تعالت عدة أصوات تنادي بضرورة إلغاء المديونية وتخصيص المال المدفوع لخلاصها من اجل التنمية وكانت عدة مقترحات اخري قد طرحت خلال الفترة السابقة ابرزها تأجيل دفع الديون الخارجية بثلاث سنوات حتى يتمكن الاقتصاد من ايجاد توازنه ثم الشروع في خلاصها وهي اقتراحات شروعة ومعقولة. التداين في تونس وللرجوع إلى أسباب ظهور وتطور المديونية في تونس نجد ان التداين الخارجي قديم جدا ويعود إلى عهد البايات ونذ تلك الفترة وهو في تزايد مستمر حتى بلغ 28532 مليون دينار سنة 0102 اي ما يعادل 73٪ الناتج المحلي الخام. وتستأثر الادارة (الدولة) بنصيب الاسد من حجم الدين 15551 مليون دينار مقابل 1308 مليون دينار للمؤسسات الاقتصادية. وتدفع تونس نسبة مهمّة من الثروة المنتجة كل سنة لخلاص هذه الديون وقد الحجم الجملي بالدفوعات بعنوان خلاص الدين الخارجي 9623 مليون دينار خلال سنة 0102 اي ان 21,5٪ من الثروة المنتجة تذهب لخلاص الديون الخارجية وهي نسبة مهمّة قد تمكن من دعم التنمية في بلد هو في أحوج الحالات الى مصادرتمويل فهل ستستفيد تونس من وضعها كبلد رمز لاسقاطه الانظمة الدكتاتورية لمناقشة ديونها مع الدائنين ؟ ام ان الحكومة ستزيد من الطين بلة؟ أسباب التداين اقتصاديا اما اقتصاديا فأصل التداين هو الفقر وضعف النمو الاقتصادي الذي ينتج ضعف الادخار وهو ما يسبب ضعف تراكم رأس المال فيضعف الاستثمار ويضعف الدخل وبذلك يدخل الاقتصاد في الحلقة المفرغة حسب تعبير الباحث الامريكي «روجنار نيركزي» (3591). لذلك تلجأ الدول والشركات إلى الاقتراض والتداين الخارجي حتى تتجاوز ضعف تراكم رأس المال الحاصل لديها جراء ضعف الاقتصاد. غير ان هذا الطرح لا يفسر الحقيقة كاملة فهناك عديد العوامل الاخرى المتدخلة وأهمها دوائر الاحتكار العالمية التي وجدت في تسريح تداين الشعوب وسيلة جديدة لفرض السيطرة دون الحاجة إلى التدخل العسكري فقد كتبت «سوزان جورج» المفكرة الفرنسية ذات الاصول الامريكية والمعادية للعولمة والرئيسية الشرفية لمنظمة «آتاك» في كتابها «حد العنق» في غياب القروض، سيوّفق الرأسمالية العصرية اي ان أصحاب رأس المال في العالم الغربي لا يريدون الاستثمار المباشر بفائض رأس المال الذي بحوزتهم بل يريدون اقراض دول العالم الثالث حتى يزيدوا من قيودهم عليهم. وهو بالضبط ما يقوم به صندوق النقد الدولي والبنك العالمي بدرجة اقل فكل قروض هذه المؤسسات المالية العالمية مشروطة ومحددة الاهداف وهو ما يضرب ارادة الشعوب في تحديد مصيرها واختيار منوال التنمية المناسب ويفرض عليها بالمقابل منوال تنمية مسقط، وقد اثبتت التجربة العالمية ان قلّة قليلة من الدول قادرة على الاستفادة من الديون الخارجية لتطوير اقتصادياتها وهي عادة دول صناعية متقدمة عانت من ازمة (ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية) امريكا (دائما) فلجأت الى التداين الخارجي وخاصة الفقيرة فإن الديون الخارجية لا تمثل سوى حل مؤقت لا يساهم في دفع النمو وهو الحال في بلدان افريقيا وبلدان امريكا اللاتينية وشمال افريقيا ومنها تونس وموريطانيا وما يزيد في تعقيد الاوضاع في البلدان النامية والفقيرة هو سوء التصرف في هذه القروض. فأغلب الانظمة في البلدان الفقيرة هي انظمة دكتاتورية تستغل الديون الخارجية وعوائد الخوصصة لرفاهها الخاص او لاغراض غير تنموية وأشهر الامثلة هو نظام الهند الذي خصص 89٪ من الدين الخارجي الخاص بالتعليم لفائدة سباق التسلح النظام التونسي والنظام المصري اللّذين راكما مليارات الدولارات لفائدة عائلتهم بسوء التصرف في الدين الخارجي او عوائد الخوصصة. لذلك فقد ذهب العيد الى تقسيم الديون الخارجية الى ديون كريهة وديون غير كريهة حيث تعتبرالأولى ديونا بلا فائدة اقتصادية لم تفد الشعب ولم يحقق من ورائها ارباحا ولذلك هناك مطالبات عالمية بالغاء هذه الديون حتي ان هناك مبادرة سيسرية لإلغاء ديون العالم الثالث اما الديون من النوع الثاني فهي ديون ذات فائدة اقتصادية استعملت في التنمية. الحل في جلب الاستثمار الخارجي ويرى المحللون ان تفادي شر التداين الخارجي يكون عبر اللجوء الى وسائل اخرى ومصادر تمويل اقل ضررًا وقد نصح الخبراء بضرورة العمل على جلب الاستثمارات الاجنبية المباشرة وذلك عبر تطوير انتاجية وسائل الانتاج (تحسيس المردودية والكفاءة) فدول جنوب شرق آسيا استفادة كثيرا من جلب الاستثمار الاجنبي المباشر فتحولت من دول فقيرة الى دول تنافس على المراتب الاولى عالميا (سنغفورة، اندونيسيا ووريا الجنوبية..) من حيث الكفاءة في الصناعة. وبالتوازي مع العمل على جلب الاستثمار الاجنبي المباشر يمكن وبصفة مؤقتة خلق هياكل مراقبة التصرف في الدين لضمان حسن توظيفه وتجنب الفساد. وهي تجربة ممكنة قامت بها دول تعتبر فقيرة ومتخلفة مثل رواندا التي انتهجت سياسة الحكومة المحلية المرفوقة بمؤسسات لرقابة الشفافية في استعمال المال العام لذلك فإن تونس وهي الغنية بكفاءاتها والعميقة في تجربتها اولى بحسن رقابة الدين الخارجي لضمان حسن توظيفه في انتظار ان تتمكن من تحسب هذا الشر.