عيد ثان للعمال ينقضي بعد الثورة يشارك فيه التونسيون المنتفضون على الدكتاتورية والاستبداد... عيدان مرّا ومن حقنا أن نقيّم، رغم أن أصواتا عديدة اليوم قد تعالت داعية إلى «ترشيد» أي تقييم وإن لزم الأمر وقفه، بل خًطًت أبعد في تجريم كل المعجم المتصل بالتقييم بما في ذلك المعجم الحاف والقريب كالحصاد مثلا والحصيلة والنتيجة وغيرها... خوفا من الانزياح نحو كل دلالة قد تحيل إلى التقييم ... قلت من حقنا أن نقيّم وأن نقيّم من وجهة نظر العمّال الذين علّقوا آمالا كبيرة على ثورة 14 جانفي المجيدة ولهم فيها انتظارات كثيرة ... العيد الأوّل انقضى ونشوة الانتصار على رأس نظام بائد جمع كل شرور الدنيا لازالت تعتع رؤوس الكثيرين... مّر العيد الأوّل بعد أن تمّ تأخير موعد الانتخابات في إطار توافق قصري لعلّ أغلب مجرياته قد تمّت وراء الكواليس، ولكن بقيت جلّ مطالب الثورة معلّقة لتوكل مهمّة متابعتها وإنجازها إلى حكومة ستأتي بها الانتخابات لاحقا، واكتفت الحكومة السابقة بملاحقة الأحداث وإطفاء الحرائق بعد إشعالها دون أن يستتبّ أمن ولا استقرار اجتماعي ولا أن تتحرّك العجلة اقتصادية... لقد كانت الحصيلة توجّه سلبية النموّ نحو الصفر، إلاّ أنّنا نستطيع أن نقول أنّ عوامل عديدة قد تضافرت لتعقيد الوضع وقد زاد أداء الحكومة بل لنقل بالأساس أنّ توجّهها السياسي الترقيعي والاستنساخي لوصفات النظام السابق - بحكم استمرار رؤوس أجهزته في إدارة دفّة الدولة وإصرار حكومة السبسي على بقائهم- قد عمّق الأزمة ولم تستجب لتطلّعات شعب نادى بالحرية والكرامة ،وشباب معطّل طلب الشغل بوصفه استحقاقا، وجهات طالبت بالعدالة في التنمية بعد طول حرمان وتهميش.. لقد كانت بكل وضوح مجرّد حكومة وقتية لتسيير الأعمال، لكنّها لم تخف انزعاجها «المعتدل» من التقييم وضيق صدر عدد من أعضائها بالنقد ... جاء العيد الثاني بعد أنّ مرّ على إنجاز الانتخابات قرابة السبعة أشهر عشنا فيها بين عسر ولادة الحكومة وتشكيل أعضائها وبين طلبات الهدنة و الإمهال بمائة يوم - وفق المعايير الدولية - وبين آلام التعثر والتخبّط والأخطاء و وبين غموض الوضعين الاقتصادي والاجتماعي والتباطؤ في صياغة الدستور - تلك المهمّة الرئيسة التي تمّت من أجلها الانتخابات في 23 اكتوبر 2011 - وغياب خارطة الطريق لما بعد مرحلة وضع الدستور... والملفت في هذه الشهور الثقيلة أنّنا نجد أنفسنا كلّ يوم تقريبا أمام ظواهر وسلوكات وشطحات غريبة عن مجتمعنا بعيدة عن أهداف الثورة ترواحت بين صولات وجولات الأدعياء وفتوحات السلفيين والتصريحات النارية للمسؤولين بتخوين كل رأي مخالف للحكومة وتجريم كلّ تحرّك شرعي للمواطنين، ولم تغب في كلّ هذه المعارك الهامشية الغزوات التي تستهدف الإعلام وآخرها ما تعرّض له العاملون في التلفزة الوطنية من حصار واعتداءات وتحرّشات وتهديد بالبيع لمرفق عمومي- بل وصلت السخرية للتهديد ببيع العاملين تماما كما في سوق النخاسة - في حين تبقى الملفّات الأساسية كالتشغيل والتنمية ومقاومة غلاء المعيشة والارتفاع الجنوني للأسعار وتعمّق نسب الفقر والبطالة ومستوياتها ومحاربة التهريب بشتّى أنواعه بما فيه تهريب السلاح بعد تهريب قوت التونسيين ومحاسبة الفساد وإنصاف شهداء الثورة وجرحاها ومحاكمة رموز النظام الذين عاثوا في البلاد فسادا... وغير ذلك من الملفات العالقة التي تبحث عن حلّ عيل صبر الناس وهم ينتظرونه.. لم يعد هناك وقت لمزيد هدره ،لأنّ من أكبر الأخطار التي تتهدّد الثورة والتي يعوّل عليها أعداء الثورة هي هدر الوقت وإضاعة الفرص والتعنّت بالإصرار على الخطأ رغم العلم به.. فهل سيكون الاحتفال بالأوّل من ماي 2012 دافعا للمراجعة ينزع فتيل التوترات الاجتماعية ودفعا لتوافق التونسيين على خريطة طريق واضحة المعالم؟؟؟ نأمل في ذلك فالأعياد تكون لتجديد الأمل ...