هبة زكريا البحيرة (مصر)– رغم سنواته القليلة كنائب.. إلا أنه يبقى أحد أركان التجربة البرلمانية الإخوانية في مصر خلال الربع قرن الأخير.. فخلال عامين قضاهما كنائب أثار العديد من القضايا اللافتة، كان أهمها محاولة إحياء تقنين الشريعة الذي أقره المجلس في برلمان 1979، كما يمثل رأيه ورؤيته وخبرته السياسية إحدى المرجعيات الهامة للعديد من مرشحي الإخوان السابقين والحاليين. إنه د.جمال حشمت القيادي البارز بجماعة الإخوان المسلمين والنائب عن دائرة دمنهور في برلمان عام 2000 الذي تناول بالتحليل والتقييم التجربة الإخوانية البرلمانية منذ انتخابات 1984 وحتى اليوم خلال حواره أجراه مع "أون إسلام.نت". وأقر د.حشمت في الحوار بأن "أداء بعض نواب الإخوان خاصة في برلمان 2005 كان به العديد من المشكلات نظراً لأنهم لم يكونوا مؤهلين لهذا الدور"، مرجعاً ذلك إلى أنه "لم يكن أحد يتوقع أن ينجح 88 نائباً" ول"مشكلات تعتري آليات اختيار مرشحي الجماعة". بيد أنه أكد أن التجربة البرلمانية للإخوان خلال ربع قرن "جيدة في مجملها.. وزادت من شرعية الجماعة شعبياً.. وأعطت زخماً للحياة السياسية المصرية.. ودفعت بصبغ مصر بالصبغة الإسلامية في مواجهة مشروعيّ صبغتها بالصبغة العلمانية أو المسيحية.. وأخرجت الجماعة ذاتها من القوقعة والتمحور حول حماية ذاتها"، مؤيداً قرار المشاركة في انتخابات 2010 لأنها "انتخابات فارقة.. ومقاطعتها لصالح النظام لا ضده.. كما أن القرار في النهاية اجتهاد.. إن أصبنا فلنا أجرين وإن أخطأنا فلنا أجر"، بحسب قوله. وتعددت جوانب الحوار لتشمل تأثير ربع قرن من الممارسة الانتخابية للجماعة على خطابها السياسي والاجتماعي، ومواقفها من القوى السياسية الأخرى، وشعبيتها في الشارع المصري، بل وعلى الداخل الإخواني كذلك وجدلية النقاش القائم حول فصل المسارين السياسي عن الدعوي.. وفيما يلي تفاصيل الحوار: # كيف ترى نتاج ربع قرن من الممارسة البرلمانية للإخوان؟ كان لذلك أهمية في استكمال ما بدأ عام 1976 بترشح الشيخ صلاح أبو اسماعيل، وعام 1979 بانضمام الأستاذ حسن الجمل إليه، فبعد الانتهاء من تقنين الشريعة الذي أقر بمجلس 79 وضعت القوانين بالأدراج، وعندما حاولت وأنا نائب معاودة إحياء الأمر، وأرسلت سؤالاً للدكتور فتحي سرور رئيس المجلس حولها، قال إنها في ذمة التاريخ وعلى من يريد أن يحييها أن يعيد تقديمها مرة ثانية، بحثنا في أرشيف المجلس فلم نجد لها أثراً، ثم وجدناها لدى أبناء بعض نواب مجلس 87، فأعدنا طرحها وتقدم النائب حسين محمد عام 2003 بتعديل وافق عليه المجلس نهاية السبعينات بتجريم بيع وتوزيع الخمور، ولم يفل فيه المجلس حتى اليوم. كذلك نجحنا في تغيير نموذج النائب لدى الناس، من نائب المصالح الذي لا يؤدي خدمة سوى بمقابل، ويستأثر بكافة المميزات لنفسه وأهله وحاشيته، لنائب قادر على مواجهة الحكومة وكشف قضايا الفساد، وتقديم حلول وتشريعات تخفف من حالة الاحتقان. ويمكنني القول إنه لولا وجود الإخوان والمعارضة القوية في هذه الفترة لكان الأمر غير الأمر، ولم تظهر التفاعلات والحركات الاجتماعية التي ظهرت في الشارع، ولا التصدي لحالات التعذيب وغيرها، بالإضافة إلى فضح تزوير الحزب الحاكم وتآكل شعبيته. # ماذا عن أثر المشاركة على الجماعة نفسها من حيث المتغيرات التي طرأت على خطابها السياسي والاجتماعي؟ كما أثرت على المجتمع أثرت أيضاً على الإخوان، فتصوري شخص يتربى منعزلاً عن الناس كيف سيكون سلوكه وتفهمه وقدرته على التواصل، مقابل شخص يتربى في جو انفتاحي، ولذا أنا قلت مرة لضابط أمن الدولة: أنتم فعلتم كل شيء في الإخوان ولم تصلوا لنتيجة سوى إصرار أصحاب الفكرة على فكرتهم، لو أردتم أن تفعلوا شيئاً مؤثراً في الإخوان "بحبحوها لهم شوية"، وأقصد من ذلك أن البحبحة (إتاحة المجال أمامهم) ستمثل مناخاً جديداً على الإخوان سيعانون فيه شيء من التخبط لأنهم اعتادوا جو التضييق. انفتاح الإخوان فيه الخير لمصر والخير لأنفسهم لأنه في ظل التضييق كل شخص يهتم بحماية تنظيمه، ومن ثم يؤجل الهدف الأكبر لخدمة الوطن، لذلك وأنا خارج مرة بعد فترة اعتقال التقاني مفتش أمن الدولة وكان ذلك عشية العيد، وطلب مني ألا ننظم المسيرات التي اعتدناها في هذه المناسبة، فقلت له إنني مرهق بعض الشيء لكنني سأشارك لأن فيها إحياء للسنة، فقال لي: ولماذا ترفع راية الإخوان خلال تطبيق السنة، فأجبته أن هذا سؤال وجيه ولكن ما نقوم به هو رد فعل وليس فعل، فطالما كان هناك تضييق كلما كان هناك محاولة لإثبات الوجود ورفع الشعار والهتاف، وقد يرفع الشعار في المكان الصحيح وقد يرفع في المكان أوالوقت الخطأ، ولكن هذا نتيجة التضييق الذي يجعل التنظيمات تنشغل بحماية نفسها وإثبات وجودها في كل ما تقوم به. ولذا فإن فكرة الإخوان في استثمار الانتخابات لنزول الشارع كان هدفها الخروج من هذه القوقعة، ولكن هذا كان يحتاج لتهيئة أكثر، وتدرج يتم على مستوى الإخوان والشعب. تغير كذلك موقف الجماعة من فكرة الأحزاب فالإمام حسن البنا حين أفتى بضررها كان يقتي لعصره، أما اليوم فالوضع قد تغير، ولذا أصدر الإخوان عام 1994 كتيب "المرأة والشورى والأقباط" ليقدموا فيه رؤيتهم الجديدة، وبدأ التعامل مع الأحزاب بناء على ما جاء فيه، لكن المشكلة أن الحياة السياسية في مصر حياة مريضة، لأن النظام ضعيف فيعمل على إضعاف الأحزاب والقوى السياسية لأنه لا يحتمل وجود منافس حقيقي يواجهه. # البعض يتهم الإخوان بأن علاقتهم مع الأحزاب لم تك في إطار انفتاح حقيقي مرتبط بتقارب حول قضايا وطنية، وإنما تحالف مصالح وقتية، بالإضافة إلى الفشل في إيجاد مساحات حوار مع النظام؟ الأحزاب كان لها مصلحة متبادلة في التحالف مع الإخوان عندما كانت الانتخابات بنظام القائمة، وحين تغير الوضع من قائمة لفردي حال الأحزاب كان لا يبشر بخير، حيث تميز الأداء الحزبي بالضعف، وبعض الأحزاب صارت تفضل الحصول على مقعد من الحزب الوطني بالتزوير على أن تكافح لإنجاح نائب لها بأصوات حرة أو تنسق مع الإخوان لتحقيق ذلك، هذا بخلاف الضغوط التي تمارس على الأحزاب والاختراق لصفوفهم والانشقاقات التي تحدث لهم، والتواجد الأمني القوي والمسيطر داخلها. في المقابل هناك أفراد بصفاتهم الشخصية حتى ولو منتمين للحزب الوطني، ترك لهم الإخوان دوائر بعينها وصوتوا لصالحهم، بخلاف دوائر أخرى بها نوع من العناد مثل ما حدث مع يوسف والي، ونحن هنا في البحيرة قدّرنا الوزير السابق د.أحمد جويلي وتركنا له الدائرة، لكن الرجل احترم نفسه ورفض أن ينجح بالتزوير. أما بالنسبة للحزب الحاكم فهو حزب ملوث لا يستطيع أن يدير إلا أشخاصاً ملوثين ملفاتهم متخمة بالفساد، وهذه المنهجية المعتمدة منذ عهد الاتحاد الاشتراكي وحتى اليوم تؤكدها حادثتان، الأولى في الستينات، عندما لم يكن هناك سوى أعضاء الاتحاد الاشتراكي يترشحون في الانتخابات، ويقول د.عبد العظيم رمضان في مذكراته إنه كان وكيل نيابة عندما أتاه رئيس المباحث مقرراً إنجاح شخص معين، فأجابه د.عبد العظيم أنهم جميعاً من الاتحاد وأبناء الثورة فلماذا يفضل شخص عن الآخر، فرد رئيس المباحث: لا نريد أن يعتاد الناس الاختيار، وفي 2005 أمن الدولة قالوا للناخبين: لا تظنوا أن حشمت سينجح بأصواتكم ولا فلان سينجح بأمواله، أو فلان بنفوذه.. نحن من ينجح ويسقط من نشاء. الحزب الوطني لا يريد أن ينتخب بأصوات الشعب لا نوابه ولا نواب الآخرين، وقد قالها لنا د.فتحي سرور ذات مرة عندما احتججنا أننا لا نأخذ حقنا في الحديث بالمجلس، إذ أجاب: أنتم أشبه بالقنابل الموقوتة لا أعلم ماذا ستقولون إن أخذتم الكلمة. ولذا ليست مشكلتنا عدم وجود مساحة للتواصل معه في ظل هذه المنهجية التي يتبعها والتي لا يمكن أن نكون طرفاً فيها، لكني رغم ذلك أؤكد أن ربع قرن من الانتخابات أكدت الشرعية الشعبية للإخوان، وزادت من انفتاحهم السياسي ولكن في بيئة لم تساعد على تحقق ذلك بالشكل المأمول، ولازال الإخوان الفصيل الأقوى بشهادة الآخرين والدراسات الغربية المتخصصة. # تقنين الشريعة.. الخمور.. الحجاب.. مسابقة ملكات الجمال.. كلها قضايا أثارها الإخوان تحت قبة البرلمان.. فهل هذه أولويات المجتمع واحتياجاته أم أجندة الإخوان؟ وهل الممارسة خلال ربع قرن أدت لتراجع القضايا الأيدلوجية لصالح القضايا الاجتماعية؟ القضايا الاجتماعية هي جزء مهم من أداء أي حركة إسلامية لأننا ندرك أن التغيير الفوقي لن يتم إلا في إطار تغيير القواعد "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"، ولقد أرسيت قاعدة خلال فترة عضويتي "من يقف مع نفسه سأقف معه"، فتوالت القضايا وصار كل شخص يجتهد في توفير المستندات اللازمة والناس اعتادت المطالبة بحقها. وبالنسبة لنوعية القضايا التي أشرت إليها ففي فترة من الفترات كان هناك أمور صارخة تمثل سمت مصري، مثل موضوع ملكات الجمال، والواقع يفرض علينا مناقشتها، فيتجه الإعلام للتركيز على هذا ويقول إن هذه هي اهتمامات