تونس تحتفل بعيد الشغل العالمي وسط آمال عمالية بإصلاحات تشريعية جذرية    دوري ابطال اوروبا.. التعادل يحسم مباراة مجنونة بين البرسا وانتر    شهر مارس 2025 يُصنف ثاني الأشد حرارة منذ سنة 1950    يظلُّ «عليًّا» وإن لم ينجُ، فقد كان «حنظلة»...    الاتحاد يتلقى دعوة للمفاوضات    تُوّج بالبطولة عدد 37 في تاريخه: الترجي بطل تونس في كرة اليد    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    قضية مقتل منجية المناعي: إيداع ابن المحامية وطليقها والطرف الثالث السجن    رحل رائد المسرح التجريبي: وداعا أنور الشعافي    القيروان: مهرجان ربيع الفنون الدولي.. ندوة صحفية لتسليط الضوء على برنامج الدورة 27    الحرائق تزحف بسرعة على الكيان المحتل و تقترب من تل أبيب    منير بن صالحة حول جريمة قتل المحامية بمنوبة: الملف كبير ومعقد والمطلوب من عائلة الضحية يرزنو ويتجنبو التصريحات الجزافية    الليلة: سحب مع أمطار متفرقة والحرارة تتراوح بين 15 و28 درجة    عاجل/ الإفراج عن 714 سجينا    عاجل/ جريمة قتل المحامية منجية المناعي: تفاصيل جديدة وصادمة تُكشف لأول مرة    ترامب: نأمل أن نتوصل إلى اتفاق مع الصين    عاجل/ حرائق القدس: الاحتلال يعلن حالة الطوارئ    الدورة 39 من معرض الكتاب: تدعيم النقل في اتجاه قصر المعارض بالكرم    قريبا.. إطلاق البوابة الموحدة للخدمات الإدارية    وزير الإقتصاد يكشف عن عراقيل تُعيق الإستثمار في تونس.. #خبر_عاجل    المنستير: إجماع خلال ورشة تكوينية على أهمية دور الذكاء الاصطناعي في تطوير قطاع الصناعات التقليدية وديمومته    عاجل-الهند : حريق هائل في فندق يودي بحياة 14 شخصا    الكاف... اليوم افتتاح فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان سيكا جاز    السبت القادم بقصر المعارض بالكرم: ندوة حوارية حول دور وكالة تونس إفريقيا للأنباء في نشر ثقافة الكتاب    عاجل/ سوريا: اشتباكات داخلية وغارات اسرائيلية وموجة نزوح..    وفاة فنانة سورية رغم انتصارها على مرض السرطان    بمناسبة عيد الإضحى: وصول شحنة أغنام من رومانيا إلى الجزائر    أبرز مباريات اليوم الإربعاء.    عملية تحيّل كبيرة في منوبة: سلب 500 ألف دينار عبر السحر والشعوذة    تفاديا لتسجيل حالات ضياع: وزير الشؤون الدينية يُطمئن الحجيج.. #خبر_عاجل    الجلسة العامة للشركة التونسية للبنك: المسيّرون يقترحون عدم توزيع حقوق المساهمين    قابس: انتعاشة ملحوظة للقطاع السياحي واستثمارات جديدة في القطاع    نقابة الفنانين تكرّم لطيفة العرفاوي تقديرًا لمسيرتها الفنية    زيارات وهمية وتعليمات زائفة: إيقاف شخص انتحل صفة مدير ديوان رئاسة الحكومة    إيكونوميست": زيلينسكي توسل إلى ترامب أن لا ينسحب من عملية التسوية الأوكرانية    رئيس الوزراء الباكستاني يحذر الهند ويحث الأمم المتحدة على التدخل    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    ابراهيم النّفزاوي: 'الإستقرار الحالي في قطاع الدواجن تام لكنّه مبطّن'    القيّمون والقيّمون العامّون يحتجون لهذه الأسباب    بطولة إفريقيا للمصارعة – تونس تحصد 9 ميداليات في اليوم الأول منها ذهبيتان    تامر حسني يكشف الوجه الآخر ل ''التيك توك''    معرض تكريمي للرسام والنحات، جابر المحجوب، بدار الفنون بالبلفيدير    أمطار بكميات ضعيفة اليوم بهذه المناطق..    علم النفس: خلال المآزق.. 