حضرة الأخ الكريم حسين العبّاسي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، السيدة والسادة ضيوفنا الكرام، أبنائي وأقول أحفادي قبل الثورة وبعد الثورة كان يجيش صدري ولا ينطلق لساني واشعر الآن أمامكم بضرورة أن ينطلق اللسان وان أصدع بما يجيش في صدري، أقول الكلام الحلو وأقول كذلك الكلام المرّ الذي قد يدعو إلى التشاؤم، لكنني لا أريد أن أكون متشائما. لبيت بكل أخوة وسعادة دعوة الاتحاد العام التونسي للشغل وأمينه العام فقط مجاملة (ماخذت خاطر)، فلديّ من الناحية الشخصيّة روابط تاريخية بهذه المنظمة العتيدة منذ تأسيسها، وقد أسعدني الحظ أن حضرت اجتماع التأسيس الذي تم علي يدي الزعيم الخالد فرحات حشاد بحضور الإخوة بشير باللاغة ومحمد عبد القادر ويوسف المحجوب والفاضل بن عاشور والصحبي فرحات رحمهم الله جميعا وتكون بعدا الاتحاد. ثم تلاقيت كم من مرة مع الزعيم فرحات حشاد في فترة عصيبة وكنت بمعية الأخ الدكتور الصادق المقدم تحت قيادته لما اخذ بزمام الأمور الحركة التحريرية بعد غياب قادتها في المنافي والسجون والمحتشدات وتعرفت عليه في ذلك العهد. وقد كانت أولى اهتماماته تأسيس جمعية للدفاع عن الحريات العامة والمؤسسات الديمقراطية مع الأخ المرحوم الهادي نويرة. وفي فترة الكفاح التحريري كان هو المسؤول الأول عن قيادة الحركة الوطنية وعن تنظيم الكفاح بما فيه المسلح والكفاح في مستوى الدولي حيث ربط الصلة بالمنظمات الدولية. لن أطيل عليكم ولم آت هنا للحديث عن شخصي أو عن التاريخ. لقد لبيت هذه الدعوة لما لمسته فيها من فائدة وربما ضرورة بالنسبة لمجتمعنا ولبلادنا في الوقت الحاضر. لست في حاجة للعودة إلى المشاكل والقضايا والهموم التي سبقني من تحدث قبلي من الإخوة، فقط أردت التأكيد على معنى الحوار التي جعلها الاتحاد عنوان هذا المؤتمر، لكن الحوار يقتضي أساسا الاختلاف في الرأي ومن غلبات الدهر أن الحوار أحيانا والتجاذب واختلاف الرأي مهم سواء في الأوضاع السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية والمؤسسات خاصة في هذه الفترة الدقيقة التي يمر بها مسار الثورة نحو تحقيق أهدافها. هذا أقوله بكل مرارة فهذا هو الواقع ويلزمنا نخرج من هذه الفترة في اقرب وقت وبأريحيّة ولا غرابة في أن يكون الاتحاد مؤهلا لكي يحتضن هذا الحوار نظرا لتاريخه الكبير ونظرا لأن قيامه بالمبادرات لا يقدح فيه أي إنسان من حيث الصلاحيات والتأهيل لاحتضان هذا الحوار أكثر من أي منظمة أخرى أو حزب سياسي. أرى في الاتحاد القوة الصماء والصامدة التي لا يمكن أن يقدح فيها احد في مشروعيتها وقيمتها وفي الدور الأساسي الذي تقوم به في تونس اليوم بعد الثورة التي تحتاج أكثر من أي وقت مضى لتحقيق طموحات شبابها وأهداف الثورة حتى لا يأتي المؤرخون في وقت من الأوقات ويقولوا بأنها ثورة مرت هكذا فيها المظاهرات والاعتصامات وفوضى في الإدارة والمؤسسات. ولكن عندما ننظر إلى الواقع نجد أن المجتمع التونسي والأجيال الجديدة مازالت لم تشعر بأن هناك ثورة. وهو ما يقتضي أساسا أن يتطرق الحوار داخل المؤتمر لا فقط للمسائل الدستورية والسياسية والتجاذبات والخلافات النخبوية بل أن يتطرق كذلك إلى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والى الأمن، وأقولها لا أمن دون عدالة اجتماعية ولا أمن دون عدالة اقتصادية، ولا أمن إن كانت دواليب الاقتصاد متوقفة لان ذلك سيكون له انعكاسات على الأوضاع الاجتماعية والأمن. فهل نتصور إن توقفت عجلة الاقتصاد والمؤسسات سنصل إلى وقت يقول فيه الشعب التونسي أن الثورة جلبت لنا البلاء. واستسمحوني إن قلت ما في صدري بأن قسم من الشباب أصبح يقول ماذا جذبت لنا الثورة «أش حابتنا الثورة «. وفي هذه القضية اقترح أن يخصص جانب في جدول أعمال وبرنامج الندوة أن تكون الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والأمنية من النقاط الأساسية وأن يقترح لها المؤتمر حلولا، فالمسألة ليست مسألة كلام وحديث. في الوقت الذي ليست الثورة فقط ولا المجتمع فقد بل دولتنا تتعرض لأخطار تهدده في تركيبته وفي سلوكه اليومي وفي لباسه وفي كثير من الأشياء تونس وشعبها متشبثة بهويتها التي هي شيء أساسي، لتروا الانتفاضات والانقلابات التي وقعت في العشرين سنة الأخيرة في أوروبا وروسيا والبلقان وانهيار الاتحاد السوفيتي ويوغسلافيا لم تكن نتيجة خلافات في المذهب بل كانت بخصوص الهوية، فالعديد من الدول في البلقان واروربا انفجرت وتفككت نتيجة تشبثها بهويتها التي تعتبر شيئا أساسيا في حياة الشعوب. يجب أن نكون واعين بالمخاطر التي تتهدد بلادنا حتى في هويتها الإسلام الوسطي للقاضي سحنون وابن الأغلب وغيرهم فمنذ مئات السنين كانت تونس تصدر النظريات الوسطية، فلا يجب أن نخرج من هويتنا ومن طابعنا ومن شخصتنا وهنا نشهد في هذه الفترة انه مع الثورة فتحت الأبواب ليدخل فيها من هب ودب، فهناك ناس لا يأتون بنيّة الاستخبار فقط وجمع الأخبار بل للعمل وسط البلاد. هذا ما لدي قوله واستسمجوني في القول لقد ضاق صدري ولكن هذه المرة انطلق لساني. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.