الإخوان فقط. طبعاً هذا كلام غير صحيح، لأن ما جعل للإخوان زخم هو اهتمامهم بالناس والسعي لحل مشكلاتهم وخدمتهم، والدليل على ذلك عشرات المدارس والمستوصفات الطبية والجمعيات الخيرية التي أقامها الإخوان والمنتشرة في أنحاء القطر، والتي يواجهها النظام بالإغلاق والتأميم. نواب الإخوان لم يسقطوا أبداً البعد الاجتماعي، فهو ما منحهم الشرعية الشعبية، وهناك مثلاً شنط رمضان، ومعارض الملابس المستعملة، والقوافل الطبية.. وغيرها. # لكن هذا فكر خدمي لا تنموي؟ نعم.. ولكنه يقلل من حدة التدهور الحضاري في المجتمع، فالناس لو وصلت لنهاية قدرتها على التحمل، سيؤدي هذا للفوضى، ونحن لا نشجع على الفوضى. كما أننا نهتم كذلك بقضية الأمية، وهي قديمة جديدة، ولو أراد النظام محوها لقضى عليها في عام، ولكنه لايريد لأنه لا يستطيع أن يدير سوى شعب أمي، حيث بلغت نسبة الأمية في التعليم الأساسي 25%. ولكن في النهاية هناك قضايا بحاجة لجهد قومي لمواجهتها. # البعض يرى أنكم تستغلون حاجة الناس لكسب تعاطفهم.. دون أن تخترقوا القضايا ذات الأولوية مثل العشوائيات وغيرها.. أو يكون لديكم رؤية تنموية واضحة؟ مازالت تجربتنا في الانفتاح على المجتمع حديثة عهد.. ومن ثم اختراق هذه القضايا هو خطوة تالية لازالت تحتاج إلى وقت، خاصة إن هذه قضايا دولة.. تحتاج إلى مقدرات دولة لمواجهاتها. # ولكنك تطرح نفسك كبديل للدولة؟ بديل دولة في ظل إقصاء وتزوير؟!.. بديل الدولة يكون في ظل انتخابات حرة وجو تنافسي، ووقتها أستطيع الوصول لهؤلاء في إطار شرعي واضح وطبيعي.. أنا شخصياً سعيت لتأسيس جمعية أهلية وأنا نائب عام 2002 باسم "الجمعية المصرية لرعاية الموهوبين"، لازالت للآن أمام القضاء، وقد تكونت من توليفة أطياف اجتماعية وسياسية، تشمل المسيحي والمسلم والمنتمي للحزب الوطني والمنتمي للإخوان وغيرها. أنا أعلم أن هناك جمعيات مدعومة من جهات خارجية وداخلية تعمل وسط الزبالين والعشوائيات وغيرهم.. لكن عندما يتحرك الإخوان فإنهم يوصفون بكونهم خطر وتهديد للأمن القومي على حد تعبير الرئيس مبارك.. وكأن الأمن القومي هو كرسي الرئاسة، وعندما يقول مفيد شهاب في لقاء بالأسكندرية إن الإخوان أخطر على مصر من إسرائيل فإن هذا هو المنهج الذي يعاملونا به. إذا كان دخول الإخوان العشوائيات سيعجل بحل مشكلات تلك المناطق سندخل، لكن أعتقد أنه في ظل المنهجية التي يتعامل معنا النظام بها إن العكس هوالصحيح. فإذا فكرنا في اختراق هذه المشكلات في مثل هذه البيئة فأمامك مشكلتين، الأولى تأهيل الصف لخوض مثل هذه الأمور، والثانية المنهجية التي يتعامل بها النظام والتي قد تؤدي إلى نتائج عكسية، فكلما اتسع أفق الإخوان في العمل كلما استفز هذا النظام أكثر، والمشكلة هنا ليست خشية من النظام قدر ما هي حرص على سلوك مسارات تؤدي إلى الإنجاز. # إلى أي مدى أدى انخراط الجماعة في الانتخابات البرلمانية على مدار ربع قرن لصعود أدائها السياسي على حساب الدعوي وأبرز الحاجة لفصل المسارين؟ المسار الدعوي هو المهيء للسياسي، فلولا الانتشار الذي يحققه العمل الدعوي ما تمكننا من خوض الانتخابات، ولكن السياسي يأخذ صخب أكثر من الدعوي ويجلب عداوات أكثر، ولا يمكنني أن أضحي بأحدهما لصالح الآخر، ففي فهم الإخوان للإسلام، الحكم أصل، والحرية فريضة نتعبد لله بها. # ألم يكن هناك توجيه لمقدرات الجماعة البشرية والمادية للعمل السياسي على حساب الدعوي؟ كان هناك حالة من التوازن، فهناك من يهتمون بالعمل الدعوي ويتخصصون فيه بعيداً عن العمل السياسي تماماً، لكن العمل السياسي هو الذي يتابع إعلامياً وتلقى عليه الأضواء. ونحن داخل الإخوان نطالب بمزيد من التخصص لإخراج عمل ناجح، يجب أن يكون هناك أشخاص متخصصين ومتفرغين للعمل السياسي وهذه كانت فكرة الحزب، وكذلك ليكون هناك عمل دعوي ناجح، فطبيعي أن العمل السياسي عندما يتداخل مع الدعوي يؤثر عليه سلباً، إذ أن العمل السياسي محل خلاف، لكن الدعوي متفق عليه، والجمهور يتلقى من الداعيو دون حواجز أو اتهام بأنه صاحب مصلحة، بعكس السياسي. لكن لاشك أنه تكون هناك أمور في وقت بعينه لها أولوية إنفاق كالانتخابات، وهذا طبيعي. # هل الفائدة المنتظرة تستحق ما تم من إنفاق بشري ومادي؟ طبعاً.. فللإخوان ومشاركتهم بهذا الزخم في الحياة السياسية المصرية دور رئيسي في صبغ مصر بالصبغة الإسلامية، مقابل محاولات صبغ مصر بالصبغة المسيحية أوالعلمانية.. وهذه مشروعات قائمة بالفعل. وعلى مستوى الفائدة للجماعة فإن العمل البرلماني هو نوع من التهيئة والتدريب والإنضاج، لمن يرغب في طرح نفسه كبديل، ونحن لم نقدم أنفسنا حتى الآن كبديل، ولكننا نعمل بتدرج وهو أمر مطلوب. فائدة أخرى.. أننا فهمنا كم كنا نشق على الناس حين كنا نتحدث من فوق المنابر، فنضعهم بين مطرقة التعاليم وسندان الواقع المزري. ويجب أن ندرك ونحن نقيم أننا نعمل وسط بيئة لا منفردين، بمعنى أن الناس انتخبوا 88 نائباً ومنتظرين أن كل الأحوال تتغير بناء على ذلك، وهم لا يدركون أن ال88 نائب لا يملكون تغيير وزير ولا إسقاط وزارة ولا اتخاذ قرار ولا وقف آخر، ولذا قتل الحزب الوطني 13 مواطناً في انتخابات 2005 ليحافظ على نسبة الثلثين. لكن الخلاصة أنك لن تعمل عمل ويسقط في البحر، فالمشاركة إما أن أوجدت من يقدر سعينا للإصلاح، أو أسست لعمل أكبر قادم وهيئت له، لكن المهم هو كيف نستفيد من ذلك، فنحن ينقصنا في الجماعة تراكم الخبرات، إذ نجحنا في توريث الدعوة ولكن لم ننجح بعد في توريث الخبرة، فكل من يأتي في العمل البرلماني يبدأ من حيث بدأ أخوه لا من حيث انتهى. وبالنسبة للدعوي والسياسي فإني أرى فصلهم فصل التخصص لا فصل الفكرة أو الرسالة، وعلى سبيل المثال فقد قررنا ألا تستغل صلاة عيد الأضحى في الدعاية لأي مرشح بانتخابات 2010، لأنها سنة لكل المسلمين مهما اختلفت انتماءتهم السياسية. # وكيف ترى تأثير مشاركة الحركة في الانتخابات خلال هذه الفترة على شعبيتها؟ لو قستها من جانب الخدمات والتي يمثل بعضها مشاكل قومية الرئيس مبارك نفسه لا يستطيع حلها بين عشية وضحاها، سيكون هناك شيء من الظلم للإخوان، ونحن لم نعد بذلك، فهناك أمور نستطيع القيام بها وأخرى لا، مثل السعي لرفع ظلم أو استرداد حق، لكن وظائف وغيرها فهذا قد يتم أو لا. الأمر الإيجابي في جانب الخدمات والذي أقره نواب الإخوان هو القرعة في الوظائف وتأشيرات الحج المخصصة للنواب، والتي كان لا أحد يعلم عنها شيئاً وتوزع على أهل الحظوة والأقارب والمعارف. أثبت نواب الإخوان أيضاً أنه يمكن وجود نائب شريف محترم يعبر عن الناس، والخلاصة أن الشارع عندما يدرك حقيقة دور النائب فإنه يمكننا القول إن مشاركة الإخوان زادت من شعبيتهم، لكن لو الموضوع بقضاء المصالح، فإن احتياجات الناس لا تكفيها أموال أي نائب حتى لو ملياردير. # ولكن البعض يرى أنه لو جرت انتخابات نزيهة فلن يحصل الإخوان على 88 نائباً؟ لو حدث هذا لن يكون سببه ضعف الخدمات التي قدمها النواب، ولكن مشاكل تعتري أداء بعض نواب الإخوان، فبعضهم لم يكن مهيء لهذا الدور، بالإضافة لتصور الناس عن دور النائب. # كيف أثر ربع قرن من مشاركة الإخوان في الانتخابات البرلمانية على سقف الحريات واللاعبين الآخرين على الساحة السياسية المصرية؟ وجود الإخوان يؤدي لحالة توازن في المجتمع المصري واستقرار نسبي، وهناك لاعبون آخرون بعضهم تحت الرقابة وبعضهم متروك له الحبل على الغارب لأهداف شخصية تخص النظام، وهذه هي مشكلة الكنيسة المصرية التي أخذت المسيحيين جميعاً داخل الكيسة في نوع من التصنيف والفرز الطائفي، بينما مشاكل المصري المسلم هي مشاكل المصري المسيحي، وفيما مضى كان المرشح المسيحي ينتخب من أجل كفاءته لا هويته الدينية، ونحن في البحيرة كان لدينا 3 دوائر ينتخب فيها مسيحيين من ناخبين مسيحيين ومسلمين. # ماذا عن باقي القوى السياسية والأحزاب؟ النظام يستخدم أسلوب العصا والجزرة مع الجميع، وهو ما جعل الحياة السياسية تفسد في مصر، وهذا ما يجعل بينه وبين الإخوان أزمة لأنه لا يستطيع أن يفعل ذلك معهم، فيفزع المسيحيين والأحزاب والخارج بالإخوان، في محاولة لاستعداء الجميع ضدهم وتحجيمهم. وللأسف لا توجد قواعد للعبة السياسية في مصر، فالنظام يغيرها وفق أهوائه، والسياسة المصرية انشغلت بما تحت أرجلها وصار كرسي الرئاسة هو الأمن القومي المصري.. هناك ضمور في العقليات التي تدير مصر مقابل تضخم في العضلات الأمنية. اليسار أيضاً انشق حول موقفه من الإخوان، فهناك فصيل رفعت السعيد الذي يتغذى على سيرة الإخوان ولا وجود له إلا بذلك، وهناك فصيل آخر رفض هذا الأسلوب ولكنه بقي بعيداً عن الإخوان، وأخيراً فصيل ثالث مثل حمدين صباحي وحزب الكرامة صار بينه وبين الإخوان تقارب في المواقف والقضايا الوطنية. أما الأحزاب اليمينية فيراهن عليها النظام العالمي لتقديم بديل ثالث بخلاف الإخوان والحزب الوطني، كان الرهان في البداية على حزب الغد فأفشله