الكيان الصهيوني وشريك الحلف الاطلسي العدواني الغاشم المدعو رجب أردوغان...
ففي حالة تونس ومصر على السواء.. رصدت بشرية الكرة الارضية بانقباض شديد، تلك المفارقة غير الطبيعية بالمرّة والغارقة في الشذوذ، والتي باحت بأنّ الذين كانوا غاڈئبين تمامًا عن فعاليات ثورة 14 جانفي و25 يناير.. ولم يساهموا في انجازها البتة لا من قريب ولا من بعيد، همْ انفسهم الذين رضي الله عنهم ورضي عنهم الصندوق في حين انّ القوى الوطنية والاحزاب الثورية وفصائل المجتمع المدني الديموقراطي وائتلافات شباب الثورة وطلائعها.. لم يحصّلوا على رضا الصندوق رغم دورهم الطليعي الميداني والحاسم في انجاز فعاليات الثورة وتأطير احداثها وتحصينها الكامل والوفاء التام لها ولشهدائها ومصابيها...
وضمن هذا المضمار تحديدا اصبح أبناء وبنات الشعبين العربيّيْن الشقيقيْن التونسي والمصري على علم تام بالحجم الهائل من الجرائم والخروقات الانتخابية التي حصلت في البلدين على حدّ السواء ومليارات المال السياسي الهائل الذي تدفّق من إمبراطورية قطر الخليجية وعبر المنظّمات والجمعيات الامريكية والاوروبية المشبوهة...
والحملات المسعورة في توظيف المعتقدات الدينية المشتركة بين جميع مسلمي الارض والسماء وتفعيل ماكينة التأثير العقائدي النفسي وشراء الذمم البريئة وطاحونة الوعود الانتخابية الزائفة بل وحتى التحرّش الانتخابي والمراودة الانتخابية المقرفة وغيرها... ففي ظلّ ذلك المناخ الفوضوي بلا رقيب حقيقي على علوية القوانين،، تمّ تشميعُ صناديق الاقتراع وانتهى المخطّط الأوّل بتصدّر شيوخ المدعوّة «النهضة» مقاعد المجلس التأسيسي وانقضاضهم (الانتخابي طبعًا!) علي المفاصل الأساسية للحكومة المؤقتة في تونس.. فيما باحتْ الدورة الاولى للانتخابات النيابية في مصر الثورة باكتساح السلفية السياسية ممثّلة في شيخ حزب الحرية والعدالة (الجناح السياسي للاخوان أحفاد المرشد العام حسن عبد الرحمان البنّا) ومعهم في نفس الاناء شيوخ المدعو «حزب النّور» باكتساحهم المدوّي والصاعق لمقاعد ما يسمّى «مجلس الشعب» واكتساحهم لتراب مصر الثورة اوكسيجينها ونيلها الازرق العظيم.
وكما لا يخفى عن كلّ ذي بصيرة فإنّ مشاهد السيناريو الذي حصل في تونس وفي مصر مرشّح تمامًا للحصول ايضا في بقية بلدان الوطن العربي سواء منها التي تعيش حاليا حالة انتفاضة شعبية أو التي تتهيّأُ لذلك المسار مستقبلا وفي جميع تلك الحالات المماثلة فإنّ مخطّط امريكا والاتحاد الاوروبي والرجعية الخليجية مازال قائما وسوف يظلّ ينتظر التنفيذ الفعلي في اليوم الموعود وبالايادي الموعودة.. أي شيوخ السلفية السيّاسية المتحزّبة، القابلة للعمالة والتّواطئ من أجل تخريب مسار الثورات والانتفاضات الشعبية وتطويقها وخنق طابعها التحرير الوطني حتّى ولو اقتضى الحال سرقة الثوة والاستيلاء عليها وتطويعها في اتجاه بناء نظام تيُولوجي ظلامي وظالمٍ متجبّر ولا يأخذ بالاعتبار سوى الحفاظ على مصالح امريكا والاتحاد الاوروبي الامبريالي ومصالح الرجعية العربية والتحالف الطّبقي الرأسمالي السائد.. من خلال اعادة انتاج نظام استبدادي