نغتنم فرصة الحوار الدائر حول الامتحانات الوطنية لنعرض أمام أنظار من يهمهم الأمر مسألة إعداد نص الإصلاح الذي يقع اعتماده أثناء عملية إصلاح أوراق الامتحان. فالجاري به العمل منذ سنواتٍ عديدة هو اجتماع لجنة من المتفقدين في كل مادة لمناقشة الموضوع الذي تم اختياره ثم عرضه كمادة اختبار في الامتحان الوطني وكذلك لصياغة جذاذات تشكل نص الإصلاح وذلك فضلا عن التذكير بالمعايير الرقمية المعتمدة في عملية إسناد الأعداد. و هو الإصلاح الذي يتم توزيع نسخة من نصه النهائي على الأساتذة المصححين في بداية الفترة المخصصة للإصلاح بمركز الإصلاح. والذي ليس معروفا عن هذه الطريقة أنها تشتمل على مساوئ إلى جانب ما يعرف عنها من أنها ضامنة لاتفاق حول المنهجية والمصداقية بعنوان أن الذين يشرفون عليها هم بالدرجة الأولى متفقدو المادة الذين اختيروا ليكونوا رؤساء لجان الإصلاح في المادة. أما أكبر المساوئ فيتمثل في أن النص المعتمد للإصلاح غير قابل بالمرة للنقض أو للرفض بمجرد انتهاء الاجتماع المخصص للاتفاق حول معايير الإصلاح ونصه. هو قابل للنقد فحسب. ويتوقف نقده عند إبداء الأساتذة المصححين ملاحظات حوله والتعليق عليه قبل بدء الإصلاح الفعلي للأوراق بعد أن يتم عرضه من طرف المتفقد/المتفقدة المكلف(ة) بالإشراف على الإصلاح. ومن بين الأسئلة التي تطرح نفسها والحالة هذه: إن كانت هنالك ضمانة للاتفاق حول المعايير والنص، ما مدى الصحة العلمية لهذا الاتفاق خاصة لما يتعلق الأمر بمادة أدبية على غرار اللغة؟ ففي اللغة ولو كان الساهر على نص الإصلاح نعوم تشمسكي، سبويه الانقليزية، فلن يقدر على حصر عدد المفردات أو الجمل أو المعاني أو التراكيب التي يمكن اعتمادها كنص لإصلاح أوراق الامتحان. وبالتالي فإمكانية احتواء أوراق المرشحين على أجوبة لم يتوقعها لا طاقم المتفقدين ولا طاقم الأساتذة جدّ واردة. مع العلم أنه لما يحصل مثل هذا الأمر في القسم أثناء امتحان عادي أثناء السنة الدراسية، عادة ما يكون المدرس متفاعلا بصفة إيجابية مع كل صيغة صحيحة لم يتوقعها عندما أعد الامتحان. بل هذا التفاعل هو من بين الشروط التي تميّز بين المدرس الجيّد والمدرّس الذي مايزال يبحث عن توازنه. ثم إذا عُدنا للحديث عما يحدث أثناء إصلاح الامتحان الوطني، يحق التساؤل: ما ذا لو صادف أن الأستاذ المصحح نفسه يهتدي إلى إجابة صحيحة لم يهتدي إليها جمع المتفقدين؟ ثم ماذا لو أجمع الأساتذة المصححون على صحة صيغةٍ ما لم يقع توقعها من طرف المتفقدين رؤساء لجان الإصلاح في اجتماعهم؟ مَن الأصح في هاته الحالة، الأستاذ أم المتفقد، ومَن المسؤول عن قبول الإجابة الصحيحة من عدمه لمّا نعلم أنّ التوصيات صارمة بخصوص استحالة قبول أية صيغة للإجابة لم يقع تثبيتها كتابيا على الورقة الرسمية للإصلاح التي صاغها المتفقدون؟ سيداتي سادتي أهل الذكر، بودي كمدرس أن أعرف إن لم يحن الوقت بعدُ لمراجعةٍ جذرية لمثل هذه الوضعيات وغيرها. ومن أجل ذلك لا يسعني إلا أن أدعوكم للمقارنة بين منظومة تعليمية أرسيت قواعدها في ظل التسلط والاستبداد وبين منظومة تربوية تولد في ضوء الروح التحررية لتونس الجديدة، و أيهما يا ترى ستسعد الشباب المتعلم وتصالحه مع قيم مثل الشفافية و العدل، فضلا عن العلم والبحث عن الحقيقة؟