5 ردود فعل أساسية للسيطرة على زمام الأمور    بشراكة بين تونس و جمهورية كوريا: تدشين وحدة متخصصة للأطفال المصابين بالثلاسيميا في صفاقس    اغتال ضابطا بالحرس الثوري.. إيران تعدم جاسوسا كبيرا للموساد الإسرائيلي    نهائي البطولة الوطنية بين النجم و الترجي : التوقيت    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    في جلسة ماراتونية دامت أكثر من 15 ساعة... هذا ما تقرر في ملف التسفير    ديوكوفيتش ينسحب من بطولة إيطاليا المفتوحة للتنس    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    شحنة الدواء العراقي لعلاج السرطان تواصل إثارة الجدل في ليبيا    الميكروبات في ''ديارنا''... أماكن غير متوقعة وخطر غير مرئي    غرة ذي القعدة تُطلق العد التنازلي لعيد الأضحى: 39 يومًا فقط    تونس والدنمارك تبحثان سبل تعزيز التعاون في الصحة والصناعات الدوائية    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أنا تقدمي وحداثي وتغمرني نخوة الانتماء للحضارة العربية الإسلامية
النقابي والحقوقي محمد علي الحلواني في حوار ل «الشعب»
نشر في الشعب يوم 21 - 04 - 2012

السيد محمد علي الحلواني حينما عقد العزم على تقديم ترشحه سنة 2004 لخوض معركة الانتخابات الرئاسية لم يكن نكرة في الأوساط السياسية و النقابية حيث انخرط في النشاط النقابي منذ التحق بالعاصمة سنة 1967 في سنته الأولى بكلية الآداب والعلوم الإنسانية 9 أفريل بتونس كعضو بالمكتب الفيدرالي في صلب الإتحاد العام لطلبة تونس ومشاركا في إعداد مؤتمره بالمهدية سنة 1969. ولما التحق بفرنسا لمواصلة دراسته بقسم الفلسفة بجامعة السربون كون مع ثلة من رفاقه لجنة المقاومة والعملcaluget إثر تكون حركة فيفري المجيدة 1972 بتونس. وكذلك تكوين الحركة الديمقراطية الجماهيرية (M.D.M).
تقلّد مهمّات عديدة في هياكل نقابة التعليم الثانوي أثناء تدريسه بمختلف المعاهد التونسية تعرّض أثناءها إلى مضايقات وإيقافات ولكنّ ذلك لم يمنعه من مواصلة نشاطه النقابي والحقوقي فقد أسسّ فرع رابطة حقوق الانسان بالمنستير سنة 1982 كما تابع نشاطه النقابي حينما التحق بكلية الآداب بالقيروان وصفاقس إلى أن عيّن عميدا بكليتها وهو عضو بالنقابة الأساسية. دخل حركة التجديد سنة 1991 من الباب الكبير حيث عيّن رئيس المجلس التأسيسي وفي سنة 2044 رئيسا للمكتب الوطني حين قدّم ترشحه لرئاسة الجمهورية. وكان آخر عهده بالانضمام إلى حركة التجديد سنى 2007 حين قدّم استقالته بسبب اختلاف سياسي على خطّ الحركة و عملها ويقول إنها مآخذ جدّية وجوهرية... واليوم تفرغ للنشاط في المجتمع المدني كعضو مؤسس لمنتدى المواطنة والتفكير بجهة صفاقس. الشعب التقت به وطرحت عليه بعض الأسئلة فلبىّ الطلب مشكورا وأجاب بما يلي:
•ما هو رأيكم في تقدم أشغال المجلس التأسيسي إلى اليوم؟
لا جدال في أن أشغال المجلس التأسيسي تتقدم ببطء شديد إلى درجة أن الصبغة التأسيسية لهذا المجلس باتت مهددة. والسبب في نظري هو انتهاج «الترويكا» سياسة أولويّة بسط النفوذ على دواليب الحكم بينما كان من الأجدر بالنسبة إلى حكومة انتقالية أن تتوخي سياسة إنقاذ وطني تعمل أساسا على تصريف الأعمال ضمن حكومة ائتلافية تستنبط الحلول العاجلة لكبرى الملفات التي أرهقت الشعب التونسي زمن الطغيان والفساد وتحفظ سلامة الدولة وأمن المواطنين. وكان لا بد على هذه الحكومة المؤقتة أن تنأى عن كل تمش لا يحترم الصفة التأسيسية للمجلس من شأنه أن يعطل عملية كتابة الدستور لهذا السبب إذن أرى أن الامتناع عن ضبط أجندا دقيق للانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة مؤشر خطير على انزياح السلطة الحاكمة عن المسار السليم.
