أحدثت قصة اغتصاب رجلا الأمن التونسيين أثناء قيامهما بمهامهما الأمنيّة للفتاة وابتزاز زميلهما الثالث لأموال مرافق الضحيّة ضجّة كبرى لدى الرأي العام التونسيّ والعالميّ إذ لم تنفك وسائل الإعلام التونسية والعالميّة وخاصّة منها الفرنسيّة تتابع مجريات القضيّة خاصّة بعد ارتداء الذئب لصوف الخرفان وتحوّل المغتصب إلى شاهد ادانة في نظر القضاء التونسي الذّي وجّه اتهاما صريحا للضحيّة بالتجاهر عما بفحش بموجب الفصل 227 من المجلة الجنائية مع رفيقها في الطّريق العام. ففي حين أنّ نسبة جرائم الاغتصاب في بلدان أوروبيّة كفرنسا وألمانيا وبلجيكيا مرتفعة جدّا مقارنة ببلد متواضع البنية الديمغرافيّة كتونس حسب بعض الاحصائيات العالميّة، إلاّ أنّ قضية اغتصاب الفتاة التونسية قد أخذت منحى آخر باعتبار الجانيين من رجال الأمن، هذا السّلك الحسّاس في كيان الدولة الذّي ما تنفك موجات النّقد توجّه إليه بين الفينة والأخرى خاصّة بعد مسك وزير نهضوي اسلاميّ الخلفيّة لمقاليد التحكّم في الوزارة التّي تسمّيها بعض وسائل الاعلام الأجنبيّة بالصندوق الأسود للرئيس المخلوع نظرا لما شهدته الوزارة ما قبل ثورة 14 جانفي 2011 من جرائم تعذيب لسجناء الرأي واغتصاب لإناث وذكور ومواقعة بالقوّة من قبل رجال الأمن في ظل تعتيم اعلاميّ وتكتّم للضحايا قبل المطلعين على الفظائع برمتها. إذ ركّزت بعض الفضائيات الفرنسيّة ومنها قناة فرانس 24 على الملابسات القانونيّة لحادثة الاغتصاب حيث سارعت إلى الإعداد لمناظرة تلفزية بين حقوقيين ورجال قانون حول المسألة وموقع الضحيّة من كلّ ما يدور حولها من شكوك حول امكانيّة الزجّ بها في السجن ومرافقها بتهمة ممارسة الفاحشة في الطريق العام لمدة لا تقلّ عن ستة أشهر، فيما ظهرت لينا مهني على نفس الشاشة بعيد تضخّم الصيت الاعلاميّ للحادثة وهي ترتدي قميصا كتب عليه « الاغتصاب شرعيّ في تونس» احتجاجا على اتّهام ضحيّة حادثة الاغتصاب بممارسة فعل لا أخلاقي في الطريق العام ومقاضاتها بينما تحيي أخريات عبر نفس الشاشة شجاعة الفتاة وصديقها لعدم صمتهما وتقدّمهما بشكوى أمام الجهات المعنية ضدّ رجال الأمن الثلاثة. ففي الوقت الذي تبدو فيه المسألة في تونس ذات طابع اجتماعيّ قويّ ونزعة قانونيّة تشوبها بعض التجاذبات السياسيّة بين السلطة ومعارضيها تتميّز وسائل الإعلام الأجنبيّة في تغطيتها لتواتر الأحداث حول قضيّة الفتاة المغتصبة ذات نزعة انسانيّة حقوقيّة إذ أعدت قناة BFMTV تقريرا صحفيّا تناولت فيه ردّة فعل المجتمع المدنيّ على ما يحدث من تنازع بين الضحيّة ومغتصبيها لتقدّم وجهة نظر الجمعيات الحقوقية في تونس وجمعيات حقوق الانسان والمنظمات العالمية المعروفة بدفاعها عن حقوق المرأة وحقوق الانسان كمنظمّة»العفو الدولية» لتعلّق القناة فيما بعد وإبان تقريرها على تخاذل الحكومة التونسيّة في توضيح موقفها تجاه الحادثة. الصحافة المكتوبة والالكترونية الأجنبيّة لم تهمل أيضا الحديث بشأن ذات القضيّة التّي اصبحت حديث كلّ الأوساط والطبقات الاجتماعيّة في تونس لتركّز جريدة Le Point مثلا على الظروف العامّة للمحاكمة الأولى للفتاة التّي مثلت أمام القضاء بتهمة ممارسة الفحشاء في الطريق العام صحبة مرافقها الذّي تردّد الأوساط الاعلاميّة في تونس بأنّه خطيبها فيما تذهب بعض الوسائل الأخرى للقول بأنّه صديقها، وتنقل الجريدة دعوة صريحة للضحيّة متوجّهة إلى الجميع لمساندتها في محنتها. من جهتها تحدّثت صحيفة LE FIGARO الفرنسيّة عن ملابسات القضيّة مشددة على عامل هام قد يخلي الفتاة المغتصبة من كلّ مسؤوليّة خاصّة وأنّ مغتصبيها وزميلهما الثالث هم من يقفون في جهة الادعاء بينما تشكّل الشهادة الطبيّة التّي تقدّمها الضحيّة في الغرض دليلا قاطعا على عمليّة اغتصابها ليلة الحادثة التّي شهدت أيضا ابتزاز أموال مرافقها من رجل الأمن الثالث. أمّا صحيفة Liberation الفرنسيّة فقد منحت عنوانا قويّا لاحدى مقالاتها عن الحادثة موردة العبارة التالية «حادثة اغتصاب فتاة تهزّ تونس» واضعة الاصبع على مساوئ القضاء وعلل القانون التونسي الذّي يجعل من الضحيّة جلادّا ومن الجلاّد ضحيّة مركزّة بالأساس على الوقفة الحازمة للمواطنين التونسيين من المتعاطفين مع الفتاة المغتصبة ضدّ ما يعتبرونه « الاغتصاب الشرعي في ظلّ حكم الإسلاميين» ومشاركة عدد كبير من المتبنين لقضية الدّفاع عن حقوق المرأة ورفض العنف ضدها بكل انواعه الماديّ والمعنويّ و»الجنسيّ» في مسيرات حاشدة في تونس وخارجها وأيضا من المتجمعين أمام قصر العدالة يوم 2 اكتوبر اي يوم الجلسة الأولى من قضية الضحيّة. وفي انتظار ما سيسفر عنه ملف «اغتصاب أعوان الأمن « لمواطنة تونسيّة عوض القيام بواجبهم يبقى الاعلام العالميّ متأهبّا بل ومتعطشّا - حسب ما تورده بعض المقالات الأجنبيّة على مواقع اخباريّة الكترونيّة – لمستجدّات قضيّة رأي عام تونسيّة تقف عندها صورة المرأة التونسيّة بين اغتصاب حقّها في الحياة والحرية وبين قمعها في التعبير عن فظاعة اغتصابها ليبقى السؤال قائما «هل ستنصفها العدالة القضائيّة ؟».