منذ ثلاثة أسابيع تابعت بعض المقتطفات من لقاء خاص كانت بثته الوطنية الأولى وقام على محاورة السيد رضا بلحاج الناطق الرسمي لحزب التحرير .وما تابعته أثبت لي وفاء الحزب لأطروحاته التي عرفتها منذ ثمانينات القرن الماضي و الوفاء محمول في سياقنا هذا على الجانب السلبي إذ أن نستمع إلى نفس الخطاب بفارق أربعين سنة تقريبا فهذا يعني غياب التجديد و المراجعة و بالتالي الاجتهاد في صلب حزب التحرير. وهذه صفة يشترك فيها مع غالبية أحزابنا الإسلامية واليسارية و القومية. ولئن لم أتابع البرنامج من بداياته فإني وقفت على نقطة مفصلية تتعلق بمسألة الخلافة الإسلامية شكلا من أشكال المؤسسات السياسية. ولكن مقاربة السيد رضا بلحاج بدت لي مفارقة للواقع التاريخي من ناحية و تقوم على المغالطة من ناحية ثانية . فممثل حزب التحرير يتحدث عن مؤسسة الخلافة باعتبارها مؤسسة لها نواميسها المضبوطة و قوانينها المعلومة و الناشئة أي الخلافة عن الدين الإسلامي .و لئن كنا نتفهم الموقف الوجداني لرضا بلحاج و غالبية المسلمين الذين يسعون وراء الفردوس المفقود أو العصر الذهبي فإنّ التفهّم لا يعني التقبل و الرضى لأنّ التاريخ الفعلي للمسلمين يفند هذا التصوّر.فما حدث في سقيفة بني ساعدة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وقام الخلاف و الصراع بين الأنصار و المهاجرين وقدمت تصورات كأن يكون ثمة خليفة من الأنصار و خليفة من المهاجرين بعد أن تمسك الأنصار بحقهم في خليفة منهم ردا على تمسك المهاجرين بالفكرة ذاتها و انتهى الأمر بأن فرض عمر بن الخطاب خلافة أبي بكر بحد السيف قائلا»أمدد يدك يا أبا بكر أبايعْك».ولوكانت الخلافة مؤسسة واقعية و ناهضة على الدين الإسلامي لما تحركت القبائل ضد سلطة أبي بكرو رفضت طاعته مع تمسكها بالإسلام ؟و نحن نسأل السيد رضا بلحاج عن أسباب اغتيال عمر بن الخطاب و عثمان بن عفان و علي بن أبي طالب ويجدر بنا أن نتساءل عن شرعية حكم الصبيان للمسلمين في الدولة العباسية؟و لمّ سكت الماوردي عن ضبط سن الخليفة؟ على أنّ هذا التصور غير الواقعي للماضي ولحياة السلف يمكن أن نبرره ببنية المخيال البشري الميالة إلى تقديس الماضي على ما يذهب إليه علماء الأنتروبولوجيا كجلبرت دوران ومرسيا إلياد وغاستون باشلار و لكننا لا نقبل أن يدعي السيد رضا بلحاج بفرادة المسلمين وعدم استعانتهم بالإرث السياسي للشعوب الأخرى. والحال أنّ ترجمات عبد الله بن المقفع الفارسي لعبت دورا كبيرا في تشكيل الوعي السياسي إضافة إلى ترجمة كتاب الشاهنامة.و يعلم الدارسون أنّ العرب قد تبنوا الكثير من قواعد السياسة لدى الشعوب الأخرى كنظام الدواوين و الوظائف السلطانيّة وحتى الوثائق لم تعرّب إلاّ بعد سنوات طويلة...و نعتقد أنّ هذا التمشي من قبل السيد رضا بلحاج يكشف عن محاولة تحريف الواقع التاريخي و تزييف الحقيقة و هذا لا يليق بزعيم حزب إسلامي وجب عليه أن يكون أوفى من غيره من الناحية الأخلاقية حتى لو كان الأمر متصلا بالحياة السياسية .و بدوري أوجه بعض الأسئلة إلى الناطق باسم حزب التحرير:أين وجدتم حديثا عن الخلافة باعتبارها مؤسسة سياسية في القرآن؟ وفي أي سورة أو سور ضبط المشرع أي الله شروط الحاكم و معايير السلطة؟ وهل وجدنا في القصص القرآني المتعلق بتاريخ الأنبياء السابقين ما يدل على نظام حكم ؟ وما هي الأحاديث النبوية الضابطة لعمل مؤسسة الخلافة؟ ما يؤسفني فعلا هو أنّ المسلمين يتحدثون عن الإسلام دون أن يكلفوا أنفسهم عناء قراءة الإسلام وتاريخه. ويؤسفني أن نجهل وعي المشرع المقدس بأنّ الواقع متحرك دوما و بالتالي لا يمكن ضبط هيكل نهائي أو مؤسسة ثابتة تتحكم فيه. ومن المؤسف أن يكون الله واعيا بحرية الإنسان ومسؤوليته تجاه ذاته و تجاه الاخر وتجاه الكون في حين أنّ بعض بني البشر يأبون علينا هذه الحرية ويسقطنا على حياتنا أوهامهم و تصوراتهم .لقد قام الإسلام على القراءة وعُدّ المسلومن أمة كتاب ونحن لا نقرأ و لا نتدبّر . ولله في خلقه شؤون؟؟؟