• هل تعتبرون أن التوافق حول الفصل الأول من الدستور يضمن مدنية الدولة ونأيها عن التجاذبات العقائدية؟
إن إقرار حزب النهضة بعدم تضمين الشريعة صلب الدستور وبإبقاء الفصل الأول منه على الصيغة التي ضبطها دستور البلاد الأول هو في الحقيقة أمر قد حصل حوله توافق بين كل التونسيين منذ انبعاث الدولة التونسية بعد الاستقلال إلى يومنا هذا. وما التجاذبات والمجادلات التي طفحت بقوة على الساحة السياسية حول تضمين الشريعة من عدمه إلا محاولة فاشلة من قبل التيارات السلفية بمختلف تمظهراتها لزعزعة ثقة المواطنين الراسخة في صحة التوجه العام للبلاد نحو بناء «الدولة المدنية» على أسس اجتماعية عصرية وحضارية سليمة، تأبى التقوقع داخل قوالب جاهزة، قديمة كانت أو حديثة.
ولكن، هل يمكن اعتبار بقاء الفصل الأول من الدستور ضمانا كافيا «لمدنيّة» الدولة كما جاء في السؤال، علما وأن البعض يرى أن مجرد انتساب الدولة إلى مرجعية دينية مهما كانت، إنما يُفقد الدولة مقومات المدنيّة فيها؟ أرى من وجهة نظري أن المقصود من مقولة «مدنية الدولة» ليس كما يظن البعض نفيا بالضرورة لكل تأثّر أو حتى استلهام من الفكر الديني أو العقائدي أو الحضاري والفكري بصفة عامة، بل القصد منه هو فقط وجود آليات دستورية وقانونية وسياسية تضمن سيادة وعلوية واستقلالية المؤسسات المنتخبة ديمقراطيا عند صياغة وسن كل القوانين، شريطة أن تنضبط المؤسسات النيابية لمبادئ الدستور الجمهوري وللمواثيق الدولية. إلا أن هذه الضمانات تظل منقوصة طالما لم تُحصّنها من جهة أخرى آليات المجتمع المدني والسياسي من نقابات فاعلة وأحزاب سياسية معارضة قوية وجمعيات مدنية نافذة من حيث كونها قوى مضادة مشروعة، تسهر على مراقبة وتصويب العمل الحكومي وأيضا على المنافسة السياسية في المحطات الانتخابية. ولأجل ذلك فلا مناص من التجنّد، كل من موقعه، لخوض الصراعات السياسية والفكرية و الاجتماعية التي تضمن لنا الانتقال الديمقراطي الذي نريده جميعا تحقيقا للمجتمع المتقدم والحر الذي نصبو إليه، إذ الدستور في حد ذاته، ومهما كان سليما في صياغته النصية، فإنه يبقى مجرد إطار أو شكل مجرد لا تدب فيه الحياة إلا بالروح النضالية التي يبثها فيه المناضلون.
• هل ترون أن الجدل القائم في الساحة السياسية يترجم عن مشاغل التونسيين؟
ما نعيشه يوميا من تدافع اجتماعي وفوضى وهتك للحرمات والحريات ونهب للأرزاق ومن احتقان إيديولوجي خطير إنما ينبئ في الحقيقة بتصدّع رهيب بين أبناء الوطن الواحد، وهو يذكرني بصراعات العصور الوسطى حيث كان الناس يتقاتلون لمجرد الاختلاف الديني أو المذهبي، والحال أننا نعيش في القرن الحادي والعشرين، عصر «منطق الاختلاف» ضمن المشروعية الديمقراطية، حيث يُحترم المعتقد وتُقدس الحريات الفردية والجماعية. فبينما تُهمشُ قضايانا الاقتصادية ويُستهزأ بمطالب العمّال الشرعية وتذهب هدرا طاقات شبابنا المعطّلين وينعدم الأمن على الأرواح والممتلكات، تنتاب البلاد رغم هذا الوضع المأساوي المرير، حملات دعوية ماضوية استفزازية وتهديدات صريحة بالتكفير والقتل تبعث الرّعب في قلوب المؤمنين والناس أجمعين، وتُحبط على مستوى الاستثمار الداخلي و الخارجي أي نية جديّة في رفع التحديات الاقتصادية والأمنية والمعيشية بعد الثورة. والرأي عندي، أن ما يحدث الآن في بلادنا مرده في آخر الأمر استخفافٌ نظري تام من قبل السياسات اليمينية والرجعية المتطرفة، وأعني الاستخفاف بالمقومات الحقيقية لنهضة الشعوب المعاصرة من حيث هيكلتها الفكرية والعلمية والتكنولوجية والاقتصادية، فضلا عن ابتعاد هذه السياسات الرجعية كل البعد عن المقومات السياسية والحضارية للدول الحديثة في عالمنا الحاضر.
