يتواصل اعتصام عاملات شركة مالك للخياطة لأكثر من شهر كامل، ولا مطالب لهنّ سوى المحافظة على موطن رزقهم وإنقاذ الشركة من التصفية وإدخال العاملات في بطالة فنيّة. قرابة ال 120 عاملة مهددة بشبح البطالة وفقدان موقع عملهن ليس بسبب صعوبات ماديّة تمرّ بها الشركة أو لغياب الانتاج وإنّما بسبب اصرار المالك على مواصلة نفس سياسة الاستغلال والجشع التي مارسها طيلة سنوات على العاملات دون أن يمنحهنّ حقهنّ في الضمان الاجتماعي، وامتناعه مؤخرا عن تسديد أجورهنّ بعد العطلة السنويّة. ورغم عديد الجلسات الصلحيّة التي عقدت في تفقديّة الشغل وولاية منوبة بين المالك والنقابة الأساسية وممثلين عن الاتحاد الجهوي والتي انتهت بإمضاء محاضر اتفاق تعهّد فيها المالك بسداد مستحقات العاملات واستئناف العمل خاصة مع استعداد الحريف البرتغالي لتقديم طلبات جديدة وثقته في خبرة العاملات بالشركة فإنّ الأزمة بقيت تراوح مكانها ووضعية العاملات النفسيّة والشغليّة تزداد تعكرا. لمعرفة الأسباب التي تقف وراء هذا القرار المفاجئ لصاحب شركة مالك للخياطة انتقلنا إلى مقرّ العمل وقمنا بجولة للتعرف عن كثب عن الأسباب الحقيقية التي تقف وراء هذا القرار. الكاتبة العامة للنقابة الأساسيّة للشركة تشرح الأسباب: الأخت هندة الخريصي الكاتبة العامة للنقابة حدثتنا بإسهاب عن شركة مالك للخياطة التي اشتغلت بها منذ التأسيس وعن ظروف العمل قبل الثورة وبعدها وعن اسباب تعكر الاوضاع الشغلية «انطلقت شركة مالك للخياطة في العمل في نوفمبر 2007 بثلاثين عاملة وقد كبرت لتصل إلى 120 عاملة. كانت الشركة تحصل على التوسيم من قبل السلطة السابقة باعتبارها نموذجا للنجاح وكانت الإذاعات والقنوات تزورنا سنويا لتصوير الشركة والتنويه بنجاح باعثها الشاب وبطبيعة الحال لم تكن هذه الزيارات الإعلاميّة الدعائيّة تنتبه لظروف ومشاغل العاملات اللاتي كنّا السبب الحقيقي لهذا النجاح. فقد كانت العلاقة بين «العرف» والعاملات تقوم على التسلّط والتهديد باعتبار أن كل مطالبة بتحسين ظروف عملهن سواء باحتساب الساعات الإضافية أو الزيادة في الأجر أو تقديم المنح من لباس ومأكل وأعياد تواجه بالرفض وتصل حدّ التهديد بالطرد من العمل. ولم يكن بإمكاننا ساعتها التفكير في بعث نقابة لأن مجرد التفكير في ذلك قبل الثورة يعتبر جريمة لا تغتفر». وأضافت الأخت هندة «بعد ثورة 14 جانفي مباشرة تحررنا من الخوف وبعثنا نقابتنا الأساسية وشرعنا في جلسات حوار مع المالك وكان متفهما لمطالبنا ويعتبرها مشروعة وكان يطالبنا بمنحه مزيدا من الوقت، ولكن مع الوقت بدانا نكتشف أنّه لم يكن يسدد أقساط الضمان الاجتماعي على خلاف ما يدعيه ثم تأكدنا انه كان يتعامل مع أحد الموظفين للتهرب من تسديد كامل المستحقات وهو ما أثبتته تفقديّة الشغل. لذلك تركزت مطالبنا على تسوية وضعياتنا في الضمان الاجتماعي ولكننا قوبلنا بتسويف منه بل انتقل الى تهديدنا