عميل ومنغلق جديد، ليس بزيّ عسكري أو مدني بل هذه المرّة بالذات بجلباب «ديني» مخاتل ومزعوم يكرّسُ من جديد الاختيارات الاقتصادية والاجتماعية السابقة التي ولّدتْ التفاوت الطبقي الهائل والتفقير والبطالة المفزعة والجوع والعطش والثراء الفاحش للاقلية الكمبرادورية والرّشاوي والفساد والتهريب والدعارة المنظمة المقرفة التي دمّرت منظومة الاخلاق الرفيعة ونسفت الركائز العائلية وأفسدت الشباب ودنّست الصّبايا والنّساء وزرعت الأورام النفسية والاوبئة الجنسيّة الفتّاكة في صفوف اجيال متتالية فالامبريالية الامريكية والاوروبية تملك بين ثنايا أرشيفات مخابراتها شبكةً اسمية متكاملة لاحزاب وجماعات السلفية السياسة المتحزّبة (الموصوفة «معتدلة») الموجودة على بنك الاحتياط في تسعة بلدان عربية بالتمام والكمال وهي الجماعات التي تعوّلُ عليها امريكا والاتحاد الاوربيّ... ومساعدتها ماليا وسياسيا واعلاميا علي الاستيلاء على زمام المبادرة وغزو السلطة السياسية عبر الصناديق البريئة في تلك البلدان من أجل قطع الطريق امام الثورة وقواها الوطنية والثورية واجهاض المسار الثوري الوطني للانتفاضات الجماهيرية...
فالشبكة السلفية السياسية العنكبوتية في الوطن العربي حاليا تتضمّن الجماعات المتخربة التالية:
1 في مصر: أبرزُ هذه الجماعات تتمثّل أساسًا في حزب الحرية والعدالة تحت امرة الشيخ محمود غزلان ونائبه الشيخ أسامة ياسين إلى جانب شيوخ حزب الفضيلة وجماعة حزب النّور تحت إمرة الشيخ يسري حمّاد...
2 في الجزائر: الجماعات المعلنة عن نفسها هي: جبهة الانقاذ برأسيها الشيخ عبّاسي مدني، والشيخ علي بلحاج.. إلى جانب حزب النهضة، وحركة مجتمع السلم تحت امرة الشيخ ابو جرّة السلطاني فضلا عن جماعة الشيخ اء بالله...
3 في المغرب: حزب العدالة والتنمية تحت امرة الشيخ عبد الإلاه بنكيران وهو الذي يهيمن بالامس على 47 مقعد في البرلمان الملكي المغربي واستحوذ منذ أسبوعين في الانتخابية النيابية الاخيرة على 107 مقاعد كاملة دفعت بملك المغرب إلى تكليفه بتشكيل الحكومة القادمة من أجل تطويق انتفاضة الجماهير الشعبية المغربية واجهاض المسار الثوري الوطني لحركة 20 فيفري المغربية المجيدة وتكميم اصوات القوى الديموقراطية والاحزاب الثوريّة المنصهرة ضمن انتفاضة تلك الحركة الميدانية.
4 في الاردن: تحالفت جبهة العمل الاسلامي مع النظام الملكي شبه الاقطاعي وهي مشاركة منذ سنوات في البرلمان الملكي.
5 في السّودان: يتشكّل الاسلام السيّاسي من «حزب الامة» تحت امرة الشيخ الصادق المهدي وضمن نفس المرجعية السلفية السياسية، من المدعو «حزب المؤتمر الشعبي» تحت إشارة الشيخ البيولوجي حسن الترابي الشهير والصديق الشخصي الحميم جدًّا للشيخ راشد الغنوشي في تونس.
6 في اليمن: تتصارع السلفية السياسية ذات التركيبة القبلية بعضها منحدر من الاخوان المسلمين والبعض الاخر من سلفية القاعدة الجهاديّة، مع نظام عشائري وشبه اقطاعي من صُنْع الاستعلامات الامريكية ويتنفّس تحت الحماية المالية والعسكرية والسياسية المباشرة للامبراطورية الاقطاعية السعودية احدى قلاع الامبريالية.