النظام، وانتقل الرهان إلى حزب الجبهة ولكنه ولد ضعيفاً، فانتقل إلى حزب الوفد وصار هناك محاولة لإعادة الرونق إليه، ولكنها محاولة صورية تعتمد على تغييرات في الرأس دون القواعد. كذلك الانتخابات نفسها لم يكن لها هذه الأهمية والجدية، بل كانت لقمة سائغة للحزب الوطني لم يكن يفسدها عليه سوى قلة من المستقلين مثل المستشار عادل عيد وممتاز نصار وغيرهم، لكن وجود الإخوان أنعش الجو السياسي المصري، وصارت الأحزاب تأخذ الانتخابات بجدية أكثر. # هل تؤيد قرار المشاركة في انتخابات 2010؟ قرار الشورى بالمشاركة في هذه الانتخابات كان يعتريه تفاوت في كل محافظة بفروق بسيطة لصالح المشاركة، ومن ثم كان تغليب قرار الشورى، فإن كان قرار الشورى خطأ فإن من اتخذ قراراً عليه تحمل مسئوليته. وأذكر أنه في انتخابات الشورى أو المحليات كانت نسبة الرفض للمشاركة أعلى من رفض المشاركة في انتخابات الشعب، وبالرغم من ذلك كان قرار الأغلبية هو المشاركة، وتقدم الإخوان بنحو 10 آلاف مرشح، وكلهم رفضوا وأخذوا أحكام قضائية وأفسدوا مشروعية المحليات والشورى، وبالتالي لم يبق سوى مجلس الشعب حتى يعطي شرعية لانتخابات الرئاسة المقبلة، ومن ثم فالنظام حريص على التزوير في مجلس الشعب ولكن "بشياكة"، وهذا هو السر الذي نحياه اليوم. الخلاصة أن الإخوان قد اجتهدوا في قرار المشاركة، فإن أصابوا فلهم أجران، وإن أخطأوا فلهم أجر، المهم أن نبني في إطار تراكمي للمستقبل ولا نقف عند كلام غير مجدي. # هل ترى أنه كان هناك وقت أكثر مناسبة من غيره للمشاركة في الانتخابات؟ انتخابات 2010 انتخابات فارقة، إما يستمر الإخوان بعدها في دخول الانتخابات أو الوقوف للتفكير بجدية فيما يحدث وإعادة تقييم الأمور، كذلك انتخابات فارقة لمصر لأنها تسبق انتخابات رئاسية هامة قد يتغير فيها حكم مصر. وقد جربنا المقاطعة عام 90 عندما كان هناك إجماع من القوى السياسية على ذلك، وأفرزت أسوأ مجلس، ووجدنا أن الدنيا تراجعت لمدة 5 سنوات، فنحن نتعامل مع نظام حريص على عدم مشاركتنا، فإذا قاطعنا نكون قد لبينا له رغبته ولم نضغط عليه، وفي انتخابات 95 التي لم ينجح فيها سوى نائب واحد من الإخوان عرف بمجلس سيء السمعة وأخرجت أ.سوسن الجيار الصحفية البرلمانية كتاب "قوانين نص الليل"، حيث مررت كل القوانين بعد منتصف الليل في وجود ما لايزيد عن 6 نواب بالجلسات. الإخوان جربوا المشاركة والمقاطعة فوجدنا أن المشاركة تفعيل للشعب وإصرار على انتزاع الحقوق، خاصة أنه لا توجد فرصة لانتخابات نزيهة وليست المقاطعة هي ما سيؤدي إليها. نحن اليوم مررنا بأشكال متنوعة من الانتخابات.. قائمة وفردي.. بإشراف قضائي وبدون.. شاركنا وقاطعنا، ومهم أن نجمع هذه التجارب وندرسها لنحدد موقفنا من خوض الانتخابات فيما بعد، لأن قرار 2010 اتخذ فعلا ، فإذا وجدنا أننا أخطأنا في شيء ما نقر بذلك، لأن هذا محض اجتهاد بشري قابل للخطأ والصواب. تصوير: عبدالرحمن أبوالغيط http://www.onislam.net