• ما هي أهم مواطن الضعف في الحركة اليسارية التونسية حسب تشخيصكم؟
إلى جانب نقاط القوة التي يعرفها كل من عاشر نضال اليساريين ضدّ الظلم والفساد منذ أكثر من نصف قرن، هناك في الواقع نقاط ضعف كثيرة يمكن نسبتها إلى اليسار التونسي، ولكنها في الحقيقة نقاط ضعف لا تنسب إلى اليسار وحده بل أيضا إلى كل التيارات السياسية الأخرى. ومن أهم مواطن الضعف في رأيي اعتماد أغلب التيارات السياسية المنظومات الفكرية والنظريات الاقتصادية والسياسية التقليدية، سواء الليبرالية أو الاشتراكية، على النمط الذي صاغه المؤسسون الأول في القرن التاسع عشر لتفسير ومعالجة أزمات النظام الاقتصادي الرأسمالي في أوروبا آنذاك دون أن يهتدي المعاصرون عموما والمفكرون العرب خصوصا إلى تأصيل جديد لهذه النظريات، حتى تتم أقلمتها أو تطويعها لتصبح أدوات نظرية صالحة لتفسير المجتمعات النامية ومعالجة أوضاعها من حيث كونها مختلفة جوهريا عن كوكبة البلدان المصنعة والمتقدمة، وهو ما يفسر التباعد الموجود حاليا بين المنظومات الفكرية السياسية اليسارية أو الليبرالية من جهة، والواقع المعيش من جهة أخرى. ولهذا السبب أرى أن كل التيارات السياسية في بلادنا تشكو في الحقيقة من قلة الاجتهاد في استنباط برامج سياسية تكون معبرة بصدق عن الواقع المجتمعي الحي. ولا تشذ في اعتقادي التيارات الإسلامية عن هذه القاعدة باعتبارها لا تزال هي أيضا تتخبط في معضلة تحديث الإسلام أو أسلمة الحداثة.
ولا بد هنا من إضافة هنة أخرى طالما عانى منها اليسار التونسي هي معضلة «الزعامتية» و«الانقسامية السرطانية» التي أصابت جل التيارات اليسارية، ولعل ما يحصل الآن من تحالفات للقوى التقدمية بداية وعي بضرورة الكفّ عن تكوين ما يشبه «النوادي السياسية» للنخبة والرجوع إلى أصل العمل الحزبي باعتباره عملا جماهيريا أو لا يكون. وأصل الداء لهذا التشرذم هو الدوران في الحلقات المفرغة التي يغذيها الفكر «البرج عاجي» البعيد عن مشاغل الناس المعيشية الحقيقية في الأحياء الشعبية والجهات والأرياف. فمتى ستكف أغلب أطياف اليسار عن التغني بشعارات صورية لا تتماشى في واقع الأمر إلا مع فئات مثقفة ومحضوضة قليلة العدد والجاه، بيد أن مجال اهتمام هذه الأحزاب ومحور عملها الطبيعي هو الانحياز للطبقات الكادحة؟
• هل تعتبرون أن الحل في التكتل تحت شعار الحداثة و المجتمع المتفتح؟
تدخل عادة الأحزاب في تكتلات ليصلب عودها بضخ طاقات بشرية جديدة في صفوفها فضلا عن الاستفادة من تجارب الآخرين و«رسملتها» لفائدة المجموعة الكبرى المتوحّدة. ولكن رغم ذلك يبقى السؤال مطروحا إن كان مجرد توحيد الجهود إجراءا كافيا لضمان نجاح المجموعة وهي في وضع الائتلاف الجديد بينما قد أخفقت الأطراف المكونة، كل على حدة، في إنجاز المهام المنوطة بعهدتها؟ هذا في الحقيقة، سؤال تقليدي يُطرح في كثير من مجالات الحياة بما في ذلك المجال السياسي. والرأي عندي، أن ثمة وجاهة في التشكيك في مثل هذه الآلية، إذا ما تم اختزالها في مجرد «لم الشمل» دون الوعي بأن قواعد اللعبة في المجموعات تختلف كليا عن قواعد اللعبة في العناصر المكونة لها. وأعني بالتحديد أن تجميع الإخفاقات والفشل لا يخلق تلقائيا القوة من العدم أو من ما يشبهه، إذ لا بد من أن يُساير عملية التجميع ويوازيها، القطعُ الواضح مع التصورات والممارسات السابقة، تلك التي كانت ضالعة في ضعف فاعلية الأحزاب وهي على صيغة المفرد.لذا فإما ستبقى هذه التكتلات مجرد عملية تجميع للأصوات داخل المجلس التأسيسي – وهو عمل يظل مقبولا رغم محدوديته – وإما سيكون هذا التجميع عملا جديدا و مبدعا ذا مردود سياسي أرقى، فتحصل بالفعل من خلاله القفزة النوعية التي ستمكن اليسار من لعب دوره الاجتماعي والحضاري الثوري الراجع له في هذه البلاد.