7 في سوريا: ضمن تركيبة دينية وطائفية وإثنيّة شديدة التشابك (علويّون أكراد سُنّة وشيعة ومسيحيّون..) برزت حركة الاخوان المسلمين اضافة الى قوى وطنية تحررية مدنية داخل صفوف الحركة الاحتجاجية والانتفاضة الهائلة للشعب العربي السوري في كلّ ارجاء البلاد في مواجهة نظام بورجوازي متعفّن وتنكّر تماما لجذوره البعثية القومية التحررية وباع الجولان السوري للكيان الصهيوني، وقتل 4800 مواطن ومواطنة من المتظاهرين السّوريين، منهم 311 طفلة وطفل...
8 ليبيا: في خضمّ النزاع المسلّح الدموي بين الاجنحة الداخلية لنظام العقيد.. وبمساندة عسكرية ضخمة للغاية، ومالية واعلامية هائلة من أمريكا وفرنسا وبريطانيا، عبر قوات الحلف الاطلسي (الثوري جدّا!).. وبتواطئ مباشر من امبراطورية قطر وأردوقان العدالة والتنمية (الأطلسي جدًّا!!).. استولت جماعات السلفية السياسية منها والجهادية على زمام الامور..
حيث خاضت «الجماعة المقاتلة» الى جانب الاخوان المسلمين وجماعات مسلحة ومتدرّبة من المجاهدين الافغان وتنظيم القاعدة (من ليبيين وغير ليبيين) حربًا ضروسًا لاسقاط نظام العقيد وقتله بطريقة افغانية دقيقة وهي الحرب المدمّرة التي أزهقت أرواح اكثر من 40 الف مواطن ومواطنة ليبية...
9 في تونس: أمّا بلادنا التي حصّنتْها الطبيعة والتاريخ والفلسفية والحضارة من براثن التركيبات الدينية والطائفيّة والاتنية والعشائرية والقبلية المتشعّبة.. فإنّ نصيبها من رياح التيار السلفي السياسي قد انحصر والحمد لله في حزب «النّهضة» تحت امرة ابرز منظّري التيولوجيا في الوطن العربي، الشيخ راشد الغنوشي، اضافة الى قاعدة ارتكازه الاساسية والحيوية التي يمثّلُها المدعو «حزب التحرير» تحت امارة الشيخ رضا بلحاج وشيخ المعارك الميدانية «أبو أيّوب».
لقد مثّلتْ كافة تلك الاحزاب النّاهلة من ينبوع السلفية السياسية في التّسعة بلدان من الوطن العبري المذكوة آنفًا قاطرة القوى الاحتياطية ضمن حسابات امريكا والاتحاد الاوروبي لاستنجاد بها وبخدماتها السّخيّة كلّما انفجرت هنا أو هناك ثورة وطنية او انتفاضة احتجاجية..
أو حتّى نزاع مسلح داخلي ضمن النظام القائم (في حالة ليبيا نموذجًا) أو حرب أهلية أو ما شابهها (في حالة الصّومال والسّودان)... فالامبريالية الامريكية والاوروبية لا تمنحُ اموالها مجانا على الاطلاق ولا تُعطى الضوء الاخضر مجانا على الاطلاق ولا ترحّبُ أبدًا دون مقابل، ولا تصفّق وتهنئ بلا مقابل على الاطلاق: فأمريكا والاتحاد الاوروبي لا يقفان الا مع الطرف الذي يضمن لهما المصالح الحيوية للاستعمار الجديد والتبعية والالتفاف على ثورات الشعوب حتّى ولو كان ذلك الطرف منحدرًا ضمنها تمامًا.. وبراهينُ ذلك الترحيب الهائل والتهليلُ السياسي والدعائي الضخم من طرف امريكا والاتحاد الاوروبي والرجعية الخليجية وقياصرة الحلف الاطلسي والتصفيق الحار لفوز جماعات الاسلام السياسي في معركة الصناديق الاخيرة في تونس ومصر والمغرب والاردن، في انتظار بقية البلدان!
ومهما يكن من امر فإنّ الاتحاد العام التونسي للشغل والقوى الثورية والوطنية الوفية للثورة تعرف جيّدًا انّ الثورة مثل الدراجة.. حينما تتوقّف.. تسقط.. كما قال غيفارَا...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.