قالت السيدة فريدة العبيدي رئيسة هيئة الحقوق والحريات بالمجلس الوطني التأسيسي وهي تناقش حقوق الإنسان في ذكراها السنوية في برنامج «كلّ الناسّ على قناة «نسمة»، إنّ إدراج عبارة حقوق الإنسان الكونيّة ضمن الدستور لا ضرورة لها، بعد أن تمّ التنصيص على ثوابت الإسلام وطالما أنّ الإسلام دين كوني يكفل حقوق الإنسان فلا حاجة إلى مزيد على ذلك. أن تعترض السيدة فريدة العبيدي على إدراج الميثاق العالمي لحقوق الإنسان بصيغته وصفته الكونيّة صلب الدستور، فهذا من حقها وهي حرّة فيه وقد يحتمل رأيها الصواب. أمّا أن تبرّر معارضتها بالقول إنّ الإسلام دين كوني متضمّن لحقوق الإنسان، فمعذرة منها إن قلت لجنابها إنّ قولك هذا خطأ لا يحتمل الصواب سيّدتي. لن أستند إلى رأيي الشخصي في هذا القول لأنّه يحتمل الخطأ، ولكني أستند إلى أمرين واضحين في تقديري : أوّلهما: إنّ الأديان لم تأت لتعطي حقوقا للناس فلا حق للإنسان على ربّه، بل هي أوامر ونواهٍ وفرائض وأحكام، وتعطي الإنسانيّة طرقا ومناهج معرفيّة تمكنّها إن أحسنت فهمها واستخدامها من تغيير ما بنفسها إلى ما هو أفضل وأرقى روحانيّا وعلميّا وحضاريّا، كما أنّ الله برحمته لا يعطي الناس إلا ما حان وقته وحضر أهله في يوم رسوليّ شريعته محدّدة المدّة بدأ وختما، وفي كلّ يوم هو في شأن يمحو ما يشاء ويثبت وفق حاجة الزمان وأهله، وتلك هي سنّة التدرّج وغاية اللطف ومحبّة الله لخلقه لعلمه بضعفهم وجهلهم وشقوتهم. والشيء الوحيد الثابت الذي أعطاه الله للإنسان هو «الحريّة» حتى يكون مسؤولا عن أفعاله، وتضمّنت الدّيانات منذ البدء أنّ الإنسان يولد على «الفطرة» أي أنّ الإنسان يولد مع حريّته ولذلك قال الصحابي عمر بن الخطاب رضي الله مقولته التي افتتح بها بيان حقوق الإنسان العالمي نصوصه «يولد الإنسان حرّا»، مثله في ذلك كمن يدخل قاعة الامتحان فيقدّم له المُمتحِنُ الموضوع مع ورقة بيضاء وله أن يكتب عليها ما شاء أو يردّها بيضاء كما هي، وما الدين في تقديري إلا شرائع يُدان على أساسها الإنسان فإمّا شاكرا وإمّا كفورا. عالجت الشرائع السّماويّة عادات وتقاليد وأعرافا كانت سائدة حين نزولها وهي راسخة في ثقافات المجتمعات وقتها، وليس من الحكمة والرحمة الربّانيّة أن يتمّ تغييرها دفعة واحدة، ولو حصل ذلك فإنّ الناس سيرفضون الرّسالة لعدم استعدادهم، فموضوع مساواة المرأة بالرجل والعبد بالسيّد أو بالحرّ كما جاء في القرآن الكريم أو الرّبا وأحكام الزنا والسرقة، ليس من السهل استبدالها بما يُطالب به المجتمع الإنساني اليوم وقد تعلم وتأهّل للانتقال إلى المرحلة الكونيّة الجديدة بفضل ما تعاقب عليه من رسالات وتراكمات التطوّر والمعرفة. فقد كان الجميع يسلم بالعادات والتقاليد والأعراف باعتبارها واقعا توارثوه وعاشوه ولا يجدون حرجا في ذلك، إذ لم يكن هناك إحساس بالكرامة الإنسانيّة كما هو اليوم ولا وجود لمبادئ المواطنة والديمقراطية والمساواة والانتخابات.... وهي حادثة لم تكن في واقع الماضي. ولعل ضيق الشرائع السماوية على الاستجابة لحاجات الإنسان اليوم هو ما دفع بالمجتمعات إلى استنباط النظام المدني بما فيه من دساتير ومؤسّسات يحكمها الجمهور بقوانين وضعيّة قابلة للتغيير وفق مصلحته، لأنّ الحكم بالمقدّس وبواسطة أفراد يحتكرون المعرفة والفهم لم يعد مقبولا اليوم، ليس تمرّدا أو رفضا للدين بل بسبب ضيق الشرائع على مقاسات الناس وامتناع الخلق عبر كلّ العصور عن قبول هداية سماويّة جديدة ضروريّة تحقق لهم ما حان وقته وحضر أهله. أمّا ثانيهما : فهو ما حصل في الأسبوع الأخير في بلدنا وكشف بالمحسوس كيف أن الدين لا يتضمّن حقوقا، وكيف يمكن للأغلبيّة الدينيّة أن تنقلب على الدستور والقوانين وتبطل مفعولها باستعمال المقدّس، فحق الإضراب كفله الدستور وضمنته الدولة، ولكن عندما قرّره الإتحاد العام التونسي للشغل جاءت المواجهة من رجال الدين بالإفتاء اجتهادا بتجريمه وتحريم المشاركة فيه. فإذا كان الأمر هكذا مع حق الدستور في الإضراب، فكيف يكون الأمر غدا مع ضمان الدستور لحريّة وحق العقيدة، وقد بات معلوما أنّ عديد التونسييّن والتونسيّات اعتنقوا المسيحيّة والبهائيّة ولهم دون شكّ مطالب قد يعلنونها ؟ وأنت عضو بالمجلس التأسيسي، كيف سيّدتي تريْن الحلّ ؟هل في تطبيق الدستور أم الشريعة ، أم في احترام الاثنين معا بالفصل بينهما فيكون ما لله لله وما لقيصر لقيصر حتى تتفرّغ المجتمعات والحكومات المدنية إلى خدمة الصالح العام وما ينفع الناس ويتوقف ضرر الصّراعات و خطرها؟