كنا في الحلقة الأولى قد تحدثنا عن الحلم الأمل الذي بدأ يتحقق وبدأ يرى النور بين القوى الوطنية والتقدمية التي آمنت بأن العمل الجبهوي ضرورة حتمية في هذه المرحلة الخطير بل هي من أخطر المراحل وأعقدها وأصعبها التي تمر بها تونس والأمة العربية قاطبة بعد مرحلة الاستعمار المباشر وبناء الدولة الوطنية باسم ما يزعم الغرب على لسان هيلاري كلينتون وعملائها في الداخل والخارج من معارضات مصنوعة في الخارج في أجهزة المخابرات الأجنبية والرجعية العربية التي تتزعمها مشيخة قطر التي تغدق عليها المال السياسي والتغطية الاعلامية والمملكة العربية السعودية الراعية تاريخيا لامبراطورية الاخوان المسلمين والحاضنة الفكرية والعقائدية للحركات السلفية الوهابية التكفيرية منذ نشأتها على يد محمد ابن عبدالوهاب . لكن نريد في هذه الحلقة أن تشق الجبهة طريقها نحو الفعل الثوري وتثقيف الجماهير الشعبية وتوعيتها لتكتشف عمليا وبالممارسة الميدانية من هم أصدقائها ومن هم أعدائها . وبكلمة واحدة فلتعمل الجبهة الشعبية على فرز القوى حيث اختلط على جماهير شعبنا الحابل بالنابل وأصبحت فريسة لكل من دب وهب من الأحزاب والقوى السياسية التي تعددت وتنوعت وأصبحت تدعي كلها الثورية والوطنية والتقدمية وباتت تلوك نفس الشعارات وتعزف على نفس الأوتار مثل تحقيق أهداف الثورة و محاسبة رموز النظام البائد والقطع مع منظومة الفساد والاستبداد وتجريم التطبيع وتحقيق العدالة الاجتماعية الى غير ذلك من الشعارات التي تعيد نفسها في صيغ مختلفة حتى أنها أصبحت مستهلكة ومجترّة. وحتى نضع جماهير شعبنا على الطريق الصحيح ونكون مخلصين لآمالها وتطلعاتها كقوى وطنية في الجبهة الشعبية لا بد من تحديد البوصلة الرئيسية في طبيعة المرحلة التي نمر بها دون تزييف ولا تزويق ولا نفاق ولا خداع كما هو حال حكامنا الجدد الميامين. فلتفرز القوى . ولكي تفرز يجب مواجهة الواقع السياسي والاقتصادي كماهو . فنقول لشعبا أن تونس ما تزال تعاني من الاستعمار والوصاية الأجنبية وأن القرار السياسي ما زال في واشنطن وباريس ولندن دون خجل وأن هذا لا يتطلب منا طول عناء ولا اجتهاد . فلنلقي نظرة على جوهر الاختيارات الاقتصادية والسياسية التي ينتهجها حكامنا الجدد. ونطرح السؤال التالي : جوهريا وليس شكليا ؟. فالاقتصاد ما زال تابعا ومرتهنا و مرتبطا أشد الارتباط بعجلة الاقتصاد الرأسمالي العالمي الاحتكاري وبشروط صندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية الاحتكارية والاستدانة الخارجية بل تفاقمت المديونية.وصارت أمريكا هي الضامن لإسناد القروض . فنقرأ في الموقع الالكتروني للعربية نيوز قنال تصريحات لزعيم النهضة يطمئن فيها االغرب وأمريكا فيقول «وفي هذا السياق سبق وأن صرح راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة قبل الإعلان عن نتائج الانتخابات «أنه تلقى إشارات إيجابية من مسؤولين غربيين ترحب بإمكانية فوز حركة النهضة في انتخابات المجلس التأسيسي وتعهد بإقامة علاقات جيدة ومتميزة مع الدول الغربية لا سيما أوروبا وأمريكا» وفي ذات السياق نقرأ«ورأى الغنوشي أن مصلحة الغرب هي الاستقرار في تونس، وأنه لم يبق طريق للاستقرار غير التحول الديمقراطي، وتعهد بإقامة علاقات اقتصادية مميزة مع الغرب، وقال «سنثبت العلاقات مع شركائنا التقليديين مثل أوروبا، بل سنسعى إلى تحسينها حتى الوصول الى مرتبة شريك مميز، لكننا أيضا سنحاول تنويع شراكتنا في اتجاه الانفتاح على أمريكا الشمالية وأمريكا اللاتينية وإفريقيا وآسيا وخصوصا الأسواق العربية»». وفي تصريح ل»العربية.نت» قال الخبير في الجماعات الإسلامية صلاح الدين الجورشي، الذي عاد منذ أيام من الولاياتالمتحدةالأمريكية، وكانت له لقاءات مع مسؤولين وباحثين أمريكيين، بأن «ثقة الأمريكيين في التجربة التونسية، بزعامة الإسلاميين كبيرة، وهم يرون بأن تونس قادرة على أن تتجاوز المخاطر، وأنها تشكل استراتيجيا مثالا يحتذى لمختلف الثورات العربية وبناء على ما تقدم فان الحكام الجدد أبدوا استعدادهم أكثر من أي وقت مضى على الالتزام بما سماه زعيمهم الشيخ راشد الغنوشي مع الشركاء التقليديين أمريكا وأوروبا بل بعثوا لهم برسائل طمأنة تخص الحفاظ عل كل الاتفاقيات والتعهدات العسكرية والسياسية والاقتصادية منذ فوزهم في الانتخابات بالأغلبية النسبية . وفي القدس العربي الصادرة بتاريخ 25تشرين الأول- أكتوبر 2012 وفي انتهاك صارخ للسيادة التونسية وللأمن التونسي يطالعنا العنوان التالي «ّأمريكا تحقق مع تونسي سلمته تركيا لبلاده بشأن دورمحتمل في هجوم بنغازي والسي آي آي تعتقد أن بعض المهاجمين مرتبطون بالقاعدة في العراق »وتواصل نفس الجريدة : «عواصم وكالات: قالت مصادر بالحكومة الامريكية ان الولاياتالمتحدة تحقق مع متشدد اسلامي مشتبه به قيد الاحتجاز في تونس بشأن الهجوم الذي شن على منشآت دبلوماسية امريكية في مدينة بنغازي الليبية في 11 ايلول (سبتمبر) الماضي والمشتبه به (الذي قال موقع الانترنت ‹ديلي بيست› في وقت سابق هذا الاسبوع انه يدعى علي عاني الحرزي) هو أحد تونسيين احتجزتهما السلطات في تركيا اوائل تشرين الاول أكتوبر الماضي». وبطبيعة الحال هذا يكشف الى أي حد أن القرار السياسي لدى حكامنا الجدد ما زال في واشنطن وباريس ولندن وأنه ليس مستقلا . كما أن اقتصادنا أيضا مازال بيد الاحتكارات الرأسمالية العالمية المتنفذة .وأن هذا ما يجب أن تعرفه جماهير شعبنا من طرف القوى الوطنية وهكذا يفهم مواطنونا من هي قوى الثورة التي هي فعلا مع الشعارات الثورية المرفوعة عمليا ومن هي قوى الثورة المضادة من اليمين اليبرالي الى وسط اليسار الى يسار الوسط الى اليمين الديني الليبرالي من حكامنا الجدد.