لم تشهد وزارة التربية منذ الاستقلال فترة عيسة حالكة المواد كالفترة التي تولّى ادارتها الصادق القربي. ولم نعرف في ما عرفنا وزيرًا تعرّض عند إعفائه من هذه الوزارة الى حملة على مواقع الأنترنات تطالب بمحاكمته بتهمة الفساد، الاّ هذا الوزير. ولكن عوض ان يحاسب أو ان يجمّد أرسل سفيرا الى القاهرة ولم يلبث ان عاد وتداول الناس آنذاك أخبار حول عودته السريعة لا تشرف الدبلوماسية التونسية! وبما أنّ ليس لنا مثيل له يقوم بالمهمة فعوضا ان يعفى عاد سفيرا بالمغرب الى قيام الثورة. فهذا الرجل لم يكن مُوفّقًا في ما تقلّد من مناصب في وزارات أخرى لا تقارن بوزارة التربية من حيث عدد المنتسبين إليها ومن حيث مشاكلها وبرامجها، فكيف به أن ينجح في هذه المهمّة؟ فكانت النتيجة المنتظرة أن أساء إلى التربية وعبث بمقدراتها وأفسد ما استطاع ان يفسد من حيث يدري لانفراده بالقرار نتيجة غرور مفرط واستقواء بأطراف فاعلة ونعني الحلاّقة ليلى التي كان خادمها ؟؟؟؟؟؟؟ 1) الفساد الأخلاقي كي لا أتوسّع في هذه النقطة نكتفي بالقول أنّ هذا الفساد كان يمارس في الديوان ولما فاحت رائحته وحتى يبعد الشبهات عنه اضطرّ الوزير الى طرد المسؤول عن التشريفات المقرب منه والذي انتدبه لهذه الخطّة غير الموجودة قبلة!!! 2) الفساد المالي: هناك ما أصبح معروفا عند الخاص والعام كالمنحة التي قدمها من ميزانية الوزارة إلى المدرسة الدولية بقرطاج والتي تناهز المليارين، وقد أعلن عنها بالرائد الرسمي حتى يعطيها الصبغة القانونية، لكن هل وقف الأ.ر عند هذا الحد في دعم هذه المدرسة؟ ألا يحقّ لنا اليوم أن نتساءل هل ساهمت وزارة التربية في تجهيز المدرسة؟ ألا يحقّ لنات اليوم أن نتساءل من كان يدفع رواتب الأساتذة والمعلمين العاملين هناك ونحن نعرف أن كلّهم قد وقع اختيارهم من بين مدرسي المدارس العمومية؟ ألا يحقّ لنا أن نحاول التأكد من مدى صحّة ما روج في شأن حظيرة توسيع مقر الوزارة التي أنجزها الجيش الوطني طيلة المدّة التي قضاها بالوزارة وكان يقال آنذاك أنّها ستنتهي بانتهاء أشغال الحظيرة الخاصة بمدينة سوسة. ألا يحقّ لنا أن نتساءل لماذا فتح الوزير الذي خلفه تحقيقا في ما يخصّ مستودع السيارات ثمّ أوقفه؟ الخ... كذلك نطالب بمحاسبة خلفه حاتم بن سالم لأنّّه توقّف التحقيق. 3) سوء التصرف الاداري: ونكتفي بذكر أمثلة منها حشو الديون بالملحقين والمكلفين بمهمة والمستشارين الذين من المفترض أن يكونوا من أهل الخبرة والاختصاص والمشهود لهم بالكفاءة، لكن الواقع كان غير هذا فالبعض منهم ممّن انتهت «صلاحيات استعماله» في أماكن أخرى والبعض منهم من لا صلة له بالتربية لا من بعيد ولا من قريب، وهؤلاء جميعا يتمتعون بكل الامتيازات من منح وسيارات وغيرها، لا تتناسب والخدمات التي يقدمونها لو افترضنا أنّهم يقدمون خدمات لصالح التربية. عدم الالتزام بمقاييس واضحة وموضوعية في تعيين المديرين المركزيين والجهويين وترقيتهم. الانتداب العشوائي والمشبوه للاطارات الأخرى بعد ظهور نتائج المناظرات بدعوى سدّ الشغورات. تحويل الوزارة إلى شعبة دستورية يصبح فيها خطاب الوزير في الاجتماعات الفنية التي تكون موسعة أحيانار خطاب دعاية «لفخامة الرئيس وسيادة الرئيس وسياتو وتوجيهاته السديدة» وما إلى ذلك من تلك اللغة الكريهة وقد تختم هذه الاجتماعات بتوجيه برقية ولاء وتأييد لسيادة الرئيس. أما تنقل الوزير في الجهات فظاهرة تفقد سير العمل التربوي وباطنه عمل حزبي اذ كثيرا ما تختم الزيارة الفولكلورية (لأنّه يستقبل بالموسيقى والكورال) باجتماع «شعبي» بمقر لجنة التنسيق يجند لحضوره رجال التعليم. ويود بعده الوزير فرحًا مسرورا محمّلا بالهدايا وباقات الورود كلّها مشتراة من أموال الشعب!! 