بفقدان مواقع عملنا وذلك بإغلاق الشركة وتقديم مطلب في التصفية القضائيّة». وذكرت أنّه «بعد العطلة السنويّة طالبنا المالك بمنحة الراحة ولكنه رفض خلاصها وأعلن أنه يمرّ بصعوبات ماديّة رغم يقيننا بان الشركة تعمل في ظروف عاديّة وتستجيب لكل طلبات الحريف البرتغالي. وهو ما دفعنا إلى الدخول في احتجاجات مع بداية شهر سبتمبر تمكنّا على إثرها من الحصول على حقوقنا رغم المماطلة والرغبة في التسويف، فاستأنفنا العمل بطريقة طبيعيّة رغم علمنا بنيّة المالك في إدخال الشركة في أزمة. ومع بداية الموسم الجديد في مستهل أكتوبر شرعنا في العمل مع نفس الحريف الذي أكد لنا أنه أمضى عقدا مع المالك للتعامل معه لمدّة عشر سنوات مرت منها خمس فقط وأن لا خوف من توقف العمل بحكم السمعة التي تتمتع بها شركتنا. ولكن مرّة أخرى نفاجأ بان المالك قدّم طلبا لتفقديّة الشغل بإيقاف العمل والدخول في بطالة فنيّة لمدة شهرين بسبب تعرضه لوعكة صحيّة وبالإطلاع على الملف الذي قدمه للتفقدية ثبت عدم وجود صعوبات في العمل ممّا جعلها ترفض الملف. أجرينا ثلاث جلسات تفاوضيّة مع المالك قبل العيد لتمكيننا من أجورنا بحضور المعتمد الأول، ولكنه تشبث بعدم قدرته على الخلاص فكان الاتفاق معه على تمكيننا من منحة ب 250 دينارا وبعد موافقته في الجلسة الأولى عاد ورفض منحنا المبلغ واقترح اسنادنا منحة ب 200 دينار فقط فوافقنا على مضض نظرا لحاجتنا الملحة للمنحة، ولم نستطع رغم ذلك الحصول عليها إلا بعد أن قمنا بتحرك في مقرّ الولاية وبحضور الوالي الذي طالبه بتنفيذ الاتفاق . بعد العيد قرر المالك إغلاق الشركة وتوقيف العمل ورغم ذلك فقد حافظنا على حضورنا في مقرّ العمل بصفة يوميّة. ولا تزال الجلسات تتوالى دون الوصول إلى حلّ للحصول على مستحقاتنا وللعودة إلى سالف نشاطنا وإنهاء هذا الأزمة المفتعلة من المالك التي نمر بها، خاصة وقد علمنا أنه قد نقل طلبات الحريف البرتغالي إلى شركة شقيقه المختصة في الخياطة للإيهام بوجود صعوبات فنيّة في شركتنا». الحفاظ على شركتنا وتسوية مسألة الضمان الاجتماعي العاملات اللاتي التقيناهنّ في الشركة أجمعنّ على تشبثهن بمواطن عملهن في الشركة وبرغبتهنّ في بذل كلّ المجهودات من أجل نجاح الشركة ، بشرط تحقيق مطالبهنّ المشروعة في تسوية وضعياتهنّ في الضمان الاجتماعي، وخلاص أجورهنّ والترفيع فيها حسب ما يقتضيه قانون الشغل.. وأكدن أن الحريف مستعد لتزويد الشركة بالسلع وهو ما ينفي ما يدعيه المالك من وجود أزمة وأن العاملات على أتمّ الاستعداد لاستئناف العمل في الشركة وان اقتضى ذلك وجود مؤتمن عدلي يشرف عليها. كما عبّرت شهادات العديد منهنّ على تردّي أوضاعهنّ الاجتماعية خاصة وأن عملهنّ بالشركة يعدّ المصدر الوحيد للدخل العائلي مع استفحال البطالة وندرة فرص العمل والارتفاع المتواصل في أسعار المواد الغذائية وصعوبة العيش. وهو ما تسبب لبعضهنّ في أمراض نفسيّة وجسديّة.