أضيف فقط أن الخطأ كل الخطأ أن يتقمّص اليسار طوعا أو تحت ضغط الأحداث، أدوارا ليست أدواره الطبيعية. لذلك أقول إن التّملص أو الخشية من الدفاع عن الحداثة مثلا بدعوى معاداة الرأي العام لها أمر مؤسف لأنها مغالطة للنفس قبل أن تكون مغالطة للغير إذ لا يعادي الحداثة في واقع الأمر إلا أصحاب الإيديولوجيات الرجعية واليمينية المتطرفة، وهم خصوم لكل فكر تقدمي في الواقع. فكيف يُذعنُ للخصوم في أمهات المسائل مع كونها أساس الاختلاف؟. بل هذا في الحقيقة تصرف سياسي أرعن لأن توطين الحداثة هي مطلبنا الصميم كما أن الدولة المدنية هي وسيلة المجتمع «لدمقرطة» السياسة في ربوعنا كما هي أيضا وسيلة المجتمع لدعم الإصلاحات الجارية على أصعدة الحقوق والاقتصاد والتعليم والحريات والمساواة التامة بين الجنسين, وعليه لا مجال للتنازل عن بعض المفاهيم الأساسية لليسار لأن دلالاتها تعبر نظريا وسياسيا عن حقيقة المشروع المجتمعي الذي يتبناه كل التقدميين باعتباره مشروعا يطمح إلى إرساء قواعد تنمية وطنية سليمة، بعيدة كل البعد عن التصورات الإيديولوجية الخارجة عن التاريخ وعن «اليوطوبيات» الصّفويّة الرائجة.
• هل يمكن أن تحقق إثارة المشاغل الاقتصادية والاجتماعية عمقا شعبيا للحركة اليسارية؟
يعرف الجميع أن الأحزاب اليسارية سليلة الحركات الاجتماعية بامتياز ومن أهمها الحركة النقابية، وهي لذلك أحزاب من صلب المجتمع، تؤطّره وتسعى لتطوير نضالاته. بل ما دام اليسار لا ينفك مبدئيا عن المشاغل الاقتصادية والاجتماعية، فمن المفروض أن لا يتحرك إلا من صلب هذه الاهتمامات ومن أجل تحقيق أهدافها. ولكن مثلما ذكرت سابقا، لا الفكر اليساري قد اهتدى فعليا إلى متطلبات واستحقاقات العمل الميداني الشعبي، ولا النظام الاستبدادي السابق قد مكّنه من تجميع قواه وصقل أطروحاته لتمتدّ عروقه عميقا في الأرض. ولكن رغم كل هذه العراقيل يبقى مطلب تجذير الحركات اليسارية على أرض الواقع مطلبا قائما بعد الثورة، خصوصا أن أغلب قوى اليسار قد شرعت منذ مدة في تجديد نفسها إيديولوجيا وسياسيا لمواجهة هذه الاستحقاقات.
• كيف تفسرون التناقض المتمثل في نفور الطبقات الشعبية الكادحة من اليسار واتجاههم إلى الحركات اليمينية؟
بقدر ما أعترف بأن تباعدا ملحوظا يوجد بالفعل، بين نوعية السياسات المتبعة من قبل أغلب الحركات اليسارية وبين تطلعات الطبقات الشعبية الكادحة، فإني أأكد أن ليس ثمة نفور بينهما البتة، بدليل أن التونسيين لم يتخلّوا يوما واحدا، من خلال نضالهم الوطني والنقابي والجمعياتي، عن جوهر ما تناضل من أجله التيارات والحركات اليسارية ألا وهي مبادئ العدل و الحرية والمساواة و الكرامة و الديمقراطية التي تُبنى على أساسها المجتمعات المعاصرة؛ وغاية ما في الأمر أن اليسار يمثل هذه التطلعات سياسيا، بينما تمثلها النقابات والجمعيات مهنيا واجتماعيا، بحيث، لابد من معاكسة السؤال بالبحث عمن له مصلحة في ترويج «تهمة النفور» بين الطرفين ومن يتاجر بها.