4) الفساد البيداغوجي: انّ صحّ القول في نعت البيداغوجي بالفساد وهذا هو الأخطر في نظرنا لأنّ انعكاساته على تكوين الأجيال تكون أسوأ. فبمجرّد قدومه الى الوزارة ومن بين الاجراءات الأولى التي اتخذها هي تغيير مشروع نظام الباكالوريات الجديد الذي عملت على إعداده لجنة مختلطة من التربية والتعليم العالي وأقرّه الوزير السابق وشرعت الوزارة في التعريف به لدى كلّ من يهمّه الأمر. ثمّ تعطيل كلّ المشاريع التجديدية التي شرعت الوزارة في إنجازها لتطوير المدرسة والرفع من تحسين أدائها. فأوقف العمل بمشروع (التعلمات الاختيارية) أو ما سمي بالتعلم بطريقة مغايرة، وقد انتدبت له الوزارة مئات الأساتذة، وهو برنامج يهدف إلى تدريب التلاميذ منذ الصغر (الثامنة من التعليم الأساسي والتاسعة منه) على منهجية إنجاز مشروع، وكم نحن اليوم في حاجة إلى مثل هذا البرنامج الذي يهيئ التلميذ لتحديد توجهاته المستقبلية حسب قدراته واستعداداته واختيار مشروعه في الحياة، تهميش مشروع المدارس ذات الأولوية التربوية الذي خصّصت له الوزارة إمكانيات اضافية في اطار ما يسمّى بالتمييز الايجابي، عدم تفعيل أيّ فصل من فصول الأمر المنظم للحياة المدرسية، رغم ا فيه من ايجابيات خاصة في تركيز بعض المجالس داخل المدارس والمعاهد التي يكون التلميذ والولي اضافة الى المربّي الذي مازال في بداياته. تحويل مدارس المهن التي كانت تكون التلاميذ على اكتساب بعض المهارات الصناعية أو تعدّهم لاكتسابها عند خوض الحياة العمليّة الى ما سمّاها بالاعداديات التقنية وهو مشروع كلّف الوزارة أموالا لا تتناسب والتكوين الذي سيتلقاه التلاميذ، وهو مشروع كذلك ستبيّن فشله التقييمات الجادة ان حصلت. احداث الاعداديات النموذجية وهو مشروع مسقط لم يكن نتيجة دراسة أو حاجة تربوية ملحّة، خاصة ونحن لن نقيّم تقييما علميّا موضوعيا الى يوم الناس هذا مردود المعاهذ النموذجية التي أحدثت منذ عشرين سنة تقريبا. وممّا يدل على الارتجال والتفرّد في أخذ القرار هو الاشكالات التي أحدثتها هذه الاعداديات عند انطلاقها وحتى وصول الدفعة الأولى منها الى السنة التاسعة. تهميش إطار التفقّد وهو الاطار الوحيد في الوزارة الذي يتمتّع بحيّز من الحرية في ممارسة عمله والاستقلالية في أخذ قراراته، وذلك بترك التفقدية العامة للتربية التي تشرف على المتفقدين دون مدير عام، وإصراره الشديد وهذا هو الأخطر على إلحاق المتفقدين بالادارات الجهوية وجعلهم تحت اشراف المدير الجهوي الذي سيوجه عملهم وينظمه ويسند إليهم عددًا صناعيا في نهاية السنة الاّ انّ وقوف بعض المتفقدين المسؤولين بالوزارة ضدّ هذا التوجه جعل الوزير يرجئه مهدّدا بتطبيقه من حين إلى آخر حتى غادر الوزارة تاركًا المشروع فوق مكتبه. ما ذكَرْنا هو غيض من فيض لذا نعجب من أولئك الذين شنّوا حملة مطالبين بمحاكمة صادق القربي وهو ما زال فاعلاً في النظام القديم كيف سكتوا عنه اليوم،. لكن أنا أترقّب الحكومة الحالية الشرعية ووزير التربية الحالي أن يفتح تحقيقًا في الفترة التي تولّى فيهار هذا الوزير الاشراف على وزارة التربية وأن يكون تحقيقًا موضوعها مهنيا تقوم به جهة رقابية مختصّة خارجة عن هياكل وزارة التربية وعمّن مل مع هذا الوزير واستفاد. هذه مسؤولية الوزير الحالي أرجو ان ينجزها تطبيقًا للشعارات التي رفعت في الحملة الانتخابية، ووفاء لمبادئ الثورة التي من أهمّها مقاومة الفساد، والسكوت على هذا الأمر وعدم فتح مثل هذه الملفات، هو ودة الى الوراء وتشجيع لهذا الوزير ولمثله الذين خرجوا من الشباك وقد يعودون من الباب، ولا غرابة أن نجد من كان يحارب الزيّ «الطائفي» يتجوّل اليوم وعلى رأسه عمامة. إن لم تسرعوا اليوم بمحاسبة المخالفين، فستبقى دار لقمان على حالها، وستمرون من هذه الوزارة كما مرّ غيركم ويا خيبة المسمى ولتعلموا ان الساكت عن الظلم والحق شيطان أخرس. 1) عمر بنور متفقد عام للتربية 2) علي بالرايس أستاذ أوّل فوق الرتبة مدير معهد ثانوي