ولعل أصحاب المشاريع السياسية الرجعية والاستبدادية هم الذين لهم مصلحة كبرى في الترويج والتسويق لقطع الصلة النضالية الطبيعية بين القوى السياسية التقدمية والديمقراطية وبين الجماهير الشعبية، خشية أن يتم التلاحم التاريخي في بلادنا بين النضال النقابي والاجتماعي من جهة والسياسات الحداثية المعبرة بحق عن ذلك النضال صلب الحركات اليسارية. وبالمناسبة، لا بد من تفنيد مزاعم هذه المشاريع الاستبدادية والرجعية التي تتهم اليسار بمعاداة الدين لأنها أكذوبة لم تعد تنطلي على أحد الآن، لاسيما أن المسألة العقائدية لا تدخل البتة في معادلة الفكر الديمقراطي و التقدمي لا لشيء إلا لأن الناس في النُظم الديمقراطية أحرار في معتقداتهم، إذ ما يجمعهم رغم إمكان اختلاف المعتقد، هو فقط شرف المواطنة في كنف «الدولة المدنية» لا غير. ولابد إذن، بعد تعديل القول وتصويبه، أن يفهم الجميع أن ما قامت من أجلة الثورة المباركة ليس إعادة «فتح» البلاد التونسية من جديد كما يظنه الإسلام السياسي ولكن إعادة بناء الدولة على قواعد ديمقراطية سليمة وعلى مبادئ اقتصادية واجتماعية تعدل بين الجهات والفئات وتشغل الشباب فضلا عن مناهضتها لليبرالية المجحفة وانتصارها لقضايا كل المنتجين الوطنيين.
• كنتم قد ترشحتم للانتخابات الرئاسية في العهد السابق فلماذا نأيتم عن العمل السياسي و قد اتسع مجال الحريات بعد الثورة؟
أعتبر أن العمل السياسي كما يُقال، فرض عين على كل مواطن ومواطنة، وقد يؤدي كل واحد منا هذا الواجب من مواقع مختلفة في سلم المسؤوليات، أي من مجرد المشاركة في الانتخابات، وهو أضعف الإيمان، إلى الترشح إلى أعلى مناصب الحكم. و لكن، عندما تحملت، مع مناضلي «المبادرة الديمقراطية»، مسؤولية الترشح ضد ابن علي و قبلت خوض الانتخابات الرئاسية سنة 2004 في أحلك ظروف الاستبداد والقمع، كان هدفنا بالأساس هو كسر جدار اللامبالاة والخوف والرعب الذي أطبق على البلاد و أرهق الناس. ولكن الآن وقد اتسع مجال الحريات بعد الثورة، انشغل كل الناس تقريبا بالسياسة ما دام لم يعد هنالك موجب للخوف على الأرواح و الأرزاق، وبرزت طاقات وكفاءات شابة ومتحمسة للعمل في المجال السياسي وقد شجعني هذا في الحقيقة على اتخاذ مسافة بيني وبين السياسة النشيطة خاصة إثر مغادرتي العمل الحزبي سنوات قبل الثورة بعد أن قدمت استقالتي من حركة التجديد مباشرة بعد مؤتمر 2007 جراء خلاف جوهري حول الهوية السياسية الجديدة للحزب بعد انفتاحه على القوى الديمقراطية و أيضا حول طبيعة العمل السياسي الميداني في ضوء الظروف القمعية القائمة آنذاك. أما اليوم، وفي ضوء التجارب الماضية ومستجدات الصراعات السياسية الراهنة، أعتقد أن بلادنا تمر بمرحلة حرجة وخطيرة تهدد بتشويه أو نسف مكتسبات النمط المدني للدولة وللمجتمع. وتقتضى في رأيي هذه المرحلة من كل الأطراف الديمقراطية والحداثية، السياسية والنقابية والجمعياتية، إعادة حساباتها من جديد لأن ما يحصل على أرض الواقع، من شأنه أن يفرض على مختلف القوي السياسية الرجوع إلى المربع الأول للنضال. وإن سألتني :كيف وبأي وسيلة وفي أي إطار؟ أجيبك بالانهماك أولا في معترك الحياة الجمعياتية والنقابية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.